|
|
 من المعتقدات الشعبية لدي النوبة النيليين
|
مكي علي إدريس / الرياض سبتمبر 2002م
لكل مجتمع إنساني معتقداته وعاداته التي تتحكّم بقدر ملحوظ في سلوك أفراده وقد تكون هذه المعتقدات أصيلة موروثة من الاقدمين أو منقولة من مجتمعات أخرى كناتج للتلاقح الثقافي بين الشعوب . تدخل المعتقدات كجنس فلكلوري للمجتمع في تلوين نظرته للأحداث من منظور شارح للفرح والتفاؤل حيناً والخوف والتشاؤم أحياناً أخرى.
يعتقد النوبيون بوجود كائن برمائي يعيش في مياه نهر النيل يشبه الإنسان ، يطلقون عليه ( دوقور) dogor ، ويصفه النّاس بأنّه مخلوق ذو عينين بوضع رأسي وأثداء مكتنزة طويلة ومرفوعة على الكتفين لثقلهما ، وهو كائن خيّر لا يصيب الإنسان بضرر ، ويحمي الأطفال من الغرق ويحمي الكبار من الأمراض مثل العقم ، وبذلك تكوّنت علاقة حميمة بينه وبين النساء اللائى يقمن بمختلف الطقوس للحفاظ على عادة تقديم الطعام للدوقور (بقذفه في النيل ) ، وهناك قطاع من النوبيين يعتقد بأنّ الدقور dogor) مخلوق شرّير قبيح المنظر ، له ذيل طويل ومحاجر عينيه تمتد من أعلى إلى اسفل ولا تستبعد أساطيرهم وجود رابط بين الدقور والساحر ، ويصف أهل منطقة وادي حلفا (والجديدة) الشخص الشرّير بالدوقور ، بينما يصف أهل السّكوت الشخص القبيح ، البشع المظهر بالدوقور. وهناك من يجد مجالاً لربط الدوقور بالسّحاحير الذي يعتقد بأنّهم تواجدوا في جزيرة (ناوا) بدنقلا ولا يجدون حرجاً في ربط أسطورة السحرة بتلك الجزيرة بسحرة فرعون ، (علاقة مكانية) ، والدّقور مخلوق خرافيً ، شأن بنات النهر الحوريات ،و(أمن دالا) والغول و(أبو الابار) ولا يستطيع أحد أنّ يؤكّد بأنه رآها أو قام بتصويرها بقدر تأكيد وجودها ، الذي يعتمد على بعض الروايات الغير مؤكّدة هنا أو هناك .
هناك معتقدات مرتبطة ببعض حيوانات البيئة، مثل (البوم) ويقال بأنها كانت امرأة فقدت ولدها فراحت تبكي على قبره فترة طويلة وتنام بين حجارة القبر،حتى (سخطت ) إلى طائر لا يخرج إلاّ ليلاً ، ولا يسكن ألاّ بين الخرائب. ورؤية البوم في الحلم إيذان بشرّ مستطير . أمّا الحمار فيعتقد أنه يأتمر بأمرّ الشيطان ولا يستجيب للراكب ولو ضربه ، ولا يجب أن نستبعد علاقة الحمار بالشيطان فقد رسمت أكثر الشعوب في إفريقيا وأوربا صورة الشيطان بحافر مثل حافر الحمار ، وفي كثير من بلاد النوبة يقولون (إذا عضّت الحرباء طفلاً ، فأنّها لن تتركه إلاّ إذا نهقت حمير مصر) .
