|
|
 ما هي جذور مشكلة طلاب العلوم الطبية الأساسية بجامعة ام درمان الاسلامية؟
|
ما هي جذور مشكلة طلاب العلوم الطبية الأساسية بجامعة ام درمان الاسلامية؟
بقلم بروفيسور عوض محمد احمد
تابع القراء في الآونة الأخيرة أخبار الاعتصام و الإضراب عن الطعام و الكلام الذي قام به (و لا يزال قائما) طلاب كلية العلوم الطبية للأساسية في إحدى الجامعات العاصمية. و ملاحظتي ان المردود الاعلامى لهذا الاعتصام ضئيل و لعل السبب هو عدم إلمام غير المختصين بأساسيات الموضوع. في هذا المقال أحاول ان أتتبع جذور هذا الموضوع حتى يلم القارئ غير المختص بخلفية كافية عن الموضوع.
مع التوسع الكبير فى إنشاء الجامعات الجديدة، و في أعداد الطلاب المقبولين الذي رافق (ثورة) التعليم العالي في مطلع التسعينات نشأت حاجة عاجلة و ملحة لتوظيف أعداد كبيرة من الأساتذة، خصوصا مع إحالة مجموعات منهم للصالح العام و هجرة آخرين لأسباب مختلفة. كان من الطبيعي ان يظهر نقص كبير في هئيات التدريس، و كان أكثر بروزا في الكليات الطبية (والتى أقيم بعضها في مدن تفتقر حتى للمستشفى التخصصي).
المعلوم ان طالب الطب يدرس نوعين من العلوم هما العلوم الأساسية (التشريح و الكيمياء الحيوية و وظائف الأعضاء)، و العلوم السريرية التي تتعامل مباشرة مع المرضى (الباطنية و الجراحة و طب الأطفال و طب النساء و التوليد و فروعها). النقص في أساتذة العلوم السريرية تم التغلب عليه إلى حد ما بتعيين أعداد كبيرة من الأخصائيين التابعين لوزارة الصحة أو التعاقد معهم كمتعاونين. و مما سهل الأمر ان تدريس تلك المواد يكون غالبا داخل المستشفيات. بقيت المشكلة الكبرى في تعويض النقص في أساتذة العلوم الأساسية، و المعلوم انه كان هناك و حتى قبل التوسع التسعينى نقص كبير في هذه الفئة من الأساتذة لأسباب عديدة. من تلك الاسباب إحجام الأطباء عن اختيارها كتخصص لهم لطول و تعقيد و تكلفة الدراسات العليا الخاصة بها و لعدم وجود مثل هذه الدراسات بصورة كبيرة داخل البلاد و لعدم وجود إمكانية للعمل الخاص. و من الأسباب أيضا ان أعدادا ممن يبعثون للخارج لدراستها (على نفقة كليات الطب لا يعودون، مفضلين الهجرة للخليج، كما ان بعضهم قد يغير مجال دراسته للعلوم السريرية (ذات القيمة العالية في السوق).
و الحال هذه كان لابد من اجتراح حلول ما لسد النقص في أساتذة العلوم الأساسية و الذي أدى لبعض المشاكل وقتها مثل تأخر الدراسة لفترات طويلة. تم استقدام بعض الأساتذة العرب. كما تم فتح المجال لخريجي الكليات التطبيقية ممن تشمل دراستهم اى من العلوم البيولوجية للعمل كمساعدي تدريس و من ثم ابتعاثهم لجامعة الخرطوم لنيل درجة الماجستير في فروع العلوم الطبية الأساسية. في ذات الوقت قدرت بعض الجهات ان الحل النهائي لمشكلة النقص المزمن في أساتذة العلوم الأساسية يكمن في قيام كليات تدرس هذه العلوم على مستوى البكالوربوس لأول مرة في البلاد، و بالتالى يعمل الخريجون كمساعدي تدريس في كليات الطب و بقية الكليات الطبية و الصحية. و قد نشأت فعلا عدة كليات و أقسام و انتظم مئات الطلاب في الدراسة و تخرج بعضهم و لا يزال آخرون في مقاعد الدراسة.
لكن جرت الرياح بما لا يشتهى سفن من خططوا لقيام تلك البرامج الدراسية. فقد غزا خريجو الكليات التطبيقية مجال تدريس العلوم الأساسية في كليات الطبية و الصحية (خصوصا مع انعدام فرص العمل في تخصصاتهم الأصلية) و بالتالي حدث اكتفاء و ربما تشبع في وظائف مساعدي التدريس المخططان يعمل بها خريجي كليات العلوم الأساسية. و تفاقم الوضع أكثر عندما صارت كليات الطب لا تقبل في وظائف مساعدي التدريس المعنية إلا خريجيها (اى حاملي درجة بكالوريوس الطب). كما ان هناك اتجاه متزايد وسط كليات الطب (أخرها طب الإسلامية) للأخذ بنظام دراسي حديد قوامه التكامل بين العلوم الطبية الأساسية و السريرية. و هذا المنهج الجديد يقل فيه حجم تدريس العلوم الأساسية، كما ان الاستاذ ذا الخلفية الطبية (الطبيب) هو الأقدر على تنفيذ هذا النوع من المناهج.
أذن صرنا إلى وضع تقل فيه إلى حد كبير (ان لم تنعدم) فرص العمل أمام خريجي كليات العلوم الأساسية، و صار مصير الطلاب و الخريجين في مهب الريح. فالكليات الطبية لا تستطيع ان تستوعبهم كلهم كمساعدي تدريس. فإضافة لقلة الوظائف الشاغرة و عودة بعض الأساتذة المهاجرين (ذوى الخبرات الواسعة)، فان الشرط التقليدي للتعيين في الجامعات (التخرج بتقدير امتياز أو جيد جدا) لا يتوفر بالطبع إلا عند قلة صغيرة.و بالتالي صرنا إلى عنق الزجاجة و صار على الخريجين المفترض ان قبولهم و تدريبهم كان أساسا ليتخرجوا (أساتذة) في الكليات الطبية التفكير في خيارات أخرى مثل دراسة دبلوم التربية للعمل بتدريس مواد العلوم في مراحل التعليم العام! و حتى هنا فان الطريق غير ممهد تماما إذ سوف يواجهون منافسة مع الآلاف من خريجي كليات التربية.
ما هو الحل؟ الذي لا شك فيه ان إنشاء تلك الكليات من الأخطاء الجسيمة في تاريخ التعليم العالي في بلادنا (بدليل انه تم تجفيف بعضها)، و لا يبدو انه سبقت قيامها دراسات جادة. إنما سبق قيامها فقط نوايا حسنة و حماس لحل مشكلة أنية و ملحة فعلا انذاك. و في غياب الدراسات الجادة تكرر الخطأ أيضا في حالات مشابهة مثل إنشاء بكالوريوس التخدير و بكالوريوس علم النفس الطبي و ترفيع كليات الكوادر المساعدة مثل الأشعة). الذي لابد من تنفيذه عاجلا هو تجفيف ما تبقى من تلك الكليات. القلة من الطلاب النهائبن المتميزين ربما وجدوا فرصا للعمل في إحدى الكليات الصحية (ممن لا تشترط الحصول على البكالوريوس مثل التمريض العالي و الصحة). كما يمكن النظر في قبول طلاب السنوات الأدنى للدراسة كطلاب ناضجين أو على النفقة الخاصة في مختلف الكليات الطبية و الصحية (و ليس الطب البشرى وحده). معيار القبول أو التسكين في الكليات المختلفة يمكن ان يكون نتائج الطلاب في السنوات التي درسوها في العلوم الأساسية، أو يناء على نتائج امتحان تنافسي موحد للجميع. و نرى ان يؤخذ خيار أكاديمية وزارة الصحة في الحسبان لما تمتاز به إجراءات القبول لها من مرونة و تنوع تخصصاتها و اتساع فرص العمل لخريجيها. بيد انه لابد مناص من التذكير انه ليس من مهام الجامعات ايجاد الوظائف للخريجين، كما ان سوق العطالة وسط جميع الخريجين في الوقت الراهن نافق و مزدهر (بما فيهم خريجي الكليات الطبية).
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
شهاب الفاتح عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست