لونه الأسمر الذي لم يكن سواداً فاحماً _ ولم يكن يشفع له ليجعلك تصفه بأنه أبيض البشرة كان ككل شئ بهذه الأرض _ هذه المملكة _ مملكة الرب _ كل شئ فيها كان نيئأً , وسطاً فاكهتها _ خضرواتها _ حيواناتها _ وحوشها _ كل شئ فيها كان لا يشبه صنوه بالممالك المجاورة ألوان باهتة _ صفات كل شئ فيها دائماً ماتأخذ شكلاً هو (بين بين) _ بين السواد والبياض ماءها عكراً لا لون لونه _ لكنه عذب _ سماءها أتخذت لوناً ليس بالأبيض أو السماوي الأزرق الذي هو لون كل سموات الكون _ حتى بشرة غالب أهلها لم تكن بيضاء أو سوداء _ كان ذلك اللون الذي يشبه أرضها وماءها وسماءها ..
لم يعلم له أحداً أصلاً ولا فصلاً _ فجأة برز بينهم ليتصدر الأحداث ويجتمع حوله القوم _ كان يسود الجميع بسلطة القبول فقد خصه الله بأن يكون واحداً من كل قوم _ لم يكن له قوم بعينهم _ لكنه كان فرداً من الكل كل قبيلة تعده واحداً منهم _ فهو أبيض إلى حد ما إن كانوا بيضاً _ وهو أسود على وجه ما إن كانوا سوداً وهو بينهم دون سواه لا ثأر له عند أحد ولا ثأر لأحد عنده _ كما أنه لاقوم له _ لا قبيلة _ ولا أسرة _ ولا يعرف له مسقط رأس لا يذكر أحد صباه أو طفولته أو لحظة ميلاده _ ولن تجد أحداً يعرف له أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو نسيباً _ هو لا يحسب على أحد بعينه _ لكنه يحسب على الجميع _ برز هكذا بينهم دون أن يتساءلوا من هذا أو من أين أتى _ أو يستغربوا وجوده بينهم _ فكأنما خلق مع جميعهم هكذا يجدونه هكذا بينهم في الأسواق والأفراح والأتراح والملمات وجلسات الصلح والتقاضي _ يفحمهم بسداد رأيه يتفرقون كل ليلة ولا يسألون أين يذهب _ ينشغلون بإعجابهم به عن ملاحقة أنفسهم بالسؤال _ عن بيته أو عن عشيرته تواجده بينهم الدائم لم يكن يحوجهم لذلك _ سداد رأيه وذلك القبول الذي يتمتع به لم يجعل الريبة تتسلل إليهم والريبة هي أم الأسئلة ودافع البحث _ كان حين يغيب عن مجلس ما _ لا يكاد القوم يختلفون وينشدونه حتى يظهر بينهم _ لم يعطهم فرصة لإفتقاده _ فهو بكل مكان .
ينظرون بوجهه فلا يرون فيه إنتماءً إلى قبيلة بعينها _ جهة بعينها _ عرق بعينه حتى أنه لم يكن بإستطاعتهم تحديد عمره على وجه الدقة _ تارة يرون بوجهه طفلاً حين يضحك أو يمازح وطوراً يرون بوجهه جدية الشيوخ _ حين يقدم على الإدلاء برأي بقضية إستعصت عليهم ويرون بوجهه عزيمة الشباب عند كل تحد ..
كان خليطاً من كل شئ _ خليطاً وسيطاً ندر أن تجده _ حمل من كل شئ نصفاً .. ثم أن له سحراً لا يقاوم _ وتأثيراً غريباً على من حوله _ رأيه دائماً هو الصواب _ وحكمه هو العدل والإنصاف ورؤيته هي المنطق .. وبصيرته النافذة دوماً _ تجري الحكمة على لسانه ..
تعودوا وجوده بينهم _ وأستسلموا لأمره ورأيه دون سلطة يملك أو تسلط كان فيهم حاكماً متوجاً غير معلن .. ملكاً دون تاج أو صولجان أو عرش أو إستبرق ..
أجيال تأتي وأجيال تذهب وهو بينهم _ لا يتقدم به العمر ولا تدركه الشيخوخة _ كان سراً مشى على أرضهم بهيئة رجل عاش بينهم جيلاً بعد جيل دون أن يلحظوا أنه الوحيد بينهم كقاسم مشترك فرض على أرضهم طوعاً .
02-16-2010, 10:01 AM
كمال علي الزين كمال علي الزين
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 13386
كان بيته بطرف مدينتهم _ لم يكن أحد مضطراً لزيارته فقد كان بينهم دائماً لم يسأله أحد يوماً عن أسرته _ فهو واحد مفرد بينهم _ لم يدر بخلدهم أن يتساءلوا عن أسرته من يشاركه هذا البيت الذي يبدو قديماً أنيقاً واسعاً لكنه بيتاً كصاحبه _ لا يجاوره بيت ولا يسند جداره إلى جدار _
كان يأتيهم كل ليلة _ يخرج إليهم من عمق الظلام الذي يلف طرف المدينة حيث يقع بيته لم ينتبه أحدهم يوماً أنهم لم يضطروا لزيارته يوماً _ لم يدخل أحدهم بيته _ رغم غرابة الأمر إلا أنه لم يطرق ذهن أحدهم _
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة