|
العرب ودستور تركيا
|
تمر تركيا بمرحلة مخاض من المتوقع أن تنقلها من دولة قانون السيادة إلى دولة سيادة القانون، لتدخل التاريخ بعد موافقة البرلمان التركي على التعديلات الدستورية التي طرحتها حكومة العدالة والتنمية لتعديل الدستور الذي وضع في أوج انقلاب ،1980 وذلك بعد أن حصلت التعديلات على موافقة 336 صوتاً من أصل 550 نائبا في البرلمان، أي أقل من غالبية الثلثين التي تترجم بتبن نهائي من دون استفتاء .
وهذه التعديلات، التي جاءت بعد جدل واسع استمر نحو 3 سنوات بين الحكومة الحالية وأحزاب المعارضة، لا تستهدف منح صلاحيات بلا حدود لرئيس الدولة أو لأي مؤسسة أو شخص، أو تفصيل مواد دستورية على شخص بعينه كما يحدث في العالم العربي، وإنما تستهدف هذه التعديلات إصلاح الجهاز القضائي والحد من دور الجيش في الحياة السياسية، والحد من صلاحية المحاكم العسكرية، وتمكين المحاكم المدنية من محاكمة عسكريين في أوقات السلم بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب أو جرائم مرتبطة بالأمن القومي .
وبهذه الخطوة يكون البرلمان التركي قد مهد الطريق أمام استفتاء شعبي للموافقة نهائيا على مجموعة التعديلات الدستورية التي يبلغ قوامها 28 تعديلاً، كما أنه يمهد الطريق أيضاً لاستيفاء الشروط والمعايير المطلوبة للانضمام للاتحاد الأوروبي .
في المقابل، كشفت هذه المعركة الديمقراطية تحت قبة البرلمان التركي عن الوجه الحقيقي لأحزاب المعارضة، التي تشكل جميعها وجوهاً مختلفة لحقيقة واحدة تسعى لإبقاء البلاد رهن قرار جنرالات الانقلابات، وقضاء يحارب هوية البلاد الإسلامية .
وقد أكسبت هذه المعركة شعبية جديدة داخلية وخارجية لحكومة العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان والرئيس عبدالله جول، في إطار الحرب من أجل تثبيت الديمقراطية في دولة أعاقها تلاميذ أتاتورك عن القيام بدورها الإقليمي والدولي .
وتأتي حيوية الحياة السياسية التركية الحالية متزامنة مع حالة شلل سياسي عربي، فلا صدى ولا استجابة للأصوات التي أخذت في التعالي مؤخراً في بعض الدول العربية للمطالبة بإصلاحات دستورية حقيقية تخرج هذه الدول من لعبة برلمانات رفع اليد التي تقر دساتير وتعديلات تكم الأفواه وترسخ الاستبداد بدلاً من تداول السلطة ورقابة الحكومة، وذلك بعد أن أتت تلك الأيادي إلى البرلمان على جثة الديمقراطية، ووأد أصوات الناخبين وتزوير إرادتهم، لتلعب دوراً مشبوهاً في تمرير قوانين ومواد دستورية فصلت تفصيلاً على شخصيات بعينها .
إن البون بين العرب والأتراك مازال شاسعاً للغاية، رغم أنه كان قريباً بعض الشيء قبل سنوات قليلة، وشتان بين الحالتين التركية والعربية، بين دولة وضعت أقدامها على الطريق الصحيح حيث التجربة الديمقراطية الحقيقية وتداول السلطة في وضع أدى إلى التقدم والازدهار الاقتصادي وأخذ أدواراً إقليمية ودولية، ودول قبرت أدوارها وقمعت شعوبها، وارتضت بدور الوكيل لهذه القوى أو تلك .
التاريخ : الثلاثاء ,11/05/2010 الكاتب: سمير سعيد [email protected] المصدر:دار الخليج الرابط http://www.alkhaleej.ae/portal/4ed10644-6124-46a0-b5d1-620e71f8cbfe.aspx
|
|
|
|
|
|