كنت ولازلت فى حالة إعجاب دائم بالفن الشعبى والتراث الشعبى لقبائل الفولاني. والهوسا.... وقد لازمتني منذ الصغر رغبة فى فك طلاسم تلكم اللغة المحببة التى كان يتغنى بها المغنين بحي الهوسا بمدينتنا الجميلة متعددة الأعراق ...كسلا....وزادنى تشوقا الى معرفة المزيد عن معاني الأهازيج الفولانية الأغاني التي كانت ترددها صديقة ورفيقة درب امى واسمها الحاجة "ققو" كذلك المدائح النبوية والصوفية التى كان يتغنى بها جارنا المرحوم العم "لوان". كذلك احتلت السيدة "ققو" مكان والدتى ولقد كانت يرحمها الله مثالا للتقلى والورع والتمسك بفضائل الأخلاق وكم حدثتني عن مآثر أهلها الفولانى فى أوقات الحروب والسلم فكبرت وفى خاطري تلكم الصورة المشرقة عن قبيلة الفولاني ممثلة فى شخص تلكم السيدة الكريمة و أسرتهم وفروعها الممتدة فى كل بقاع السودان ونيجريا وإقليم الساحل من البحر الى البحر....تصوفهم وزهدهم...
ومع تقدم العمر يكبر إعجابى بالأهازيج التى كنوا يرددنوها خاصة الدينية منها والتى يبثون فيها حبهم للرسول ...والذى لا يضاهيه شى...حب به يتقربون به فى تصوف العرفين لذات الخالق عز وجل شانه..ومن شدة تعلقهم بالنبي (ص) وإكرامهم لمقامه السامي النبيل لتجدهم يكرمون كل من ينتسب اليه من آل البيت والصحابة..وحتى كل من يزور مقامه الشريف تكبر مكانته وسطهم فينادونه بألقاب الإحترام والسمو.....فكبرنا على حب هولاء النفر من أهلنا
..وكنت بدافع المعرفة والفضول لاكتشاف والتواصل اسأل أستاذنا الناظر ابكر ويشرح لى بصبر العارف ويحلل العلائق ويسبح خيالى الصغير فى تخيل مقدرة الفولانى على المشاق.. التى واجهتهم فى هجراتهم السابقة..والمعارف التى اكتسبوها ...والمنافع الحضارية والثقافية التى أنتجوها كمكون بشرى فاعل فى الإقليم السوداني...كان خيالي يسافر الى مدن خيالية سابحة فى الرمال .....يكسنها قوم لصاف المعشر...زهاد وعلماء....راسخى الأقدام فى العلم.........وحينها ياتى الفولانى....بشيوخهم وحمكائهم وشخوصهم كتجسيد لهذا الخيال ........وكبرت لتجدني أتواصل مع اهل بلدى واحبتى الفولاني ...والهوسا
وقد ربطتني أواصر صداقة متينة مع بعض زملاء وزميلات من الفولانى من مناطق أواسط وغرب السودان وشرقه وتصادف ايضا ان شاركت مع بعض ابناء مايرنو فى كثير من الأنشطة الثقافية اثناء فترة دراستنا الجامعية فازداد ايمانى بما يتمتع به هولاء القوم الكرام من ثراء ثقافى وتجربة انسانية حضارية ضاربة العمق..صقلتها تجربة اودت بهم الى هجرات وتواصل مع اطراف القارة بجهاتها الأربع...
وقد لازمتني رغبة دائمة فى التنقيب فى تراث الفولانى والهوسا و ان أتبحر فى دراسة تاريخهم وفنونهم وتراثهم الثقافي وكان امنيتى قد صادفت ملكا بالسماء موكل بالتنفيذ فقد تم قبولى بعد تخرجي مباشرة بقسم الدراسات الأفريقية وتخصصي فى إقليم غرب أفريقيا (حسب التقسيم الإستعمارى الجغرافي للقارة)....وكنت احزم امتعتى واشد الرحال لأذهب من حاضرة النيلين الى "كانو" و" زاريا" وفى الخاطر استاذتى الأجلاء بجامعة احمدو بيلو ..وتشاء الصدف الى يعرج بى مساري الى قسم الدراسات لأفريقية بجامعة لندن...حيث يزخر الفضاء بكوكبة من العلماء الأجلاء الذين تخصصوا فى تاريخ وتراث قبائل الفولانى والهوسا واذكر فى هذا الشأن استاذى بروفسور جرهام فيرنيس الذي يجيد لغة الهوسا كأحد ابناء السلاطين ويعرف تشعيبات الأسر والقبائل والمشايخ والسلاطين بإقليم السودان من الصومال الى نيجريا.
ولا أخفى عليكم شعوري بالحزن والتقصير الممزوج بالحسرة من امتلاك الأوربيين لناصية العلم فى هذا الارث السودانوي الأصيل فالحرى بنا نحن اهل السودان ان نكون أهل الريادة فى الانحياز لبنى جلدتنا وأهلنا الفولانى.. ونشر فضائلهم وتراثهم وتخصيص الأموال للحفاظ على مورثهم ولغتهم.....ولكنه حالنا المايل..
وبالرغم من ملاحظة التقصير الرسمى من اجهزة اعلام السودانية فى التوثيق والنشر لتراث الفولانى لا يفوتنى هنا ان أشيد بالمجهودات المقدرة و التى بذلها الرواد فى هذا الشأن ومنهم اذكر مجهودات قسم اللغات السودانية بمعهد الدراسات الآفرواسيوية...حيث مثل رواده أمثال المرحوم جيمس دهب والأستاذ الأمين ابومنقة والأستاذة الكريمة الدكتورة محاسن جهدا مقدرا للنهوض بالدراسات المتعلقة بلغة وتراث الفولانى والهوسا. كذلك مجهودات الأستاذ فرح والأخ على الضو بأرشيف الموسيقى التقليدية السودانية والتى أثمرت فى حفظ وتسجيل اغانى قبائل الفولاني بالنيل الأزرق فى أرشيف (تراما) بقسم الفلكلور بمعهد الدراسات الآفرواسيوية.
مدد ياهلنا المتصوفة الفولانى وعذرا للتقصير فى اعطاء تراثكم حقه ...هذا المقال وما سيتبعه وفاء وعرفا للدور الرائد لكم فى السودان...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست