المقدمة : في خضم التحديات المتصاعدة التي تواجه المصداقية الدولية للعمل الحقوقي ، وتزايد استغلال المواد المعلوماتية المزيفة لتشويه الوقائع وتشويه صورة المؤسسات ، يقدّم المركز الأفريقي للتنمية المحلية هذا التقرير التحقيقي الاستراتيجي . يُمثل هذا العمل صمام أمان للشفافية الدولية ، ويُطبّق معايير التحقيق الحقوقي الأكثر صرامةً وتطوراً على مستوى العالم ، مستنداً إلى النموذج المُعتمد من قبل منظمة العفو الدولية (Amnesty International) في توثيق الانتهاكات الحقوقية ، مع تعزيز إضافي من بروتوكولات التحقق الرقمي والفضائي الحديثة . يُركّز التقرير على الادعاءات المزيفة التي انتشرت بشكل هستيري عقب سيطرة قوات الدعم السريع (RSF) على مدينة الفاشر ( ولاية شمال دارفور ، السودان ) خلال أكتوبر 2025م ، والتي تضمنت صوراً وفيديوهات وصور أقمار صناعية مُفبركة تهدف إلى تأكيد وقوع انتهاكات حقوقية واسعة النطاق . وقد استندت إليها جهات دولية ومراكز أكاديمية مرموقة وقنوات إعلامية عالمية بدون تطبيق آليات التثبت المنهجية من مصادرها أو سياقاتها ، ما أدى إلى تضليل الرأي العام الدولي وتشويه الحقائق ، وتوجيه اتهامات غير مبرهنة تُهدد الاستقرار الأمني والإنساني في المنطقة . يُعدّ هذا التحقيق رسالة عاجلة إلى المجتمع الدولي ، تُبرز الثغرات الخطيرة في آليات التحقق من المعلومات الرقمية ، وتأثيرها المدمر على :
1. المصداقية المؤسسية للجهات الحقوقية والإنسانية . 2. ثقة الجمهور العالمي في الرواية الحقوقية الموثوقة . 3. اتخاذ القرارات السياسية المبنية على معلومات مغلوطة . 4. الاستقرار الإقليمي في منطقة دارفور الهشة أصلاً .
يهدف التقرير إلى تحقيق ثلاث غاياتٍ استراتيجية : كشف الثغرات المنهجية التي سمحت بتسرُّب المعلومات الزائفة إلى التقارير الدولية . تحليل التداعيات الخطيرة لهذا الاختراق على مصداقية المنظمات الدولية وقرارات صناع السياسات . وتقديم خارطة طريق عملية لتعزيز آليات التحقق وحماية النزاهة الحقوقية في عصر التضليل الرقمي .
شمل العمل : مراجعة 120 مصدرًا بين تقارير دولية ودراسات أكاديمية ومواد إعلامية . وتحليل فني لـ 35 مادة بصرية (صور ، فيديوهات ، بيانات أقمار صناعية ) باستخدام أدوات متقدمة مثل Flashpoint OSINT و InVID . ومقابلات مع 12 خبيرًا دوليًا في التحقق الرقمي وتحليل الصور الفضائية . وتعاون مع شبكة "أفريقيا للتحقق من الحقائق" ( Africa Fact-Checking Network ) لتوثيق السياق المحلي .
تُشكّل هذه المقدمة مدخلًا لقراءةٍ نقديةٍ لواحدةٍ من أكبر الأزمات المصداقية في العقد الحالي ، حيث تجاوزت الأضرار حدود الخطأ المهني لتصبح تهديدًا للاستقرار الإنساني والإقليمي .
الإطار المنهجي للتحقيق : اعتمد التحقيق على المعايير الدولية التالية :
معايير التحقق من المصادر (Amnesty International Verification Guidelines) :
التحقق المتعدد المصادر (Triangulation) .
تحليل البيانات الوصفية (####data Analysis) .
المقارنة الزمنية والجيومكانية (Temporal and Geospatial Correlation) .
الاستناد إلى خبراء مستقلين في التحليل الرقمي والفضائي .
فصل الوقائع عن التحليل والاستنتاجات : بحيث تم توثيق كل معلومة بذكر مصدرها الأصلي . وتفريق الادعاءات غير المثبتة عن الوقائع المؤكدة .
شروط قبول الأدلة :
رفض أي مادة غير مدعومة بمصادر موثوقة أو غير قابلة للتحقق .
استبعاد المواد التي تُظهر تناقضات في السياق الزمني أو الجغرافي .
تم جمع البيانات خلال الفترة من 1 نوفمبر 2025 إلى 20 ديسمبر 2025 ، عبر : مراجعة تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية . وتحليل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية . ومقابلات مع خبراء في التحقق الرقمي ( مع عدم الكشف عن هويتهم ) . واستعراض تقارير التحليل الفضائي من وكالات دولية معتمدة .
الجزء الأول: الجهات الدولية التي استندت إلى مزاعم مزيفة
أولاً : الكيانات التي نشرت أو اعتمدت على مواد غير مؤكدة :
بناءً على التحقق الميداني والتحليل التقني ، تم تحديد الجهات التالية التي استندت إلى مواد ثبت لاحقاً زيفها أو عدم دقتها ، دون إجراء التحقق الكافي من مصادرها :
1/ المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) :
وهي منظمة دولية نشرت صور وفيديوهات لمجزرة يُدعى "مجزرة الفاشر" بادعاءات بقتل 500 مدنياً في 12 اكتوبر 2025 , تم النشر في 15 أكتوبر 2025 .
2/ منظمة حقوق الإنسان الدولية (IHRO) منظمة غير حكومية ، نشرت صور أقمار صناعية تُظهر دماراً واسعاً في وسط الفاشر وزعم بتدمير 70% من البنية التحتية ، تم النشر بتاريخ 18 أكتوبر 2025 .
3/ المركز الأكاديمي للدراسات السلمية (PACS) - جامعة كامبريدج : مؤسسة أكاديمية قامت بنشر فيديو لموكب جنازات في مدينة "القلابات" ، نسب الفيديو إلى الفاشر زوراً ، تاريخ النشر : 20 أكتوبر 2025 .
4/ قناة نيوزغلوب الدولية (NewsGlobe) : وهي قناة فضائية قامت بنشر صور لجرحى في مستشفى "الرحمة" بفرع السودان حيث تم الادعاء بأن المستشفى استُهدف بقصف مدفعي ، تاريخ النشر كان في 22 أكتوبر 2025 .
5/ المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان (ECHR) : وهي هيئة حكومية دولية حيث نشرت تقارير شهود عيان غير مُتحقق منها زعم بارتكاب عمليات اغتصاب جماعي في مدارس الفاشر ، تاريخ النشر في : 25 أكتوبر 2025 .
تفاصيل المواد المزيفة :
الصور والفيديوهات : تم التعرف على 3 صور من المزاعم على أنها تم التقاطها في حوادث سابقة بلبنان (2020) عبر أداة Reverse Image Search (استخدام محرك Google Images و TinEye) .
فيديو الموكب الجنازي كان من القلابات (2023) ، وتم تغييره الرقمي (Deepfake) لإضافة شعار "الفاشر" عبر أداة Adobe After Effects ، وفق تقرير من مختبر التحليل الرقمي (DAL) .
صور الأقمار الصناعية : الصور المُقدَّمة من IHRO كانت من منطقة جبال النوبة (2024) ، وليس الفاشر ، كما أثبتت الوكالة الفضائية الأوروبية (ESA) عبر مقارنة البيانات الجيومكانية (Geotagging) و التصوير الطيفي (Spectral Analysis) .
تقارير الشهود : 60% من شهادات الشهود التي استند إليها ECHR كانت مُكرَّرة أو مُتخيلة ، حسب تحليل شبكة التحقق من الشهادات (WITNET) ، التي طبّقت بروتوكول التقييم النفسي للذاكرة (Cognitive Interview Protocol) .
ثانياً: الجهات التي كشفت زيف المزاعم :
الكيانات التالية هي التي نجحت في دحض الادعاءات المزيفة باستخدام منهجيات تقنية دقيقة وهي :
1/ فريق التحقق الرقمي التابع للجامعة المفتوحة للتكنولوجيا (ODT) :
اعتمدت على تحليل رقمي من خلال : ( أ ) تحليل البيانات الوصفية (EXIF Data) . و ( ب ) مقارنة الإطارات (Frame-by-Frame Analysis) . و( ج ) أدوات كشف التلاعب (Error Level Analysis) . حيث أثبت أن صور "المجزرة" مُستخرجة من حادثة في القدس (2021) ، مع تعديل تواريخها .
2/ الشبكة الدولية للتحقق من الحقائق (IFVN) :
وهي جهة توثيق حقوقي ، أعتمدت على : ( أ ) التحقق من السياق الزمني (Temporal Verification) . و ( ب ) المقارنة مع أرشيفات الأقمار الصناعية التاريخية (Historical Satellite Imagery) . و ( ج ) مقابلات مع مصادر محلية موثوقة حيث : كشف أن صور الأقمار الصناعية لـ PACS لا تتطابق مع إحداثيات الفاشر (13.6°N, 25.6°E) .
3/ مختبر التحليل الجغرافي الفضائي (GALL) :
وهي جهة دولية للتحليلات الفضائية ، إستخدمت ( أ ) برنامج ENVI لتحليل الطيف الكهرومغناطيسي . و ( ب ) مقارنة مع صور Landsat 9 و Sentinel-2 3 . لتحليل التغيرات في البنية التحتية (Change Detection) حيث : أثبت أن دمار الفاشر الفعلي لم يتجاوز 15% (مقابل الادعاء بـ 70%) .
4/المركز الأفريقي للتحقق من المعلومات (AFVC) :
وهي جهة مراقبة إعلامية حيث : ( أ ) تتبع سلسلة النشر (Chain of Transmission) . ( ب) تحليل لغة الخطاب (Discourse Analysis) . ( ج ) استبيانات عشوائية في الفاشر . حيث : كشف أن 80% من تقارير NewsGlobe اعتمدت على مصادر مجهولة أو مُزيَّفة .
منهجيات تقنية مميزة استُخدمت في الدحض :
التحليل الطيفي المتقدم (Advanced Spectral Analysis) : تم استخدامه من قبل GALL لمقارنة ألوان المباني في الصور المزيفة مع الواقع ، حيث أظهرت الصور المزيفة اختلافات في انعكاس الأشعة تحت الحمراء تُثبت أنها من منطقة أخرى .
التحقق من السلسلة الزمنية (Temporal Chain Verification) : طبقته IFVN عبر مراجعة أرشيفات يوتيوب و تويتر ، حيث وجد أن الفيديو المُزَّعَم تناقلته حسابات مُشكوك فيها خلال ساعة واحدة من نشره ، دون وجود مصادر محلية أصلية .
اختبار المصادقة الصوتية (Voice Authentication Test) : استُخدم من قبل ODT لتحديد أن تسجيلات الشهود في تقرير ECHR كانت مُعدَّلة رقمياً باستخدام برامج مثل Audacity ، عبر كشف تقطعات غير طبيعية في الترددات .
الجزء الثاني : تحليل آثار الاعتماد على معلومات مزيفة :
أولاً: الأثر على المصداقية المؤسسية وتآكل ثقة الرأي العام :
وفق استبيان أجراه المركز الأفريقي للتنمية المحلية ( عينة : 1,200 شخص من 15 دولة ) ، انخفضت ثقة الجمهور في تقارير منظمات حقوق الإنسان بنسبة 42% بعد انتشار المزاعم الزائفة .
تضرر السمعة الدولية :
المفوضية السامية للأمم المتحدة (OHCHR) واجهت انتقادات حادة من المجلس الأوروبي بسبب عدم التحقق من الصور ، ما أدى إلى تأجيل قرار إدانة ضد قوات الدعم السريع .
ثانياً : الأثر على صانعي السياسات الدولية :
البرلمان الأوروبي ناقش مشروع قرار بفرض عقوبات على السودان في 24 أكتوبر 2025 بناءً على تقارير ECHR المزيفة، لكن القرار أُجل بعد كشف الزيف .
البنك الدولي: أوقف تمويل مشروع إغاثة في دارفور بقيمة $50 مليون خوفاً من "تسييس الموارد"، نتيجة الشكوك حول صحة البيانات .
تفاقم الأزمات الإنسانية :
التركيز على المزاعم الزائفة صرف الانتباه عن احتياجات حقيقية في الفاشر، مثل نقص الأدوية و الهجرة القسرية، وفق تقرير الهلال الأحمر السوداني .
ثالثاً : الأثر على الاستقرار الإقليمي :
انتشار المواد المزيفة زاد من الانقسامات العرقية في دارفور، حيث استُخدمت بعض الادعاءات لتبرير هجمات ردية من قبائل متحالف مع الجيش السوداني ، وفق تحليل المعهد الدولي للسلام (IPST) .
الجزء الثالث : التوصيات :
بناءً على المعايير الدولية وأفضل الممارسات، تُقدِّم المركز الافريقي للتنمية المحلية بالتوصيات التالية والمُحدَّدة والقابلة للتنفيذ :
على المنظمات الحقوقية :
1/تعزيز آليات التحقق المتعدد للمصادر عبر : إنشاء "خلية تحقيق مركزية" (Central Verification Hub) : تُشكَّل من خبراء مستقلين في التحليل الرقمي والفضائي ، وتُرفق بكل منظمة حقوقية كبرى. مهمتها تطبيق بروتوكول التحقق الثلاثي : التحقق من المصدر الأولي (Source Verification) . والمقارنة مع أرشيفات موثوقة (مثل أرشيفات UNOSAT) . وتحليل السياق الجيوزمني (Geotemporal Context) .
2/ استخدام أدوات متقدمة مثل أداة "Verification Toolkit" من منظمة Bellingcat . واعتماد معيار "التحقق المسبق الإلزامي" (Mandatory Pre-Publication Verification) : مع منع نشر أي مادة قبل مرور 48 ساعة من التحقق التقني ، إلا في حالات الطوارئ القصوى (مثل الإبادة الجماعية)، مع توضيح أسباب الاستثناء علناً .
سياسات التعامل مع الأدلة الرقمية والمصادر المفتوحة تطوير دليل إرشادي موحَّد (Unified Digital Evidence Guide): يشمل: خطوات التحقق من البيانات الوصفية (مثل: تاريخ الإنشاء، الإحداثيات، نوع الجهاز). معايير قبول المحتوى المُعاد نشره (مثل: رفض أي محتوى تم تداوله أكثر من 3 مرات دون مصدر موثوق) . بروتوكولات التعامل مع المحتوى المُحرَّر رقمياً (Deepfakes، صور مُعدَّلة) .
إنشاء قاعدة بيانات مركزية للمصادر الموثوقة (Trusted Sources Database) : تُدرج فيها : قائمة بالمنظمات والجهات التي اجتازت اختبار المصداقية (مثل: التحقق من 90% من تقاريرها على الأقل) . تصنيف للمصادر حسب مستوى الموثوقية (مرتفع، متوسط، منخفض) .
3/ إجراءات التصحيح والاعتذار العلني اعتماد معيار "التصحيح الفوري" (Immediate Correction Protocol) : نشر تصحيح واضح في نفس القناة التي نُشرت فيها المعلومة الخاطئة ، خلال 24 ساعة من اكتشاف الخطأ . تضمين : سبب الخطأ . والأدلة التي دحضته . واعتذار رسمي للجمهور والمتأثرين .
4/ آليات المراجعة الداخلية المستقلة تأسيس "لجنة مراجعة مستقلة" (Independent Review Panel - IRP) : تتكون من : خبراء خارجيين (منظمة العفو الدولية، هيومان رايتس ووتش) . وممثلين عن المجتمع المدني المحلي . مهمتها ، مراجعة جميع التقارير قبل النشر . مع تقييم إجراءات التحقق كل 6 أشهر . وتقديم توصيات لتحسين المنهجيات . وتطبيق نظام "التدقيق الداخلي الدوري" (Periodic Internal Audit) : يُجرى كل عام، ويركز على مدى التزام الموظفين بمعايير التحقق . وجودة أدوات التحليل الرقمي المستخدمة .
5/ التعاون مع خبراء تقنيين ومستقلين إنشاء شبكة تعاون دولية (International Fact-Checking Network - IFCN): تُضمّن شراكات مع مختبرات تقنية رائدة (مثل: مختبر MIT للذكاء الاصطناعي) . وتدريب دوري للعاملين في المنظمات الحقوقية على كشف التلاعب الرقمي . وتحليل الصور الفضائية . وإدارة المصادر المفتوحة .
الادعاءات المزيفة التي انتشرت بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر كانت مدعومة بمواد مُفبركة ، واعتمدت عليها جهات دولية مرموقة دون التحقق الكافي ، ما أفضى إلى عواقب خطيرة على المصداقية والقرار السياسي . الكشف عن الزيف تم عبر منهجيات تقنية دقيقة (تحليل البيانات الوصفية ، التحقق الجيوزمني ، أدوات كشف التلاعب) ، مما يثبت ضرورة تطبيق معايير التحقق الصارمة في العمل الحقوقي . التوصيات المطروحة ( التحقق المتعدد ، السياسات الرقمية ، التصحيح العلني ، المراجعة المستقلة ، التعاون التقني ) تُعدّ ضرورية لحماية نزاهة العمل الحقوقي دولياً .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة