الكلاب تلكم الحيوانات الأليفة اللطيفة،أستأنسها الإنسان منذ آماد سحيقة، فهي صديقة ورفيقة للرعاة، وذات أهمية قصوى للصيادين) الكلاب السلوقية)، كما يستفاد منها في الحراسة المنزلية، ومعاونة الشرطة في مطاردة المجرمين والتعرف على المشتبه بهم، حتى أن بعض الكلاب أصبحت تحمل رتباً عسكرية مرموقة، كما دخلت عالم الفن والسينماء وحصل بعضها على أدوار البطولة المطلقة في أفلام شهيرة.
لعل بعضكم يتذكر(الهبوب) كلب أخونا عبد الجليل، الذي درسناه في كتاب المطالعة بالمرحلة الابتدائية، وكيف أن عبد الجليل ندم ندامة الكسعي لما تأكد له بأنه تسرع في إصدار وتنفيذ حكم الإعدام على كلبه، قبل أن يكتشف أن الدماء التي رآها تسيل من فمه كانت بسبب الدفاع عن أبنه وليس الهجوم عليه.
أشهر الكلاب على الإطلاق هو كلب أصحاب الكهف الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وأهمها حالياً هو"بو" كلب الرئيس أوباما وهو أحد ساكني البيت الأبيض، وما من رئيس أمريكي إلا وله كلبه أو كلبته الخاصة.
طبعاً لابد أنكم قد سمعتم بقصة الكلاب التي تتجول في شوارع الخرطوم هذه الأيام، والروايات المختلفة عن أصلها وفصلها وحسبها ونسبها، فمن قائل: أنها جاءت مع موظفي المنظمات الدولية ووجدت طريقها للهرب، وآخرون يجزمون بأنه تم استيرادها من قبل شخصيات نافذة لأغراض تجارية، ولم تجد سوقاً رائجة، ووجدوا تكلفة الاحتفاظ بها عالية جداً لأنها تحتاج إلى طعام خاص، قدر بعض العارفين معدل استهلاكها اليومي(2) كيلوجرام من اللحوم الطازجة، ولكن للأسف تم تسريحها سراحاً غير جميل.
أختلف الرواة عن أعداد هذه الكلاب وأحجامها وأشكالها ومدى شراستها، وذهب بعض شهود العيان للقول بأنها ليست مجرد كلاب بل حيوانات غريبة، أجمع الخبراء على أنها كلاب هجين يعني عندنا معاها(نسب) تزاوجت مع كلابنا المحلية وكان نتاج هذا الزواج غير المتكافيء هذه الكلاب/الذئاب أو العكس.
عاثت هذه الكلاب في الأرض فساداً باعتدائها على الكثير من الحيوانات وافتراسها، واتلاف المزارع وترويع الآمنين و مهاجمة بعض المواطنين، وقد عرضت بعض القنوات الفضائية صور لضحايا هذه الاعتداءات من الأطفال والكبار،أهتمت كثير من الصحف بهذا الموضوع، عُقِدت ندوات وأُقِيمت محاضرات عن كيفية مكافحتها وإبادتها. ذكر مصدر مسئول بالشرطة أنه قد تم حتى الآن إبادة (3161) كلب فقط لا غير.(نخشى أن يتفشى هذا الخبر ويعم القرى والحضر) وتسمع به جمعيات حقوق وحماية الحيوان، إذا حدث ذلك فهذه الحكاية لن تعدي على خير،وربما ندخل في متاهات إبادة جماعية لهذه الحيوانات البريئة، نحن ما ناقصين، غايتو ربنا يستر.
من الطريف أن أحد المسئولين عن إبادة هذه الكلاب قال: (أن من طبع الكلاب أن تعض - على رأي عادل إمام: فوق لي أنها كانت بتشتغل رقاصة، كانت بترقص – وأضاف سعادته وإلا لماذا وُجِد داء السعر). ذكرني ذلك بحكاية أحد الأخوة الذي كان يعمل مع والده في ري القمح (التروية) وهي أول سقاية للقمح، وهذا موسم تتجمع فيه الطيور وبخاصة (الجرول) بكسر الجيم، تأتي لالتقاط الحشرات وحبات القمح، يقوم المزارعون بوضع (هواب/فزّاعة) وهي أعواد يتم نصب أحدها عمودياً ويربط في أعلاه عود آخر في وضع أفقي،ويلبسونها ثياب/أثمال بالية أو تغطى بالبلاستيك لتكون في شكل انسان واقف لإخافة الطيور، لكن الغريبة أن بعض أنواع الطيور(ترِِك و تقف) على رأس هذه الفزيعة تماماً وذلك في تحدي سافر للمزارعين، وآخرون يضربون الطبول أو يدقون على الحديد أو الصفيح وهي عملية يقصد منها إصدار أصوات عالية ومستمرة لإبعاد الطيور، لكن صاحبنا كان يتوقف احياناً لأخذ بعض الراحة من المجهود البدني وإراحة أذنيه من هذا الضجيج، ينهره والده ويطالبه بالاستمرار وعندما تعب قال لوالده:(يا أبوي الطيور دي خلقوها عشان تطير طوالي كدا ما لازم ترك عشان ترتاح شوية).
من الطرائف أيضاً أنه كان في منطقتنا كلب عقور(سعران) قام المواطنون بابلاغ الشرطة عنه، انتدبت عمنا (الأمباشى خليفة) للقضاء عليه وصرفت له عدد (3) طلقات لهذا الغرض، وقد كان شرطياً كبير في العمر وبدين وأعتقد أن نظره ضعيف أيضاً، قام بالتصويب على الكلب وأطلق تجاهه الطلقة الأولى التي أحدثت دوياً عالياً ولكنها طاشت بعيداً عنه، وكذلك فعل بالطلقتين الأخريتين، فقال للجماعة: (يا أخوانا ما عندكم قرجة) نقتل بها الكلب.
يذكرني هذا التداعي أن أحد الأطفال الأبرياء كان يلعب مع بعض أقرانه الأشقياء، وبعد أن رجع إلى منزلهم أخبر والدته أنه شرب مع أصحابه لبن (الهو - هو) يقصد الكلبة أخذته والدته على عجل إلى الطبيب ظناً منها أنه ربما يصاب بمرض السعر(داء الكَلَب) لكن الطبيب طمأنها بأن ذلك لن يحدث، ووجه لها السؤال التالي: ممكن توريني الكلبة دي حلبتوها كيف؟.
أما حكاية أخونا عبدالرسول الذي ذهب لإحضار (جرو) ليقوم بتربيته وكان وقتها صغيراً، وجد الكلبه نائمة مع جرائها فقام بحمل الكلبة شخصياً، فعلا صوت نباحها وخربشته وعضته وعندما سئل لماذا فعل ذلك قال: كنت داير أجيب (الجريو) الكبير.
الكلاب كما تعلمون لها مكانة في ثقافتنا السودانية وقد ورد ذكرها في عدد من الأمثال الشعبية مثال:(ينبح الكلب والجمل ماشي)،(ما ينبح في ضله/ظله إلا كلب)،(البيشاغل الجريوات/الجراء بيخربشنه)،وغيرها من الأمثال. من أسماء الكلاب المشهورة عندنا (جرقاس – بوبي - كوكس) وغيرها.
ولا بد أنكم قد سمعتم المثل السياسي الذي يقول:(جوع كلبك يتْبَعك) لكن هذه الكلاب الجائعة تؤكد لكم أن من (يجوع كلبه لن يتبعه بل ربما يتعبه).هذه دعوة للمواطنين والمسئولين "بأن لاّ تجوعوا كلابكم ولا شعوبكم لأنها لن تتبعكم".
وقد أوصى الاسلام بالرفق بالحيوان، جاء في الحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له) قالوا يا رسول الله: (وإن لنا في هذه البهائم لأجرا) فقال: (في كل كبد رطبة أجر).
أنا عندي اقتراح بمناسبة الموسم الانتخابي أن لا نصوت لأي حزب إلا إذا وفر لنا (عكاكيز مُضْبّبة) لمقاومة هذه الكلاب، وأن يعود ناس الخرطوم للعمل بالمثل الذي يقول: (العكاز للكلب...والسكين أمان من السلب... وفكة الريق مسمار القلب).
كل واحد لازم يربط سكينه في ضراعه، ويشيل عكازه في يده الدنيا ما معروفة أحسن من يلاقيك كلب تقوم جاري، لأنه زي ما عارفين (الجري دا ما حقي)، وربما تجدون فيها مآرب أخرى من يدري، كما تابعتم الأحداث التي أعقبت الانتخابات التي حدثت في دول الجوار وبعض دول العالم الثالث ربما يحتاج الأمر لأكثر من عكاكيز، نأمل ألاّ يحدث ذلك ونتمنى السلامة للجميع لكن الاحتياط واجب. وإذا احتجتم لأي كمية من العكاكيز قولوا عوووك.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة