يشهد السودان حالة من عدم الاستقرار منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وفي الفترة الأخيرة شهدت البلاد حالة من الاستقطاب بلغت ذروتها مع استمرار التظاهرات اليومية في الشوارع السودانية، وسط مخاوف من إعادة إنتاج “نظام البشير”، ويأتي كل ذلك بالتزامن مع اشتباكات قبلية مستمرة على الحدود.
خلل في الفترة الانتقالية مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد محمد إبراهيم، يرى أن “حالة عدم الاستقرار السياسي جاءت بسبب خلل صاحب الفترة الانتقالية”.
ويوضح في تصريحات لموقع “الحرة”، أن السودان لم يشهد طوال تاريخه “شراكة مدنية عسكرية”، مشيرا إلى أن “الائتلاف الحاكم في الفترة الأخيرة لم يكن عسكريا أو مدنيا”، ما تسبب في ظهور “نظام حكم هجين” تسبب في “نزاع حول السلطة”.
واعتبر إبراهيم أن قوى الحرية والتغيير لم تحسن إدارة مكوناتها خلال الفترة الانتقالية لذلك انقسمت إلى 3 تيارات خرج منها قوى الحوار الوطني التي تقف حاليا مع “العسكر”.
ولم تحدد القوى التي أدرت الفترة الانتقالية موضوعاتها ولم ترتب مهامها واهتمت بـ”قضايا خلافية”، على حساب أولويات تتعلق بتسليم السلطة وتنظيم الانتخابات، وهو ما أوجد “حالة استقطاب” تسببت في عدم الاستقرار والصراع على السلطة، وفقا لرأي إبراهيم.
إعادة إنتاج “نظام البشير” لكن الصحفي السوداني، محمد مصطفى إلياس، يعزي حالة عدم الاستقرار إلى “محاولات النظام السابق الإطاحة بثورة ديسمبر 2019″، وإجهاض “الفترة الانتقالية” بهدف إعادة إنتاج “نظام البشير” حتى يعود أركانه مرة أخرى إلى “سدة الحكم في البلاد”.
ويدلل إلياس في حديثه لموقع “الحرة” بما اسماه “انقلاب 25 أكتوبر الذي قام به رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، برعاية من النظام السابق وجماعة الإخوان المسلمين والذين حكموا البلاد خلال ٣٠ عاما مضت”، على حد قوله.
وأشار الصحفي السوداني إلى تسبب “الانقلاب العسكري في حالة استقطاب حادة بالشارع السوداني”، حيث تسعى “قوى الثورة” لاسقاط الانقلاب”، على حد قوله.
ويؤكد إلياس، أن الشارع السوداني يدرك تماما “مشاركة أركان النظام السابق في الانقلاب العسكري” واستعانة المكون العسكري بأركان ذلك النظام في إدارة شؤون البلاد، مشيرا إلى “تخوفات شعبية حقيقية من إعادة إنتاج نظام البشير مرة أخرى”.
ولذلك تنظم قوى الثورة تظاهرات يومية وأسبوعية، تهدف إلى “وأد محاولات النظام العسكري وحلفائه في السيطرة على مقاليد الحكم والعودة لما قبل الثورة”، وفقا لحديث إلياس.
مخاوف سودانية من إعادة إنتاج “نظام البشير” ويتفق الرشيد إبراهيم، مع الرأي السابق، مشيرا إلى “مخاوف وهواجس “مبررة “، لكنه يرى أن “انقسام الأحزاب والقوى السياسية” السبب الرئيسي في ذلك.
وأوضح إن “حالة الانقسام والشتات بين الأحزاب والقوى السياسية” قد تسبب في وجود فراغ استغله بعض أركان “نظام المؤتمر الوطني”، في إدارة “التناقضات والتباينات” لمصلحتهم.
وأشار إلى أن الأحزاب أعطت النظام السابق الفرصة لـ”تقدم الصفوف وإعطاء الحلول”.
من جانبه يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، فادي عيد، أن “فقدان الثقة بين المكون العسكري والمدني” هو السبب في حالة عدم الاستقرار التي يشهدها السودان، مشيرا إلى أن “كل طرف لا يثق في الآخر”.
تلك الحالة من الانقسام والاستقطاب، رافقها اتساع رقعة ” أعمال العنف القلبية”، حيث ارتفعت حصيلة أعمال العنف الأخيرة في دارفور في غرب السودان الى أكثر من 125 قتيلا وخمسين ألف نازح، وفق بيان صادر عن الأمم المتحدة الثلاثاء.
وبدأت المعارك في السادس من يونيو بين قبيلتي القمر الأفريقية وقبيلة الرزيقات العربية في منطقة كلبس الواقعة على بعد 160 كيلومترا شمال شرق الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وتسببت المعارك بـ”فرار حوالى خمسين ألف شخص من قراهم”، وفقا لـ”فرانس برس”.
لكن تلك لم تكن المرة الأولى، فقد وقعت اشتباكات قبلية في ولاية غرب دارفور قتل فيها اكثر من 200 شخص في أبريل الماضي، بعد مواجهات بين القبائل.
وتشهد المنطقة نوعا من الفراغ الأمني، بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق سلام بين الفصائل المسلحة والحكومة المركزية، عام 2020.
وقتل في نزاع دارفور قرابة 300 ألف شخص ونزح 2,5 مليون من قراهم، وفقا للأمم المتحدة.
يتهم إلياس، “الجيش السوداني والحركات المسلحة التابعة له وقوات الدعم السريع” بالوقوف وراء ذلك التصعيد المستمر.
واعتبر أن ذلك التحالف هو “المستفيد من حالة عدم الاستقرار التي يشهدها السودان”، مضيفا “الشارع السوداني يعرف جيدا أنهم الضالعين في ذلك التصعيد القلبي”.
لكن الرشيد إبراهيم ينفي ذلك، قائلا:” ليس هناك تدخل مؤسسي بصورة ممنهجة وليس من مصلحة المكون العسكري وجود صراع أو خلاف”، لكنه في الوقت ذاته يشير لاستعانة القبائل بـ”منتسبيها في القوات النظامية” خلال الصراع.
وأعتبر أن “العصبية القبلية طاغية على الولاء النظامي” و” التداخل بين القبائل السودانية والقبائل في تشاد”، و” انتشار السلاح المنفلت” من الأسباب الرئيسية لتصاعد حدة تلك الاشتباكات.
وأشار إلى أن “الاشتباكات القلبية تتكرر بنفس الوتيرة، بسبب غياب تنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية والذي نص على عمليات الدمج والتسليح وتكوين قوى مشتركة مناصفة بين الجيش والحركات”.
وقال إن بعض القبائل لديها “تسليح أفضل من القوات النظامية”، مشيرا إلى تأثر الولايات الحدودية بحالة عدم الاستقرار في العاصمة الخرطوم.
وأوضح أن الحكومة المركزية لا تستطيع توفير الموارد والخدمات للمناطق الحدودية، ما تسبب في “ضياع هيبة الدولة”، محذرا من “غياب التقاضي الحكومي في تلك المناطق” ما يؤدي إلى “استنصار لأفراد بقبائلهم لتحقيق العدالة”.
من جانبه يشير فادي عيد إلى مسؤولية المكون المدني والعسكري “المشتركة” عن التصعيد القبلي على الحدود، بسبب “عدم النضج في التعامل مع القضية”.
وعن ذلك يقول، إن “التيار المدني لم يقدم أي حلول حقيقة والمكون العسكري يستخدم القوة فقط في مواجهة ذلك التصعيد”، مضيفا أن “المكون المدني والعسكري يتفقان في عدم وضع رؤية حقيقة لمعالجة القضايا التي تمس الأمن القومي للبلاد”.
تقسيم جديد؟ تلك الوقائع تطرح سؤالا جديدا، هل تشهد السودان حالة “تقسيم جديدة”؟
يرى الرشيد إبراهيم، أن “سيناريو التقسيم قد يكون حاضرا”، لكنه مستبعد حاليا لعدة أسباب.
وعن تلك الأسباب يقول: “الأحوال التي تؤدي للانقسام في طريقها للزوال، وهناك وعي من القبائل بأهمية الاستقرار وخلق حالة من السلام”، معتبرا أن “المؤشرات الحالية تشير لانحصار تلك النزاعات القبلية”.
واتفق معه محمد إلياس، الذي يرى أنه “رغم حالة عدم الاستقرار فسيناريو التقسيم مستبعد”، متوقعا حالة استقرار مستقبلية عاملة في البلاد خلال الفترة القادمة.
وشدد الرشيد على ضرورة “تسليم البلاد إلى سلطة مدنية تدير الجهاز التنفيذي”، بينما يتولى “الجيش القضايا الخاصة بإدارة العمليات الأمنية والدفاع عن أمن الحدود”، مؤكدا أن “ذلك لن يتحقق سوى بالحوار والتوافق بين جميع القوى السياسية السودانية”.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة