الحسانية عندهم سباق حمير بالقلبة .. يا ريتني كنتا معاهم

من أردأ انواع الحمير ذلك الحمار الدبزاوي (الاخدر) فهو غادر وبطنه غريقة، رغم ما يميزه من قوة تحمل وطولة بال وجسم سليم يدل على سلامة عقله

الحمار صاحب التاج الذي لا يضاهيه اي حمار في مضمار الحمرنة هو حمار الحلبة (الغجر) .. وغالباً ما يكون هذا الحمار من فصيلة الحمير المكادية القادمة إلينا تاريخياً من الحبشة أيام غزوات الزاكي طمل. وقيل أنها كانت تتخذ من الحدود السودانية الحبشية مرتعاً لها وتصل حتى منطقة "الفشقة" .. وربما "ود الحليو" .. مما أغرى ضعاف النفوس بسرقتها و"جلبها" في سوق القضارف فانتشرت من هناك الى بقاع السودان .. وكان أول من تنبه لصفاتها العتالية هم الحلبة فامتلكوا منها ما شاء لهم الامتلاك وصارت حليفتهم الاولى في حلهم وترحالهم

يقول العارفون ببواطن الحمير إن الحمار المكادي سمي مكاديّاً نسبة الى "بلاد مكادة" أو بلاد المكادة .. مثلما سمي ذلك البصل العجيب ببصل "مكادة" لانه قدم أيضاً من بلاد مكادة. بالاضافة الى الحمار المكادي وبصل المكادة نجد أيضاً ما يعرف بـ"برق المكادة" منسوباً الى بلاد المكادة .. وهي بلاد الحبشة كما ورد في "معجم البلدان" لشيخنا الملا عمر، حفظه الله. وبرق المكادة برق يلمع من جهة بلاد المكادة فسمي بها .. وكان البعض يتغزل في بياض اسنان محبوبته ويشبهه ببرق المكادة .. كما جاء ذلك في بعض الدواوين المنسوخة

السن برا مسواك برق المكادة
وشعراً برا دايوك هدل الوسادة
الناس بتلْد الناس ساكت حسادة
وأمك بتلد الصيد سمْح القلادة

السن برا مسواك برقاً يشيل
وشعراً برا دايوك هدل السرير
الناس بتلد الناس زي الحمير
وأمك بتلد الصيد سمح الضمير

والمربوع الاخير الذي يسخر شاعره من الناس البتلد الناس زي الحمير قصد به الحمير المكادية على وجه التخصيص .. لأن هذا الشاعر لا يعرف بقعة جغرافية غير بلاد مكادة

و بطء السرعة هي الصفة الملازمة للحمير المكادية .. فلا تجهد نفسها بتقليد الاخريات في الجري والرحيح وسبق الحسانية .. فكان إعجاب الحلبة بها عائداً لهذه الصفة لان الحلبة ليسوا في عجلة من أمرهم .. ويحطون رحالهم اينما أمسوا

وفي قرية ليست ببعيدة عن القضارف كان أحد القرويين يمتلك حماراً حمامياً لا يدانيه كلب في سرعته. وكان هذا القروي يسمي حماره "الدقَاق". وفي ذات يوم اراد أحد الغجر أن يستولى على حمار هذا القروي مهما كلفه ذلك. وكان الغجري، بطبيعة المهنة، يمتلك حماراً مكادياً. ذهب الغجري الى الانداية واشبع حماره المكادي مريسة صافية مخلوطة بشيء من العرقي البكري .. فسطل الحمار المكادي واحمرت عيناه وأخذ في النهيق الذي لم يسمع منه قط قبل هذه السطلة. ثم بدأ الحمار المسطول يزبد ويرفس الارض بحوافره .. فقام الغجري وقاد حماره المسطول حتى وصل تخوم قرية ذلك القروي صاحب الحمار الحمامي ثم امتطى حماره المسطول الذي لعبت الخندريس براسه وأظهرت مواهبه الكامنة في الجري والرحيح والنهيق. وذهب الغجري الى صاحب الحمار الحمامي واقنعه بأن حماره اسرع من حماره .. وبالفعل تسابقا فكان للحمار المكادي قصب السبق وتبادلا الحمارين واختفى الغجري بالحمار الحمامي تاركاً للقروي حماراً مازالت به بقايا سطلة. وفي الصباح الباكر "فكّت" السطلة من الحمار المكادي واقسم بكل أجداده وأبناء عمومته في القرن الافريقي ألا يتحرك من مكانه.. فأطلق عليه القروي لقب "صماطة الدرب". الخلى عادتو قلت سعادتو .. وديك كانت سطلة بس التي جعلته يتهور ويسبق الحمار الحمامي

اسقط في يد القروي فما كان منه إلا أن اطلق سراح الحمار المكادي لوجه الله .. وتعوض الله في حماره الحمامي "الدقاق" الذي ضاع .. واقام مأتماً وعويلاً على فراقه ولم يتنه الجعير بانتهاء مراسم النهيق .. فدبج القروي المراثي والغزل المتأخر في حماره الحمامي .. الدقاق

فارقت الدقاق الـ للهُرَب كسّار
وأخدت صماطة الدرب الـ تكشْف الحال
الله يخيّب الحظ إن بقيت بطّال
من الجنة يجدع سيدو جوة النار

أو هكذا كما ورد في ديوانه "الدقاق .. النجم الذي أفل" .. ألا رحم الله الدقاق
شخصياً لا أحب الحمير .. وقد ساءني سماع أحدهم يقول: حماري ما بخليييي ويييييين الاخدر لونو زرعي. وهذا تحريف وسرقة أدبية واضحة

(عدل بواسطة Shinteer on 06-17-2003, 08:24 AM)