|
الحمار السكران - قصة قصيرة
|
الاهداء: الى كل المدافعين عن حقوق الحمير وبالتحديد الى كاكا ، وعسل بقو والى سعيدة بت حركو و لغو برمه ضفال والى كل من أفنى عمره فى البحث عن الحمار السكران
ظلَ حمارُ خالتى (أم مخيان) ينعم دون غيره من الحمير بكد شجرة الصهب التى نمت غرب حلتنا بلا عنت . شجرة الصهب تقف بعناد غرب حلتنا مخضرة صيفا ورشاشا وعز المطر . أما حمار خالتى (أم مخيان) كان حمارٌ أغبشاً برقبة تخينة من نوع ما يسمى فى غرب السودان بالحمار (الدبلاوى) ... يخرج الحمار بانتظام ليكد شجرة الصهب حتى صار لموضع اسنانه الامامية شارة حمارية على جذع الشجرة لا يضهاهيه فيها حمار. فى احد الايام ....كالعادة لم تتوانى ( جانقودى) ابنة خالتى فى دلق مخلفات المريسة وتسمى (الكجانة) وراء قطيتنا ...بالطبع كان ذلك مكان مفيد للتخلص من فضلات الجعة المحلية ، حيث تظل الطيور تحظى بتلك الفضلات بانتظام. فى هذا اليوم بالتحديد - الذى ظلت فيه الكجانة خلف قطيتنا أشبه بمديده - تخلفت عمتى الاخرى وتسمى( الضهباية) من زيارة جدتى (ترفانه) التى بدأت تدخل سكرات الموت منذ سنة كاملة. بلغت جدتى نحو مئة وخمسين عام وهى تعيش داخل كوخها القصبى جنوب النهر ..كان موتها بطيئا جدا ومملا فمنذ سنة وهى غائبة عن الوعى تماما لكنها ظلت ترسم بيدها اليمنى علامات تدل على شكل قبرها ..فهى تعتقد أن يكون القبر طويلا تحت شجرة (خشخاش)، لأن روح الميت وفقا لديانة جدتى الافريقية تحل فى شجرة الخشاش ... أهم ما فى الامر هو ان حمار خالتى أم مخيان هو الوسيلة الوحيدة للتنقل من منزلنا شمال النهر الى منزل جدتى جنوب النهر .. كان فى الغالب ما يسير حمارنا بصورة راتبة فهو يحفظ الطريقة عن ظهر قل فى ذلك اليوم بالتحديد تناول حمارُنا كميةً كبيرة من الكجانة مخلوطة بكمية مقدرة من المُشك فما أن أمتطته خالتى ( الضهباية ) وتدلت قدماها النحيفتان على جانبيه وهى تنتعل صندلها البلدى( أم جنق) ..الذى تمت صناعته من جلد البقر... صار الحمار ينهق ، ويجرى ، ويرفس و( يقفِْط) و يرفس بأرجله الخلفية ، بالطبع لم يكن ذلك أمر معهود لدى هذا النوع من الحمير الذى اشتهر بغبائه ، وهدوئه ، وهو فى الغالب لا يكترث بما يدور حوله.. من المتوقع ان يسير حمارنا مباشرة نحو كوخ جدتى على الطرف الجنوبى من النهروهى الطريقة المعهوده اذ فى لغالب ما يعبِرْ الحمار النهر فتفر الطيور. صفق شجر ( ام قاتو) يطفو على النهر ... يلصق على بطن حمارنا عند بزوغه نحو جنوب النهر وهو ينفض اذنيه كسباح ماهر. لم يكن هذا النهر نهر بالمعنى المعروف ، فهو بركة كبيرة ، أو مستنقع مليئ ببعض الحشرات ، والناموس .ليس هناك أى مبرر لوجود هذا المستنقع هنا منذ آلاف السنين ، لكن ثمة اسطورة وحكاية قديمة تداولها الناس هنا تقول : كان النهر فى الماضى أو المستنقع يفصل بين عالم الشر وعالم الخير.
|
|
|
|
|
|