ها أنت تغيب عنّا يا عبد السلام .... بقلم د. محمد محمود

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 04:41 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-20-2010, 11:00 AM

د.محمد بابكر
<aد.محمد بابكر
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 6614

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ها أنت تغيب عنّا يا عبد السلام .... بقلم د. محمد محمود



    ها أنت تغيب عنّا يا عبد السلام .... بقلم د. محمد محمود
    (1)
    ها أنت تغيب عنّا يا عبد السلام، ها أنت تُغَيَّب عنّا، وفي ظرف فاجع، يا عبد السلام. وبموتك نفقد عمودا هاما وركينا من أعمدة حركة حقوق الإنسان وحركة التغيير والتقدم والتحرير في بلادنا. عملتَ بصبر ودأب وإصرار وعزيمة لا تفتر، عملتَ بنكران ذات ومن غير ضوضاء، وظللتَ، وفي أحلك الأوقات، متشبثا بحلمك من أجل عالم أفضل وأجمل، وشمعتُك أمامك تضيء دربك وتلقي بنورها في دروب آخرين ممن أتاح لهم حسن الحظ أن يعرفوك ويعملوا معك.
    (2)
    كان مدخل عبد السلام لقضايا حقوق الإنسان مدخلا تشابك فيه انتماؤه السياسي وتجربته الشخصية ومهنته. فانتماؤه السياسي أدى في فترة من فترات شبابه لاعتقاله مما جعله يتذوق تذوق المعايشة ما معنى أن يكون الإنسان سجين رأي. ولقد درس عبدالسلام القانون وامتهن المحاماة وكان من الطبيعي أن يكون منفتحا على خطاب حقوق الإنسان ومهتما بقضايا حقوق الإنسان التي ما برح المحامون في السودان في طليعة المدافعين عنها. إلا أن التحول الأكبر حدث لعبد السلام في إنجلترا في التسعينات عندما وجد نفسه عاجزا عن العودة لوطنه عقب إنقلاب الإسلاميين ومضطرا للتقديم للجوء السياسي، وهي وضعية موازية على مستوى معين لوضعية سجين الرأي إذ أن الإنسان يقاسي حرمانه من وطنه وأهله وهي مقاساة تمتد للآخرين الذين يُحرمون منه. وفي بداية التسعينات أعادت المنظمة السودانية لحقوق الإنسان انطلاقها وكان عبد السلام ضمن مجموعة القلب التي وضعت المنظمة في قلب النضال ضد عسف الإسلاميين ومالبث أن أصبح أمينها العام. كانت المنظمة السودانية بمقرها في لندن بوتقة صهر جديدة لكل العاملين في مجال حقوق الإنسان ووجد العاملون فيها أنفسهم أمام تحد فكري كبير وهو تحدي الارتفاع بخطاب المنظمة وخطاب حقوق الإنسان وسط السودانيين لمستوى جديد يفتحه على الخطاب العالمي لحقوق الإنسان. كان هذا هو الظرف الذي أفضى للتحول الكبير في وجهة عبد السلام، إذ أنه كان من القلائل في حركة حقوق الإنسان السودانية الذين ارتفعوا لمستوى هذا التحدي.
    وكان من الطبيعي أن يرتفع عبد السلام لمستوى التحدي وذلك بحكم تكوينه الفكري ومزاجه العقلي ومجموع حساسيته. كان كبير العقل، ولكنه لم يكن فقط كبير العقل وإنما كان أيضا منفتح العقل. كان بحكم مزاج متأصل فيه شغوفا بتأمل المسائل عن قرب وتقليبها بحاسة من يحاول تلمس أضلاعها وزواياها، وربما تكون هذه عادة ذهنية نتوقعها عند من يمارس المحاماة إذ لابد له من الإمساك بالتفاصيل. إلا أن عقل المحامي كثيرا ما يتوقف عند التفاصيل. وعقل عبد السلام لم يكن يتوقف عند التفاصيل لأنه، وبحساسية شبيهة بحساسية الفيلسوف الباحث عن الحقيقة، يريد أن يلمس الصورة الكبيرة التي تكمن وراء التفاصيل. هذه الصورة الكبيرة كانت همّا مقيما عنده ومحاولة تلمسها لم تكن مصدر معاناة فكرية فحسب وإنما أيضا مصدر متعة فكرية لا تنضب لأنها كانت بالنسبة له جزءا أصيلا من مغامرة الحياة.
    (3)
    وانفتاح عقل عبد السلام جعله شخصا معاديا للصنمية، سواء كانت صنمية الانتماء الإيديلوجي أو صنمية الانتماء الديني. كان منتميا ولامنتميا، كان منتميا بكليته لفلسفة حقوق الإنسان وخطابها وأصبح الدفاع عن حقوق الإنسان همه اليومي الشاغل وما كرس حياته له. وكان لامنتميا فيما يتعلق بالانتماء السياسي المنظّم ولامنتميا فيما يتعلق بالانتماء للدين المنظّم.
    إلا أن ابتعاده وعزوفه عن الانتماء السياسي المنظّم لم يكن عزوفا عن السياسة بمعناها الواسع الذي لا يستطيع الإنسان أينما كان وفي أي زمان عاش الانفكاك منها ومن آثارها. فهو يعي بالطبع وعيا عميقا غوص السياسة في حياتنا، وبالذات نحن أهل البلاد التي يسودها الاستبداد، وهو يعي بالطبع أن النضال من أجل حقوق الإنسان هو نضال من أجل تغيير واقع الاستبداد السياسي بواقع سياسي ديمقراطي، وبذا فإن حقوق الإنسان لا تنفصل عن الرؤية الديمقراطية وعن التحول الديمقراطي. إلا أن عبد السلام وجد أن انتماءه السياسي المنظّم لم يشبع طاقته التغييرية وحسه الديمقراطي العميق وجعله يعمل في إطار أكثر ضيقا مما كان يطمح له ويخضعه لخطاب التقية السياسية وثقافة الحلول الوسط .
    (4)
    أما عداؤه لصنمية الانتماء للدين المنظّم فإنه لم يكن بالأمر المستغرب إذ أن مثل هذا الانتماء لا ينسجم مع عقلانيته التي تنفر من الخرافة ولا ينسجم مع حسه الأخلاقي الذي ينفر من أي رؤية لا تساوي بين البشر وتسهم في تعاستهم. كان من الطبيعي أن يقوده ذلك لتبني الموقف العلماني وبدرجة أعلى من الجذرية. صحيح أن جذور علمانيته تعود لموقفه السياسي كيساري، إلا أن هذا الموقف تطوّر عند عبد السلام ليصبح أيضا موقفا منفتحا على موقف فلسفي محدد وهو موقف الإنسانية العلمانية. كان آخر حديث بيني وبينه قبل أيام من موته يدور حول مسائل العلمانية والعقبات التي تواجهها في بلادنا. وحكى لي عن النقاشات عن العلمانية التي دارت في المؤتمر الذي كان قد أشرف على تنظيمه في كمبالا عن قضايا الإصلاح القانوني في السودان والذي كان قد عاد لتوه منه. كان، كالعادة، متفائلا بأن المعركة الفكرية في بلادنا وفي باقي البلاد الإسلامية ستحسم لصالح العلمانية، وتحدثنا، كالعادة عن مظاهر التقصير في عمل العلمانيين وضرورة تجاوزها.
    (5)
    وتفاؤل عبد السلام كان من أبرز صفاته، ولعل هذا التفاؤل هو ما يفسر "سرّه". لعل هذا التفاؤل هو الذي دفعه للعمل المتواصل الذي يكره التوقف، ففي أي وقت تتحدث معه تجد أنه في بداية مشروع أو غارقا في مشروع أو على وشك الفراغ من مشروع. كان رغم مشاكله الخاصة والمشاكل المحيطة به قادرا على تهيئة ذهنه وتوجيه طاقته للدخول في مكابدة يومية وهي مكابدة رصد انتهاكات حقوق الإنسان ومحاولة الارتفاع الخلاق فوق واقع العسف والانتهاك لاستشراف واقع بديل عبر تقديم حلول بديلة. لم يكن يملك العقل الكبير الذي ينتقل من الصورة التفصيلية والمباشرة للصورة الكبيرة فحسب وإنما كان أيضا ينطوي على الحلم الكبير الذي يحاول تجاوز الواقع الكابوس. وكان من الطبيعي لشخص مسكون بمثل هذا الحلم أن يكون متفائلا. ولعل هذا التفاؤل هو ما يفسر بشاشته التي كادت أن تكون محفورة على وجهه وروح المرح والدعابة التي قلما كانت تفارقه.
    (6)
    كان عبد السلام عقلا كبيرا تصدر عنه حكمة عميقة ورأي موزون، وكان أيضا قلبا كبيرا. كان منطويا على محبة عميقة لا تنضب، محبة لم تمسخها ظروف الأيام وتصاريف الأحوال، وإنما ظلت متقدة اتقادا شفيفا تحسه دائما في تعامله اليومي مع كل من يدخلون دائرة تعامله. ولعل هذه المحبة التي تملأ جوانحه هي التي تفسر طبيعة السلام التي اتسمت به علاقاته، فعبد السلام كان يشع سلاما وتسامحا وانفساحا. كان من الممكن أن يتضجر ويتضايق ولكنه لم يكن يكره، وكأنه كان عاجزا تكوينيا عن أن يكره.
    وكان عبد السلام مثقفا لا يعرف فضوله المعرفي حدودا. كان يقرأ دائما، وكان متنوع القراءة يقرأ في مختلف ضروب المعرفة، وكأن نموذجه هو المثقف الموسوعي. كان مشتعل الذهن ويتوقد دائما بالتساؤل. وكان يستمتع بالنقاش ويشتهيه وكأنه غاية الطلب، يستغرق بكليته في النقاش وكأن الزمن قد توقف والمكان قد انجمع. وعندما تتناقش معه فأنت في فضاء فسيح متنوع لا تحده حدود تنتقل فيه من موضوع لموضوع، والحديث معه غالبا ما ينتهي بخيوط معلقة تنتظر فرصتها لتُحْبَك في نسيج أحاديث لقائك القادم به (وما زالت عندي خيوط معلقة من آخر حديث بيننا ومن أحاديث في مناسبات أخرى، خيوط تنتظر الحبك، وهيهات الحبك).
    (7)
    عاش حياة بسيطة متقشفة أقرب ما تكون لحياة الزاهد. عاش ومركز حياته ليس "أناه" ولكن الآخرين وهموم الآخرين وحقوق الآخرين. لم يترك إلا القليل بحساب الأشياء ولكنه ترك الكثير بحساب القيم، وترك آثار أقدام على الطريق لعالم أفضل وأجمل.
                  

03-20-2010, 01:28 PM

عبدالغفار محمد سعيد
<aعبدالغفار محمد سعيد
تاريخ التسجيل: 04-17-2006
مجموع المشاركات: 10075

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ها أنت تغيب عنّا يا عبد السلام .... بقلم د. محمد محمود (Re: د.محمد بابكر)

    رحمه الله رحمة واسعة
    يمثل عبدالسلام فقدا عظيما لحركة حقوق الانسان فى السودان

    التعازى الصادقة ل د. محمد محمود

    والشكر ل د. محمد بابكر لنشر النص
                  

03-20-2010, 03:33 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ها أنت تغيب عنّا يا عبد السلام .... بقلم د. محمد محمود (Re: عبدالغفار محمد سعيد)

    Quote: كان مشتعل الذهن ويتوقد دائما بالتساؤل. وكان يستمتع بالنقاش ويشتهيه وكأنه غاية الطلب، يستغرق بكليته في النقاش وكأن الزمن قد توقف والمكان قد انجمع. وعندما تتناقش معه فأنت في فضاء فسيح متنوع لا تحده حدود تنتقل فيه من موضوع لموضوع، والحديث معه غالبا ما ينتهي بخيوط معلقة تنتظر فرصتها لتُحْبَك في نسيج أحاديث لقائك القادم به


    Abdelsalaam loved social gatherings that did not include those who get drunk... he did not mind to be in a social drinking gathering 'Ga3da'... he always wanted to enjoy debates/discussions in a Wanassa format... His soft way of telling stories from his own life experience made him an important focus in any social Ga3da... He was a unique Hakawati, i.e. Story-teller
    yes, he's a man anti-dogma ....the same way he was against violence especially physical violence...
    You will stay in the memory of your generation and those to follow


    mohamed elgadi
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de