|
أحقا قتلنا طائر النورس؟ ... بقلم: محمد موسى جبارة مقال جدير بالقراءة
|
أحقا قتلنا طائر النورس؟ ... بقلم: محمد موسى جبارة الخميس, 18 مارس 2010 20:11 بضع صفحات من ايامنا المعاصرة، تتحدث عن فترة غاب فيها الوعي، وأنبهم الأمر حتى على أكثر مثقفي السودان إدراكاً، فتركوا أمرهم للغير، وأصبحوا كمن فاته قدره، يتلهفون على أمرٍ لم يسبقهم ولم يكونوا من مدركيه... أيامٌ تسوِّد حلكتها ما أبيض من قمم الألب وتشيب من أهوالها أصداغ ولدانٍ ولمم... لم نكن جزءاً من صانعيها، ولا بعض من ضحاياها لبعدنا القسري عن السودان...تركناه بجنح ليل وفي جعبتنا بعض مما أودى لاحقا بمجدي محجوب، لم يفطن له عسس المطار... غير أن التزامنا بشعبنا وقضاياه، لم يترك لنا سبيلاً للصمت، ولا كان بمقدورنا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما كان يحدث في السودان، ولا عاجزين عن مد يد العون لإهلينا الرازحين تحت سطوة سلطان جائر... وذلك أمرٌ لم نكتسبه بجهدٍ من أنفسنا فقط، بل أورثنا أياه آباءٌ كان لهم نصيبٌ في منازلة الإستعمار، ورضعناه من أثداء أمهاتنا. فكم من ليالٍ سهرنا وحوارات أجرينا وأميال قطعنا حتى تقطعت أنفاسنا بحثاً عن الحقيقة ودفاعاً عن الحق وأنتصاراً للمظلومين بالفكر والقرطاس والقلم... ورغم بعدنا عن السودان إلا أننا لم نكن بعيدين عن العنت الذي لحق بالقاعدين من أهله، وكان لكل شيء ثمن...أُحيكت لنا المؤامرات والدسائس وانتاشتنا سهام الأعداء، واصابتنا نيران صديقة أفقدتنا ما كنا نعتاش منه...كانت خطى مشيناها في طريقٍ وعرة، لم تنل من عزمنا وعثاء الدروب، ولا مسنا في ذلك من لغوب... كان لنا جهد المقل، مقالات كتبناها في لحظة ضيقٍ نفسي لعدم القدرة على التعبير الفاعل، ولفرجٍ من حرية اتاحها لنا قوم يرميهم الظلاميون بتهمة الكفر، وأن كانوا أعدل خلق الله في هذا الزمان الجائر... لم نذق عذابات علي فضل وهو يتلوى تحت سياط جلاد خلا جوفه من كل كبدٍ يرتجف، ولا كان لنا مصير التاية أبو عاقلة ولا ابوبكر محي الدين راسخ أو مكي ابراهيم أو عبد المنعم رحمة أو كل الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب أو في المنافي أو قذفاً بطائرات الأنتنوف في جنوب السودان والأنقسنا وجبال النوبة ودارفور، أو كل الذين استبيحت حرماتهم وحقوقهم وآدميتهم بأسم الدين، فكان لابد من مشاركتهم مالقوا من ألم ومعاناة وفقدان لإنسانيتهم... كان القلم هو كل ما نملك من سلاحٍ ماضٍ في ذلك الزمن الردئ، نستطيع استعماله لهزيمة الفكر الظلامي وتجار الدين والموت، الذين استباحوا وطناً وأمة بشعارات فطيرة فاحالوه إلى قرية ظالم أهلها، لا تسمع عنها سوى المجاعة والفقر والتطهير العرقي وإنتهاك حقوق الإنسان والفساد الأخلاقي في أشكاله وتشكيلاته المختلفة... لقد مرّ الوطن بتجربة قاسية...وأكثر قسوة منها أن لا نسعى إلى تدوينها في ذاكرة الأمُة حتى لا يتنصل منها البعض كما يفعل عرّابها اليوم، أو يُعيد انتاجها تحت مسمى آخر من لا حظ لهم في فهم التاريخ...وأكثر مرارة من ذلك، القول بأنه كان لا بد لشعب السودان أن يعايشها حتى يتبين له الخيط الأبيض من الأسود من الفجر.... فنحن شعب لا نتعلم من ماضينا أو ماضي الآخرين...تبهرنا الشعارات والأقوال المعسولة ونستلذ لسماع ترهات تاريخنا المغشوش ...فما زلنا نفتخر بحكم الخليفة عبد الله التعايشي الذي يشبه في كثير من جوانب قسوته حكم الإنقاذ الحالي... فكلاهما استغل العاطفة الدينية في حكم الناس والتسلط على رقابهم... وكلاهما حاول تصدير ايديولوجيته للخارج... وكلاهما لم يستوعب الجغرافية السياسية للمنطقة والعالم، وظن أنه وحيد زمانه في هذا الكون ومبعوث العناية الإلهية... كلاهما أعتقد واهماً بأن العرب العاربة ستقبل به مرجعية دينية تقوده إلى خلافة المسلمين... وكلاهما فرّق النسيج المجتمعي الذي كان يؤلف بين الناس كأمة واحدة... وكلاهما أعتمد سياسة فرق وأرشي تسُد، وأعتمد إثارة النعرة العنصرية اسلوباً لحكمه... وكلاهما جلب بأفعاله تلك تدخُّل الدول الكبرى في شأن السوداني الداخلي... وما زال البعض من مثقفينا على استعداد للقفز خلف كل عربة يقودها جنرال...وما أنفك الكثيرون منا يعهرون عقولهم واقلامهم وألسنتهم دفاعاً عن كل من يتسلم زمام السلطة في الخرطوم طالما لوّح لهم بشيك معتمد الدفع او وظيفة بائسة يبتسمون بها امام عدسات الكاميرات ارضاءاً لغرور زائف يتقمصهم...وهنا لا بد من التنويه عن ضرورة إيجاد وسيلة ناجعة لمنع بعض الناس من العمل العام بما في ذلك تعريتهم بصورة تامة حتى لا تكتوي بنيرهم أجيال قادمة... فالعُهر مسألة نسبية...وما أقعد السودان عن إنطلاقه المأمول سوى بعض من هؤلاء... لقد كان قمينا بشعب السودان أن يحكمه "الجبهجية" ويفعلوا به ما فعلوا حتى لا يتسوله أحد آخر بأسم الدين، صحوة إسلامية أو خلافة أو إمامة أو حاكمية لله، أو نسب يدّعونه للعترة النبوية الطاهرة... وكان مفيداً أن يتعلم الكثيرون من السياسيين معنى الوصول إلى السلطة السياسية تحت مظلة الشعارات والأسماء دون برامج معلومة أو تجربة عملية تقي الناس العثرات وتجنب الشعب مغبة التجريب... وكان من الضروري أن يحكم الإسلاميون السودان حتى نتعلم لمن نعطي اصواتنا في أي إنتخابات قادمة... بل كان مهماً جداً أن يأتي على رأس السلطة السياسية من هم على رأسها الآن لكي يكتشف الشعب السوداني كم الوسخ والحقد والغِلّ الذي يستبطنه البعض ممن يتدثرون بلباس الإسلام السياسي يخفون به نفوساً مريضة... نظام الإنقاذ كان أول نظام سوداني استعان بالأجنبي الغريب على المواطن القريب، وليتهم تخيروا خيار الناس ممن يستعان بهم في النماء والتطوير وتوطين التقنية...لكنهم من فرط نهمهم للسلطة وإفراطهم في الثراء الحرام وإشباع غرائزهم الدنيا، استعانوا بقومٍ كخشاش الأرض، فزادوهم رهقا... وكان أول نظام منذ الخليفة عبد الله التعايشي يسعى لتصدير ايديلوجيته ونفسه خارج حدود القطر الجغرافية...بل كان أول نظام يصدّر العنف إلى دول الجوار بمحاولة قلب أنظمة الحكم فيها والإعتداء على حكامها... لهذا السبب اعتبرناه نظاماً مختلفاً، وكان يتوجب بالتالي، محاربته بوسائل مختلفة عما عهدنا في أزمنتنا السابقة، لأنه أيضاً النظام الوحيد الذي لن تزول آثاره بزوال القائمين عليه، بل بإعمال الفكر لتعريته حتي نخاعه الشوكي... لكنه، وللمفارقة، كان النظام الذي كشف سوءات البناء السياسي السوداني وهزال بنية أحزابنا السياسية ألتى لا يمكن تسميتها أحزاباً إلا مجازاً... فهي بعض من بناءٍ قبلي طائفي يصلح لقرن مضى من الزمان، لكنها بمنطق اليوم ينبغي أن توضع في متحف السودان القومي إن لم نقسو عليها ونضعها في حديقة الحيوان التي شيدها الأنجليز للنزهة وأزالها الإسلاميون بعد أن أحالوا القطر إلى أكبر حديقة حيوان في العالم... لقد استمر نظام الإنقاذ في الحكم طيلة تسعة عشر عاماً لا لقوةٍ يمتلكها ولا لاساليب حكمٍ تتيح له تمكيناً سوياً، بل لضعف الذين سلب منهم السلطة واصبح يمتن بقسمتها عليهم كما توزع الزكوات على ابناء السبيل... حقيقة لم تكن لدينا أحزاباً كبرى كما يحلو لنا تسميتها، كانت هناك مجموعات مصالح لا تدري كيف ومتى تحافظ على مصالحها... تشكلّت قبل ستة عقود من الزمان وتوالت على سدة السلطة مع العسكر... كانت نتاجاً طبيعياً لمعطيات ذلك المجتمع وللظرف السياسي السائد في اربعينات القرن المنصرم...لذا لم تخرج عن نطاق القوى المؤثرة في الحياة آنذاك، أي قوى الطائفة والقبيلة التي تولت الإدارة البريطانية رعايتها واجزلت لها العطاء... لم تتطور تلك الأحزاب، بأي درجة عن ما كانت عليه قبل ستين عام من الزمان رغم تغير زعامتها وقياداتها ورغم تغير الظروف التي أدت إلى نشوئها...فما زالت حزب الرجل الواحد الممسك بكل الخيوط...وما زالت احزاب الهدف الواحد: "الوصول إلى السلطة والعبث بها" ومن ثمّ فليأتي الطوفان...وربما نظلم بعض من القادة الأوائل إذ بخسناهم اشياءهم، فقد كان بينهم رجال أخيار لا يقبلون الضيم أو تلقّي الأوامر من علٍ، ولا يساقون كالمعيز من قِبل قيادات الطوائف...وقد كان من السهل وقتذاك حشد المؤيدين للحزب عن طريق الولاء الطائفي او عن طريق الإلتفاف حول هدف وطني مجمع عليه، واضح المعالم، هو جلاء الإستعمار عن البلاد...لذا لم ترهق الأحزاب نفسها كثيراً لصنع البرامج، فقد كان شعارها كشعار الإسلاميين حالياً براقاً يخلو من المضمون والمحتوى... الإستقلال!! ثم ماذا بعد ذاك؟ هذا سؤال جفلت الأحزاب السياسية من طرحه حتى لا تدخل في حرج الإجابة عليه...فليالي السودان السياسية حبلى بالتطريب كحفلات كشّاف عطبرة، "البعيو"...لذا ظلت السياسة السودانية شعارات فقط، ويكاد المرء يجزم بعدم وجود قاسم مشترك بين قيادات معظم احزابنا السياسية... ودليلنا على ذلك التشرذم الحادث لها والذي لا يمكن وصفه بالظاهرة الصحية كما يحدث في احزاب الغرب... ويبقى من عدم الأمانة أن نرمي بكل اللوم على الجبهة الإسلامية...فهي لم تتجرأ بإتيان فعلتها تلك إلا لإحساسها بأمكانية ملء الفراغ السياسي...ولم تقفز إلى السلطة إلا على ظهر مرفعينين "ضبلان وهازل"...لم يستطيعا حماية نفسيهما من تنظيم صغير لم يحصل على أكثر من 5% من أصوات الناخبين في آخر إنتخابات جرت قبل استلامه السلطة... هناك خلل حقيقي لا بد من إصلاحه... ولن تجدي في ذلك تجربة التجمع الوطني الديمقراطي، فهي لم تكن إلا ضغثاً على إبالة... لقد عوّل الناس كثيراً على الحركة الشعبية لتحرير السودان وعلى زعيمها الراحل د. جون قرنق الذي كان لرحيله وقع الصاعقة على مجمل العمل السياسي... فقد كان الرجل مؤسسة قائمة بذاتها وبموته أصبح أهل الشمال من غير المنتمين للحركة الشعبية في حيرة من أمرهم، وهم الذين وضعوا كل آمالهم في الرجل بعد أن أصابهم اليأس في كل ما يأتي من الشمال... وقد كانوا محقين في ذلك...فكل الأنفراج في الحرية الذي شهدنا، وكل التنازلات التي حدثت من جانب السلطة الدينية لم تكن إلا بفضل العقل الثاقب للفقيد الراحل، والفعل الناجز لسياساته... ومع احترامنا لقدرات وامكانات قادة الحركة الشعبية الآخرين، فأن موته قد ترك فراغاً من الصعب ملأه، لا لسبب، إلا لكون السودان لم ينجب سياسياً مثله يتميز بالرؤية والخيال والتفكير الشامل والفعل الناجز في آنٍ معاً... موت الدكتور جون قرنق وضع السودان كله على مفترق طرق، الإنفصال فيه أقرب من الوحدة... ليس لإنفصالية قادة الجنوب الذين تلوه في الحركة بل بسبب عدم اكتراث إسلاميي الشمال لوحدة السودان التي كان يضعها الفقيد في حدقات عينيه ولأيمانه بدورٍ رائدٍ للسودان في كل أفريقيا... لقد ابتلينا بأناس يحكمون السودان بأصغريهم، قلوبهم وألسنتهم، "بالعواطف والشعارات"، لا بالعقل والفكر، لذا نراهم يعرّضون أمن السودان ووحدته للخطر بحنثهم بالوعود وتكالبهم على السلطة، بل على وزارة واحدة لا يدري المرء حتى هذه اللحظة ما أهميتها في جدلية الوحدة والإنفصال... في سياق هذا الكتاب بعض الأجوبة على كثيرٍ من الأسئلة التي ظلت تترى على عقول المواطنين ولا يجدون الإجابة لها...تجدونها موزعة عبر صفحاته في مقالات تغطي مراحل من ليل السودان الدامس، غير أن العين الفاحصة لن تضل الطريق إلى بعضٍ منها...فلكل حالة فشل كان هناك تبيان لإسبابه وكيفية علاجه...فأرجو أن يتمكن البعض من استخراج ما يحتاجونه من بين اسطرها، في بحثهم عن الإجابة على السؤال الذي لا يزال أحادي: كيف ندير البلاد بمنهجٍ يقود إلى بناء مجتمع الرفاه؟... فذلك لعمري هو مناط العمل السياسي، تاكتيكاً واستراتيجيةً وايديلوجياً... فلم يأت على السودان حينٌ من الدهر كالذي نحن فيه، توافرت له كل عوامل تخطي الأُطر التقليدية التي أنجبت الأحزاب السياسية المصابة بالزهايمر، وتشييد بناء جديد يضع البلاد والعباد في المكان الذي يليق بهما... فهل من معين في الوصول إلى صيغة تقودنا إلى تلك الغاية؟ محمد موسى جبارة 18 مارس 2010 *مقدمة كتاب للمؤلف بهذا الاسم يُعرض حاليا في معرض الكتاب الدولي بالبحرين MOHAMED MUSA GUBARA [ [email protected] هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته ]
نقلا عن سودانايل
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: أحقا قتلنا طائر النورس؟ ... بقلم: محمد موسى جبارة مقال جدير بالقراءة (Re: abubakr)
|
Quote: وليتهم تخيروا خيار الناس ممن يستعان بهم في النماء والتطوير وتوطين لكنهم من فرط نهمهم للسلطة وإفراطهم في الثراء الحرام وإشباع غرائزهم الدنيا، استعانوا بقومٍ كخشاش الأرض، فزادوهم رهقا
|
عدل:
Quote:
لقد عوّل الناس كثيراً على الحركة الشعبية لتحرير السودان وعلى زعيمها الراحل د. جون قرنق الذي كان لاغتياله وقع الصاعقة على مجمل العمل السياسي... فقد كان الرجل مؤسسة قائمة بذاتها وباغتياله أصبح أهل الشمال من غير المنتمين للحركة الشعبية في حيرة من أمرهم، وهم الذين وضعوا كل آمالهم في الرجل بعد أن أصابهم اليأس في كل ما يأتي من الشمال... وقد كانوا محقين في ذلك...فكل الأنفراج في الحرية الذي شهدنا، وكل التنازلات التي حدثت من جانب السلطة الدينية لم تكن إلا بفضل العقل الثاقب للشهيد الراحل، والفعل الناجز لسياساته... ومع احترامنا لقدرات وامكانات قادة الحركة الشعبية الآخرين، فأن اغتياله قد ترك فراغاً من الصعب ملأه، لا لسبب، إلا لكون السودان لم ينجب سياسياً مثله يتميز بالرؤية والخيال والتفكير الشامل والفعل الناجز في آنٍ معاً... اغتيال الدكتور جون قرنق وضع السودان كله على مفترق طرق، الإنفصال فيه أقرب من الوحدة... ليس لإنفصالية قادة الجنوب الذين تلوه في الحركة بل بسبب عدم اكتراث إسلاميي الشمال لوحدة السودان التي كان يضعها الشهيد في حدقات عينيه ولأيمانه بدورٍ رائدٍ للسودان في كل أفريقيا
|
خشاش الأرض؟؟؟؟
عزيزي ، ليتهم أتوا به، هؤلاء لبؤسهم لا يأتون بشيء ، ولكن خشاش الأرض، هذا هو من أتى بهم. أتى بهم ليشتتوا له أبناء بلادنا في الصحاري العقيمة ليحلوا محلهم على ضفاف النيل، سحالي الأرض وديدانهاهذه تمنح أجمل بقاع الخرطوم خشاش الأرض هذا اتى بهم لتسخير إقتصاد البلاد لدعم الإرهاب الدولي ، خشاش الأرض هذايستولى على اقتصاد البلاد، ليس في بلادنا بنك وطني واحد، جميع البنوك يمتلكها خشاش الأرض. خشاش الأرض هذا أصابه الرعب من الملايين التي استقبلت قرنق. ستمر السنوات وستكشف الأيام عمن كان وراء اغتيال قرنق
تحياتي
| |

|
|
|
|
|
|
Re: أحقا قتلنا طائر النورس؟ ... بقلم: محمد موسى جبارة مقال جدير بالقراءة (Re: محمد أحمد الريح)
|
طائر النورس السوداني حط رحاله في معرض البحرين للكتاب
مدخل
"إن الذين يقرأون التاريخ ولا يتعلمون منه أناس فقدوا الإحساس بالحياة، وإنهم اختاروا الموت هرباً من محاسبة النفس أو صحوة الضمير والحس".
أرنولد توينبي
صدر يوم أمس الأربعاء الثالث عشر من شهر مارس الجاري للعام 2010م كتاب الأستاذ محمد موسى جبارة (أحقاً قتلنا طائر النورس..فتُهنا في اللُجة كالملاح القديم..؟.) في 480 صفحة في طبعة فاخرة وهي عبارة عن مقالات توثيقية للأوضاع السياسية في السودان في الفترة من (1969-2009م) ومن جميل الصدف أن صدور الكتاب جاء متزامناً مع افتتاح معرض البحرين الدولي للكتاب في نسخته الرابعة عشرة، في مطبوع فاخر شكلاً ومضموناً، والكتاب جدير بالقراءة والاطلاع.
فكلما أخذتنا الأحداث الجسام بعيداً إلى الكوارث والمآسي نجد أنفسنا أحوج ما نكون إلى معرفة الأسباب غير المنظورة والعميقة التي تقف وراء هذه الأحداث، ومن هنا فنحن مضطرون إلى مدارسة التاريخ بكل ما فيه من صفحات سُود وعلامات بيض وقصص وحكايات وأدب.. وطرافة حتى نتعرف على ذاتنا من الداخل من خلال معرفة الجينات المرتبطة بنا وأجدادنا في القرون الأولى لتاريخنا.
وفي هذا الصدد
يقول الشاعر أحمد شوقي:
أقرأوا التاريخ إذ فيه العبر... ضل قوم ليس يدرون الخبر
بلا شك إن التاريخ هو ذاكرة الأمم، ولا تستطيع أمة أن تعيش بلا ذاكرة، ودراسة التاريخ واستخراج الدروس والعبر منه هو دأب الأمم القوية فالتاريخ مرآة الشعوب وحقل تجارب الأمم في صفحاته تكمن الدرر والنفائس للذين يريدون الوصول إلى النهايات السعيدة.
فهذا الكتاب الذي بين أيدينا فيه الكثير من الوقائع التاريخية التي تجعلنا نستبصر الطريق، وفيه الكثير من العلامات الدالة على أهمية التوثيق وتدوين الوقائع والأحداث المهمة في تاريخ حياتنا سيما ونحن في السودان لا زلنا نتعسر في الطريق ولا ندري أي مخرج يخرجنا من أزماتنا المتكررة، والتي تُشابه بعضها البعض دون أن نستفيذ من التجارب.
مع صدور هذا الكتاب أكون أسعد إنسان على وجه البسيطة، خاصة عندما أرى الأيادي السمراء تُقلّب صفحاته، فيخرج من بينها ما يعجب الزُراع، وعبق الأيام الجميلة..والأخوة الصادقة، والزمالة الطويلة التي امتدت واصبحت أرحاماً..ومودةً وسكناً.
وعندما يصل هذا الكتاب إلى القراء الكرام تكون المكتبة التوثيقية السودانية قد ازدانت بكتاب جديد يغطى تاريخ السودان السياسي الحديث الذي لم يجد حظه من التوثيق بالشكل الذي نتعلم منه صناعة المستقبل الجديد للسودان، وقليلة هي الكتابات التي تعكس خفايا الاحداث العظام التي مرت بها بلادنا منذ استقلالنا حتى الأن.
هذا الكتاب الرائع الجميل هو مجموعة مقالات كتبها أستاذنا الجليل محمد موسى جبارة في عدد من الصحف السودانية وكُبرى المواقع السودانية على شبكة الانترنيت، يحمل في جعبته توثيقاً صادقاً وأميناً لجزء مهم من تاريخ السودان في الفترة من 1969-2009م، وقد حوى الكتاب كل ما يألفه القارئ السوداني المشهور بالقراءة من أدب رصين وذكريات مفعمة بحب الوطن..وأحداثاً مهمة وكأنها حدثت الآن، وقد تميز الكاتب بذاكرة متقدة.. حنينة.. وشفافة.. فيها تصوير بليغ للأحداث وبتفاصيلها الدقيقة وأسماء من شاركوا فيها، ومن هنا تنبع أهمية هذا الكتاب بالنسبة للأجيال القادمة.
كذلك يزخر الكتاب بمعلومات ثرة عن حِقب سابقة عاشتها بلادنا وكان لها الأثر الكبير في تشكيل صورة الواقع السوداني الحالي، لذا أقول أن مادة هذا الكتاب تمثل أهمية كُبرى للكثير من الذين لم يعايشوا الأحداث الجسام التي مرت بها بلادنا العزيزة في تلك السنوات، وبالتالي هذه المقالات تفك طلاسم وعلامات استفهام كبيرة للكثيرين منا خاصة الذين لم يكن لهم اهتمامات سياسية في الماضي.
إن أهمية هذا المكتوب تتجسد في تصويره وعكسه للإضاءات التاريخية للأربعين سنة المنصرمة من كون كاتبه واحداً من جيل هو الأعظم من السودانيين الذين مروا على جامعة الخرطوم في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، هذا الجيل.. هو الذي شكّل الصورة الجميلة للسودان.. في كل بلاد العالم، منهم القانونيين والأطباء والأكاديميين والمهندسين والاقتصاديين، نشروا في بلاد العالم قاطبة إرث أهل السودان في إكرام الضيف، والأمانة، والطيبة، والتسامح حتى فتحت لهم كُبرى المؤسسات المالية والأكاديمية والاقتصادية والحقوقية ومنظمات الأمم المتحدة أبوابها فكانوا خير سفير لشعب السودان.
كاتبنا العزيز الأستاذ محمد موسى جبارة الخبير في القانون الدولي وفي الملكية الفكرية، فقد اختار لنفسه أن يكون في الموقع الذي يُمكنه من خدمة بلاده بالشكل الأمثل خاصة وأن الأقدار جاءت بغير ما تشتهي السفن فخرجت الكفاءات السودانية للخارج تضرب في الأرض حيث وصلت إلى بلاد لم تكن في حساباتها على الاطلاق، وللأسف أن هذا الجيل كان من المفترض أن يخدم بلاده من الداخل لكن القائمون على الأمر وجدوا في أنفسهم الكفاءة والخبرة بحيث استغنوا عن أفضل الكفاءات التي تقود في الوقت الحالي دولاب مجالات شتى في عدد كبير من الدول، فخسر السودان أقدر أبناءه وأفضلهم على تحمل المسئوليات الوطنية ومن ثم التقدم به لعالم التطور والرفاهية.
فكان استاذنا من هذا الجيل الوفي الذي لم يضن على بلاده بالمساهمات الوطنية في كافة المجالات، والكثير منا لا يعلم بأن مُؤلف هذا الكتاب الأستاذ محمد موسى جبارة قد لعب دوراً مهماً في عدد من المبادرات الوطنية من خلال موقعه في العاصمة السويسرية جنيف التي عمل بها مستشاراً قانونياً بدار المال الإسلامي، ثم بعدد من منظمات الأمم المتحدة، وآخرها المنظمة الدولية للملكية الفكرية، ثم قِدم لمملكة البحرين حيث يعمل حالياً مستشاراً قانونياً بوزارة الإعلام البحرينية ومن خلال موقعه هذا ساهم بفكره وجهده في العديد من المجالات.
وبهذه التجربة الثرة في الحياة كتب هذه المقالات التي تشرفت الصُحف والمواقع الالكترونية السودانية الكُبرى بنشرها متناولاً الشأن الوطني بتجرد ونكران ذات لا مثيل له أشهد له به في مواقف كثيرة عرفتها عنه عن قرب، متمنياً لبلاده كل الخير والسُؤدد.
هذا الكتاب.. يزخر بكل ما هو جميل ورائع من حيث المتعة في سلاسة اللغة، وتناول الأحداث من كل زواياها القانونية والسياسية والأدبية والثقافية، ومن زاوية القانون الدولي، والاقتصاد والمجتمع والتراث السوداني الأصيل، من خلال قالب سودانوي تمثلت فيه كل فنون الابداع السردي، وقد زخر الكتاب أيضا بعدد وافر من العبارات السودانية التراثية القديمة والحِكم والأمثال التي لا يعرفها جيل اليوم، مُعيداً للغة المجتمع السوداني حيويتها ورونقها، فنجد (المغطى وملان شطة) و(التالتة واقعة)...إلخ.
وفي سرده لذكريات جامعة الخرطوم ودفعة الدراسة يصور لنا البيئة الجامعية آنذاك من خلال أبياتاً من الشعر الحلمنتيشي أوردها في إحدى المقالات داخل هذا السفر الرصين. إذاً هذا الكتاب عبارة عن حديقة غناء فيها كل ما هو جميل، برغم الآلام التي تصاحب القارئ أثناء قراءة الواقع السياسي السوداني الأليم، وقد كانت لمتابعات المؤلف للأحداث التي تجري في بلادنا، وعلاقاته ا########دة بمؤسسات المجتمع الدولي، والسودانيين المنتشرين في أجزاء العالم المختلفة دور كبير في معرفته لخفايا هذه الأحداث، وقد ظهر ذلك جلياً في ثنايا الكتاب، وبرغم توثيقه لأحلك الفترات في تاريخ البلاد، إلا أن تناوله لكثير من الأحداث لم يخلْ من حس دعابة وجميل طرافة أعطت الكتاب لوناً ومذاقاً حلو الإفادة.
وحقيقة أنا ممتن للمؤلف وقد قلدني وسام شرف كبير بأن جعلني على صلة بعملية إصدار هذا الكتاب القيم، وأجد نفسي في مكان أحسد عليه تماماً كما تقول العبارة، لأن العارف لا يُعرف أولاً لأن الاستاذ محمد موسى جبارة علم يرفرف في كثير من المحافل الدولية والأقليمية والعربية والسودانية، وفي دنيا المهاجر على مستوى الدول الغربية ثانيةً، فأنا شاكر له هذا الصنيع، سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يبارك في صحته وفي أيامه وأن يطيل عمره وقد عهدناه معلماً وناصحاً ومربياً وله العشرات من الشباب الذين أخذ بأيديهم إلى مرافئ العلم والرفاهية، كما أسأله تعالى أن يجزيه خيراً بكل حرف كتبه في هذا الكتاب.
خالد عبدالله – ابواحمد
مملكة البحرين
13 مارس 2010م
| |
 
|
|
|
|
|
|
|