حوار حول المواقف الفكرية والسياسية للحركة الشعبية لتحرير السودان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 02:44 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2009, 11:42 PM

Dr.Elwathig Kameir

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 31

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار حول المواقف الفكرية والسياسية للحركة الشعبية لتحرير السودان

    صحيفة الأحداث (5 و 7 مايو 2009)


    حوار مع د. الواثق كمير

    حمزة البلول

    * تقييمك لمواقف الحركة الشعبية السياسية والفكرية قبل وبعد رحيل د.قرنق..أهم الفروقات؟

    دعنا نبدأ بالمشروع الفكري للحركة، فمنذ البدايات الأولى للحركة الشعبية كانت رؤيتها لمستقبل البلاد، هي بناء سودان موحد ولو على أسس جديدة: السودان الجديد، والتي عملت بانتظام على تفصيلها منذ ذلك الحين. وهى رؤية تدعو لسودان موحد يقوم على أساس بناء دولة المواطنة السودانية التي يتساوى جميع مواطنيها أمام القانون بغض النظر عن العرق أو الانتماء الاثنى أو الدين أو اللون أو الجنس ولهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات، بمعنى آخر بناء إطار دستوري-قانوني قادر على استيعاب كل أنواع وأشكال التنوع الثقافي والعرقي والديني والاقتصادي والاجتماعي التي يتميز بها السودان بدون إقصاء أو تهميش لأي من مجموعاته المتباينة. هكذا، كانت رؤية الحركة الشعبية وظلت على الدوام هي رؤية السودان الجديد، كمفهوم يرتكز على تحليل عميق وموضوعي للجذور التاريخية للأزمة السودانية. والأكثر أهمية، تظل رؤية السودان الجديد هي مصدر التأييد الشعبي المتزايد الذي كسبته الحركة في كل أنحاء السودان، وفى الشمال على وجه الخصوص. وهذه هي الدعوة التي جذبت ودفعت بأعداد هائلة من السودانيين الشماليين للتوجه نحو الحركة الشعبية خلال مختلف محطات تطورها منذ تأسيسها في 1983. فقطاعات واسعة من السودانيين ترى في الحركة الشعبية القوة السياسية المنظمة الوحيدة التي تملك رؤية واضحة. وللمفارقة، يبدو أن استجابة الناس مع الرؤية ومناصرتهم للحركة الشعبية قد تكاثفت بصورة ملحوظة بعد الرحيل المفجع والمفاجئ لزعيم الحركة السابق د. جون قرنق دى مابيور، الرجل الذي اعترف به الجميع كرمز وطني تاريخي عظيم. إذن، رؤية السودان الجديد هي التي تميز الحركة عن بقية القوى السياسية السودانية، فهي "الماركة المسجلة" للحركة الشعبية لتحرير السودان! فرؤية السودان الجديد وفرت الوقود الفكري للحركة الشعبية والجيش الشعبي لقيادة النضال ضد كل أشكال الحكومات في الخرطوم منذ 1983، كما استرشدت الحركة بالرؤية في إقامة تحالفاتها مع باقي القوى السياسية السودانية وفى تأسيس علاقاتها الخارجية. وعليه، فإن البرنامج السياسي للحركة وأهدافها ورسالتها تقوم على هذه الرؤية، والتي وفرت أيضا الأدوات الصحيحة للتحليل مما ممكن الحركة من النجاح في تشخيص الوضع السياسي الداخلي بتعقيداته الإقليمية والدولية.

    *هذا عن مسار المشروع ..ماذا عن مواقف الحركة قبل وبعد رحيل قرنق؟

    أعتقد أنك تقصد "بمواقف الحركة الشعبية السياسية والفكرية قبل وبعد رحيل د. قرنق" محاولة لمعرفة التغيير أو التحول الذي طرأ على الطريق الذي ستسلكه الحركة والاتجاه الذي تتبعه لتحقيق أهداف السودان الجديد بعد رحيل زعيمها، فحقيقة هما الجديران بأن يشكلا بؤرة الاهتمام وليس الرؤية في حد ذاتها فحسب! بمعنى آخر، ما هو التغيير الذي طرأ على استراتيجيات وبرامج وسياسات الحركة لتنزيل الرؤية على أرض الواقع؟ فلا شك أن الرحيل المفاجئ والمفجع لقائد وملهم الحركة، د. جون قرنق، قد تسبب في تفاقم وتعقيد ثلاثة تحديات أو أنماط من التحول تواجهها الحركة في سياق الانتقال من الحرب إلى السلام، أولها: التحول من حركة سياسية-عسكرية إلى حركة سياسية خالصة، وثانيها: التحول من حركة ذات قاعدة إثنية-إقليمية إلى حركة قومية من ناحية التنظيم وشمول العضوية وانتشارها، وثالثها: التحول من حركة في المعارضة إلى حزب حاكم في الجنوب وشريك في الحكم الاتحادي والولائى في شمال السودان. ففي وجود الزعيم الراحل وتحت قيادته كانت إستراتيجية الحركة وبرامجها وسياساتها شديدة الوضوح في سبيل الوصول لتحقيق هدفها المعلن والمتمثل في إقامة دولة الموطنة السودانية، أي السودان الجديد! فقد تبنت الحركة الشعبية منذ انطلاق نشاطها العسكري والسياسي في النصف الثاني من عام 1983 وسائل الكفاح المسلح والنضال السياسي والتفاوض، وذلك بالتحالف مع بقية القوى السياسية تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي، الذي ترأس الراحل قرنق قيادة قواته المشتركة. وكان السيناريو الرئيس أن تتم هزيمة نظام "الإنقاذ" (أو اقتلاعه من الجذور كما كان يقول مولانا السيد محمد عثمان الميرغني)، وإقامة سلطة التجمع على أنقاضه. فوفقا لإعلان مؤتمر أسمر للقضايا المصيرية، تم الاتفاق على ترتيبات دستورية فدرالية وكونفدرالية لفترة انتقالية تمتد لأربع سنوات يعقبها استفتاء على حق تقرير المصير للجنوب وأبيى وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. ويمثل الإعلان الوثيقة الأساسية لبرنامج عمل قومي يتم تنفيذه بعد إزاحة الجبهة الإسلامية عن السلطة كضرورة ملحة لتحقيق السلام ولتوفير الظروف الملائمة لبناء السودان الجديد.

    *إذن ما حدث ودعاكم للسير علي منوال التفاوض، وأنتم لم تعدو له عدتكم الفكرية أو تحديدا لم تكون مستعدين للخيار الثالث "اضعف الإيمان"؟

    بعد تقييم موضوعي ودقيق للوضع السياسي داخليا وخارجيا اتخذ التجمع الوطني الديمقراطي بالإجماع، في مدينة مصوع عام 2000، قرارا بالموافقة على تبنى المفاوضات السياسية كإحدى الوسائل لإحداث التغيير المنشود في كل السودان، وبذلك بارك التجمع محاولات الحركة في الوصول لسلام عادل ودائم من خلال التفاوض مع النظام في الخرطوم. إذن، فالفشل في اجتثاث الإنقاذ بواسطة الوسائل العسكرية أوالانتفاضة الشعبية مهد الطريق للتوصل لتسوية النزاع سلميا عن طريق التفاوض، وان اتخذ مسارات متعددة (نيفاشا، أسمرا، أبوجا، القاهرة). وبالذات، تمثل اتفاقية السلام الشامل تجسيدا للعديد من ملامح السودان الجديد كما أطلق عليها زعيم الحركة الشعبية الراحل عبارة "السودان الجديد في حده الأدنى". وبالرغم عن أن ألاتفاقية تعد بمثابة "توافق" سياسي بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، إلا أنها وفرت الإطار المطلوب لمواصلة النضال لتحيق هدف السودان الجديد عن طريق العمل السياسي البحت عوضا عن الوسائل العسكرية أوالانتفاضة لمرحلة ما قبل الاتفاقية. وبالتالي، فان الواقع السياسي الجديد الذي ترتب على الاتفاقية يوفر للحركة الشعبية فرصة ذهبية لترجمة رؤيتها للسودان الجديد إلى برنامج عمل سياسي، تقوم على ضوئه بإقامة تحالفاتها السياسية مع القوى التي تلتقي معها فكريا وسياسيا: قوى الهامش في الغرب والشرق وقوى السودان الجديد في الشمال، إضافة إلى عناصر التغيير وسط القوى التقليدية. هذا هو ما كانت تتوقعه قواعد الحركة، على الأقل تلك التي تؤمن بالسودان الجديد، ويبدو أن سؤالك عن تأثير غياب الزعيم الراحل ينطق عن حالة من الإحباط الملحوظ وخيبة الظن أصابت جماهير الحركة، خاصة في شمال السودان. ولا شك أن هذا الرحيل الباكر لزعيم الحركة جعل العديد من الأسئلة تعتمل في عقول وقلوب مناصري الحركة:
    هل تلقى اتفاقية السلام الشامل بأي ظلال على صحة ودقة رؤية السودان الجديد؟
    هل تجاوز الواقع السياسي الناجم عن اتفاقية السلام الشامل هذه الرؤية وتخطاها الزمن؟
    هل استبدلت الحركة الشعبية رؤية السودان الجديد وقنعت باتفاقية السلام وتنفيذ بنودها، وبالتالي اختارت التقوقع والتقهقر نحو الجنوب في انتظار انفصاله الحتمي؟
    هل نفضت الحركة يدها وتخلت نهائيا عن موقفها المبدئي المعلن حول العلاقة بين الدين والدولة؟
    هل قامت الحركة بتقييم نقدي لمشاركة كوادرها في كل الهياكل المؤسسية الناجمة عن اتفاقية السلام، وبوجه خاص حكومة الوحدة الوطنية والأجهزة التنفيذية والتشريعية على كل مستويات الحكم، والمفوضيات المختلفة، ومؤسسة الرئاسة‘ نحو تحقيق أهداف الحركة؟
    هل حق تقرير المصير مرادف ومطابق للانفصال؟

