مقال يستوجب النقاش " الرد الوجيز على محاور دكتور كامل إبراهيم حسن الثلاثة العلمانية والاسلام "

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 07:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-06-2009, 07:33 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقال يستوجب النقاش " الرد الوجيز على محاور دكتور كامل إبراهيم حسن الثلاثة العلمانية والاسلام "

    وضع الاخ بكري ابوبكر رابط لهذا المقال الموجود خارج المنبر العام اعلي المنبر العام وبالتالي يصعب مناقشته ولاجل ذلك رايت اقتباسه هنا :
    حاشية : لا اعرف كاتب المقال ولا دكتور ابراهيم ولكن المحتوي يستحق المناقشة


    Quote: الرد الوجيز على محاور دكتور كامل إبراهيم حسن الثلاثة

    العلمانية والإسلام

    3-1

    أحمد الله أن صديقنا الدكتور الأستاذ كامل قبل صداقتنا في الله، رغم أن ملامح وجهي سقطت من ذاكرته، ولا يعيب ذلك أواصر الود التي أمتدت وتوثقت عبر الكلمات، والإنسان الحق هو في آخر المطاف كلمة وموقفا بإخلاص، ولا خير في علاقة أو صداقة تنبني على المنفعة البحتة. وفي هذه العجالة أرد على دكتورنا العزيز في محاوره الثلاثة: 1 ) العلمانية والإسلام، 2 ) إسقاط الزمان والمكان عند التفسير والتأويل على النص، 3 ) والإستعلاء الفكري لدى شوقي أو أنني من المدافعين عن المشروع الحضاري الإسلامي.



    العلمانية والإسلام:

    أؤكد أنني دهشت فرحا حين علمت أن لدكتورنا العزيز كامل كتاب (العلمانية والإسلام - المصطلح وتجديد المعنى والمدلول). ولم أك أعلم أن لديه كتابا بهذا المعنى. وبالطبع مع الأسف لم أقرأ كتابه، ويعزى ذلك لإنقطاعي عن السودان في الغربة. فهو محق ليس من رأى كمن سمع. يستشهد الدكتور كامل من كتابه مكررين نصه للفائدة: ("إذن فالعلمانية هي إعمال الفكر والإبداع في مجال السياسة مع مراعاة الأسس التي روجت لها كل الأديان من عدل وشورى وحقوق مواطنة الخ..العلمانية هي الآلية المناسبة والمتجددة التي يتوافق عليها البشر لتحقيق تلك الأهداف...آلية ديناميكية متماشية مع المتغيرات الحياتية..)، ويضيف الدكتور كامل بأنه يؤيد ما جاء به الأستاذ محمد عثمان الخليفة في مقاله الجيد: (العلمانية فكر إسلامي تبلور لمواجهة واقع جديد) والذي يقول فيه: (ومن هنا يتضح أن العلمانية كفكر وممارسة كانت موجودة في فترات الإسلام الأولى وفي عهد سيدنا عمر بن الخطاب -إيقافه حد السرقة، وفي المؤلفة قلوبهم -..ومن هنا يتضح بأن الفكر العلماني فكر إسلامي إرتبط أساسا بالإسلام في تفسير النصوص والأحاديث لعدل الإنسان في الأرض من جهة ومن جهة ثانية إتاحة الفرصة للتفكير العقلي لإستيعاب كل المستجدات التي تأتي نتيجة لعملية التغيير الكبرى التي تبحث في المجتمعات وفي مدنيتهم..لبسهم وأكلهم وتعدد فنونهم وتعقد حياتهم الإجتماعية التي لا يخلتف فيها إثنان).



    اختلف عن الدكتور العزيز كامل والأستاذ محمد عثمان الخليفة إنني أصلا لا أؤمن بهذا التقسيمات أي المتقابلات والمتضادات antitheses مثل علمانية (دنيوية) مقابل ديني (إسلامي أو مسيحي)، فهذه المتقابلة على الخصوص أتتنا من الغرب. وليس صعبا بقليل من الجهد تتبع تاريخ لفظة الدنيوية secular, secularism, secularizaion ، كذلك ليس صعبا تتبع من هو الذي فرضها على الساحة العربية أو الإسلامية لأسباب سياسية بحتة بسطحية مغرقة. ما زاد الطين بلة، خلط لفظة العلمانية (دنيوية) secularism بالعلمية scientific عندما كانت الإشتراكية أو الشيوعية الأممية تدعي لنفسها أن الماركسية هي منهج علمي – (علماني – هكذا ترجموها!). فكثير من القراء، وحتى المتخصصين، يخلطون في ذهنهم مدلول لفظة العلمانية هل هي بمعنى الدنيوية أو هي بمعنى العلمية – ودعك من هؤلاء الذين يجترون اللفظة العربية "العلمانية" ولم يتوقفوا أصلا لفهمها والتفريق ما بين المدلولين، ولم تعطي لكل مفردة إنجليزية ما يقابلها بالعربية.



    في سياق بحثي في الدول الغربية لفهم مدلول لفظة العلمانية بمعنى الدنيوية secularism أكتشفت التالي: إذ يجب التفريق ما بين بعدين أخذا ملامحهما في الغرب منذ عقود: 1 ) البعد السياسي، أي مفهوم الدولة state من المنظور الدنيوي وما يتعلق بها من سياسة وسياسات، وحقوق وواجبات دستورية وقانونية الخ، ولقد ساهم المفكرون الغربيون كثيرا في إرساء ملامح الدولة، 2 ) والبعد الفلسفي الإلحادي، وفيه استخدم بعض الفلاسفة الغربيين الملحدين لفظة secularism كأحد أدواتهم للتدليل على عدم وجود الله تعالى، وأستعانوا على ذلك بتفجر العلوم الطبيعية والحيوية في البيولوجيا، والكيمياء، والفيزياء الخ في إثبات حجتهم. وأضف إلى كل ذلك، هنالك بالطبع المدلول اللفظي القاموسي أي اللغوي للفظة secularism وجذره اللاتيني..



    يجب أن نفهم أن السيد المسيح عليه السلام لم يأت بشريعة كاملة، أتى بالأنجيل لتصحيح شريعة موسى عليه السلام، وأنحصرت نبوته في بني إسرئيل أو اليهود التلموديين على وجه الخصوص. ولقد ضيع النصارى الأنجيل الحقيقي، وما يسمى بالعهد الجديد أي الأربعة كتب المعروفة هي عمل تاريخي تجميعي من قبل الرهبان المسيحيين لأقوال وأفعال عيسى عليه السلام، وليست هي الأنجيل السماوي. ولاحقا أخذت المسيحية بالتدريج ملامحها المعروفة من طقوس وتفسيرات وشروحات هي بالمجموع عمل كنسي بشري لا علاقة لها بالأنجيل السماوي. وطالما هي عمل كنسي بشري لا يصل حد الكمال لابد أن تصطدم بعقل بشري آخر. أضف إلى ذلك الفساد الداخلي والخارجي الذي أحاط بالكنيسة الغربية القديمة كقوة مادية شرهة، وكذلك أدعت أنها قوة روحية تستمد مشروعيتها من الرب مباشرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر في ثلاثة قرون فقط أحرقت الكنيسة الغربية 300 مليون إمرأة بدعوى الشعوذة witches وأن الشيطان يسكن أجسادهن.



    لابد أن يصطدم العقل البشري الغربي بلاعقلانية الكنيسة الغربية..أي عقل بشري ضد عقل بشري كما قلنا، وحدث الطلاق بعد كفاح مرير. وهنا يجب أن نرى أهم نقطة في الموضوع أي كيف أستخدموا لفظة secular ..وهي أس الموضوع. لقد دأبت الكنيسة أن تعطي مشروعية الحاكم -القيصر أو الملك- بعد أن يتوج الباب صاحب الملك بيده – أي يضع البابا بيديه تاج الملك على رأس الملك أو القيصر في إحتفالية وإن لم يفعل تصبح مشروعية الملك أو القيصر ساقطة وغير معترف بها. إذن كان الملك أو القيصر يستمد مشروعيته في الدول الغربية من وكيل الرب وذلك حتى الثورة الفرنسية عام 1789 م، وليس من الشعب. بينما في العالم الإسلامي وقبل الغرب بألف سنة ونيف تغنى المسلمون ببيعة (نخبة!) الشعب أو تغنوا بإرهاصات الشورى مع ضعف نصوصها، خاصة محمد عمارة الذي تهافت في هذا الموضوع تهافتا مذريا، بإختصار: المسلمون يرون أن مشروعية الحاكم تتم عبر بيعة الشعب! وهذا ما رغبه الأوروبيون في ثورتهم على الكنيسة وسموه بالدنيوية أو secularism ، لاغير. ولكن هل ألحدت الدولة الغربية بعد إنفصالها من الكنيسة؟ لا. هل ألحد الفرد الأوروبي؟ قطعا لا. لدينا نصوص تخفيها الدول الغربية وعتمت عليها وتشير إلى أن أستاذ فولتير، وجان جاك روسو كاتب قرآن الثورة الفرنسية: العقد الإجتماعي، وغيرهم من الفلاسفة الفرنسيين، كانوا بمجموعهم تلاميذا لفيلسوف مسلم من شمال أفريقيا أسمه أبو زيد، وهو الذي أسس المكتبة الوطنية في جنيف، وكان أحد الشوارع القديمة في جنيف يحمل أسمه rue abuzaid حتى ما قبل الحرب العالمية الأولى - وحين أنتبهوا، أزالوا أسمه. أبو زيد هذا هو الذي ألهم الفلاسفة الفرنسيين أن مشروعية الحاكم تستمد من سلطة الشعب أي البيعة، وليس من قبل البابا، وكيل الرب. ونكرر: هذه هي ال secularism التي تغنى بها الغرب، لا غير.



    ولكن هنالك البعد الفلسفي للفظة ال secularism وهى ما تلفظ بها قلة من الفلاسفة الغربيين في سياق دفعهم الإلحادي بعدم وجود الرب، والعياذ بالله. طنطنة هؤلاء هي التي في الأغلب وصلتنا عبر مطابع بيروت. هكذا التصق الإلحاد بلفظة ال secularism في وعي أنصاف المفكرين العرب – محمد عمارة مثلا، أضف إلى ذلك المساهمات القوية لبعض الفلاسفة الماديين المشهورين، فيورباخ، ماركس، أنجلس، سبنيوزا، نيتشة..الخ وجميعهم لديهم زبائن في العالم العربي، غير أن المدلول الأول غائب تماما لدى هؤلاء الزبائن. وزاد الطين بلة تنظيم الأخوان المسلمين. ففي محاربتهم لعبد الناصر بدفع سعودي، روج هؤلاء أن العلمانية secularism تعني الإلحاد، غير مدركين أنهم يستخدمون البعد الفلسفي الإلحادي للمفردة الذي ترعرع على أيدى الفلاسفة المذكورين أعلاه.



    ولكن يجب أن ننتبه هنا، أن الدولة الغربية التي أستقلت عن الكنيسة أو ما يسمى بفصل الدين عن الدولة، لم تلحد. هذا الإستقلال أو الإنفصال لا يعني كما يعتقد الكثير من المفكرين في الدول العربية أو الإسلامية أنه إلحاد. نؤكد للجميع أن الدولة الغربية مؤمنة، بل تساعد الكنيسة، حتى أن الأحزاب السياسية الغربية تلصق بأسمها لفظة المسيحية – الحزب المسيحي الديموقراطي مثلا، خاصة لمحاربة الشيوعية في القرن الماضي. ولكن بما أن أدبيات المسيحية هي عمل كنسي بشري غير كامل، لابد أنها ستصطدم بعقل بشري آخر أكثر عقلانية. ولقد أصاب الدكتور كامل عندما أصاغ ما قصدته بلغة فصيحة، نعم أن العلمانية (الدنيوية) secularism في معناها الأوسع هي حالة مرضية، وهي حالة لا تصالحية تظهر للوجود بعد حالة إعتقال..في المسيحية عندما تعتقل الكنيسة الدولة وفي الإسلام عندما تعتقل الدولة الدين (المسجد)..وهكذا تبدو العلمانية حالة مرضية...أهنيء الدكتور كامل لهذا التشريح، ولا أؤيده على أنها حالة غير مرضية، والدليل على ذلك أن هذا التضاد الذي نشأ ما بين الدولة والمجتمع في مواجهة الكنيسة، أو الدولة ومسجدها في مواجهة المجتمع المسلم، ما كان يحدث لو طبقت الرسالة السماوية بحذافيرها منذ البداية. يجب أن يلاحظ الدكتور العزيز كامل إذ في كل من الحالتين المعكوستين (الغربية والإسلامية) أن المجتمع هو الذي يدفع الثمن على حساب تقدمه. وعندما تصبح العلاقة معوقة لتقدم المجتمع في حدها الأقصى يحدث الإنفجار. ويكفيك إعتراف القرضاوي "أنهم" يغلقون على كتب التراث بالضبة والمفتاح حتى لا يسقط جمهور المسلمين في الفتنة أو أن تتمزق وحدة المسلمين على حد زعمه – وهذا يدلل أن جمهور المسلمين مستحمر أو خشب فارغة لما تستوعب هذا الدين بعد.



    وعلاج هذا التناقض أو المواجهة هو الرجوع للدين الصحيح – خاصة في حالة الدين الإسلامي، أي فهم إين العلة، وما هي التزاوير والإنحرافات التي حدثت في صلب الرسالة الإسلامية منذ قيامها، ومقدار حجم تأثير الأمويين والعباسيين في تحريف معاني الدين الإسلامي السامية وروحه ومراميه الخ. ولو حدث هذا التصحيح لما تمسك المسلمون المعاصرين بلفظة العلمانية. وكما حدث لدى المسيحيين الغربيين، أصبحت العلمانية هي سفينة النجاة لشريحة عريضة من المسلمين، بينما لم يخطر على بال هؤلاء المسلمين أن الدين الذي في أيديهم ملعوب فيه أمويا وعباسيا. فهل يعتقد كائنا من كان أن الله تعالى كان يعبث عندما قال: اليوم أكملت لكم دينكم..!! حاشا لله! فمع هذا الإكمال ما الحاجة للعلمانية إذن؟ ما سنثبته في هذه المقالة والمقالات التالية هو أن العلمانية عرض مرضي لحالة إعتقال..



    يجب أن يفهم الدكتور العزيز كامل عندما قلت أنا في مقالتي الرابعة: (وقد يفاجأ الدكتور كامل إن قلنا له أن الإسلام هو العلماني وليس الغرب في عصوره المظلمة بينما أخذ منا الغرب هذه العلمانية الخ الخ..وقد وصلت بنفسي لهذه النتيجة بعد التدقيق في المفهومات – خاصة مفهوم العلمانية ودراسة فكر الخوارج...ففي العالم المسيحي تألهت الكنيسة وأعتقلت الدولة تحت عباءتها بينما في العالم الإسلامي تألهت الدولة وأعتقلت الدين (المسجد) تحت عباءتها)..كان إستعمالي لكلمة العلمانية في هذا النص بمعنى (الدنيوية) secularism إرتباطا بقضية محددة وهي مشروعية سلطة الحاكم المستمدة من سلطة الشعب كما فهمها الغربيون بدءا بالثورة الفرنسية، وليس العلمانية التي يتخيلها المفكرون العرب المعاصرين اليوم في صورتها الغائمة والهلامية.



    أما العلمانية بالمعنى الأوسع وهي عادة الأكثر طرقا، أكرر الأوسع كما تفهمها أنت يا دكتور كامل فعندي فيها نظر، أي إستعمال العقل والفكر والإبداع على إطلاقه بشكل ديناميكي أو جدلي أو صيرورة لا تتوقف - وهو رأيك، حتى مع قولك مراعاة الأسس التي روجت لها الأديان؛ وكما فهمها الأستاذ محمد عثمان الخليفة – إتاحة الفرصة للتفكير العقلي. هذا المعنى الأوسع والأكثر طرقا للعلمانية سأعالجه في المحور الثاني: إسقاط الزمان والمكان عند التفسير والتأويل على النص.



    أما أن تكون هذه العلمانية مشوشة في عقل محمد عمارة أو عبد الوهاب المسيري وغيرهما مثل حسن حنفي، وأركون، والجابري، فأنا لا أستغرب ذلك. فالرجلان الأولان ضعيفان وهما أو هم جميعهم صناعة النفط الخليجي. أما محمد عمارة خاصة فهو مدلس ومتكلف ومتهافت. فمثلا كيف كان يدير الرسول (ص) دولته بالمدينة المنورة؟ كل كتب التراث المعتبرة تشير إلى أنه ليس هناك للرسول (ص) نظام محدد، ولا أشخاص معينون. وليس هناك أثر لما أدعاه محمد عمارة بما يسمى (هيئة العشرة)، أنظر كتاب محمد عمارة: الخلافة ونشأة الاَحزاب الاِسلامية. هذه الهيئة ليس لها وجود في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها، ولا استطاع مدعيها أن يأتي بشاهد تاريخي واحد على وجودها في أيام النبي (ص)، ولا يستطيع أن يأتي بأثر واحد يؤيدها من حياة أبي بكر كلها وحياة عمر كلها، حتى اختيار عمر للستة المعروفين لشورى الخلافة. وأضعف من هذه الدعوى ما جاء في محاولته البرهنة عليها من أشياء متكلفة، واُخرى لا واقع لها، واُخرى تفيد نفيها بدلا من إثباتها. ومن أنكر وأغرب ما استدل به محمد عمارة، وهو يراه أقوى أدلة الاِثبات لهيئته المزعومة، ثلاثة أشياء، هي:



    الاَول: قوله: يتحدث سعيد بن جبير عن هذه الحقيقة الهامة فيقول: (وكان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وابي عبيدة وسعيد بن زيد، كانوا أمام رسول الله في القتال ووراءه في الصلاة). ثم يستنتج محمد عمارة من هذا القول أن هؤلاء العشرة لم يكونوا فقط وزراء الرسول ومجلس شوراه، وانما كانوا يديمون الوقوف خلفه مباشرة في الصلاة، كما يلتزمون الوقوف أمامه عند الحرب والقتال [ii] . إننا بغض النظر عن صحة نسبة مثل هذا القول إلى سعيد بن جبير، أو عدمها، لو سألنا الباحث أن يكشف لنا حربا واحدة فقط من حروب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقف فيها هؤلاء العشرة أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت القتال، لعاد بعد بحث طويل في خيبة أمل.



    الثاني: قوله: هؤلاء العشرة فيهم أول ثمانية دخلوا في دين الاِسلام، فهم أولون في الاِسلام، ومهاجرون
      . وهذا كلام مع ما فيه من تهافت فهو دعوى غير صحيحة أيضاً..فهل كان سبق الثمانية إلى الاِسلام هو الذي رفع الاثنين الآخرين؟! ثم أين هذا السبق، وكلهم ـ ما خلا علي مسبوق؟! إنهم، غير الإمام علي عليه السلام، مسبوقون إلى الاِسلام، سبقتهم خديجة، وجعفر بن أبي طالب، وخالد بن سعيد بن العاص، وأخوه عثمان، وسبقهم زيد بن حارثة، وسبقهم أبو ذر الغفاري خامس الاِسلام، وسبقهم آخرون [iv] .



      الثالث: وهو أكثرها نكارة، ما نقله محمد عمارة عن المستشرق فان فلوتن، بعد أن قدم له بسؤال مثير، فقال: (ولكن هل خرجت الشورى على عهد رسول الله من النطاق الفردي غير المنظم، إلى نطاق التنظيم المحكوم بمؤسسة من المؤسسات؟). فلما لم يجد (محمد عمارة) لهذا التساؤل الهام جوابا من التاريخ، تعلق بالخطأ الذي وقع فيه فان فلوتن لسوء فهمه لمفردات العربية، فحين قرأ عن أصحاب الصفة وهم المقيمون في المسجد على صفة كبيرة فيه، والبالغ عددهم سبعين رجلا، ظن فلوتن أن الصفة تعني (الصفوة)! فظن أن صفوة الصحابة كانوا سبعين رجلا لا يفارقون المسجد كمؤسسة استشارية تتخذ من المسجد مقرا لها، ولم يفهم فان فلوتن أن أصحاب الصفة هؤلاء هم أضعف المسلمين حالا، لا يملكون مأوى لهم فاتخذوا المسجد مأوى!! وليس هذا بمستغرب من مستشرق لا يتقن العربية، ولا تعنيه فداحة الخطأ العلمي بقدر ما يعنيه الادلاء برأيه..لكن المستغرب أن يأتي باحث كمحمد عمارة فيعتمد هذا الخطأ العلمي مصدرا لتثبيت قضية هامة كهذه، قائلاً: (نعم، فهناك ما يشير إلى وجود مجلس للشورى في عهد الرسول كان عدد أعضائه سبعين عضواً) ويصرح أن مصدره فان فلوتن [v] ..



      ماذ يعني تأله الكنيسة - في حال الغرب المسيحي، أو تأله الدولة – في حال الدولة الإسلامية؟ ببساطة شديدة: يعني أن تأتي أنت بما لم يأتي به أو يشرعه الله تعالى، أو تحزف أنت أو تسقط ما أتى به الله تعالى من تشريعات – وينطبق ذلك على شخص الدولة أو الكنيسة. فالمشرع هو الله لا غيره سبحانه وتعالى، ثم الرسول (ص) عن ربه عن جبريل عليه السلام. ولقد رفع الله تعالى رسوله (ص) درجات على كل الأنبياء: ورفعنا لك ذكرك، أي قرن أسمه تعالى بأسم الرسول (ص) في الشهادة والآذان الخ، ولا ينطق عن الهوى؛ وطاعة الرسول (ص) هي من طاعة الله سبحانه. إذن لا يوجد شخص في مقدوره أن يسقط العمل بآية في القرآن أو بعمل أو قول للرسول (ص)، أو أن يعطله، أو أن يشرع ما لم يشرعه الله ورسوله، هذه كلها من الممنوعات حتى ولو كان عمر بن الخطاب. وبما أن الشارع هو الإله الواحد الأحد حصرا، فماذا يعنى أن تشرع الدولة بما لم يأتى به الله من سلطان سوى أنها أصبحت شريكا لله؟ هذا هو المقصود لدينا بتأله الكنيسة الغربية أو الدولة الإسلامية. وتأله الدولة الإسلامية هو أكتشاف أصيل لكاتب هذه المقالة. ولنضرب مثلا كيف تألهت الدولة الإسلامية.



      أبو جعفر المنصور ومالك بن أنس 148 هـ:

      وتحت هذا العنوان نثبت للقراء أن المذاهب هي من اختراع الحكام والسلاطين، وهذا المثال يعكس العلاقة ما بين الحاكم ودائرة التراث والتفقه الحر والثقافة الإسلامية، يكبرها أم يضيقها، يفرجها أم يخنقها؟ وسبب التجاء أبي جعفر المنصور لمالك بن أنس هي شهرة الإمام جعفر بن محمد الصادق في المدينة المنورة؛ إذ عكف جده علي بن الحسين منذ مذبحة كربلاء 61 هـ للعلم والتعلم وأبتعد عن السياسة، فأسس مدرسة المدينة وهي التي أسست عمد الدين حيث أنشغل الأمويون عنهم بملذاتهم، وساهم في انتشار صيت هذه المدرسة ابنه محمد بن علي الملقب بالباقر، باقر علم النبيين، ووصلت ذروتها عند الصادق الذي ورث علم أبيه وجده، فأصبحت هذه المدرسة قبلة المسلمين تشد لها الرحال – كان يتتلمذ عليه أربعة ألف عالم في وقت واحد – ومن تلامذته أبو حنيفة ومالك بن أنس نفسه؛ فخاف المنصور أن يسحب المسلمون منه البيعة ويعطونها للإمام جعفر الصادق. طلب أبو جعفر المنصور مقابلة مالك بن أنس، وفي هذه المقابلة 144 هـ تم أول عهد كتابة الحديث في تاريخ المسلمين، طلب المنصور من مالك كتابة كتاب سمى لاحقا الموطأ – معظم أحاديثه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب؛ وكان مالك بعد هذه الزيارة أول مفتى رسمي للدولة، لا يفتى أحد غيره، وقال المنصور: لا يفتى أحد ومالك في المدينة! وهذا الأحد ليس سوى الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، ومدرسة آل البيت. لاحظ قول المنصور: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط ، وإليكم الرواية:



      هذه الرواية التي يرويها ابن قتيبة المؤرخ الكبير في كتابه تاريخ الخلفاء منقولة عن مالك نفسه، فلابد من هذه الملاحظة وأخذها بعين الاعتبار. قال مالك: لما صرت بمنى أتيت السرادقات، فأذنت بنفسي، فأذن لي، ثم خرج إلي الآذن من عنده فأدخلني، فقلت للآذن: إذا انتهيت بي إلى القبة التي يكون فيها أمير المؤمنين فأعلمني، فمر بي من سرادق إلى سرادق، ومن قبة إلى أخرى، في كلها أصناف من الرجال بأيديهم السيوف المشهورة والأجزرة المرفوعة، حتى قال لي الآذن: هو في تلك القبة، ثم تركني الأذن وتأخر عني. فمشيت حتى انتهيت إلى القبة التي هو فيها، فإذا هو قد نزل عن مجلسه الذي يكون فيه إلى البساط الذي دونه، وإذا هو قد لبس ثيابا قصدة لا تشبه ثياب مثله تواضعا لدخولي عليه، وليس معه في القبة إلا قائم على رأسه بسيف صليت. فلما دنوت منه، رحب بي وقرب، ثم قال: ها هنا إلي فأوميت للجلوس فقال: ها هنا، فلم يزل يدنيني حتى أجلسني إليه ولصقت ركبتي بركبتيه. ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو يا أبا عبد الله ما أمرت بالذي كان ولا علمته قبل أن يكون، ولا رضيته إذ بلغني (يعني ضرب مالك بالسياط في المدينة المنورة من والي المنصور). قال مالك: فحمدت الله تعالى على كل حال وصليت على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نزهته عن الأمر بذلك والرضا به، ثم قال: يا أبا عبد الله، لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني أخالك أمانا لهم من عذاب الله وسطوته ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة، فإنهم ما علمت أسرع الناس إلى الفتن وأضعفهم عنها، قاتلهم الله أنى يؤفكون. وقد أمرت أن يؤتى بعدو الله من المدينة على قتب، وأمرت بضيق مجلسه والمبالغة في امتهانه، ولابد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه. فقلت له: عافى الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم منك. قال أبو جعفر: وأنت فعفى الله عنك ووصلك. قال مالك: ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس بالناس، ثم فاتحني في العلم والفقه، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روي واعيا لما سمع. ثم قال لي: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ عبد الله بن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة (رضي الله عنهم)، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها ولا يقضوا سواها. فقلت له: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل إن شاء الله إلى المدينة ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله.



      قال مالك: فبينما نحن قعود إذ طلع بني له صغير من قبة بظهر القبة التي كنا فيها، فلما نظر إلي الصبي فزع ثم تقهقر فلم يتقدم، فقال له أبو جعفر: تقدم يا حبيبي إنما هو أبو عبد الله فقيه أهل الحجاز، ثم التفت إلي فقال: يا أبا عبد الله أتدري لم فزع الصبي ولم يتقدم؟ فقلت: لا! فقال: والله استنكر قرب مجلسك مني إذ لم ير به أحدا غيرك قط، فلذلك تقهقر. قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عينا ذهبا، وكسوة عظيمة، وأمر لابني بألف دينار، ثم استأذنته فأذن لي، فقمت فودعني ودعا لي، ثم مشيت منطلقا، فلحقني الخصي بالكسوة فوضعها على منكبي وكذلك يفعلون بمن كسوه وإن عظم قدره، فيخرج بالكسوة على الناس فيحملها ثم يسلمها إلى غلامه. فلما وضع الخصي الكسوة على منكبي انحنيت عنها بمنكبي كراهة احتمالها، تبرؤا من ذلك. فناداه أبو جعفر: بلغها رحل أبي عبد الله … انتهى



      ولقد توهم الأستاذ محمد عثمان الخليفة العلمانية حين أوقف عمر حد السرقة – بينما فات عليه لا أحد كائنا من كان يستطيع أيقاف حد من حدود الله، ولا الرسول (ص) نفسه - فهذا ممنوع، ولكن الأصح هو التعذير، أي إدراء الحدود بالشبهات – وهذا قول النبي (ص). بينما لا يصح لعمر أن يوقف عطاء المؤلفة قلوبهم، ولا يحق له. وننبه هنا، الكثير من الدعاة ورجال الدين قد يتخيلون أنه يحق لعمر بن الخطاب أو الخلفاء عموما أن يشرعوا أو يبدلوا ما يشاءون، وهذا عين الطيش والجهل بإلإسلام. ولكننا سنفسر هذه النقطة عندما نشرح ماذا يعني الإجتهاد إعتمادا على النص في المقالة الثانية.



      كذلك لم أرى اسوأ مما كتب محمد عمارة حين وضع الأمر بين قطبين بتعريفه للعلمانية بقوله: هي التفريق بين ما هو ديني وما هو دنيوي..الخ ولا أرى في قوله سوى التهافت. لقد ذكرنا سابقا لو طبق الدين الإسلامي منذ البداية وإلى يومنا هذا بشكل صحيح لما كان هذا التهافت نحو العلمانية. ولكننا نضيف هنا ما يؤيد وجهة نظرنا: أولا أن الدين الإسلامي بحر عظيم والقرآن خاطب العقل، فهو عقلاني، وأستخدم كل أساليب المناظرة والحوار، وحتى التحدى. فخذ قوله تعالى: ولقد حث الله تعالى الإنسان أن يتأمل آياته بعقله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق..) فصلت، 53 ، وذكر الله أنه أي الأنسان يكدح لمعرفة ربه (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) الإنشقاق، 6 ، على المستوى الفردي القصير، أو على مستوى الإنسانية في مراحلها المتدرجة. ولكن هنالك وحدة الكون، فالجميع يسبح لله تعالى: (تسبح له السموات السبعة والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليما غفورا) الإسراء، 44 .



      إذا كانت الذرة تسبح بحمد الله وهي وحدة المادة المصنوعة، حيوية أو غير حيوية، في كل أشكالها وتراكيبها الفيزيائية، إذن فالإنسان في نظر الله هو مخلوق للعبادة، وقد سخر له هذا الكون ليس فقط ليتأمله فيقترب إلى خالقه الله سبحانه وتعالى بعد أن علمه الأسماء كلها، بل أيضا سخر له هذا الكون لخدمته بعد معرفة سننه. ولقد حث الله الإنسان على العلم والتعلم والتفكر والتفكير في سنن الله، وشرح له نقاط قوته وضعفه، ويكفي الرسالة الإسلامية شرفا أن أول كلمة في القرآن هي: أقرأ. ولقد قال الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي: أن الله أنزل العلم للإنسان لكي يصعد إليه مرة أخرى، وعبر هذه الرحلة يدرك الإنسان خالقه. وعلى ضوء ذلك بدأت مفردة العلمانية (دنيوي) secular في مبدأها في الغرب بلحاظ سلطة الشعب الدنيوية، ثم أخذت منحى أو فهما علميا حين صادرت الكنيسة التفكير العلمي - مثلا قصة جاليليو وكروية الأرض، وتلونت بالإلحاد على يد القلة من الفلاسفة. ورغم ذلك، نعذر الغربيين فهم وإن كانوا لا يملكون من الدين مثلما يملك المسلمون، فهم لا محالة في كدحهم ملاقون ربهم الحقيقي – يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه، ولم يقل سبحانه وتعالى: يا أيها المؤمنون أو المسلمون. فما عذر المسلمين أنهم تخلفوا منذ ألف سنة؟ بعضهم يعزي ذلك إلى الخليفة العباسي الداعر المتوكل الذي سحق المعتزلة، وسلم الراية للحنابلة فكانت ضربة قاضية للعقل العربي أو للعقل المسلم.



      ما قصدناه بالمجموع هو أنه يستحيل تقسيم وعي الإنسان بلحاظ المعرفة والترقي إلى معرفة دينية ومعرفة دنيوية (علمانية)، فهذا التقسيم عبيط، ولا أساس له، ولا معنى له. ونرى في تاريخ المسلمين أن جعفر الصادق عليه السلام هو مؤسس علم الكيمياء، وهو من أملاءه وسلم أسسه لأبي حيان التوحيدي، وكان يدفع له الأموال لحثه في طلب علم الكيمياء. وعندما تتحدث عن بقية العلوم، وبقية علماء المسلمين من كل أصقاع الأرض كيف ساهموا في العلوم الطبيعية أو العقلية بجهدهم الفردي مثل البيروني، وابن الهيثم وغيرهم كثير وما لاقوه من أذى أو قتل من قبل السلاطين، ستفهم أن الإستبداد هو الذي آخر المسلمين.



      إذن الأصل في الرسالة الإسلامية على يد خاتم الرسل (ص) هي الحرية كنقيض للإستبداد. قال النبي (ص): لقد أمرت أن أحكم على الناس بالظاهر، وعلى الله حكم السرائر. معني ذلك، أن كلمة لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، هي كلمات يصون المرء بها دمه. فهذه الكلمات حتى المنافقون في حياة النبي (ص) قالوها، ويعني ذلك، قد يحيا المرء ويموت وهو مسلم وقد صان دمه ولكنه قد لا يدرك هذا الدين في العمق في ظل الإستبداد، وقد لا يذوق حقيقة الإيمان الحقيقي – لذا الحرية هي الأصل دون إستلابات. وفقط في إطار هذه الحرية يصل الإنسان إلى خالقه عبر المراهقة النفسية والعقلية، وهما مطلوبان – وصفهما الله تعالى بوجل القلوب. لقد وصف الله تعالى الإيمان الحق في سورة الأنفال في خمسة صفات: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وعلى ربهم يتوكلون* الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* اؤلئك المؤمنون حقا..) الأنفال، 2 - 4 . قد لا يمتلك المسلم كل هذه الصفات الخمسة بالمجموع وقد يمتلك واحدة أو أثنتين الخ ولكن لكل درجة ورزق كريم على حسب درجته من تحصيله لهذه الصفات الخمسة.



      لذا تصورنا ما بين الفرد والدولة هو كالتالي: عليك أن تتخيل الصورة والإطار، يمثل الإطار نواهي الله تعالى وحدوده، بينما المساحة التي بين الإطار أو داخل الإطار هي مساحة الحرية التي يجب أن يمتلكها المسلم، وفي هذه المساحة هو حر التفكير تماما، ولا دخل ولا سلطان للدولة ومؤسساتها على الفرد في هذه المساحة. ونفس هذا المثال ينطبق على تربية الطفل، إذا أنت صغرت من المساحة الداخلية في الإطار إلى الصفر، ستخنق طفلك، ستراقب أفعاله وكل حركاته وسكناته، سيصبح غبيا بليدا، مرعوبا، فاقد الثقة بنفسه، قدريا فاقدا للمشيئة وللمبادرة الخ. ولماذا الإطار؟ يجب أن ندرك أن العقل البشري وحده ليس حكيما بما فيه الكفاية، فإذا تركنا له القضية بالكامل ربما قد يقودنا إلى كوارث – بل في الحق قادنا إلى العديد من الكوارث، فخذ مثلا قضية النظام النقدي الربوي عالميا هو المسئول عن هذه الحروب أو الفقر الذي يعم شعوب العالم، أو الإفساد الحادث في البيئة الخ.



      هذا المثال أي مثال الصورة والإطار يجيب على كل أسئلتك أو ملحوظاتك يا دكتور كامل فيما يخص تعريفاتك للعلمانية، فمقولة فصل الدين عن الدولة مقولة سطحية ليست علمية، فهل مثلا عندما يذهب رئيس الجمهورية من منزله إلى مكتبه أو الموظف الخ، يترك الدين في منزله؟ وهل ممنوع عليه أن يعبر عن نفسه دينيا في موقف من المواقف؟ هذا يستحيل، ولكن الأصح هي مقولة ألا تتأله الدولة أو مؤسساتها أو رموزها، كأن تسقط في أيديولوجية دينية منحولة، أو تراقب الدولة كيف يفكر الفرد، أو أن تصادر منه أو تضيق عليه الحريات، أو تسيطر على المقروء من الكتب الخ فخذ مثلا في الجامعات السعودية على حسب قول الشيخ الكويتي هاشم الرفاعي، وهو شافعي المذهب، يقول لعلماء نجد محذرا وموبخا: تعملون عمل الخوارج، فإذا جاءكم أحد من المسلمين – وخاصة طلبة العلم – تبدأون في عقيدته أصحيحه عندكم أم لا؟ ما تقول في كذا وكذا...وأين الله؟ و...؟ وهكذا كان يعمل الخوارج فيما سبق فكانوا إذا جاءهم أو مر بهم المسلم الموحد امتحنوه فإذا خالفهم قتلوه – أما المشرك أو الكافر فيتلطفون به ويتلون الآية: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)، وكذلك قوله تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين* ما لكم كيف تحكمون).



      أما قولك أن العلمانية في إعتقاد البعض "مجموعة أفكار وممارسات واضحة" لذا أهملوا العلمنة بمعنى التطور، أو أنها "فكرة ثابتة لا متتالية آخذة في التحقق" من منظور الفلسفة الجدلية، كلها تدق على باب أهمية التطور، وجدل الواقع وصيروته إما أخذه بوعي مدروس وهادف أو بشكل سلبي passive . عموما، أجد هنا الإتكال على مفردة العلمانية هو نوع من التكلف ولزوم ما لا يلزم، لأنه كل ما تشتاق إليه موجود في القرآن وسنة نبيه الصحيحة. ولكن الإشكالية أن الدين الذي في يديك هو ملعوب فيه أمويا وعباسيا، فمن باب أولى ليس الإستغراق في العلمانية بل في دراسة هذا الدين بشكل حقيقي وليس بشكل إعتباطي. والإعتباطية هي ما نراه في البحوث السطحية والزائفة التي يسلقونها في الجامعات الإسلامية. فمثلا خذ شخصا على وزن محمد سعيد رمضان البوطي له كتاب ألفه منذ السبعينيات في الحاكمية والدولة الإسلامية، وأدعى فيه أن حديث "كتاب الله وسنتي" أخرجه البخاري ومسلم، وحين نبهه علماء الشام في سوريا أن الشيخين البخاري ومسلم رفضا إخراج هذا الحديث، ولا وجود له حتى في بقية الصحاح، وأعترف البوطي بخطئه ذلك، لكنه في طبعاته التالية لم يصحح هذا الخطأ. فكيف تفسر ذلك؟ تفيد هذه الحادثة معنى محددا: وهي أن البوطي يتعمد أن تبقى الأيديولوجية الأموية هي السائدة. فحقيقة هذا الحديث هي: كتاب الله وعترتي. والفرق هنا كبير، لقد نبه النبي (ص) المسلمين أن العلم في كل أوجهه والتأويل زقه الله في ذرية محمد وأوصانا النبي (ص) أن نأخذ علومنا منهم إذا رغبنا في النجاة. ولكن الأيديولوجية الأموية تعمدت أقصاء أئمة وعلوم آل البيت، فحورت الحديث النبوي. وليس هذا أول وآخر تحريف ولا مجال لسرد التحريفات. ولكن لكي نؤكد للدكتور كامل على أصالة ما نكتب هنا دعنا نسأل مستشار رئيس الجمهورية الشيخ أحمد علي الإمام في هذا الحديث هل أخرجته كتب الصحاح؟



      ولا أستغرب أن يصل الغرب عبر العلمانية إلى المزيد من الحيرة والمأزق الروحي والإجتماعي، فاللهث خلف العقل على أنه سيد نفسه وسيد العلوم (الدنيوية) مع إغفال القضية الروحية والدينية تقود قطعا إلى باب مسدود. أما التصالح المزعوم ما بين القوميين العلمانيين على حسب قولك والإسلاميين الإيمانيين فهذه ألاعيب سياسية تخرج من العباءة الخليجية، فإذا فهمت أن نفس هذه الجهات التي تخرج لنا في كل حقبة مسمياتها ومقولاتها وشعاراتها هي نفسها التي سممت الرئيس جمال عبد الناصر، وعجبا أصبحت هي نفسها التي تقود النضال العربي – حتى أنهم أسسوا ما يسمى "مؤسسة الفكر العربي"، لا تتملك نفسك من التبسم والترحم على عبد الناصر. وستضحك أكثر لو علمت أن أحد أمناء "مؤسسة الفكر العربي" من يسمى بعبد الرحمن حسن الشربتلي. التصالح ما بين الإسلامويين والقوميين ما بعد ناصر هدف إقصائي مطلوب من أنظمة الدول الخليجية لتحقيق التالي: أن القومية العربية سنية المذهب، بينما الشيعة والمتشيعين لآل البيت فرس أو هم من صناعة القومية الفارسية.



      ما زلت أنا مصرا أنه لا حوجة لمفردة العلمانية، وأن القرآن فيه كل شيء، والأحاديث النبوية الصحيحة فيها كل شيء يحتاجه الإنسان، هذا شرط تنقية الدين من الشوائب الأموية والعباسية. فالمسيرة التي تنشدها يا دكتور كامل، والتجدد والنشاط العقلي والعقلاني المتعمد والهادف والمقصود الذي تتمناه، يسهل فرملته بكلمة واحدة: إن العلمانية ضرب من الإلحاد، وهكذا يفعل حرس الأيديولوجية الأموية. أضف إلى ذلك، أن السكون والكسل الفكري مطلوبان لذاتهما، فماذا يعني الدوران حول السلف الصالح في دائرة مغلقة، أو قفل باب الإجتهاد من قبل الأتراك العثمانيين لأربعة قرون خلت، أو سلق البحوث الدينية في الكليات الإسلامية، وأخيرا وليس آخر أن يقول الشيخ القرضاوي أن كتب التراث الإسلامي مغلقة بالضبة والمفتاح وقال حرفيا: (وليس لدي السنة أي حصانة ثقافية ضد هذا الغزو (الشيعي). فنحن علماء السنة لم نسلحهم بأي ثقافة واقية، لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفاً من إثارة الفتنة، وسعياً إلي وحدة الأمة) . فهل هنالك أكثر صراحة من أن الدولة الإسلامية قديما وحديثا أعتقلت الدين؟



      شوقي إبراهيم عثمان

      كاتب ومحلل سياسي


                  

08-06-2009, 08:01 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال يستوجب النقاش " الرد الوجيز على محاور دكتور كامل إبراهيم حسن الثلاثة العلمانية وا (Re: abubakr)

    امران اثارا انتباهي في هذا المقال او البحث هما:

    1-تعريف "العلمانية"
    2-الشوائب التي تعلقت بالدين الاسلامي من فعل بني امية والعباسيين اي "السلطان او الدولة" وبالتالي ادت الي ان "تعتقل الدولة الدين" الي يومنا هذا ...

    امل في نقاش هادئ متزن فالامر يخص دينا وبشر كثير يعاني من تبعات الخلط بين حقيقة الدين كما اراد المولي وفعل بعض البشر في الدين كما ارادو هم لسلطان او جاه ...
                  

08-07-2009, 04:39 PM

ايهاب
<aايهاب
تاريخ التسجيل: 05-06-2002
مجموع المشاركات: 2878

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال يستوجب النقاش " الرد الوجيز على محاور دكتور كامل إبراهيم حسن الثلاثة العلمانية وا (Re: abubakr)

    .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de