|
امدرمانيات - بين الخلوة والروضة
|
ظلت الخلوة هذه المؤسسة الدينية المعرفية في أقل مستوياتها مصدر التعليم الوحيد في تاريخنا قبل فتح المدراس الرسمية , ولا تزال هناك بقية من الخلاوي مبثوثة في انحاء السودان المختلفة مواصلة رسالتها في تدريس القران ومبادئ القراءة والكتابة , والخلوة الكبيرة تسمي المسيد وهي توفر للآولاد المأوي والطعام ويحضرني هنا مسيد أم ضواً بان كمثال , وفي امدرمان كانت هناك خلاوي مشهورة مثل خلوة الشيخ الكتيابي والشيخ حمد النيل والشيخ المجاهد أحمد العجب وغيرها مما لا يحضرني امساءها وشيوخها . ومن الاشياء التي كانت مدعاة لأسفي هي أنني لم أدخل الخلوة وفاتتني هذه التجربة الحياتية الثرة بالرغم من طريقة التعليم البدائية وبعض الممارسات الغير سوية مثل الضرب المستمر بالسوط , وتسريح الاطفال للشحدة بالالواح , واستدعاء اطفال الخلوة لأكل فتة الصدقات . لقد أخبرني الوالد بأنهم كانوا أطفالا وفي عز برد الشتاء وأجسامهم النحيلة الهزيلة ترتجف من البرد ولا شئ يكسوها سوي عراقي وسروال من القطن , وتصطك أسنانهم من شدة البرودة , وعندما يتهيأون لصلاة الصبح باسباغ الوضوء فأنهم يتحاشون ذلك بصب كل واحد منهم الماء أمامه علي الارض دلالة علي انه توضأ . وبرغم كل هذا تبقي الخلوة أمراً سودانياً خالصاً لا مثيل في الدول العربية والاسلامية , فمن ميزاتها أنها تعلم النشء المشاركة الايجابية في النشاط المشترك والتنافس والاعتماد علي النفس والعمل من أجل خير الجميع , ولقد كان الشيخ فرح ود تكتوك يزرع الارض مع حوارييه (الحيران) ويأكلون من غرس ايديهم . وحتي عندما افتتحت الكتاتيب وهي المدارس الاولية النظامية كان الاطفال في سن الخامسة والسادسة يلحقهم ذووهم بالخلاوي حتي يبلغوا السابعة من العمر وهي السن القانونية للإلتحاق بالمدرسة . وأنا عندما كنت في الخامسة والسادسة من العمر كان أبي يعمل في مدينة القضارف وكانت هناك مدرسة تسمي المدرسة الصغري أو المدرسة تحت الدرجة وتتكون من فصلين وبها شيخ يساعده شاب , وكان تدعي مدرسة الفرقة (الفرقة العسكرية) , ولما نُقل والدي الي جنوب السودان تركنا واخوتي مع جدي لأمي للدراسة في امدرمان , واصطحبني جدي الي مدرسة الموردة الاولية لألتحق بالصف الاول , ولكن الناظر أخبره بأنني لم أبلغ السن القانونية بعد وهي سبع سنوات وطلب منه أن يجئ بي في العام القادم , وبكيت بحرقة , فطيب جدي خاطري وقال لي بأن لا أهتم وأنه سيذهب الي الشيخ بابكر بدري ليلحقني بالروضة في مدرسة الاحفاد . وهنا لابد من وقفة , فأن الشيخ الجليل بابكر بدري – رحمه الله – مثلما كان هو رائد تعليم البنات في السودان فأنه كان كذلك رائداً لفتح أول روضة لتعليم الاطفال في السودان بمدرسة الاحفاد الاولية والوسطي في عام 1936 وبابكر بدري كان مجاهداً في الحرب والسلم , فقد جاهد بالسيف والسنان في الحرب في المهدية , وجاهد بنشر العلم والمعرفة في السلم , ولقد أجري الله خيراً كثيراً علي يدي هذا الرجل في حقل التربية والتعليم حتي صارت مدارس الاحفاد منارة سامقة في المعرفة والتربية وحتي أصبحت جامعة يشار اليها بالبنان . ومن طريف ما حدث في المقابلة مع الشيخ بابكر وكان هو الناظر أنه قال لجدي : (لينا اللحم وليكم العضم ) , ورد عليه جدي وهو كان ضابطاً متقاعداً وفيه حدة في الطبع , ( ده كلام دراويش , والولد يبقي بلحمه وعضمه ) , ومما يذكر أن بابكر بدري أنصاري مجاهد قديم وعريق منذ عهد الامام محمد أحمد المهدي وكان الانصار يلقبونهم بالدراويش . كان المشرف علي الروضة ومعلمها هو الشيخ محمد شبيكة –رحمه الله- والذي أنشأ لاحقاً مدرسة النهضة المتوسطة الاهلية , وكان أسلوبه متطوراً ومحبباً في التدريس بمقياس ذلك الزمن فما زلت أذكر أنه علمنا حروف الهجاء بكتابة كل حرف علي قطعة بسكويت واذا قرأ الواحد الحرف أكل البسكويته , ولم يكن يضربنا بيده أو بسوط أو بسطونه . وأذكر من دفعتي في الروضة المرحوم فيصل سرور ابن الفنان المشهور المطرب سرور وتساقطت اسماء الاخرين من الذاكرة التي وهنت بفعل طول المدة والسنين مع انه عددنا لم يتعد العشرة أطفال .
(عدل بواسطة هلال زاهر الساداتي on 01-16-2010, 09:38 PM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: امدرمانيات - بين الخلوة والروضة (Re: هلال زاهر الساداتي)
|
سيدى الجليل تحايا عاطرات كنت قد درست الخلوة "خلوة احمد البدوى " الفاتحة على بيت السيدة سعاد الفاتح البدوى ما تزال مكانهاحتى الان فى القبة درسنا فيها التلاوة وحفظنا حتى الجزء الثالث من القران شاء الله ان لا اختم الجزء الرابع وكان ذلك قبل دخولى للمدرسة بطبيعة الحال يوم ان شهدت جدتى الشيخ يجلدنى "الفلقة" كنت الفتاة الوحيدة بين الصبيان يومها تدخلت لانقاذ حفيدتها ومن ثم ادخلتنى روضة ست وهيبة الروضة كانت غير الخلوة هنا حيث الكنبات والفصل المرشوش بالماء رمله ومدرسة ما زلت اذكر ملامحها بوجهها المستديروشلوخها اللامعة ولونها الاخضر الزاهى وقامتها القصيرة كانت كل يوم خميس تاتينا بعم خضر الحاوى ويلعب معنا بسحره رفقة ابناءه ويوم خميس اخر يجئ اينا ابناء عم محمد سليمان فى الروضة حاملين انجازا كنا نندهش له حيث يتم اغلاق الابواب والشبابيك وتعليق الستائر السوداء ليعم الظلام ويدور فيلم غير متحرك لكنها رسوم تنعكس على الحائط نضحك لرؤيتها والتى علمت فيما بعد انها ميكى وبطوط لم تكن قاسية معنا ولم تضربنا الفلقة ولا اى نوع من الضرب حتى كان ان دخلت الى مدرسة العباسية الابتدائية شكرا لك سيدى ان اخرجت لنا هذا السفر من تاريخك الناصع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: امدرمانيات - بين الخلوة والروضة (Re: سلمى الشيخ سلامة)
|
لك التحية استاذنا و أبونا
اتابع كتاباتك التوثيقية باهتمام و استحضر اجزاء متفرقة من احاديثكم الشجية بالدوادمي بحضور الاستاذ دوشي متعه الله بالصحة و العافية و الوالد رحمة الله عليه و كم نحن بحوجة لاقلامكم و احاديثكم عملاً بالمثل الذي يقول (( ال ما عندو قديم ما عندو جديد))
الله يزيل الكابوس و نتلاقي في وطن يعرف قيمة أهله
لك كل الود و الاحترام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: امدرمانيات - بين الخلوة والروضة (Re: سلمى الشيخ سلامة)
|
أخى/هلال .السلام عليكم..
يالجمال ذاك الزمان المعبق بالخير والحب والحنان..
Quote: وفي امدرمان كانت هناك خلاوي مشهورة مثل خلوة الشيخ الكتيابي والشيخ حمد النيل والشيخ المجاهد أحمد العجب وغيرها مما لا يحضرني امساءها وشيوخها .
|
العباسية......
الجزء الزاوية الغربية الجنوبية...
خلوة أبوى..الشيخ/محمد زين إبراهيم فضل الله...((خالى ولا نستطيع ان نقول له غير أبوى.. شيخ الزين)) نسأل الله له الرحمة والمغفرة... درست فيها وعمرى 5سنوات..وعندما رحلت من البيت الكبير..بالعباسية لآمتداد ألأسر..إلى أم بده السبيل..دخلت روضة ست زينب الله يمد فى أيامها..وبعدها دخلت ألأبتدائى بالحارة التاسعة..
الخلوة كانت تحل محل الروضة ألأن أو التعليم ما قبل مرحلة ألأساس....كل زمان برجاله.رحمهم الله بقدر ما اعطوا للتعليم والمجتمع.....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: امدرمانيات - بين الخلوة والروضة (Re: ismeil abbas)
|
اخي اسماعيل عباس تحية من عند الله مباركة شكرا لك لمساهمتك المقدرة , وحقاً اولئك الرجال امثال شيخ الزين والنسوة الرائدات في فتح رياض الاطفال يستحقون كل تقدير واحترام وجزاهم الله خير الجزاء بما قدموا لابناء وطنهم من تعليم وتربية مما اتيح لهم ولهن في زمانهن .
| |
|
|
|
|
|
|
|