|
من اين جاء هولاء بين نثر درويش وشعر الطيب صالح........بقلم حسن مدن
|
أحيا النادي السوداني في البحرين بالتعاون مع مركز عبدالرحمن كانو الثقافي الذكرى السنوية الأولى لرحيل الطيب صالح، الذي وصفه الراحل رجاء النقاش بعبقري الرواية العربية . فخلال الأيام الثلاثة الماضية التقى الجمهور مع فعاليات متنوعة سلط فيها الضوء على الجوانب المتعددة لإبداع هذا الرجل، الروائي والقاص والإعلامي وكاتب المقالات الصحافية، والذي وجدت بعض أعماله طريقها إلى السينما من خلال أفلام متميزة .
شاركتُ في الملتقى المذكور بالتعقيب على ورقة قدمها الأستاذ طلحة جبريل عن “الطيب صالح: كاتب المقالة الصحافية”، الذي قال “إن الناس تساءلت عندما بدأ الطيب صالح يكتب المقالة: “ما هو الاستثناء الذي سيكتبه الرجل”؟
وكان الجواب في تلك العبارة الساحرة: “إن الطيب صالح ظل يلتهم الكتب التهاماً”، وإذا اقترنت الموهبة بالمعرفة وسعة الاطلاع فإننا بالتأكيد سنكون إزاء كاتب مقالة جيد . فظهرت ثقافة الكاتب ومعرفته مبثوثتين في ثنايا ما يكتب، هو الذي عرف الآداب الأجنبية بمقدار ما كان متبحراً في الأدب العربي، ومن ذلك ولعه بالمتنبي الذي انعكس في السجال الذي خاضه مع آراء الدكتور طه حسين حول المتنبي وأبي العلاء المعري .
ثمة أمر مهم يتصل بموقف الطيب صالح من الحياة والناس والمجتمع، فالمقالة الأنيقة، المثقفة، وحتى المُفكرة للرجل، القائمة على العناية بجمال اللغة وسلامتها وتكثيفها، لم تمنعه من الانخراط الواعي والشجاع في مناقشة هموم الوطن .
ولعل النموذج الحي لذلك مقاله الشهير عن أوضاع بلاده، السودان، في فترة من فترات التوتر والقمع فيها: “من أين جاء هؤلاء الناس؟ أما أرضعتهم الأمهات والعمات والخالات؟ أما أصغوا للرياح تهب من الشمال والجنوب؟ أما سمعوا مدائح حاج الماحي، وود سعد، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي واحمد المصطفى؟ أما قرأوا شعر العباسي والمجذوب؟ أما سمعوا الأصوات القديمة، وأحسوا الأشواق القديمة، ألا يحبون الوطن كما نحبه؟ إذاً لماذا يحبونه وكأنهم يكرهونه، ويعملون على إعماره وكأنهم مسخرون لخرابه؟” . ثم يختم “من أين جاء هؤلاء الناس، بل مَن هؤلاء الناس” .
ألا يذكرنا هذا النص البديع بالمقطع الشعري البليغ لمحمود درويش والقائل: “ألا تحفظون قليلاً من الشّعر كي توقفوا المذبحة؟/ ألم تولدوا من نساءٍ؟ ألم ترضعوا مثلنا/ حليب الحنين إلى أمّهاتٍ؟ ألم ترتدوا مثلنا أجنحة/ لتلتحقوا بالسّنونو/ وكنّا نبشّركم بالرّبيع، فلا تشهروا الأسلحة”!
n@
|
|
 
|
|
|
|