|
دولة جنوب السودان
|
يوسف الكويليت
أدخلت الدول الاستعمارية العديد من الأقطار في دوامات الخلافات الحدودية والاقتطاعات من أراضيها، مثل إنشاء دولة صغيرة من أخرى كبيرة ، أو إلحاقها بدولة مجاورة، فقد انفصلت تايوان عن الصين ، واحتلت بريطانيا هونغ كونغ، وفُصلت الكوريتان، ومُزقت فلسطين، وحتى هناك دول أوروبية محسوبة على ثقافات وأديان بعضها تعرضت لمثل هذه الحالات، كالوضع بين بريطانيا وأسبانيا حول جبل طارق، والأمثلة كثيرة..
السودان يعيش رحلة التجزئة الجديدة، وسيلحق به الصومال، وهناك عيون وإرادات تعمل وترصد ما يجري في بلدان عربية أخرى قابلة للتقطيع بوسائل داخلية مدعومة من الخارج مادياً وعسكرياً، ولو قُدر وتم الاستفتاء على انفصال الجنوب من رحمه الأكبر، فقد يكون سابقة خطيرة لأقاليم أخرى مثل دارفور، ومع احترامنا للاتفاقات بين القطاعين وما نشأ عنها من تحديدٍ لخيار شعبي، فإن من ستؤخذ أصواتهم غالبيتهم من الأميين الذين قد تغريهم أي مطامع مادية أو تبعية قبلية أو دينية..
قد لا يلام الجنوبيون على تقرير مصيرهم، والسبب أن مظالم السلطة على الشمال والجنوب معاً منذ الاستقلال وحتى اليوم أنها لم تراعِ الاحتياجات الداخلية، وبناء معمارٍ لدولة قابلة للدوام عندما يتحقق دستور يحترم الأقليات والأديان والقوميات، ويسعى لاستثمار الإمكانات الهائلة لبلد مثل السودان تتنوع فيه الثروات والمساحات، والقوى العاملة..
تعقيدات الانفصال لن تكون سهلة، إذ إن تواجد جنوبيين في الشمال ، وشماليين في الجنوب، والمزاعم الذي يطرحها المبشّرون بالمخاوف من الزحف الإسلامي عليه ثم التمدد لدول الجوار، كل هذه الأمور وضعت ضمن دوائر معقدة جداً، ولو قُدر وتم هذا الإجراء فهل سيتم ترحيل أصحاب تلك الأصول، وكيف ستسوّى الممتلكات وطبيعة الإنسان الذي عاش في بيئة انسجم فيها مع جيران وأصدقاء وأصحاب مصالح؟ وحتى حالات المصاهرة التي تمت بين هذه العناصر، ستوجد مشاكل لاحقة قد تغذي تفاعلات لا يقوى عليها طرفا العلاقة..
لقد كان «جون قرنق» الذي وقّع مراسيم هذا الاتفاق وحدوياً حتى إن من بين الشماليين من اعتبر موته، أو اغتياله خسارة لهم، إذ كان يملك نظرة متقدمة في رؤيته لسودان موحد بإمكانات تستطيع أن تمنح كل سكانه مداخيل تغطي احتياجاتهم، وأن السياسة أفسدت كل شيء في استغلال تلك الثروات..
سلفاكير انطلق من رؤية قصيرة حتى إن حكاية المواطن الأول والثاني بين الشماليين والجنوبيين، نظرة غير منطقية، صحيح أن الحرب أقامت المتاريس والجسور المقطوعة بين الإقليمين، لكن التعايش داخلهما من أبناء القطاعين، أثبت أن الخلافات سياسية وليست عرقية أو دينية، لأن ما حدث من إهمال وفشل في الإدارة الاقتصادية والسياسية جاء من تلك النتائج ولم يقتصر على الجنوب وحده، بل شمل كل السودان عدا المدن الرئيسية والتي لم تصل إلى حداثة وتطوير مدن أفريقية أقل إمكانات من السودان..
الانفصال قد يضر الجنوب أكثر من الشمال، لأن المقوّمات هي في القطاع الأخير وأغنى ، ووحدة السودان ضرورة لا ترف..
المصدر : جريدة الرياض _ كلمة الرياض في 2009.11.04
http://www.alriyadh.com/2009/11/04/article471690.html
|
|
|
|
|
|