|
كتاب منصور خالد ....قصة بلدين
|
مغرم أنا بالإهداءات التي يصدر بها عادة الكتاب إصداراتهم، وكثيرا ما جذبني إهداء لشراء الكتاب. بل ما زالت ذاكرتي رغم خرابها تتخير أجمل هذه الإهداءات وتحتفظ ببعض من هذه الإهداءات، وها هو دكتور منصور خالد يضيف إلى ذاكرتي إهداء جديد. وإليكم جميعا هذا الإهداء ===================================================
يروي الكتاب قصة خمسين عاماً من أجل لا شيء. فيه تتبعنا أخابير الحاضر والماضي. فإلتقينا بعض الأبطال وطائفة من شرة الناس. وكان لنا في كليهما أحكام أقمنا عليها الدليل. أخطأنا أم أصبنا في تلك الأحكام، فقد قدمنا البينة الواضحة على ما ندعي. ولئن تركنا الحكم على أبطال الحاضر للتاريخ، ينقضه أو يبرمه وهو خير حاكم، نظلم التاريخ إن لم نشيد بمن ادركوا عاقبة الأمر منذ البداية. آخرون لم يدركوا العاقبة إلا بعد أن أتت بها الأنباء في ضحى الغد، وبعد أن أعيتهم المكائد. من الأبطال ننتخب ثلاثة: إبراهيم بدري: الذي لم يصانع في النصيحة خداعاً للنفس أو إرتكاناً إلى العنجهية. قال لأهله خذوا الذي لكم، وأعطوا الذي عليكم إن أردتم أن لا يفسد تدبيركم، أو يختل إختياركم. عزفوا عن رأيه ونسبوا اارأي وصاحبه للإستعمار، ثم مضوا في خداع النفس فأغراهم بالآمال العواطل الباطلات، واليوم إذ يعودون إلى ما قال دون إستحياء لا يذكرون الرجل، وهم التابعون. ستانسلاوس عبدالله بياسما: نشأ في بيئة شمالية إسلامية (دارفور)، وحفظ القرآن في خلاويها، ثم إسترقه، وبقي في رقه إلى أن حرر فرعاه في بحر الغزال المبشرون ونصروه، تلك الرحلة القاسية لم تبق في نفس الرجل غيظاً عندما جاء الإستقلال، فالمغيظ يشفى. كان بياسما في طليعة الدعاة لوحدة الشمال والجنوب، ولإحترام ديانات أهله وأعراقهم على إختلافها، وكان يعبر عن رأيه بعربية فصيحة يغذيها بكلام الله. هذا الرجل الذي كظم غيظه، وعفى عن الناس، وعرى عن كل ملامة، طرد من الوزارة، وأودع السجن لدفاعه عن الوحدة الفيدرالية. محمود محمد طه: رجل لم يأسره الحرص إذ غنى عن الدنيا باليأس منها، ومفكر ذو بصر حديد لم يتق غير الله في التعبير عن فكره. جابه الناس بهذا الفكر ولم يستدبرهم بغيب، فآراؤه السياسية التي أجلينا في هذا الكتاب، منذ مؤتمر الخريجين، آراء لا يجسر عليها إلا أولو العزم في وطن فيه للباطل سلطان، وإجتهاده في الدين إجتهاد بديع بريع لا يرفضه إلا من ضاق وعاؤه، ولئن عاد من عاد إلى الكثير من تلك الإجتهادات، فهو متبع لا مبتدع. إلى ذكرى هؤلاء الأبطال، نهدي هذا الكتاب.
د. منصور خالد
|
|
|
|
|
|