|
|
 (مسكرم).. اوان الرحيل الي (الهضبه)
|
حان أوان الرحيل.. تململت نفسي وتاقت روحي للوثوب إلى أعلى في اتجاه الشرق.. هو شعور يدغدغني مع إطلالة سبتمبر من كل عام، وأشتم رائحة "مسكرم" التي تميزها رائحة البن والخبز.. والعسل.. هو شهر تزدحم أيامه التي لا تتعدى أصابع اليدين وتزدان بالفرح المصحوب بالغناء والتفاؤل والأمنيات الطيبات بحلول عام جديد (2002م).. تتفتح فيه (زهرة الأدي) فتكتسي الهضبة بلون الزهرة الأصفر الفاقع فتمنح اللوحة قدسية هى من صفاء النفوس وفرح الأطفال الذي يفتح أبواب السماء لأحباب الله وتظل مشرعة للجميع، فهو يوم عيد واحتفاء بعام جديد وأيام بلون البراءات النقية التي تتمثل في فرح الأطفال وهم يجوبون في الشوارع يحملون زهراتهم يقدمونها بطيب خاطر ولفظة "انكتاتش" التي تعود عليهم بالعيدية والتمنيات للجميع بعام سعيد.
لا أهتم كثيرا بحضور ملتقى أصيلة أو كرنفال "الريو" أو مهرجان دبي للتسوق ولكني أحرص على "الانكتاتش" الذي يصادف الثاني عشر من سبتمبر الذي يصادف الثاني عشر من سبتمبر وهى لفظة المعايدة التي ينسب إليها العيد وهو عيد لا تحده الجغرافية والمعتقدات والإثنيات ولكنه عيد أمة يفوق تعدادها الثمانين مليونا.. تتقاطع فيها قومياتها المختلفة لتلتقي تحت ظل علم واحد زاهي الألوان، لم تمتد إليه أيادي الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحكم وظلت ألوانه الثلاثة الأحمر والأصفر والأخضر هى الثوابت وتتبادل المتغيرات بين (خاتم النبي سليمان) ونجمة البلاشفة وأسد يهوذا.
ليظل ال سيندكا ألما (SINDIKA ALMA) أي العلم القومي مثل تابوت العرش السليماني عند أمة تقدس قديمها بكل تفاصيله وكأن آلة الزمن هى التي استعجلت الإقلاع.
كثير من الأصدقاء والقراء قد طلبوا مني جمع "أوراقي الإثيوبية" وطباعتها ولكن.. ظل لدي إحساس غامر بأن الأوراق لم تكتمل بعد.. وفي خاطري رحلة إلى الشرق لأرشف من جمال (دريداوا) وأقف عند بوابة (هرر) وأسوح في أزقتها الضيقة بشناشيلها ومشربياتها بملامح مدن الشرق القديم.. وفي خاطري رحلة إلى الأقاليم الجنوبية بطعمها الاستوائي وتراثها الأفريقي الساحر.. وفي خاطري الوقوف على شواطئ بحيرة تانا و"كرف" رذاذ المياه المتساقطة من شلالات تسي سات "دخان النار" حيث منابع نهر أباي "النيل الازرق". وفي خاطري تلبية دعوة كريمة من أتو "السيد" سقاي برهي رئيس حكومة التيقراي لزيارة مسجد وقبر النجاشي عند مدينته بالقرب من أكسوم.
وأسأل الله أن يوفقني في ذلك لأعود إليكم بإذنه بمزيد من الأوراق الإثيوبية. أيضا أنوي الاعتكاف خلال وجودي في الزهرة الجديدة بين منزلتي ومركز الدراسات الاثيوبيةEthiopian Studies بجامعة أديس أبابا لإنجاز مشروع كتاب "عبقرية المكان في درة شرق السودان" الذي صعب عليَّ إعداد مخطوطته بالرغم من وجود المراجع في درج مكتبي سآخذها معي لأن هناك متسعا من الوقت والسكينة والطمأنينة لإنجاز المشروع الذي أعتبره وقفا لمدينتي حديقة العشاق وحيث الشمس تشرق من هناك.
أمامي خياران.. الأول السفر بالطائرة (الاثيوبية) الى أديس مباشرة وخيار آخر السفر برا برفقة صديقي الفاضل عبدالله الحسن عبر إقليم الأمهرا إلى قندر وبحر دار.. للعيد هناك نكهة خاصة بين قوم يحفظون تراثهم عبر آلاف السنين منذ العينة الأولى لخريف هذا العام ظللت أقتفي أثر المطر وألهث خلفها.. وتزداد سعادتي عندما أخرج للعراء استقبل حباتها على وجهي.. وتتبلل ملابسي وأعود إلى أيام طفولتي التي أرحل إليها عبر لحظة تهمس فيها السماء وترغي وتزبد أحيانا في لحظات تجود بها على الأرض لتكسوها بالسندس والاخضرار الذي يعم الهضبة هذه الأيام.
|
|
 
|
|
|
|
أحمد طه
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست