|
|
 نساء صنعن السلام(توجد صور)
|
حكايتهن..حكايتي
نساء صنعن السلام...(1)
د.ناهد محمّد الحسن
تعكف مجموعة (سالمة)لدراسات المرأة هذه الأيّام بمعاونة خبراء على تدوين تجربة مميّزة في التاريخ السوداني النسوي .ممّا يعتبر اسهاما مقدّرا في تدوين التاريخ المنسي والذي عادة ما يضيع أدراج الرياح وتضيع معه فرص عظيمة في التعرف على أنفسنا وعلى هويتنا وإنساننا كشعوب قليلا ما تتحدّث عن نفسها ونادرا ما تعيد تقييم تجاربها وتستفيد منها.وقد صدف انّني كنت في تلك الرّحلة التي قصدت مدينة جوبا العريقة والتقت بسيّدات جنوبيات أسهمن في خلق هذا الواقع المسالم في السودان دون كثير جلبة..!
كانت الحكايات من نوع الأوجاع التي تحسّها وتفهمها النّساء عن الحرب..دموع الصغيرات وولادات تحت وابل من الرصاص وأيام خلف السلاح وعبور حافي عبر أدغال كثيفة عادة ما يموت فيها الأقارب ..لتعبر سيدة ما ..بصغارها خلف الأنهار تكابد شظف المعسكرات وذلّ اللّجوء ..تنتظر ان تضع هذه الحرب أوزارها بإيّ شكل ...(صحيح انّ الأطفال والنّساء هم أكثر من يعاني في الحروب لكنّهم الأقدر على الصمود والتواؤم مع مقتضياتها هكذا قالت الدكتورة باولين رياك رئيسة مفوضية مكافحة الفساد بحكومة الجنوب..قبل أن تستأنف:مات 60% من الرجال الذين بلغوا المعسكرات لكن نحن النّساء لم يكن بوسعنا أن نموت لقد كان لدينا الكثير لنفعله..!في معسكرات اللاجئين بكينيا ..اجتمعنا نحن النسوة...وقلنا ..نحن سودانيات والسودانيات لا يتسولن في الخارج لهذا عملت من لديها مقدرة ومهارة على العمل لتعول الباقيات ...في مجتمعات كانت معادية جدّا للغرباء ولم يكن بها قوانين تحميهم ..استطاعت النسوة أن يتضامن مع بعضهن البعض ويرتفعن على جراحهن ..كانت الجيوش تنفصل تارة وتتوحّد في أخرى ولكنّنا كنّا مع بعضنا متحدات ..قد يستنكر رجل ما ذهاب زوجته لتعاود مريضة ينضم زوجها لفصيل مختلف ويسميه العدو لكن النساء كن يقلن ..:ليس هنالك عدو فقط هنالك امرأة مسكينة ووحيدة تنجب طفلها ..!..وبهذا التسامي على كل غبن كنّ قادرات على معانقة نساء من الشمال والتوحّد معهن من أجل السلام ..فبالنسبة لهن ..كانت تلك المرأة هي أم مثلهن فقدت ابنها او زوجها او أخيها في الحرب ...قالت ربيكا جوشوا:من نسمّي عدوّتنا ؟هل هي تلك التي كانت ترفع لأسرتي صحن اللقيمات بظهر الحوش في كوستي؟ سيّدة تتقاسم معك زادها ؟..هذه لن تكون يوما عدوّتي أبدا..انفصل السودان أم لم ينفصل سنظل نحن نساء السودان متّحدات ..!
قال السيّد المسيح:إنّ الذي يحب ان يسكن أورشليم لا يبني بيتا في السامرة..!فالحياة الدنيا والآخرة على خلاف كما كانت تلكم المدينتين..سيذكر النّاس في السودان الرّجال الذين وقّعوا على اتفاقية السلام ولقد رأيت بأمّ عيني كيف يحيّي عساكر الجيش الشعبي الرّاحل قرنق كلّما اقتربوا من الضريح ..وانا والكثيرين غيري سنحس دائما انه توسّد ضريحه بعد أن أنجز مهمته على أكمل وجه ..والمدينة من حوله تنمو وتزدهي ..إنّ الرّجل الذي يحيّيه شعبه ميتا وحيّا بذات الوقار والحب لهو رجل جدير بالإحترام..ولكن من يعرف ميري نيالانق وأبوك باييتي وبياتريس ابير ومادلينا فيليب وربيكا جوشوا وباولين رياك وغيرهن كثيرات ..من النساء اللاتي خطن كفنا وحملنه على كتوفهن وهن موشّحات بملابس الحداد يندبن ويولولن في مشاكوس ليضغطن على السّاسة من أجل توقيع السلام..؟! من يعرف شيئا عن النسوة اللاتي كن يؤجرن المركبات العامّة وينتظرن بالمئات في مشاكوس ونيفاشا ليعرفن ماهو مصير الحرب ...من يعرف أنّه في اللحظات التي كان فيها السّاسة يعلفون الحرب بهدايا الأرحام الباهظة كانت النساء السودانيات في الجنوب والشمال يلتقين بعيدا عن الحدود ويتقاسمن شقاء الحرب ويتبادلن الهدايا وأخبار الديار ...فإلى ربيكا جوشوا أقول:دعيهم يقتسمون الثروة والسلطة /وغبار البارود وكلّ مايفرّقهم /وتعالي نقتسم أحزاننا ../لهفة الحياة في أرحامنا /نظافة باحة الدّار /أوجاع الغائبين/رغيف الخبز /وثرثرات المساء /وكل ما يجمّعنا/)..والذين كانوا يظنّون أن عاطفية النّساء عيب وضعف ..فليصفوا لي رجلا بهذه الشجاعة ...حين انضمت ميري نياولانق الى معسكرات التدريب كيافعة كانت تود ان تحقق العدالة عبر السّلاح وفي اللحظة التي جاءتها فيها الآم الطلق بطفلتها الأولى كانت وحيدة في الأدغال وأطنان الرصّاص تزخّر الجو بالبارود وفي لحظات الجوع والعطش وعلى أرض الدغل الموحشة بدون أم ولا أهل ولا رفيق ..ودون قدرة حتّى على تخليص نفسها وطفلتها بقواها الواهنة وهي تتوسّد سلاحها ..انجبت ميري طفلتها الأولى ..وقطعت حبلها السرّي وحملته عبر الأحراش طريقا طويلة جدّا على ايّ رجل قبل ان تنتهي في إحدى المعسكرات ...ومن أجل هذه الطفلة الجميلة وإخوتها كانت ميري مستعدّة ان تضع سلاحها في ايّ وقت ما جنح السّاسة للسّلم ...كانت ميري تحكي حكاياتها بين الضحك والبكاء ..وتذكر لنا كيف يمازح تلك الطفلة إخوتها بعبارة (فتاة الدغل!) وهي تردّ عليهم بفخر ..(فليكن فتاة الدّغل ..على الأقل لدي شيء لأحكيه عن هذه الحرب!)..أجل لميري نياولانق الكثير لتقصّه على ابنتها ..فهي فتاة اكتوت بالحرب فصمدت لها ولكنّها كانت تفتح بابها وقلبها دائما للسلام..! قليلون هم الذين يعرفون ميري في الشمال ولكن كثيرون وكثيرات في الجنوب يحفظون صنيعها من أجل الأرض والسّلام وبالنسبة لنا في الشمال ..توحّد الجنوب او انفصل سنكون مستعدّات دائما لأن نقف قريبا جدّا من تلكم النساء العظيمات ..وفي الجنوب اليوم انخرطت النسوة في الإنتخابات العامّة كمرشّحات ينافسن فيما هو أكثر من 25% ...وتدرون ماذا سيحدث ...نحن النساء السودانيات في الشمال والجنوب سندعم بعضنا بعضا ..فوحدنا نحن من نعرف قضايانا والامنا ..وسأتطوّع بمنتهى الفخر لخدمة الحملات الإنتخابية لتلكم النسوة ..لأنّهن جديرات بكلّ خير..وأنا على يقين أن سيّدة تلد ابنتها في دغل وتحملها وهي في فترة النفاس إلى خارج الحدود وتمنحها الحياة والمستقبل في ظروف قاهرة ..هي سيّدة يشرّفني ان اكون في كنفها مواطنا ينعم برعايتها السّاهرة ...!
محطّة أخيرة:
إلى العزيزة ميري نياولانق وإلى كل فتيات
Sudanese Women Empowerment for Peace: SuWEP
زيّي وملزّمة كوم هموم/ما قمتي ربّوك بالدلع/ماكنت شفتك بالعيون ولا عرفتك بالسّمع/لكن وصفتك في الخيال /شكليش يوحّدنا الوجع/راقدة وموسّدة كوم تراب/ورجليك مغطّيهن دغل/جاتك مواعيد ولدتك/في الضيقة والهم دون أهل/ومن فوقك انفتح الرّصاص /والجوعة والخوف والمحل/لا قادرة تدعمي شان جناك/لا راضي يعفيك الأجل/ /يا صابرة صبرا يلحقك/يقطينة والحوت في البحر/ الكان معاك وصبّرك /يبراكي لي آخر محل...!
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: نساء صنعن السلام(توجد صور) (Re: ناهد محمد الحسن)
|
| Quote: ..إنّ الرّجل الذي يحيّيه شعبه ميتا وحيّا بذات الوقار والحب لهو رجل جدير بالإحترام.. |
ياسلام ياناهد, هذا الكلام من أجمل ماكتب فى فقيد
السودان قرنق .
تحيه لميرى وأخواتها صناع السلام ,, والتحيه لكم
وأنتم تجتهدون فى صناعة السودان الجديد .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: نساء صنعن السلام(توجد صور) (Re: ناهد محمد الحسن)
|
حكايتهن...حكايتي
نساء صنعن السلام(2)
د.ناهد محمّد الحسن
تعكف مجموعة (سالمة)لدراسات المرأة هذه الأيّام بمعاونة خبراء على تدوين تجربة مميّزة في التاريخ السوداني النسوي .ممّا يعتبر اسهاما مقدّرا في تدوين التاريخ المنسي والذي عادة ما يضيع أدراج الرياح وتضيع معه فرص عظيمة في التعرف على أنفسنا وعلى هويتنا وإنساننا كشعوب قليلا ما تتحدّث عن نفسها ونادرا ما تعيد تقييم تجاربها وتستفيد منها.وقد صدف انّني كنت في تلك الرّحلة التي قصدت مدينة جوبا العريقة والتقت بسيّدات جنوبيات أسهمن في خلق هذا الواقع المسالم في السودان دون كثير جلبة..!
الوجوه كانت تبدو مجروحة جدّا بإتجاه الذّاكرة ..الآن عبرت السيّدات اللاتي أسهمن في صنع السلام نحو بناء مجتمعهم ..مادلينا أطلقت ضحكة خجولة حين مازحناها بذكريات مؤتمر بجين لقضايا المرأة المنعقد في 1995 ..فعلى مسرح العاصمة الصينية كانت الأمسية الأفريقية تبحث عن تمثيل الدول المشاركة بالعروض الثقافية الوطنية ..كان لدى الراحلة ليلى المغربي بعض أشرطة الكاسيت السودانية واصطف على المسرح من أجل تمثيل السودان نساء كثيرات من الشمال بينهن الأستاذة سامية الهاشمي والناشطة النسوية الراحلة آمنة كنّة والأستاذة منال عبدالحليم والدكتورة آمنة الصادق بدري والأستاذة ندى هبّاش وغيرهن كثيرات..ليقدمن شيئا عن السودان في الخمسة دقائق المرصودة لكل دولة ,حين قامت السيدات الجنوبيات بمحاصصة الوقت المعد لهذه المناسبة لتمثيل جنوب السودان ..(شعرت بجرح بالغ ..)هكذا علّقت سامية الهاشمي:كنت أوّل مرة أشعر أنّ السودان قد ينتهي لدويلات عديدة ..شعرت بعدم حساسيتنا للتنوع الثقافي والعرقي في بلادنا ومع التوتّرات المبالغ فيها بيننا وإخواتنا الجنوبيات شعرت بالدهشة فقد كنّ ينظرن لكل قادم من الوطن وكأنه خائن أشعل الحرب ...كنّ غاضبات منّا وكذلك شعرنا تجاههن ..حين دفع بنا لدخول خيمة السلام من أجل تسوية خلافاتنا لم نعتقد أننا نستحق هذا الإجراء فقد كنّ خاليات الذهن من تداعيات الحرب على نساء مثلنا في الملاجيء والمنافي ..قالت مادلين فيليب:بيجين واللقاءات الأخرى التي جمعت الشماليات والجنوبيات في أسمرا وغيرها من أجل السلام ,استطاعت ان تقرّب بيننا شيئا فشيئا ..كنّا ننظر إليهن كنساء مرفهات بينما نحن ترمّل معظمنا وفقدنا الأبناء والإخوة والأهل في الحروب ..كنّا نحن اللاتي تحمّلنا وزر الحرب ..أردنا أن نريهم ان التعبير عن السودان يجب أن يشمل مناطق كثيرة مختلفة في الثقافة عنهم ..والآن بفضل تلك اللقاءات المتكرّرة استطعنا أن نفهم أنّهن كنّ يقاسمننا ذات الهموم والأحزان..يتألمن لمصابنا ويتضامنّ معنا ...حملت لي سامية الهاشمي على طول الرحلة من السودان إلى جنوب افريقيا هدايا من الوطن الثياب السودانية والطحنية وبعض الأغراض النسوية ..مافعلته تلك اللقاءات جعلتنا حين وفاة إبراهيم شمس الدين وزير الدفاع وقتها أن لا ننظر للحادثة بعين أننا تخلّصنا من عدو ..الحقيقة أنّ أوّل شيء فكّرنا فيه وقتها :ترى كيف هي أمّه الآن ؟لقد اختبرنا فقد الإبن ووحدها الأم هي التي تعرف كيف يجرح ذلك عميقا في القلب والأحشاء ..اقتربنا من بعضنا ووحّدتنا عاطفة المرأة من أجل أن نغفر ونسامح ونعمل من أجل وقف نزيف الحرب ..
توقفت الآن الحرب لخمسة سنوات ووقعنا الإتفاقيات لكن هل تقاربنا كما فعلت نساء السودان أيّام الحرب؟ لقد بذلن جهدا كبيرا من أجل تناسي جراحهن وقد ساعدتهن في ذلك مشاعر الأخوة الصادقة والمحبة والتضامن اللاتي شعرن بها من إخواتهن الشماليات ..الرغبة في الإعتذار ..والإستعداد للمصالحة ..ما نحن بحاجة إليه هو ديموقراطية راسخة تعمل من أجل حماية حقوق المواطنة للجميع ..تسمح ببساطة أن نتحاور ونتعلم أن نحب بعضنا بعضا في وطن بمساحة مليون ميل مربّع يتسع للجميع وستبقى به دائما مساحة لآخرين..
محطّة أخيرة:
شلتو وضعتو على الوجع /تاتيتو لامن قام مشى/ساهرتة فوقو ضرس ..ضرس /حمّى الليالي الموحشة/ماقلته فترانة وكفاي/ولا دميعتو اطّانشى/علّمتو كيف يكتب حروف /لا زوغة لا خوف لا خشى/كبّرتو لامن في الرجال/لا قالوا خاين لا ارتشى/ولليلة قلبي عليهو خوف/برجاهو لليل بالعشا / المابربي وبنتظر /مابعرف النار في الحشا
| |
|
|
|
|
|
|
| |
ناهد محمد الحسن
كمال سالم
JOK BIONG
Rihab Khalifa
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست