كان أعراب ماقبل الإسلام لا يزنون جناح بعوضة في ميزان الحضارة آنذاك، وكانوا في أقصى درجات التمزق والاختلاف، لكنهم لم يخلوا من بعض (القيم النبيلة والأخلاق الكريمة، ولاشك أن أبرزها كانت اعتدادهم بذواتهم واعتزازهم بأصولهم، وعدم تسرب أي صورة من صور الدونية إليهم أمام الأمم الكبيرة التي كانت تحيط بهم من حولهم كالفرس والرومان، وربما كان هذا الأمر أحد المؤهلات التي رآها الله فيهم لكي يجعل آخر الأديان رسالتهم، وخاتم الأنبياء رسولهم، وناسخ الكتب السماوية بلغتهم).
كانت المؤامرات تحاك من قبل الأمم الغازية من أجل استيلائها على أرض العرب، وكانت اختلافات الأعراب تغري أعداءهم بغزوهم، لكنهم لم يجدوا (الطابور الخامس) في أوساطهم، وعندما حاول أبرهة غزو الكعبة عن طريق اليمن لم يجد من الأعراب من يساعده على تحقيق هذا الأمر رغم كثرة القبائل التي تنافس قريش السيادة، وغاية ماوصل إليه أبرهة الحبشي قدرته على كسب شخص واحد يدعي «أبورغال» وكانت مهمة هذا الشخص فقط هي توضيح الطريق الموصلة إلى مكة، وربما كان دافع (أبورغال) إلى هذا الصنيع اعتقاده أن الله سيحمي بيته مهما كان، إضافة إلى أسلحة الترغيب والترهيب، ورغم ذلك فإن الأعراب قد لعنوا أبارغال واعتبروه رمز الخيانة والعمالة والحقارة، وظل مضرب أمثالهم في كل الحقب والأجيال..!
واليوم تصدمنا الحضارة الغربية بقدرتها على استنساخ آلاف من الأعراب إن لم يخرجوا من صلب أبي رغال فهم صور بائسة من ضعته وحقارته».
ومثل كل الأمراض والأوبئة التي تستوطن بيوت العرب والمسلمين، فقد ظهر هذا المرض بقوة بعد أحداث سبتمبر في أمريكا التي نجحت في تحويل رقم 11 سبتمبر إلى صليب على هذه الصورة (+) وضعته بإحكام؛ لصلب كل ماهو حي، وشنق كل ماهر جميل، وخنق كل ماهو فاعل في حياة العرب والمسلمين.
لقد تسابقت الصفوات الحاكمة في بلداننا اليوم لكشف عورات شعوبها، ونقل تفاصيلها إلى الأجنبي الذي يتربص بالجميع الدوائر وإن اختلف الترتيب، فهانحن نرى نخباً قائدة تتسابق للقيام بأكثر من دور أبي رغال من خلال أمركة التقارير وأطنان من المعلومات، تقدمها كبراهين براءة، وأدلة تعاون، وقرابين طاعة بين يدي الثور الأمريكي الهائج، الذي قُدر له أن يتفرد بتقرير مصائر العالم، ومن خلال اعتقال المئات ممن تشك أمريكا بأمرهم وإخضاعهم لتحقيقات أمنية مصحوبة بزخات من التعذيب، تجبرهم على الاعتراف بما لايعرفونه، وكذلك تسليم العشرات منهم لأمريكا.
وأخيراً -وليس آخراً- المشاركة في اغتيال بعضهم بدون محاكمة بصورة إجرامية غير مسبوقة في تاريخ القرصنة الدولية وقد دُشنت هذه المرحلة التي جسدت الولايات المتحدة فيها عولمتها المتجاوزة للحدود الوطنية والمبكرة للسيادة والاستقلال .
بقي أن يعترض البعض على هذه المقارنة بين خونة اليوم وأبي رغال، إذ قد يقول هؤلاء أن أبا رغال دل أبرهة على الكعبة المشرفة وهي أعظم وأجل من حفنة من الرجال، لكن هؤلاء الذين انشغلوا في خدمة الغرباء لايعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حرمة المسلم أشد من حرمة الكعبة، إذ جاء في حديث مامعناه: " لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من إراقة دم مسلم"، وإذا كان هؤلاء لايفهمون أما آن لأبناء الشعب المغرر بهم أن يفهموا!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة