|
إعلام .. أم بروباغندا / كمال الجزولي... في ديقراطية الحزب الشيوعي السوداني اللبرالية
|
Quote: إِعْلامٌ .. أَمْ برُوبَاغَانْدَا -1- ... بقلم: كمال الجزولي الثلاثاء, 27 يوليو 2010 05:27
(1) رغم انتمائه المعروف لقسم من الحركة الإسلاميَّة السودانيَّة، لم يُعرف عن د. الطيِّب زين العابدين الكاتب وأستاذ العلوم السِّياسيَّة بجامعة الخرطوم، سواء اتفقت أو اختلفت معه، أنه يصدر، في ما يكتب عن دوافع شخصيَّة، أو غير موضوعيَّة، أو تشوبها شائبة ميل أو هوى، في ما يتصل برصده للأحداث التاريخيَّة أو شهادته عليها. ولعلَّ هذا هو ما أكسبه احترام الكثير من المثقفين والناشطين السياسيين والمدنيين في بلادنا. لذا فقد دهشت، أيَّما دهشة، عندما نسبت إليه بعض الصُّحف قولاً عجباً مفاده أن انقلاب الجَّبهة الإسلاميَّة في الثلاثين من يونيو عام 1989م وقع استباقاً لمحاولات انقلابيَّة أخرى، من بينها محاولة للشِّيوعيين أوشكت أن تبلغ ساعة الصِّفر، "فإذا لم تتغدَّ بهم الجَّبهة، ربَّما كانوا تعشُّوا بها" (التيَّار، 20/7/10). محاولة التبرير لانقلاب الجبهة، بمثل هذا الكلام الخائب الذي لا يشبه الطيِّب، لا تحتاج إلى فانوس ديوجينس لإضاءتها! لكن، ولأن (التيَّار) تعلم جيِّداً صعوبة إقناع أيٍّ مِمَّن عايشوا وقائع الفترة ما بين 1985 ـ 1989م بأن الشيوعيين كانوا يخططون لانقلاب، فإنها لا بُدَّ قد قصدت التوجُّه بحكايتها البائرة هذه إلى الأجيال الجديدة ومعظمهم لم يكونوا قد وُلدوا وقتها، فلربَّما استطاعت أن تصطنع للجبهة، بالفعل، حقَّ الحديث عن (اضطرارها) لاستباق خصومها التقليديين بانقلابها هي، في ما لو استطاعت أن تثبت، أو أن تزرع، على الأقل، بذرة الشَّكِّ في مهما يكن من شئ، وبما أن هذه هي المرَّة الأولى التي يتهم فيها أحدهم الشِّيوعيين بالتخطيط للانقلاب خلال تلك الفترة، دَعْ أن يكون هذا (الأحدهم) هو د. الطيِّب بالذات، فقد اتصلت به أستفسره حول الأمر، فوجدته كما توقعت، خالي الذهن، تماماً، عمَّا نشر على لسانه، لكنه أفادني بأنه أدلى إلى صحفيَّة من (التيَّار) بحديث فحواه أن أصحاب فكرة انقلاب الجبهة طرحوا على هيئة شوراها، وكان الطيِّب عضواً فيها، عدداً من المبرِّرات بغرض حملهم على قبول المشروع، ومن بين تلك المبرِّرات أن الشيوعيين كانوا، وقتها، يسابقون للاستيلاء على السُّلطة بالانقلاب ويُخشى أن يسبقوا (من محادثة هاتفيَّة معه صباح 25/7/10). وهكذا، شتان ما بين ادِّعاء (علم) الطيِّب (المباشر)، حسب زعم (التيَّار) وبين حقيقة (علمه السَّماعي)، حسب ما أوضح بنفسه، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار غيوم الشَّكِّ التي تحتوش مصدر ذلك (العلم السَّماعي) وهم أهل مشروع انقلاب الجَّبهة أنفسهم، الذين كانت غاية مرادهم تسويغ الفكرة وتسويقها لهيئة الشُّورى، فلا يهمُّهم إن جرى ذلك بالحق أم بالباطل! (الإعلام) غير (البروباغاندا). فعلى حين يُفترض أن يهدف الأوَّل إلى تمليك الناس (الحقائق) كي يؤسِّسوا عليها آراءهم ويصوغوا مواقفهم، تسعى الثانية إلى بثِّ (الدِّعاية) في أوساطهم، حتى لو كانت (زائفة)، كي يتمكن مَن يقف وراءها مِن السَّيطرة على هذه الآراء والمواقف، ومن ثمَّ توجيهها حسب مشيئته! وفي هذا الإطار لا نخال (التيَّار) قد اختارت بمحض المصادفة، أن تنشر (بروباغانداها) هذه بتاريخ 20 يوليو، وهو اليوم الثاني من الأيَّام الثلاثة للحركة التصحيحيَّة التي قادها البطل الشهيد هاشم العطا عام 1971م. كما وأن ثمَّة مغزى خاص، أيضاً، ولا بُد، لتلازم نشر هذه المادَّة مع نشر عمود الأستاذ عثمان ميرغني الذي خصَّصه لذكرى تلك الأيَّام الثلاثة، واصفاً إياها، أجمعها، بـ (الدَّمويَّة)، في حين يعلم حتى راعي الضأن في الخلاء أن الدَّم لم يُرق إلا في اليوم الثالث منها، وهو دم شهداء (بيت الضِّيافة) الذين لم تتكشَّف، بعدُ، طلاسم الملابسات التي اغتيلوا من خلالها، ولو كان النميري رغِبَ، لتكشَّفت، لولا أنه فضَّل أن يدَعْها على حال طلسميَّتها الغامضة بعد أن تأكد له، من مختلف التقارير، كتقرير لجنة القاضي علوب، مثلاً، أن من شأن (الحقائق) أن تفضح زيف (البروباغاندا) التي ولغ نظامه في ترويجها، تحقيقاً لغاية واحدة، فحسب، وبأيِّ ثمن .. إدانة الشِّيوعيين! (التيَّار)، إذن، ليست بريئة في (بثها) لـ (بروباغاندا) عكوف الشِّيوعيين على تدبير انقلاب على الديموقراطيَّة أواسط 1989م كمبرِّر ضِمني لانقلاب الجَّبهة في الثلاثين من يونيو من ذلك العام! وليست بريئة وهي تنسب هذه المعلومة (المفبركة) إلى مصدر محترم، هو د. الطيِّب زين العابدين، بعد (تحوير) إفادته من (سماعيَّة) إلى (مباشرة) عن طريق (دغمسة) الصِّياغة! وليست بريئة وهي تنشر (دعايتها) المكثفة هذه وسط أجواء من الإشارات المستندة إلى ذاكرة قبْليَّة زائفة، اشتغلت أجهزة (البروباغاندا) المايويَّة، ثم المايويَّة/الإسلامويَّة، على شحذها وشحنها، ردحاً طويلاً من الزَّمن، في قوالب ترميزيَّة جاهزة من سنخ واقعة (بيت الضيافة)، كي توحي، سلباً، وخصوصاً للأجيال الجديدة، بأن (دمويَّة) الشيوعيين أمر مفروغ منه! فالأستاذ عثمان يتحدَّث، مثلاً، عن فجيعة الشَّعب الذي يقول إنه رأى، بأمِّ عينيه، اغتيال الضباط العُزَّل في وضح النَّهار يوم الثاني والعشرين من يوليو 1971م، لكنه تغافل، بالمقابل، عن فجيعة الشَّعب الذي رأى، أيضاً، بأمِّ عينيه، يوم الثاني من يوليو 1976م اغتيال الضباط العُزَّل، كالشهيد الشَّلالي، والمدنيين الأبرياء، كوليم أندريه، وقصف الجنود، وهم نيام، في عنابرهم بالدَّانات. العنف الدَّموي متطابق في كلٍّ من يوليو 1971 ويوليو 1976م، وقد وقع من خلال ظروف وملابسات متشابهة، لكن الأستاذ عثمان يركز على إبراز أحد حدثي ذلك العنف، ويتعمَّد التغافل عن الآخر! وما ذلك إلا لسبب بسيط، هو أن ذراعي حزبه (الحركة الإسلاميَّة) كانتا مغموستين، حتى الإبطين، في الحدث الآخر! وتلك بعض أساليب (البروباغاندا) المخاتلة والتي لا يمكن مجابهتها بغير الإصرار والدأب على إبراز الحقائق المجرَّدة، على غرار ما ننوي فعله هنا بشأن الموقف الحقيقي للحزب من قضيَّة (الديموقراطيَّة)، لأجل إضاءة موقفه الحقيقي من قضيَّة (الشموليَّة) التي يمثل (الانقلاب) أحد تمظهراتها التقليديَّة. |
|
|
|
|
|
|
|
| |