    ومع أن هذه الأسئلة تبدو صعبة عسيرة الهضم إلا أنه من السهولة بمكان الإجابة عليها لو كانت الحركة عازمة على استخدام اتفاقية السلام الشامل كمنصة انطلاق، وهذا هو في الواقع كل أمر الاتفاقية، لتحقيق هدفها الكبير: السودان الجديد. ولولا أن شاءت الأقدار أن يرحل الزعيم الراحل في هذا الظرف الدقيق والحرج، لتوقعنا تطورا مختلفا للأوضاع!

    *ماهي تأثيرات موت قرنق علي مشروع السودان الجديد؟

    لا بد من الإشارة إلى عامل هام جعل غياب القائد التاريخ للحركة أشد تأثيرا وأكثر وقعا على استخدام الاتفاقية لتحقيق هدف وبناء السودان الجديد، وهو وجود المتشككين في رؤية السودان الجديد في صفوف الحركة الشعبية وبروزهم على السطح بعد وفاة زعيم الحركة، فقد كانت ولا تزال هناك اختلافات. وفى الواقع، حدثت خلافات تحولت إلى مواجهات عنيفة في لحظات تاريخية معينة في سياق تطور الحركة الشعبية والجيش الشعبي، منذ الأيام الأولى في 1983. ثم جاء الانشقاق المدمر الذي أفضى إلى قتال دموي في صفوف الجيش الشعبي بعد "إعلان الناصر" في أغسطس 1991 الذي دعي إلى حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان. وقد تمت مناقشة صريحة وواضحة لهذه الاختلافات والخلافات خلال المؤتمر الأول للحركة الشعبية في أغسطس 1994 والذي قرر في ضوئها أن تحقيق السودان الجديد وحق ممارسة تقرير المصير هما الهدفان التوأمان للحركة، مما يبدو معه وكأن الحركة الشعبية تسعى لتحقيق هدفين متناقضين في نفس الوقت: الانفصال ووحدة السودان!
    فقد ارتفع صوت المتشككين في جدوى مشروع السودان واستحالة تحقيقه الجديد داخل الحركة بعد رحيل زعيمها وفى سياق تنفيذ اتفاقية السلام الشامل. وسبق أن تجرأت بالقول بأن "كل المؤمنين بالرؤية هم "حركة شعبية" بيد أنه ليس كل من هو "حركة شعبية" يؤمن بها! فمن يدعون لتقرير المصير، كذريعة وتمهيد للانفصال اختاروا التراجع والتقهقر نحو الجنوب بحجة أن أمر الشمال لا يعنيهم في شئ طالما أن الاتفاقية ستمكنهم من الوصول لمحطة الاستفتاء لتقرير المصير. وعليه، فإنه من المذهل حقاً أن نرى بعض منسوبي الحركة ومشايعيها يميلون نحو التخلي طواعية عن التأييد والسند الشعبيين اللذين استطاعت الحركة أن تكسبهما على طول امتداد شمال السودان خلال عقدين من العمل السري، أو أن تتخلى عن المكاسب السياسية الهائلة التي نجحت في انتزاعها من المؤتمر الوطني، خلال مفاوضات مضنية امتدت لفترة قاربت على العامين.
    وفات على هؤلاء أنهم سيحصدون الريح في نهاية المطاف إن فشلت الحركة الشعبية في الاستخدام الصحيح والاستفادة من السلطات التنفيذية والتشريعية التي منحتها لها اتفاقية السلام الشامل على مستوى الحكم الاتحادي ومؤسسة الرئاسة. وهذا ببساطة لأن الوصول لمحطة الاستفتاء على حق تقرير المصير لابد أن يمر عبر بوابة الهيئة التشريعية المنتخبة على المستوى القومي، وإلا لتحولت اتفاقية السلام الشامل إلى اتفاقية أديس أبابا (2)!

    ومن المهم هنا التشديد على أنه كان من المؤمل أن تناقش هذه القضايا المفصلية خلال المؤتمر العام الثاني للحركة في مايو الماضي بجوبا، خاصة الخروج باستراتيجيات وبرامج واضحة تعمل على التوفيق بين هدفي السودان الجديد وحق تقرير المصير، ويندرج في ذلك أيضا السعي نحو جعل الوحدة جاذبة. ولكن، للأسف التي لم تتم مناقشة هذه المواضيع أو الإجابة على الأسئلة المشروعة المترتبة عليها.

    *إلي أي مدي تري أن هناك خطوات جدية في تحول الحركة الشعبية من حركة تحرر عسكرية إلي حزب سياسي مدني؟

    إذا افترضنا نظريا أن كل الحركة ملتزمة برؤية السودان الجديد هناك جزئيتين مهمتين جدا لما تقول أولهما تفصيل برامج وسياسات واستراتيجيات مبنية علي هذه الرؤية، وكذلك ابتداع الآليات المناسبة لتحقيق هدف السودان الجديد في ظل الأوضاع المترتبة علي اتفاقية السلام الشامل باعتبار أن السودان الجديد هو الماركة الفكرية المسجلة باسم الحركة، لكنه يحتاج إلي إنزاله على أرض الواقع عبر البرامج المفصلة كما ذكرت لك حتي يصل إلي الناس وتستطيع أن تعمل به "التحول" الذي تريده، إضافة إلى تحديد الوسائل السياسية بعد أن انتهي أمر لانتفاضة والكفاح المسلح كآليات لتحقيق هذا التحول. وفى ظل الترتيبات الدستورية الناجمة عن الاتفاقية، تبقى "الانتخابات"، في حالة الاتفاق علي نزاهتها وتهيئة الملعب، هي الآلية والوسيلة الوحيدة لإنفاذ المشروع عن طريق التنافس الشريف بين مختلف القوى السياسية. في هذه الحالة لابد للحركة أن يكون لديها برامجها وتحالفاتها المبنية علي "مانفستو الانتخابات" والذي من المفترض أن تحقق به إغراضها وكذلك التحول في السودان ككل علي حسب ادعاء أنها حركة قومية ومؤمنة بمشروع السودان الجديد.
    هذه هي النقطة الأولى في الرد على سؤالك، أما الجزئية الثانية فانه لابد من بناء هيكل تنظيمي فعال للحركة يشمل كل أنحاء السودان. الحركة الآن متفقة علي وجود قطاعين احدهما يضم الجنوب والمناطق الثلاثة (جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وأبيى)، التي أسمتها الحركة باسم السودان الجديد أثناء صيرورة الكفاح المسلح، والثاني هو قطاع الشمال علي أساس أن تطور الهيكل التنظيمي مرهون باستمرار نضال الحركة من أجل أهدافها، ولو بوسائل مختلفة، في كل أنحاء السودان.

    *لكن قطاع الشمال ضعيف جدا بالنسبة لقوة الحركة الحقيقية في قطاع الجنوب ..إلي ماذا تعزي هذا الضعف ؟

    المشكلة في أن قطاع الشمال (وهنا نقصد الشمال "الاثنى" وليس الشمال "الجغرافي") وجوده العضوي في الحركة ليس كوجود قطاع الجنوب الذي يضم أيضا المناطق الثلاثة الأخرى والتي تقع جغرافيا في الشمال. ولو لاحظت بحسب التطور التاريخي للحركة والجيش الشعبي، فإنها بدأت في الأساس كحركة عسكرية ولم يكن في عملها التنظيمي فرق بين السياسيين والعسكريين وكان أي شخص ينضم للحركة لابد أن يتلقى تدريبا عسكريا. وأذكر طرفة هنا، فقد كان دكتور جون دائما يقول لي (ياواثق ياخي تعال تدرب ليك 3شهور بتنفعك للدفاع عن نفسك!). ولكنى كنت أرد عليه بقولي (أنا مع عندي مشكلة لكن بشرط دكتور منصور خالد يجي يتدرب معاي!). وطبعا دكتور منصور، وأنا كنت متأكدا بأنه لن بفعل ذلك، وطبعا لم يأت وأنا لم اذهب إلي ميدان التدريب العسكري. وهكذا، كانت اللوائح الداخلية للحركة شديدة الصرامة في أمر خضوع كل المنتسبين للحركة للتدريب العسكري والتي يقوم عليها وضعهم التنظيمي وترقيتهم داخل الحركة. ولكن، لم ينضم الشماليون إلى الحركة بأعداد كبيرة في زمن الكفاح المسلح. ومن جانب آخر، فقد انضمت غالبية القيادات الحالية من الجنوبيين للحركة بدعم قواعدهم القبلية، ومن بعدهم كذلك قيادات من المناطق الثلاث الأخرى تدافعت نحو الحركة ومن خلفهم مقاتلين من هذه المناطق، فأصبحوا يشكلون قوة عضوية داخل الجيش الشعبي الذي يشكل الجنوبيون عموده الفقري. بينما من جانب آخر، نجد أن الشماليين قد التحقوا بالحركة كأفراد افتقروا لسند وتأييد قواعدهم الاجتماعية، قبلية كانت أم اثنية، كما لم يكن من خلفهم مقاتلون يأتمرون بأمرهم، مما أفقدهم الرباط العضوي داخل منظومة الجيش الشعبي والحركة الشعبية. وكان الأمل إذا استمر النضال العسكري أن ينضم إلي الحركة أعداد كبيرة من الشماليين وبهذا سيكونون جزء عضوي من الجيش الشعبي والحركة. ولكن، هذا لم يحدث حتى بعد أن انعقد المؤتمر الأول في 1994، والتي شجعت مقرراته تكوين فروع للحركة داخل وخارج السودان دون حاجة للانخراط في العمل العسكري. شعر الناس عندها بضرورة وجوب انخراط أشخاص في الحركة الشعبية دون أن يكون عليهم الواجب العسكري. كما تقدم الزعيم الراحل للحركة بمبادرة (لواء السودان الجديد)، التي جاءت نتيجة للتطورات التي أفرزتها أحداث الانشقاق الذي قادته مجموعة الناصر عام 1991م. فمن جهة، ظهر على السطح شعار "انفصال الجنوب" داخل صفوف الحركة الشعبية ووسط مجتمعات السودانيين الجنوبيين بشكل عام. ومن جهة أخرى، أدى انقسام الناصر إلى تساؤل العديد من السودانيين الشماليين حول احتمالات تخلي الحركة عن هدفها الأساسي والتزامها بتحقيق السودان الجديد الذي ظلوا يقاتلون من أجله لسنوات طويلة، وفي الوقت نفسه بدأ الجنوبيون يتشككون في إستراتيجية الحركة الشعبية ويعّبرون عن مخاوفهم عما إذا كانت الحركة تعبر عن تطلعاتهم ومصالحهم بصدق. فقد هدفت المبادرة إلى خلق صيغة للعمل المشترك والتفاعل بين مختلف القوى الملتزمة ببناء السودان الجديد في شمال السودان مما يعزز من وجود الشماليين ككيان عضوي في الحركة ويعضد موقفها من الوحدة، بينما سيأخذ المنبر شكله النهائي من خلال مساهمات هذه القوى متعددة المشارب والتوجهات وتبادل الخبرات بينها. ولمن، لم تتم الاستجابة للمبادرة حتى من التنظيمات التي كانت تدعى التقارب الفكري بينها وبين الحركة، مثل قوات التحالف مثلا، والذي ذكر لي شخصيا في معرض رده على المبادرة أن "الهدف الرئيسي وراء مبادرة لواء السودان الجديد هو أن الحركة تسعى لسحب البساط من تحت أرجلنا". هذه بعض الأسباب الموضوعية والذاتية التي أدى تراكمها التاريخي إلى ما أشرت إلية من ضعف في قطاع الشمال، مما ترك أثرا سالبا على المحاولات والجهود التي ظل يبذلها قطاع الشمال لتنظيم هياكله في ظروف ما بعد وقف الحرب و توقيع اتفاقية السلام الشامل. ذلك إضافة إلى التحدي الماثل في وجود المتشككين من ذوى الميول الانفصالية في جدوى مشروع السودان الجديد، والذين ينظرون لقطاع الشمال في الحركة كعقبة تقف في طريق تحقيق أهدافهم، وتقتصر حاجتهم للشماليين فقط في مساعدتهم للوصول إلى محطة الاستفتاء على تقرير المصير. لهذا تجد أن قطاع الشمال يواجه صعوبة كبيرة داخل الحركة الشعبية، إضافة إلي الوضع السيئ والهجوم الذي يتعرض له القطاع من الانفصاليين الشماليين و المتطرفين في الحزب الحاكم ومن العنصريين وأعداء مشروع السودان الجديد عموما ممن لا يرغب في تمدد الحركة شمالا. ويشكك مثل هذا التوجه في جدية الداعين للوحدة سواء كانوا شماليين أم جنوبيين، فالشماليين في الحركة يمثلون صمام الأمان للوحدة وف ترغيب الجنوبيين للتصويت لصالح الوحدة. كل هذه هي تعقيدات تؤثر يشكل مباشر في، وعلى أداء قطاع الشمال في الحركة

    *عن "مانيفستو الانتخابات" أعلن الأمين العام للحركة قبل أسابيع أن شرطهم الأساسي للتحالف الانتخابي مبني علي التحالف مع الحزب الذي يستطيع أن يكتسح معهم الانتخابات، ألا تري أن في هذه الرؤية قصور نظري وأخلاقي؟
    أنا لم اسمعه ولا اعلق علي حديث الأمين العام لكن أنا فهمي أن إي حزب سياسي لابد وأن يسعى ويقيم تحالفاته لاكتساح الانتخابات، لكنه لابد أيضا من أن يكون الفوز بنتيجة التنافس الانتخابي على أساس برنامج سياسي واضح. والحركة الشعبية، خاصة، عليها واجب استنباط هذا البرنامج أو المانيفستو الانتخابي من رؤية السودان الجديد التي تقوم على مرتكزات أساسية لإقامة دولة المواطنة السودانية (أو الدولة المدنية الديمقراطية)، وعلى رأسها فصل الدين عن السياسة أو الدولة. فهل يجوز أو يمكن يناء هذه الدولة دون تخطي نموذج" الدولة بنظامين" الذي فرضته ظروف وشروط التفاوض من أجل السلام؟ في رأيي أن هذا هو التحدي الذي يقف أمام الحركة والسودان، وهى قضية حتما ستتفجر وقد بدأت معالم الانفجار في رد الفعل علي حديث ياسر عرمان في البرلمان قبل أيام مضت حول تطبيق "الحدود" على غير المسلمين، وضرورة مراعاة القانون الجنائي للأديان والثقافات المختلفة مما أقام عليه الدنيا من جهات عديدة وتم حرف الموضوع من المداولة والنقاش حول مسودة القانون إلي تصوير حديثه وكأنه هجوم علي الشريعة وكذا, ونعته بأقذع الأوصاف، بل وتعدى الأمر إلى محاولة التحريض على قتله. لهذا افتكر أن هذه المعركة منسية ولا ادري لماذا! حتى الحركة الشعبية غير مهتمة بها، مما جعل البعض يشكك في أن الحركة الشعبية تخلت عن أهم ركيزة لمشروع السودان الجديد وهو " الفصل بين الدين والسياسة " وهذا الأمر لا تتحدث عنه الحركة مطلقا الآن كأنما اكتفت أو قنعت بالدستور العلماني الذي حققته في جنوب السودان. لكن إذا هي فعلا تسعي لتحقيق السودان الجديد لابد أن يكون في كل السودان فصل بين الدين والسياسة، مما يجعل هناك سؤالا مؤثرا عن الكيفية التي ستحقق بها الحركة الشعبية هذا الهدف؟ ولعل كلمة رئيس كتلة الحركة الشعبية بالمجلس الوطني حول هذا الموضوع لا تمثل فقط خلافا مع موقف المؤتمر الوطني من قضية العلاقة بين الدين والسياسة، بل يشهر أيضا تحديا في وجه قيادة الحركة (من الجنوبيين) لتوضيح موقفها من هذه القضية وما شابه من تشكيك في أن يكون قطاع الشمال مجرد (فرع) لحركة جنوبية تقع على عاتقه مسؤولية فصل الدين عن السياسة في (دولة شمال السودان) طالما تحقق هذا الهدف في دستور (دولة جنوب السودان)، ولسان هذه القيادة يقول (نحن مالنا ومال الشمال!).
    لكن، الآن المهم هو أن الحركة الشعبية في الانتخابات القادمة لابد أن تحقق أغلبية إما بمفردها أو مع حليف أو حلفاء، وفي هذا يأتي حديثك عن تصريح الأمين العام أن كان قد قصد منه اكتساح الانتخابات بالتحالف مع المؤتمر الوطني، فعلى أي برنامج انتخابي سيقوم هذا التحالف؟! فهناك تناقض واضح بين الطرفين حول موضوع العلاقة بين الدين والسياسة هو الذي قاد أصلا للاتفاق حول نموذج "الدولة بنظامين، ولكن هذا لا يعنى، نظريا على الأقل، نهاية الأمر. فان كانت (السياسة هي فن الممكن)، فلا يزال هناك خياران، أولهما: أن يطور المؤتمر الوطني موقفه من قضية العلاقة بين الدين والسياسة بما يسمح بالتعايش السلمي بين مختلف الأديان في إطار دولة مدنية ديمقراطية تكفل حقوق المواطنة للجميع. فالحزب الحاكم نفسه تعرض للتحول والتغيير من "الأخوان المسلمون" إلى "جبهة الميثاق" إلى "الجبهة الإسلامية القومية"، ومن ثم إلى " المؤتمر الوطني"! ولنا في كثير من الدول الإسلامية (مصر، الأردن، تركيا، تونس والمغرب والجزائر) عبرة وتجربة يمكن الاستفادة منها واستخلاص دروسها، واضعين في الاعتبار خصوصيتنا التاريخية والثقافية والاجتماعية. أفلا يتناقض إخضاع غير المسلمين من الجنوبيين إلى أحكام الشريعة الإسلامية في الشمال، بينما يتم تطبيق قوانين مدنية في الجنوب (حتى على غير المسلمين) مع مبدأ مساواة مواطني البلد الواحد أمام القانون؟ وفوق ذلك كله، ألا يمثل هذا التمييز، القائم على دين المواطن، انتقاصا بيّنا لحقوق المواطنة وإخلالاً بتكامل عناصر "الوحدة على أسس جديدة"؟ وهل سيصوت الجنوبيون لصالح وحدة تقوم على استدامة الترتيبات الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل التي تجمع بين نظامين تشريعيين مختلفين، بينما تتيح لهم نفس الاتفاقية خيار إقامة دولتهم المستقلة؟ وما هو المنطق الذي سيدفع غير المسلمين، أو الجنوبيين عموماً، للقبول طواعية باحتمال تعرضهم، حتى ولو نظرياً، لعقوبة الجلد أو بتر الأيادي؟ ومن ناحية أخرى، فقد حدثت في السابق ثلاثة اختراقات من ناحية التوصل لاتفاق مرضٍ بين الأطراف المتفاوضة أو المتحاورة، ولو اختلفت طبيعته وتباينت آثاره على وحدة البلاد في الحالتين. فالاختراق الأول جاء في اتفاقية (الميرغني-قرنق) في نوفمبر 1988 حين ما اتفق الطرفان على تجميد قوانين الشريعة (الشهيرة بقوانين سبتمبر) حتى يبت فيها المؤتمر الدستوري الذي أتفق على عقده في يوليو 1989. أما الاختراق الثاني، فقد تم في عام 1994، عندما توصلت الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطني إلى الاتفاق على "إعلان المبادئ" الذي تقدم به وسطاء منظمة إيقاد. وتمثل الاختراق الثالث في قرار التجمع الوطني حول "الدين والدولة" الذي تبناه مؤتمر أسمرا للقرارات المصيرية في عام 1995، وهو بمثابة موقف متقدم ومتطور للقرار الذي أصدره التجمع حول نفس الموضوع في نيروبي عام 1993. ورغماً عن أن "إعلان أسمرا" أكد على حق تقرير المصير للجنوب، إلا أن القرار الخاص بالعلاقة بين الدين والدولة، تم تثبيته على مبدأ عدم استغلال الدين في السياسة، وذلك بإقرار العديد من التدابير الدستورية التي تكفل المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً على حق المواطنة، بما في ذلك الاحتكام للقضاء، وتطابق كل القوانين مع المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وتقضي ببطلان أي قانون يصدر مخالفاً لذلك وتعتبره غير دستوري. وبالتالي، فإن تم الاعتراف بأن وحدة السودان يتهددها الخطر، فما الذي يمنع القوى السياسية السودانية، وعلى رأسها المؤتمر الوطني من التوصل إلى اختراق رابع ونهائي في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ السودان، مما يغنينا عن نموذج دولة بنظامين؟
    وثانيهما: أن تكون الحركة الشعبية قد قايضت القبول بتطبيق قوانين الشريعة في الشمال بحقها المكتسب في إقامة الدولة المدنية، التي يفصل دستورها بين الدين والسياسة، في الجنوب، في خرق سافر لرؤية السودان الجديد ومجافاة واضحة للنهج الذي اختطه زعيمها الراحل د. جون قرنق لخوض معركة تغيير القوانين عبر التحالفات والاتفاقات السياسة والالتزام بقواعد النظام الديمقراطي. وحتى وإن فعلت ذلك واختار الجنوبيون الانفصال، فان قضية العلاقة بين الدين والسياسة ستظل تؤرق الجميع في شمال السودان ومصدر للنزاع والصراع في هذا الكيان مما قد يقود للشقاق والتمزق!

    *مشروع الحركة الأساسي كان تغيير النظام تنازلت عنه كثيرا في اتفاقية نيفاشا , فإذا تحالفت مع حزب يناقضها فكريا مثل "المؤتمر الوطني" ستضطر للتنازل أكثر حتى يتلاشي مشروع السودان الجديد؟

    أكيد إذا تحالفت مع أي حزب إذا كان المؤتمر الوطني أو غيره بدون ما يكون البرنامج الانتخابي قائم على الدعوة لفصل الدين عن السياسة تكون الحركة الشعبية قد تخلت عن مشروعها تماما بالنسبة لي، وأضحت بذلك حركة جنوبية صرفة بعكس ما ظلت تبشر به وفى مفارقة واضحة لقومية رؤيتها وطبيعة عضويتها!
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de