أمّا ( الحيّة – الثعبان) فهي والشّر صنوان لأنها أخرجت (آدم) من الجنّة وحرمت (جلجاميش) من ماء الخلود، ويعتقد النّاس بأنّ الحيّة (حارس كنوز الأجداد) غير المكتشفة (مرصودة) وهذه المعتقدات لها علاقة ما بالأجداد والعبادات الطوطمية وكنوز الآثارات ، فهي تلدغ كل من يقترب منها حتّى تسلّمها لصاحبها ، وهناك اعتقاد بأن سفينة نوح حدث بها ثقب ، فنامت الحيّة فيه حتى رست السفينة،ولذا يتفاءل المسافرون لرؤية الثعبان تمر أمامهم. ويعتقد البعض أنّ الثعبان لا يلدغ أحداً إلاّ بأمر فهي (مرسال)، ويؤكدون أن لدغة العقرب (سحر- عين)، و(العين) يقال عنها (كسّرت الحجر) وينسبون ذلك للنبي (ص) ، ومن علامات (المعيان أو الساحر ) جحوظ العين ولكل مجتمع أفراد متّهمون بأنّهم (من أهل ذلك) فيروون عنهم الحكاوي المثيرة والقصص القابلة للزيادة بغرض الترويج فيظلم من جراء ذلك خلق كثير ، وسوف نعود ذات يوم لرواياتهم ونوادرهم . ولبعض النسوة تفسير لحركة الثعبان أمام المرأة الحامل ، فإذا انسابت أمامها فالمولود (أنثى) وإذا وقفت أمامها فالمولود (ذكر). أ مّا الوطواط sowarE ، فقد درج الكثير من الأمم على استعارة وجهه للشيطان، وقد ألهم مؤلف أسطورة (دراكولا- مصّاص الدماء).
عرف عن الكلب الوفاء وحسن المعشر ولكن الاعتقاد شائع بأنّ الكلب استلف من التمساح لسانه ليلحس به بعض الحساء ، ولم يردّ الأمانة، وتلك هي سر العداوة الأزلية بينهما ، فالكلب يبترد بلسانه لأنه عضو مستلف ، بينما نجد التمساح يفتقد حاسة التذوق ويبتلع ضحاياه لأنّ لسانه لا زال عند الكلب، وعند البعض اعتقاد جازم بالعداوة الشرسة بين الحصان والثعبان ويضربون بذلك المثل أمّا التوائم فحكاياتهم لا تنتهي ، فالناس يؤكّدون أن التوائم لديها القدرة على التشكّل لقطط أو ذباب ويطوفون الحي ليلاً ويأخذون نصيبهم من الأطعمة التي لم يتكرّم أهلها بمنحها إيّاهم ، فإذا أطال التوأم نومه ، نادى المنادي في الحي (أن ارفعوا الأغطية من المواعين )، فقد يكون التوأم قد تشكّل حشرة وتم حبسه في إناء. ولذلك لا يجرؤ أحدهم على ضرب القطط ليلاً وهناك من يعتقد بوجود حيوان بحري من فصيلة القطط ، أملس الجلد بلا شعر يكمن للأطفال في أعالي النخيل اسمه ( أمن دالا) ويقال أنهّ (يرضع ) انف الأطفال ويقوم بقتلهم ،ويسمّي هذا المصّاص في جنوب المحس (مرين تون اوشّار) أو (ادّي جدّي). ومن الطرائف أنّ بعضهم يروّج بأن الكلب يطارد البص أو (السيارة) ليأخذ باقي التذكرة من الكمساري. وقد كثرت الملامح الخرافية المرتبطة بالثقافة الإسلامية في المعتقدات،ويقول بعض المحلّلين بانتقال بعض هذه المعتقدات من الثقافة المسيحية أو ما قبلها من الثقافات القديمة . يقال أن السحلية ( جنجلسّيjenjelessi ) بكت يوم وفاة الرسول (ص) حتى تمزّق بطنها ، فاخذ الصحابة خيوطاً من كفن الرسول (ص) وخيّطوا بها بطنها، ولذا ظهر ذلك الخط الأبيض في بطنها . ومنها ما يقال عن قطيع الماعز التي احتمى بها الرسول (ص) وهو يهرب من كفّار مكة ، فلمّا تفرّقت الماعز وأبت أن تخفيه عن أنظار المطاردين دعا لها الرسول فارتفعت أذيالها وانكشفت عوراتها ، أمّا قطيع النعاج فقد تجمّعت وأخفت الرسول عن أعين الكفّار ، فستر الله عوراتها بأن أرسل أذنابها إلى اسفل .
عن طائر الهدهد يقال الكثير ، فهو إلى جانب أنّه رسول النبي سليمان الحكيم إلى مملكة سبأ فهو طائر محروس لا يؤكل لحمه كما الطيور الأخرى، ويتّخذ من رأسه تيمة في وصفات المشعوذين وطلاّب عودة الأحباب والغائبين، ويشاع عنه أن تاجه كان من ذهب واستبدل بتاج الريش عندما غضب عليه سليمان الحكيم ,, أما تلك الحمرة في مؤخرة بعض القرود فقد قالوا أنّ القرد عبث ببعض حاجيات الرسول وهو قائم يصلّي ، فتناول (ص) نعله وضرب بها القرد فجاءت الضربة في مؤخرته فأصبحت حمراء جزاء ما فعل . وهناك طائر لونه اخضر ببقع حمراء في قوادم جناحيه يقال عنه (نورن مونسين كورتي ) ومعناه الطائر الذي غضب منه الرب، ويقال انه يصيح صيحات مزعجة من جراء ألم يشعر به كلّما التفت يميناً أو شمالاً ،
يشاع عن (الضباع) بان جسمها مكتظ بالعظام التي تحدث أصواتا كتكسير العظام فإذا وضع صائد الضباع يديه في عيونها فهي تستسلم رغم شراستها ، وهناك من يقول إنّ الضباع لا تتحرّش بالإنسان إذا جلس.
على امتداد منطقة السكوت أماكن معيّنه يعتقد أهلها بأن أرواح الأولياء تنزل بطريقها إلى النهر في أماسي الأحد (اتنين دب) ، وهذا مدخل لذكر تلك الرهبة والخوف الذي يعتري العابرين بالمقابر والأضرحة المنتشرة وقد يكون هذا الخوف موروثاً أو لها صلة بالتقديس الذي كان يكنّه الأقدمون لأرواح الأجداد( لا يستبعد أن تكون لها علاقة بالتأليه للأموات ، تلك الطقوس التي مارسها قدماء النوبيين والفراعنة، ولا زالت تمارسها القبائل الإفريقية مثل الشلك في أسطورة (الرّث). ، وهي في مجملها لها علائق قديمة بالعبادات الطوطمية . يزعم النوبيون بأن الشخص الواقف إلى جانب آخرين جلوس (يمتص دماءهم) فلا يتركونه إلاّ أن يجلس معهم أو يذهب لحاله.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: من المعتقدات الشعبية لدي النوبة النيليين (Re: ترهاقا)
|
العزيز ترهاقا
التحية لك وللاستاذ مكي علي ادريس ونحن ننهل من هذا الابداع النوبي الرائع الذي يذكرني بتلك النقوش البديعة المرسومة على جدار المعابد الفرعونية ليحكي عن التراث والحضارة
الامن دالا واغنيتها التي تغنيها لمن يقترب من البحر : اميد سولا سولا تيا سورنقا جدا جدتيا
والتاما نفيلا السحارة التي تخرج ذيلها لتأكل الناس
والقصص التي تروى عن الضباع وكيف انها تسير في اتجاه واحد والبطولات التي تحكى عن من استطاع التغلب عليها
يا ريت تواصلوا ففي المخزون الكثير الرائع
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
 Re: من المعتقدات الشعبية لدي النوبة النيليين (Re: maia)
|
العزيز جدا ترهاقا
السلام دري دري و بعدد نخلاتنا الطالة على نيل بلادي
جهد مقدر و فنان و للمزيد من هذا التوثيق.
أرجو أن تكتب لنا عن ذلك الطائر الذي كلما غرد قال أهلنا الطيبيبن ( خير إن شاء الله )
و عن الهلال عندما يهل أول الشهر
و عن تقاليد عقد القران و الزواج و زيارة النيل في الصبحية
و عن تقاليد الولادة و السماية
تسلم إبننا العزيز
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: من المعتقدات الشعبية لدي النوبة النيليين (Re: ترهاقا)
|
مربى الاجيال استاذنا ابو جهينة
شكرا على مداخلاتك المشجعة دائما
حأقابل الاستاذ مكى مساء اليوم ولعله يكون كتب عن موضوع الطائر الذى يتفائل بصوته النوبيين وعن الهلال وتقاليد عقد القران وانا متفائل من أنو المواضيع دى حتكون جاهزة عنده وحيكون بوستناالقادم إنشاءالله
وبعدين ما تقول لى البنت الحلوة اللى فى الصورة دى بنتك الكبيرة.
ودمت
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: من المعتقدات الشعبية لدي النوبة النيليين (Re: ترهاقا)
|
الاستاذ الرائع ترهاقا
لك كل الود
حقيقة سعيدين جدا بكتابات التى تريح النفس ونقلك لابداعات مبدعنا الشاعر الفنان الاستاذ مكى على ادريس ونرجو منك المزيد
الرجاء منك الكتابة عن (قلو كب ) ذلك الطائر الصغير الذى يتفائل به اهلنا (قلو كب وا فقير ) الاستاذ مكى عنه قصة قصيرة يحكى فيه عن قلو كب لو احضرته منه وانزلته لنا فى البورد نكون شاكرين لك
ومزيدا من الابداع
ولك الود
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: من المعتقدات الشعبية لدي النوبة النيليين (Re: ترهاقا)
|
ترهاقا
شكراً على مواصلتكم لإشعاع نور الرتينة حول كتابات مكي ،،، لعلنا نجد فيها السلوى على ما فقدناه من إرث ثقافي .
مع التحية للجميع ولا سيما عزيزنا الأستاذ / جلال عثمان
طبعا النيل العظيم كان يمثل لأهلنا في وادي حلفا رمزاً جليلا ،،، وطبعا من العادات النوبية ،،، نزول العريس والعروس في البحر وأداء بعض الطقوس ،،، وأيضا عند السماية يحملون المولود برفقة جمع من الأطفال ويذهبون للنيل ،،، ويقدمون طعام خاصا للصبيان مع الدعوات للمولود بأن ينشأ ويترعرع في كنف وعز والديه .
المهم أهلنا بعد ما هاجروا لحلفا الجديدة ،،، مساكين كانوا يذهبون للترعة الزراعية بتع المشروع ،،، وكأن الترعة تمثل لهم النيل ،،، ومع التغييرات الجوهرية للعادات والتقاليد القديمة في حلفا الجديدة ،،، كنت أعتقد أن هذه العادة قد أختفت ،،، ولكني فوجئت أثناء إجازتي الأخيرة في القرية بزفة أطفال وبعض النسوة ،،، وطبيعي سألت الناس الزفة دي شنو؟ قالوا الليلة سماية _كولود_ ولد قاسم وسوف يذهبون للترعة ،،، قلنا جميل ما زال بعض الناس يتمسكون بالعادات ولو كانت بصورة مشابه
ولكم تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: من المعتقدات الشعبية لدي النوبة النيليين (Re: ولياب)
|
الاستاذ ولياب
كما تعرف موضوع الرحيل ما زال غصة فى حلوقنا ونتوارثه اجيال تلو اجيال ، وحتى من الجيل الجديد اللى ما شافوا حلفا يشعرون بمرارة الفقد ، وعاداتنا وتقاليدنا هى العاملة الرابط الحقيقى بين الجيلين ، تصدق لو قلت ليك انا فى اللحظة دى متزكر شوارع حلفا شارع شارع وما متزكر اكتر من شارعين فى الخرطوم
وتسلم على الطلة يا حبيب
| |
|
|
|
|
|
|
| |
ترهاقا
ابو جهينة
hanouf56
ولياب
سجيمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست