|
|
 خمـُول
|
ربما اتحدث مع زميلي الآن واضحك معه ، ربما فتحت درجي وتناولت أوراق عمل ، رربما رددت على الهاتف ، ربما
ربما أرتدي الآن بنطالي الاسود ذو القماش الإنجليزي والذي وضع فيه عبدالقادر الترزي العجوز بعض سحره ، ربما السبب (سبب أصراري على زيارة عبدالقادر كل هذه السنين) هو أنه الوحيد الذي يعطيني شئ ما ليس مكتوباً فيه "ميد إن تشاينا" تلك العبارة التي تلتصق فيّ طوال اليوم ، تخلعها تحت الدش وتعود اليها.
ربما أرتدي قميصاً فاخراً أهدته لي زوجتي ، والذي قامت بشرائه أخيراً بعد أن حملت لها الأكياس لمدة 4 ساعات كاملة أطوف بها -ورائها - بين دكاكين "الملايات" و"العِـدّة"! ، ربما أرتدي الآن حذاء ذو شكل جميل ولكن غير مريح!..حرصت زوجتي في طابور الصباح اليومي أن يكون لون الجورب (ليس "شرّاب" من فرط أناقته) داخله متماشياً مع القميص ، "طابور" الصباح هذا يقترب دوماً من افساد طقس الصباح الجميل الذي نمارسه أنا وزوجتي في أجمل ساعات اليوم.
ربما رششت ذلك العطر الذي يسألني زملاء المكتب عن اسمه كل يوم بشئ من الاعجاب وأنا أجيبهم كل يوم في حيرة مع وعد بأن غداً سأنظر الى القارورة .. الحقيقة في الأيام الأخيرة أصبحت أجد صعوبة في تذكر مثل هذه الأشياء..مثل أسماء المواليد الجدد في عائلتنا وأسماء العطور واسماء البقالات والمخابز التي أشتري منها كل يوم!.
ربما أمامي جهاز كمبيوتر وصفحة انترنت ، وهواء بارد يميني من جهاز التكييف ، ولوحة أنيقة لآية قرآنية ، عصير مشكل و"مصاصة" ، ربما ألبس من عبدالقادر الترزي ومن زوجتي مع رشة عطر نسيت اسمه ، واتقافز كراقص باليه رشيق فوق لوحة المفاتيح. هذا مظهري..الآن.
أما عن المهمة التي سأقوم بها..أي أن أقضي باقي يومي..فأنا "حمار" بائع الحليب نفسه ، الذي تحرك في ذلك الصباح واقفاً أمام كل باب مدة 5 دقائق الى أن أكمل الأبواب..الزبائن ، بدون أن يعرف أن بائع الحليب نفسه كان قد نُقل الى المستشفى ذلك اليوم ، وأنه لا أحد على ظهره ، وأنه ليس هناك حليب على جنباته . وربما أوافق على من زاد وقال (أنه وقف أمام باب الحاجة "سعدية" والتي تطيل الجدال على المديونية كل يوم ، 10 دقائق أكثر) .
ربما اصدق هذا الاستطراد في القصة ، ولكن أميل لتكذيب أن الحمار لا يعرف أن سيده بائع اللبن غير موجود!
هذا أنا..لا أكثر ولا أقل ، هذا أنا بالأمس ..الأسبوع السابق ..الأسبوع الذي قبله..والى أن يشاء الله.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خمـُول (Re: محمد يوسف الزين)
|
اتذكر قصة ما قرأتها والتصقت بذهني كما "اللبانة" في الشعر الأجعد ، وهي على لسان الممثل الشهير ميل جيبسون..يقول الأخير أنه عندما جلس مع نفسه ليضع رؤيته عن فلمه الشهير آلام المسيح..اعتزل في غرفة مظلمة لعدد من الأيام ، لا ينظر الا للفراغ المظلم ، يقضي حاجته من الطعام وبعض التواصل السريع ثم يعود ليكمل نظره الى الفراغ!
أعرف أن (آلام المسيح) نجح في تصوير الألم بمعناه الآدمي السطحي الى الدرجة التي اتهم فيها هذا المخرج والممثل العظيم بأنه العدو الأول للسامية في هوليود ، وهل تنتظر من المشاهد أن يحب اليهود الذين تآمروا على (رسول ، يسوع ، مخلص) النصارة؟! النتيجة بالطبع أن المشاهدين انفسهم نسوا للحظات أن الآلام هي من صلب عقيدتهم التي تقول أن رسولهم تحمل الألم بدلاً عنهم..ليخلصهم.
ما علينا..
تذكرت هذه القصة قبل قليل ، فقررت أن آخذ منها جانباً واحداً ، قررت أن أقلد صديقي "ميل" في رهبنته الأنيقة هذه ،
فاغلقت المكتب علي في ساعة القيلولة الوظيفية تلك والتي لا يطل فيها أحد حاملاً ورقة ، ولا يرن فيها هاتف المدير والذي أظنه وإن بعض الظن إثم أنه يستثمر هذه الساعة للنوم في مكتبه بعيداً عن زوجته ، واغمضت عيني وتصورت كيف يمكن أن أعبر عن خمولي في هذه اللحظة..لأن مظهري و"حمرنتي" (الصفة من حمار بائع الحليب وهو حمار محترم على فكرة لولا فعلته تلك في ذلك اليوم ، ولا يمكن أبداً تشبيهه هنا بجمل الساقية الغبي).. مظهري و"حمرنتي" لا تعبران في الحقيقة عن مدى ذلك الخمول الذي يضخه قلبي مع الدم الى كل ركن قصي من جسدي تحتل فيه الروح جزءاً ، جرعة أوكسجين وجرعتين..خمول.
أغلقت عينيّ ناشداً النظرية "الميلية الجبسونية" التي أثبتت نجاحها (مع فارق الأمكانيات العقلية والثقافية الابداعية بيني وبين الأخ فمن المؤكد أن عقله سيزن 12 كيلو وعقلي سيزن ربع كيلو ضأني ، والحمدلله أن المجال ليس مجال الحسابات الجمالية والا لكان الفارق بيني وبين الممثل المخرج الشهير لكان يحسب بالفرسخ ) ،
على كل حال أغلقت عينيّ وتصورت خمولي وشكله.. انتزعت نفسي من جلستي وحمرنتي..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خمـُول (Re: محمد يوسف الزين)
|
أجلس الآن في مقصورة قطار ما تحرك من اقصى مدينة في شرق الاتحاد السوفيتي (ليست روسيا) ويتجه الى أقصى مدينة في غربه عبر سيبريا ، وقد بدأت الرحلة للتو ، المقعد مريح جداً ، وقد سلك القطار هذا المسار الذي يتبع للجيش ولا يعبر بأي بلدة أو أي غابة أو أي منظر بديع أو غير بديع! وذلك لوجود أعمال صيانة بالمسار الأصلي. وتستغرق الرحلة خمسة أيام وستة ليال ، وأنا لا أعرف اللغة الروسية ، ولا أحد في ما يبدو يتحدث غيرها ، وأنا لا أملك كتاب أو مجلة أو جريدة ، وبعد أن تحرك القطار قررت أن ألا أفكر بشئ الى أن أصل. (لاحظ أني لا أتحدث عن الملل ، والا قلت أني أركب الآن مع مهرب بضاعة صموت في عربة لوري وتحركنا من اطراف ام درمان الغربية ناحية الجمهورية العربية الليبية عبر الصحراء الكبرى).
*****
أخرج الآن من الحمّام وقد شددت حول مئزري منشفة ،
التقط "عراقي" متهالك من الشماعة وارميه على اكتافي..
المكان شقة ضيقة للغاية في مدينة خليجية عديمة الملامح ،
الزمان..بين وظيفتين في "الغربة"..بمعنى آخر "عاطل" يملك مؤنة من الطعام وطبق "ديجيتال" وعلب سجائر وخط تليفوني يصلح للمكالمات الدولية الاسبوعية والرد على المكالمات المحلية التي تعتذر فيها عن كل الاجتماعيات والنشاطات التي يقوم بها رفاق الغربة.
الهواية..التهام الساعات قبل الدقائق ، عندما يختلط اذان الظهر مع المغرب وساعة الغداء مع شاي الصباح و"العراقي" مع المنشفة.
******
أرقد الآن تحت شجرة في محمية كينية ، شبِعتُ لحد "التخمة" من لحم ذلك الجاموس البري الذي أتت به رفيقتي اللبؤة ، الشمس حارقة بالخارج فلا داعي للتنزه ، لا توجد رغبة في الزئير الآن ، لا يوجد ضباع هذا اليوم ، لا يوجد أشبال ألعب معهم ، اللبؤة نائمة بعد ان استنزفت معظم طاقتها في المطاردة ، فقط التثاؤب.
أو..
ذكر فُقمة في غير موسم التزاوج ، كلب في منتصف النهار ، ذبابة في التاسعة ليلاً ، لا ليس حيوان الكسلان أو الحلزون أو سلحفاة برية ، الخمول يا سادتي ليس هو الكسل ، الخمول ليس حالة ملل..الخمول كذلك ليس سلام ورضا داخلي عبر عنه الجسم باتكاءة مريحة ، والفم بلفظة حمد ، والعين باغماضة والروح بمعزوفة.
الخمول ليس هو الاكتئاب.. عندما تفقد الرغبة في كل شئ ، عندما تعيش في المنطقة الرمادية.
الخمول..ليس حالة "قرف"..أبداً
الخمول ليس جسدي ، ليس خمول ذهني..
الخمول..الذي أعبر عنه هو..
هو..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خمـُول (Re: محمد يوسف الزين)
|
ماهذا الغباء ، والبلاهة..لا داعي لأن يثبت الأخ ميل جيبسون تفوقه ،
لماذا لا أحاول أن أعرف مصدر هذه الحالة من الخمول؟!
لماذا افقد الرغبة في عمل أي شئ سوى ما يفعله حمار بائع اللبن؟!
لا توجد نصف مبادرة أو ثلث أو خمس حتى. لا رغبة ..لا إرادة..لا مبادرة.
لماذا لا أحكي لكم آخر قصة حدثت لي خارج حالة "الحمرنة"..
لا بأس أن أرويها لكم ،
أخي الأصغر جداً..عبده ، صديقي الشخصي ، طويل..هو الآن في سن الرابعة عشرة أطولنا جسماً ، ولكن بعقل صبي في الرابعة عشر..
توقف شقيقي الآخر والذي يقربني في السن عن محاولة فك حيرته والاجابة عن هذا السؤال..لماذا أنا مع عبده ما زلت أنا كذلك في الرابعة عشرة أو أقل!
"يازول مالك ناطي كدا؟ حييييييي انا تخاف؟!" ،
""كشّف للحركة دي يا صحبي
"عمك دا برّاي ياخ البجينا دا
- عيب يا ولد دا ببقى ليك عم جد عمة أبوك
- ياخ كلامو كتير ياخخ ، طبقت ليك فيهو جنس منظر قبيل
- ياود عيب
- كان عيب بتضحك مالك هسي"
"ريال مدريد حيجضم ليك برشلونة السنة دي ، تيف تيف تيف تلااااتة اقوان"
"وييين يا قلب ، ياخ انت زول وهم دا شنو الشايلو دا؟ ، امي مرسلاني الدكان..امشي وأجيك في بيتك فوق كويس؟
- ياخوي انا تعبان جاي من الشغل ، قضي مرسالك دا وامشي العب ليك دافوري ولا امشي لي ناس اب داقوسة صاحبك داك.
- عندي قصة داير احكيها ليك ياخخخ
- ياود امش انت قايلني قدرك؟"
مرت الأيام ، أيام قليلة بالمناسبة
وتغيرت اسئلة عبده صديقي الشفت وتغيرت ونستنا ، وصار عبده لا يسأل الا في مثل هذا.. (انت مشروع هناي دا بجيب قروش؟ ، اسمع عمر البشير حيفوز في الانتخابات؟ ، اسمع الموبايل الاي فون ولا السامسونج الجديد دا؟ )
هل حكيت لكم قصة حمار بائع اللبن؟!
عن توهان الخمول؟!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خمـُول (Re: محمد يوسف الزين)
|
يبدو يامحمد ان لحمار سيد اللبن ذاك نسل في الاصقاع، ففي شرق البحر الأحمر حمار آخر يرافقني أو أرافقه ايهمااقرب للمل، النهار شبه الليل والونسة شبه السكوت تفر من مضغ الونسة فرار المطلوب بدم... بالامس كتبت 3 صفحات عن قرفة شاشتها بلازما كتلفاز زميلي في العمل الذيظل يحدثني عنه واغراه سكوتي اللامبالي فأحسن الظن بصمتي وظنه أدب استماع ولم يدر بأنني طفت العالم على ظهر سجادة افتش عن مفتاح يفك القرفة وما لقيت فعدت له بنظرة وايماءة ليعاود حديثه عن روعة المشاهدة في شاشة بحجم تلاجة ممدودة بالعرض تراها من كل جانب ... المهم كتابتي مصتها في موية كفري في أمل الفكاك من براثن هذا الملل الجاثم كطائر رخ وسقيت بيهو الحيطة السانداني-- لم أرى طائر رخ من قبل ولكن لو كان حالكابجناحين من رماد و عينيه في منتصف رأسه فقد اصبت ... تتملكني رغبة ملحة في سد اذني عندما يتحدث الي أي احد وتزورني احلام بأني وجدت طاقية الاخفاء وبت شبحا أرى ولا أُرى، انانية هي ولكني لم أعد أبه بالتصنيفات ويخضر ليهم وعافية ليهم المهم يختو صومي عن الكلام ويعفوني من التمتمة كل ما افتح نفاج ونسة من طرف واحد...
ملل ياخ ...
ملل لزج لا بيروح بالموية لا بتزيلو صابونة الصبر، زي قشب الشتا كان لحق ووصل كوعك إلا للحول كان واليتو رعاية كمان ...
ملل مسيخ مساخة العدو وأكل المستشفيات، تهاودو وتقول باكر يلملم عفشو تصبح تلاقيهو متوهط تفاصيل صباحك ويسابقك للباب ويمد يدو يصافح الناس ويبقى قدامك، يتسوك بفرشة اسنانك ويمسح وشو في مراية الحمام قدامك ويدقك في كتفك يقول ليك "هوووي!أرح! نقتل باقي اليوم!"
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خمـُول (Re: عزاز شامي)
|
عزوز
انتي يا فردة لسة في مرحلة ما قبل الخمول..
الملل دا يقعد يطلع ويخش مع نفسك كدا فترة من الزمن ، وبعديها تفقدي الرغبة ،
برة تكون نشيط وشكلك عادي ، زول بشغل حيز من الفراغ وبضرب في الارض بجيب رزقو
بهظر وبضحك
لكن طاقتو الابداعية ، التفكرية ، الجمالية انتهت
حيشحنها من وين! الله أعلم
مداخلتك جابت لي اكتئاب 
_________________________
ملل مسيخ مساخة العدو وأكل المستشفيات، تهاودو وتقول باكر يلملم عفشو تصبح تلاقيهو متوهط تفاصيل صباحك
_______
يديك العافية ياخخخ
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خمـُول (Re: محمد يوسف الزين)
|
خمولك وملل عزاز .. أيقظا فيّ الشعور بالتوهان
وأججا إحساسي بالغربة الداخلية التي ما طفقت تمسك بتلابيبي كل حين وحين
أها .. هسي العمل شنو
(وش ملبوش وتايه)
كتابتكم سمحة ياخ إتو الاتنين
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خمـُول (Re: نهلة محكر)
|
نهلة
يا نهلة
انتي ان شاءالله تبري
أنا روحي أصبحت خاملة وانفاسي ثقلت وكرهت "الطاحونة" التي ربطت بها ،
عزاز تقول أنها فقدت الصباح نفسه..
حالة صعبة جداً
________________________
| |
|
|
|
|
|
|
| |
محمد يوسف الزين
نهلة محكر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست