فتحي الضو : هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان؟!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2025, 02:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-30-2010, 06:32 PM

مكي النور

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 1628

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فتحي الضو : هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان؟!

    Quote: هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان (1)



    فتحي الضَّـو

    [email protected]

    تملكتني دهشة بالغة أثناء مشاهدتي برنامجاً دينياً بُث في فضائية (عبد الله بن أبي سلول) يوم الخميس الموافق 29/4/2010م وهو برنامج يتيح لمشاهديه الاتصال هاتفياً، والسؤال عن أي أمرٍ يعنُّ لهم في أمور دينهم. كان السائل (عثمان) من قرية (تمبول) وذلك بحسب ما كُتب على الشاشة البلورية الصغيرة. وايقنت من خلال طرحه لسؤاله، بل من طبيعة السؤال نفسه، أنه أحد بسطاء أهل السودان، إذ قال: (يا مولانا نحن جماعة تابعين لشيخ طريقة دينية، وكان الشيخ قد طلب مننا في الانتخابات الأخيرة أن نصوِّت لحزب معين، والحقيقة نحن خالفناه وصوَّتنا لحزب ثاني، والآن سمعنا أن الشيخ قال إنه ما حيشفع لينا يوم القيامة! وأنا عايز أعرف هل الكلام ده صحيح؟ وبعدين ما حكم الشرع لمن يخالف شيخه في الانتخابات؟) استنفرت كل حواسي لمعرفة رد المُسائَل، الذي كِدت أن أرى مأزقاً يطفح من بين عينيه وهو يستلمح الحزب المشار إليه بغير كثير ذكاء. ومع ذلك بدا لي أنه وجد مخرجاً، فقال له: (هذا لا يجوز، ليس بين الله وعباده حجاب، والله تبارك وتعالى لا يشفع لعباده عن طريق وسطاء. وليس بالضرورة أن يتبع الحُوار شيخه في الانتخابات) وتلك اجابة بدهية، غير أنني لو كنت مكانه وأردت خيراً لهذا الرجل البسيط باجابة حاسمة، لما ترددت قيد أنملة في الطلب منه أن ينأى بنفسه عن ذلك الشيخ الذي سلب حوارييه نعمة الاختيار وحرية الإرادة، وصار يوجههم طبقاً لرغائبه.. كما قطيع من الأغنام!

    كنت ممن يظنون أن العصبة الحاكمة نجحت في (إعادة صياغة الإنسان السوداني) امتثالاً لشعارها الهمجي الذي رفعته بداية سني عهدها بالسلطة، وذلك بغض النظر عن كونها صياغة تمت في الاتجاه الخاطيء. وقلنا كثيراً أن اللائمة تتضاعف على كاهل المحكوم الذي تقبل تلك الإهانة أكثر من الحاكم الذي فرضها عليه. ولهذا كان من الطبيعي أن يجد السودانيون أنفسهم في مواجهة واقع مرير تحاصرهم فيه أسئلة معقدة. فباسم الإسلام ذهبت مُثل أدراج الرياح، وباسم الإسلام تردت أخلاق اعتزوا بها والداً عن ولد، وباسم الإسلام تضعضت قِيم توارثوها كابراً عن كابر. وفي ظل دولة الإسلام لم يعد المصلون يُعرفُون بسيماء في وجوههم من أثر السجود، مثلما لم تكن الذقون المسترسلة دليلاً على حسن إسلام المرء، وفي ظل دولة الإسلام صار التدين رياء الناس فرض عين، مثلما ليس بالضرورة أن يشهد الناس بالإيمان لرجل ارتاد المساجد كما قال نبيهم الكريم. لقد أصبح التعامل بالرشى شطارة، والاختلاس من المال العام فهلوة. بات السكوت على الظلم مكرمة، ونفاق أهل السلطة مأثرة. أضحى قول الحق في وجه سلطان جائر تهور، والفساد الأخلاقي جهاد في سبيل الله.. لمن استطاع إليه سبيلا!

    لم يكن السودانيون كفاراً قبل أن توقعهم العصبة ذوي البأس في حبائلها، لكنها أوحت لهم أنهم الضالون وهم مبعوثو العناية الإلهية لإخراجهم من الظلمات إلى النور. قبلئذٍ كان السودانيون كما سائر عباد الرحمن، فيهم من أسلم لله طوعاً، وبينهم من تنصر اختياراً، ومنهم من ظل على جهالته يعبد بقراً أو شجراً أو صنماً صنعه بيديه. وبرغم تعدد دياناتهم وتباين ثقافاتهم واختلاف سحناتهم واثنياتهم، إلا أنهم تعايشوا في ودٍ ومحبة وسلام. كانت المشاعر الإنسانية قاسمهم المشترك الأعظم، والرؤى الوطنية هاجسهم المُوحد الأكبر، وإن حالت أنظمة السوء دون بلوغها. كان للدين قدسيته ومكانته لم يك يوماً موضع خلاف أو سبباً في حرب. لكن تغير الحال مذ أن هبطت عليهم أسراب العُصبة كجراد استهدف وادٍ كان ذي زرع فاصبح صعيداً جرزاً. وتلك إحدى المهام المقدسة التي آزرهم فيها علماء السوء أو علماء السلطان كما سمَّاهم الشيخ الحكيم فرح ود تكتوك، الذي سبق وحذرهم من مغبة الوقوف على أبواب السلاطين طمعاً في دراهم معدودات. وهي حافزهم الذي حدا بهم للتفاني في تقبيح الجميل وتجميل القبيح.. في رحلة مقدسة لم تتأثر بتغير الأزمنة ولا تبدل الأمكنة. شهدناهم بالأمس يرسلون الفتوى تلو الأخرى بتحريم الانتخابات، ويغضون النظر عن ربا تمطَّى وتثاءب وتمدد في (سوق المواسير) يشغلون الناس ببنطال السيدة لبنى أحمد حسين وتزيغ أبصارهم عن رؤية ظاهرة أطفال دار (المايقوما) هم من يسألون الناس التطهر من دم بعوض أصاب ملابسهم، ويتحاشون الحديث عن دم الشهيد محمود محمد طه الذي أزهقوا روحه ظلماً وبهتاناً!

    على الرغم من أنني أُوتيت من الخيال سعةً ومن العلم نصيباً، إلا أنه لم أكن أظن أن مظاهر السوء يمكن أن تطال بعض صوفية أهل السودان، لا سيما، وهم الذين كان لهم الفضل في نشر الاسلام، وتوطيد أركانه، والإبقاء على جذوة ناره متقدة على مر العصور. ومثلما أن البعض يمنح وعد من لا يملك لمن لا يستحق، ظلَّ بعض شيوخ الطرق الصوفية يمنحون البيعة بكرم حاتمي لإمام جديدٍ يورث إماماً مخلوعاً، على الرغم من أن الرعية المُبايِعة تعددت عقائدها وتباينت مذاهبها، وأن الراعي المُبايَع.. سفك دماءً وانتهك عروضاً وكان في السلطة من الفاسدين. وفي هذا الصدد صعب عليَّ هضم مفارقة احتواها فيلم قصير (يو تيوب) بثه أحد ناشطي موقع (سودانيز أون لاين) الشهير قبل أيام قليلة خلت. وكان يعرض وقائع زيارة قام بها أحد أساطين العُصبة ممن يتحملون أوزار بيوت سيئة السمعة وضعت بصماتها بوقائع لا تُمحى بتقادم الأزمنة، وكان المذكور قد شغل منصباً رفيعاً كاد أن يقيم فيه دولته الخاصة لولا أن تداركوه، وبنظرية (غسيل الأحوال) على حد تعبير صديقنا مصطفي عبد العزيز البطل، ارتأى أن يخوض تجربة الانتخابات الأخيرة، بل تردد أنه كان أحد مصممي التزوير الفاضح الذي سارت به الركبان. ظهر سيادته في الفيلم الوثائقي وهو يقوم بزيارة لأحد شيوخ الطرق الصوفية الشهيرين في السودان، وكان في معيته وفي استقباله أيضاً وجوهاً مبثوثة لحاضرين، لو طالعت ماضي بعضها لوليت منها فراراً ولملئت منها رعباً، خطب فيهم صاحبنا - عازف الأوصال – وقال لهم إن علاقة عصبته بالضريح تمتد لسنين، وكشف لهم للمرة الأولى أن (العميد عمر حسن البشير قبل أي يصبح فريقاً - بحسب تذكيره - قام في اليوم السابع للانقلاب وتحديداً يوم 7/7/1989 بأول زيارة له خارج العاصمة وكانت لهذا الضريح) ولا أدري إن كان يود أن يقول ألهذا السبب تطاولت سنين عصبته في سدة السلطة؟

    في الواقع لا يحق لي أن أندهش، فقد مضى حين من الدهر على أهل السودان، أصبحوا يطالعون فيه أخباراً مثل هذه التي طالعتها في صحيفة الأحداث 31/3/2010 عن صوفية الزمن الأغبر: قال (أوقفت الشرطة 7 افراد بتهمة الاستيلاء على مبالغ مالية من أحد مشائخ الطرق الصوفية. وابلغ مصدر الأحداث أن شرطة أمدرمان تلقت إخطاراً من أحد شيوخ الطريقة، بأن مجموعة تسللت إلى داخل حجرة بأحد المجمعات الإسلامية بأمدرمان وسطوا على مبلغ 10 ألف دولار و8800 درهم إماراتي وسلسل ذهب وهاتف سيارة. والقت الشرطة القبض على 7 متهمين كانوا يقيمون بالمكان، وأخضعوا للتحقيق لفك طلاسم الحادث) هل يمكن أن تكون هذه المفقودات بطرف شيخ زاهد من أهل الله كما نقول عن متصوفة أهل السودان تأدباً وتبجلاً واحتراماً. ومع ذلك ربما كان هذا الخبر أخف وطأة من خبر آخر طالعته، ويبدو أنه لم يلفت أنظار الناس كثيراً لأنهم كانوا يومئذ في محنة شاغلون. جاء ذلك في خضم ما سمي بـ (غزوة أمدرمان) التي قامت بها حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، فطبقاً لصحيفة الرأي العام 12/5/2008 التي أوردت الخبر (أن الشيخ ... أحد شيوخ الطرق الصوفية ومريديه تجاوبوا مع نداءات السلطات الأمنية، وألقوا القبض على أربعة عناصر من المتمردين، قذفوا بأنفسهم في النيل في طريقهم إلى الشاطيء الغربي جنوب غابة السنط سباحةً، وتابعوهم لمسافة تزيد عن الثلاثة كيلومترات، ثم دفع الشيخ بابن أخته وهو سباح عندما شعر بخطر الغرق يتهددهم، وبعد وصولهم إلى البر تولى الشيخ ومريدوه إنقاذهم، وتمَّ نقلم إلى مقر الطريقة حيث أجريت لهم كافة الاسعافات الأولية، وتولى الشيخ ابلاغ الأجهزة المختصة التي تسلمتهم في مساء اليوم) ذلك خبر جعلني أتوارى كسوفاً، وأطأطيء رأسي خسوفاً من قوم تخالط صالحهم بطالحهم!

    بيد أن المندسين وسط أهل الله هم الذين خصيناهم بحلقات متسلسلة سبق وأن نشرناها تحت عنوان (تصويف السياسة وتسييس التصوف) هدفنا منها إلى تنقية الثوب الأبيض من بقع سوداء علقت به. لكن الذي عزَّ على أهل السودان اجتنابه هو ما سميناه بـ (تديين السياسة أو تسييس الدين) وهي الظاهرة التي استمرأت العصبة تعاطيها، وانعكست وبالاً على السودان والسودانيين. إنها الظاهرة التي كبتلنا طيلة سنوات ما بعد الاستقلال، وجعلتنا ندور في حلقة مفرغة، ذلك لأن بيننا من يريد أن يفرض رؤاه في وطن لا يحتمل الآحادية في أي شيء، ناهيك عن الدين الذي تباينت مذاهبه وتعددت عقائده. هي الظاهرة التي أنتجت المكارثية السودانية في العام 1965 وطردت حزباً ممثلاً في البرلمان واشهرت سيف الدين في وجهه. وهي الظاهرة التي جهزت المقصلة في العام 1968 وأدت إلى ظهور حكم الردة الأول في قضية الاستاذ محمود محمد طه، والتي تكاملت فصولها فيما بعد بظهور قوانين سبتمبر سيئة الصيت في العام 1983 وسيناريو الإعدام في العام 1985 وهي الظاهرة التي جعلت الجمعية التأسيسية في الديمقراطية الثالثة ساحة ترهيب لمن يجرؤ على الوقوف ضد القانون الجنائي. وهي الظاهرة التي جعلت العصبة ترفع المصاحف على أسنة الرماح في الأحياء، لدرجة طلت فيها الفتنة الهوجاء برأسها.. فيما سمي بثورة المساجد تارة وثورة المصاحف تارة أخرى. وهي الظاهرة التي مهدت الطريق لانقلاب الصحابة في العام 1989 وعندما جلسوا على سدة السلطة قالوا هي لله! فهل كانت لله....!؟

    نواصل!!

    عن صحيفة (الأحداث) 23/5/2010

    لمزيد من مقالات الكاتب يرجى الاطلاع على مكتبته على موقع الجالية السودانية بواشنطن

    http://sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=...&sacdoid=fathi.aldaw


                  

05-30-2010, 06:34 PM

مكي النور

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 1628

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتحي الضو : هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان؟! (Re: مكي النور)

    Quote: هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان (2)



    فتحي الضَّـو

    [email protected]

    انتهينا في الجزء الأول من هذا المقال المتسلسل، إلى ما ظلت تُردده العُصبة ذوي البأس.. منذ لحظة دخولها دهاليز السلطة بعد الانقلاب المشؤوم، وحتى لحظة إدخال السلطة إلى دهاليزها بعد الانتخابات الكارثة. إذ ظلت وما فتئت تؤكد طوال العقدين الماضيين بأنها أقبلت على تسنم السلطة بإيعاز من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي (هي لله) أي السلطة، وهم فيها من الزاهدين! وللذين يودون أن يُشنفوا آذانهم بهذه المقولات الخالدات، بإمكانهم أن يختلسوا النظر هذه الأيام إلى فضائية عبد الله بن أبي سلول. إذ إنها بدأت تعيد وتكرر بث مقاطع من خُطب الراعي للرعية، بمناسبة الولاية (الديمقراطية) الجديدة، تلك الخُطب المرتجلة في مناسبات سابقة، والتي يعقبها دوماً الرقص على أشلاء وطن مُمزق. أصغ لها يا صاحٍ فلا شك أنك ستسمعه وعصبته يقولون (يا جماعة نحن جينا للسلطة دي تقرباً لله تبارك وتعالى) بيد أن هاتين المقولتين كانتا دافعنا في ختم الجزء الأول بسؤال مشروع: هل كانت حقاً هي لله؟ يقولون إنك قد تستطيع خداع بعض الناس بعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. وبالرغم من انتفاء المقارنة أصلاً بين الخالق والمخلوق، إلا أنه يمكن القول قياساً، إن الانسان مهما أوتي من حيل المكر والدهاء، فإنه لن يستطيع أن يخدع ربّ الناس لوقت طال أو قصر. وبالرغم من أن بعض الذين يذعنون للوسواس الخنَّاس، يظنون أنهم خدعوا الخلق والخالق، لكنهم في واقع الأمر لم يخدعوا سوى أنفسهم (يُخادِعون الله والذين آمنوا وما يُخدِعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهُم الله مرضاً ولهُم عذابٌ أليم بما كانوا يكذِبون) والذي يخدع نفسه بالضرورة يرتكبه غرور أجوف، مثل عُصبتنا الحاكمة، فيعوث في الأرض فساداً ويظن أنه من المصلحين (وإذا قِيل لهم لا تُفسِدُوا في الأرض قالوا إنما نحن مُصلِحون، ألا إنهم هُم المُفسِدون ولكن لا يشعرون) ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح نفسه: ما الذي حدث وقتذاك باسم الله وأدى إلى غيبوبة مجتمع كامل، وألقى به في غياهب عُصبة ماكرة؟

    باديء ذي بدء ظنَّ أحد اساطينها الغُر الميامين، في صبيحة ذلك الفعل الآثم، إننا من بقايا كفار قريش، فخرج علينا شاهراً (كلاشنكوفه) وقال من أراد أن تثكله أمه فليلحقنا وراء (جبل كرري) فظننا من فرط براءتنا أنه يقصد خراف الأُضحية، ولم نكن نعلم أنهم كانوا يضمرون شراً لثمانية وعشرين نفساً زكية، ضحوا بها صبيحة العيد كما ضحى خالد بن عبد الله القسري بالجعد بن درهم. وحتى يكون للمأساة طعم العلقم، قبروهم على سفح الجبل في يوم عزَّ فيه وجود سارية.. يستطيع أن يسمع في باطن الأرض أنين من لم تخرج روحه إلى بارئها. هنيهةً وألحقوهم بفتىً غريراً أرعناً، نحروه بينما كان يحدق في شجرة وطنٍ فرعها في (سُرة شرق) وجذرها تحت أقدام (تهراقا) وزادوا عليهم بثانٍ، هو واحد من (النصارى) الذين عَقَد عبد الله بن أبى السرح اتفاقية البقط مع أسلافه، فنال جزاءه وفاقاً على يد الأمويين الجدد. وطففوا بثالثٍ ترك دار الحرب وقصد دار الإسلام، كان ينشد الوحدة الجاذبة من قبل أن تكون لها لسانٌ ونجدان في (نيفاشا) ولم يكن يظن أنه سيدفع حياته جزية وهو من الصاغرين. ثمَّ إنفرطت حبات المسبحة وصار القتل على الهوية في خاصرة الوطن جهاداً في سبيل الله، تأججت حرب رُفعت فيها المصاحف على أسنة البنادق، فناحت من كل بيت ثاكلة، وتحولت البلاد كلها إلى سرادق كبير للعزاء. ثمَّ إذا بالأحباب بين (قصر ومنشية) فاحتار القوم بين الصلاة خلف علي والأكل في مائدة معاوية. ثم زاد أبو العباس السفاح الرتق في ديار القرآن والمحمل، فكان الموت صبراً في صحاري التيه، والموت إنكساراً في معسكرات الذلِّ والهوان. ومع استمرار التردي وتعمق الإنحطاط، جاء قوم من وراء الحدود يطالبون بالقصاص للسائل والمحروم، فتجمدت أوصال العصبة حتى بات منظروها في انتظار رؤية أبا عبد الله الصغير، يبكى كالنساء ملكاً مضاعاً لم يفه كالرؤساء حقه من العدل والإنصاف والشفافية!

    لأنها لله، تصبح المفارقة أنه باسم الله الذي يعد (الرحيم) واحداً من اسمائه الحسنى، تمَّ فرض حظر التجوال وظلت الدبابات شاهرة مدافعها على الجسور العام تلو الآخر. كانت العصبة منتشية بالسلطة التي دانت لها، ليس فيها رشيد يكترث لسؤال حائر ظلَّ أهل السودان يرددونه: أي إسلام هذا الذي ينتهك الحقوق ويقمع الحريات، وهم يقرأون قرآنه الذي يقول (أدعُ إلى سبيل ربِك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمُهتدين) ويطأطئون رؤوسهم خضوعاً وتسليماً لدستوره (فبِما رحمة من الله لِنتَ لهم ولو كُنت فظَّاً غليظ القلب لانفضَّوا من حولك...) وعندما رفعت العصبة منجل قطع أرزاق الناس، بُهت الذين جُبلوا على دين الإسلام بالفطرة، وقالوا هل حقاً هو ذات الدين الذي قال فيه ملك الناس في كتابه الكريم (فليعبُدُوا ربَّ هذا البيت، الذي أطعمهُم من جُوع وآمنهم من خوف) وعندما ذاع صيت بيوت سيئة السمعة وملأت سيرتها الآفاق، وهي تودع أفواجاً قضى نحبها، وتستقبل أفواجاً تنتظر قدرها، كان هناك من يبحث في اللوح المحفوظ عن آيةٍ ارتعدت من ذكرها الجبال (.. من قتل نَفساً بغير نَفسٍ أو فَسادٍ في الأرض فكأنَّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..) ويوم أن أطلت مجاعة هَلك فيها الزرع والضرع، قالوا إن الله أمرنا بالستر، وليس هناك ستر أكثر من انكار ضوء الشمس من رمدٍ.. تلك لم تكن سوى (فجوة غذائية) وعوضاً عن أن يسدوا رمق الجياع بلقيمات يُقمن صُلبهم، أطعموهم شعارات (أمريكيا قد دنا عذابها) فنهض من بين الركام فقه المقارنات، وتساءل المُغاثون: لماذا يدنو عذابها أليست هي بلاد (الحاج ريغان) الذي أغاث الجياع منتصف الثمانينات، يوم أن تاجرت البنوك (الأسلربوية) بمخزون الذرة، وهي البنوك التي أنشأتها العصبة نفسها في دولة الإمام المخلوع. رُبّ لاهٍ ليس له من وطنيته سوى الفساد وأكل أموال الوطن بالباطل، لم يكترث لسؤال جدلي ظل قائماً: من هو المؤهل أخلاقياً بالحفاظ على هذا الكون.. الإسلاموي الذي يجوعوك لتتبعه أم الصليبي الذي ينقذك لتشكره؟

    حتى يكتمل الوهم في رؤوس صانعيه، طالما أن الله ابتعثهم لإخراج الناس من الكفر إلى الايمان، كان لابد من التمسك بالأهداب في أسلمة المجتمع الجاهلي. فقالوا: أيها الناس إن أردتم التعبير عن مكنون صدوركم فاجتنبوا (التصفيق) وهلُموا نحو التهليل والتكبير، ففي ذلك شفاء من السلطة. أيها للناس أكثروا من الزهد في الدنيا، وقَلِلوا من الإفراط في الأحلام، وتلك هي سنة الكون. أيها الناس أطيلوا اللحى واقصروا الأماني، وتلك مستلزمات ترهبون بها عدو الله وعدوكم. ثمَّ تجلت المتاجرة بالدين في أسطع معانيها، عندما وضع بنو قريظة الثوب الذي كانت ترتديه سائر نساء السودان صوب أعينهم، فقالوا إنه زي فاضح يظهر محاسن المرأة ومفاتنها، واتضح أن ذلك كان لدنيا يصيبها البعض، فظهرت العباءة (الإيرانية) و (الخليجية) بديلاً، لم ير تجَّار العصبة فيهما أبعد من ملايين الدولارات التي يمكن ان تنهال عليهم، بل وطال الأمر أيضاً الذكور الذين يطلون من الشاشة الصغيرة، ففرض عليهم الجلباب والعمامة بديلاً لأزياء الغرب الصليبي. وطالت المتاجرة فرض اللونين الأبيض والأخضر على المحال التجارية، باعتبارهما ألواناً إسلامية، ليس لأن تاجراً جشعاً استورد كميات ضخمة من (الآجار) الأبيض و (البوية) الخضراء واراد تسويقهما! ثمَّ حتى تعانق النفوس الطاهرة شبهات فساد بدأت تجد طريقها نحو الأيادي المتوضئة، قالوا لابد من تغيير الجنية السوداني إلى الدينار إحياءً لسنن العملة الإسلامية المندثرة. ثمَّ ختموا الأسلمة بتنقيح الغناء، إذ رأوا فيما رأى النائم.. شِعراً ساقطاً وماجناً وخليعاً، وقاموا بتشييع ذلك التراث الغنائي الضخم إلى مثواه الأخير.. فقد كان أهل السودان من الغاوين الذين اتّبعوا شعراء ضالين!

    فعلت العصبة في السودان ما فعله الثور في مستودع الخزف، فبغض النظر عن الشرعية التي داستها سنابك خيولهم وظلت تؤرقهم طيلة العقدين الماضيين، لم تكن للعصبة أي رؤية لبرنامج متكامل يستوعب مشاكل أهل السودان ويضع لها الحلول الواقعية. مثلهم كمثل سائر حركات الإسلام السياسي، إن سألتهم عن برنامجهم قالوا لك الإسلام هو الحل. ثمَّ يقفون كحمار الشيخ في العقبة إن طلبت تفصيلاً. وبالطبع لم يكن المجتمع السوداني مجتمعاً كافراً كما توهمت العصبة، ولا قوماً جاهلون كما ظنوا، ولا شعوباً ارتدت عن دينها حتى يقام عليها الحد. فالسودانيون شأنهم شأن بقية خلق الله توخوا حياة كريمة في بلد كالفسيفساء تعددت أديانه ولغاته وأعراقه وثقافته، وقد عقَّدت نخبته عليهم حياتهم، بممارسات سياسية طائشة بُعيد الاستقلال، أوقعتهم في براثن التخلف وأقعدتهم عن بلوغ الأهداف العظيمة، وحتى وقتئذٍ كانت قضية هذا الشعب مع سياسييه، فإذا بالعصبة تقول له إن قضيتك مع خالقك...

    فهل كانت العصبة تروم الدين أم الدنيا؟ ما أيسر الاجابة وما أعقد التفاصيل!!


    نواصل...
    ينشر بالتزامن مع صحيفة (الأحداث) 30/5/2010

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de