|
رؤيــة نقديــة - قصة للكتاب عبد الواحـد الأنصارى
|
رؤية نقدية لقصة (رسالة عبد الرزاق إلى السيد الكبير) للكاتب السعودى عبد الواحد الأنصارى" " لفتت نظرى فى منتدى ادبى آخر ؛ كتبت عنها هذه الرؤية فى أواخر العام المنصرم ونشرت فى نفس المنتدى
نص القصة
كيف لي أن أقول أني مللتك وما ملت أضراسي نسجها للصحة في أوردتي من خيوط نعمتك ، انتظرتك بالساعات على العتبة واقفا ، وأنت تقرش حبات الفستق أو ترشق بها ندمانك الظرفاء ، لم أعد أحتمل ابتسامتك لهم نكاية بي وأنت تناديني لأفي بخدمتك ، أنا أولى بمبادلتك الابتسام من خذلانهم وهم يقفزون إذا أقبلت عليهم متصنعي الهيبة ، لتتيح لهم هيبتك حظوة بصنوف الأطعمة التي يعدها طباخوك أنا مقرّ أن الطابور الطويل لن ينقطع بانقطاعي ، لأنك خلاب إلى الأبد ، لا أخشى أن تكون أبّهتك يوما كالحجر البيضاوي الأملس الذي تلتقطه يد عابر يريه لأصحابه ، ثم يطوح به أسوأ ما أنتظره أن ترميني بكفرانك ، بدلا من أن تفكر أنك المشط الحديدي لبؤسي ، يجرح فروة الرأس أكثر مما يسوي شعث الشعر ، شيء وحيد لن أتهرب منه لو رميتني به ، فقد رضت نفسي ألا أتصدى لعواصفك بخرقي ، قل لهم جميعا ،إن شئت، أن إيماني بعطفك الموعود باهت ، وعما قريب سينتفي كانتفاء الإيمان بجدوى انتظار تفقيس بيض السحالي . ــ تمت ــ
قصة للكاتب /عبد الواحد الأنصارى
الرؤية
كيف لى أن أبدأ ..؟ وأنا أمام قصة خادعة قليلة الأسطر، بحيث يُمر بها دون التوقف عندها، ومع هذا فإن من يفلت من دائرة مكرها فإنه بلا شك سيصل إليها ويحبها . أجد فى هذه القصة تناصاً مع قصة "شىء من الفخر" للكاتب نفسه ، فقد إلتقت هاتان القصتان فى أكثر من نقطة إلتقاء .. أولها هى إهتمام الكاتب الكبير بأسماء أبطال قصتيه وإجادته ونجاحه فى توظيف دلالتها .. أما نقطة الإلتقاء الثانية فهى فى هذا القهر الإجتماعى الذى تمارسه شرائح على أخرى وهذا التطويق والكبت والحرمان وربما القمع أيضاً . لنفصّل الأولى؛ دلالة الإسم ،"عبد الرزاق" تمرّد على ولى نعمته الذى يصّحُ بدنه من خلال ما يتناوله على موائده وبالتالى تجرى فى أوردته دماء الصحة ، وأى فعل تمرّد يعقبه عقاب وغالباً ما يكون العقاب هو حرمان المتمرد من ما كان يحظى به ، ومع هذا فهو عبد للإله، هو عبد الرزاق الكريم لذلك فهو غير آبه بما سيناله من عقاب . من هنا وصلتنا رسالة الكاتب وأدركنا المغزى من إستعمال الكاتب لإسم "عبد الرزاق" بالذات دون سواه واجه بطل هذه القصة نفس الأجواء التى أحاطت بالبطل "عبد الخالق" فى قصة "شىء من الفخر" وهى أجواء الذل والقهر وإن كان البطل فى القصة الثانية قد تقبّل هذا ورضخ له بإعتبار أن هذا هو واقعه خاصة وأنه لا يمتلك الأدوات التى تساعده على التغيير، فإن البطل هنا "عبد الرزاق" لم يقبل ولم يخضع ، حسناً مالذى فعله بطلنا هنا بعد أن أنهكه الوضع ..؟ لقد قابل هذا الوضع بالثورة .. لقد ثار "عبد الرزاق" على واقعه أو على من يحيط به فهو يمتلك أدوات التغيير، الثورة هى روح النص .. الثورة ها هنا هى روح هذه القصة بإيعاز منها كتب هو - "عبد الرزاق"- الرسالة، كتابة الرسالة التى هى الحدث الرئيسى فى القصة نحن نعلم أن الواقع المهين للنفس وكل كبت لا يوّلد إلا رغبة فى التغيير تصاغ هذه الرغبة فى طاقات تتفجّر وتلتهب وتسمى ثورة ثارت روح "عبد الرزاق" قبل جسده بل أن الجسد ربما لا يكون متحمساً لها ورغم هذا أجبرته الروح على مشاطرتها فى فعلها .. نجد هذا مع أول جملة فى القصة (كيف لي أن أقول أني مللتك وما ملت أضراسي نسجها للصحة في أوردتي من خيوط نعمتك) روح "عبد الرازق" ملّت محدثه أو من يوجه له رسالته وتتوق إلى أن ترفرف بعيداً ، أما جسده فمازال راغباً فى هذه النعمة التى يجود بها "السيد الكبير" والتى هى دعامة صحة هذا الجسد أنظروا معى، لجمال هذه العبارة وبلاغتها وقوتها ( وما ملت أضراسي نسجها للصحة في أوردتي من خيوط نعمتك) لقد توقفت أمام هذه اللغة السيميائية الجميلة وأعجبت بقدرة الكاتب على هذه الحياكة .. لم يصف لنا الكاتب "عبد الرزاق" بقوله (كان عبد الرزاق موفور الصحة التى هى من ما يجود به السيد الكبير ) لقد إبتعد الكاتب عن الوصف التقليدى التقريرى ووظف مقدرته وتطويعه للغة وأتى بهذه العبارة الجميلة .. وعى كاتب الرسالة بذاته جعله يرى ندماء السيد الكبير على أصل صورتهم وإستخدام صفة "الظرفاء" (ندمائك الظرفاء) هى سخرية واضحة من "عبد الرزاق" كاتب الرسالة على هؤلاء الندماء متصنعى الهيبة وما دافعهم لهذا التصنع سوى ملء المعدة بأصناف الأطعمة. أهناك صورة أقل جمالاً من هذه ..؟ أن يذل الإنسان نفسه من أجل لقمة العيش أو بالأحرى اللقمة الدسمة المغذية من موائد الطغاة ...؟ والطابور يبقى حتى لو ذهب الثائر فالمائدة تجد دائماً ندماء ظرفاء يهينون أنفسهم من أجلها . فقدان كاتب الرسالة للامل هو دافعه للتغيير وإن لم يكن قد فقده تماماً بعد ولكنه فقد بريقه ..
القصة كثيفة موجزة . اللغة قوية مترابطة .. تبحث عن الحدث ولا تدرك أنه يحتويها . فالحدث فى هذه القصة لم يأتِ كما ألفناه بإيقاع متصاعد أو بحدث متقدم أو خلافه بل الحدث هان فى فِعل الكتابة .. كتابة البطل للرسالة هى الحدث الأكبر الذى يحوى القصة وتسبح هى فى جوفه ..
العنوان جاء مناسباً تماماً للقصة برغم أنه وللوهلة الأولى يعطى إنطباع التقليدى والعادى والتقريرى ويتحول هذا الإنطباع إلى قناعة بأنه لو تغير بآخر لنال هذا من القصة . .و تتجلى قدرة الكاتب فى صمته الجميل تجاه هذا "السيد الكبير" فهو لم يخبرنا من هو هذا "السيد" ..؟ فقد يكون أى شخص كبير - والكبير الله - أو قد يكون رمزاً وبالطبع يتغير هذا "السيد الكبير" الذى لم يأتِ على ذكره داخل القصة بل فى العنوان فقط ، يتغير من قارىء إلى آخر وهذا إحترام لذهن القارىء الذى له حرية إسقاط أى كان على شخصية " السيد الكبير".. وتوقفوا معى عند هذا الإبداع وهذا الربط المتين بين القصة وعنوانها فالكاتب لم يبدأ القصة مثلاً: رسالة من عبد الرزاق إلى السيد الكبير ولم يكتب أيضاً فى البداية كما هى العادة أسم المرسل إليه مثلاً : إلى السيد الكبير .. بل فعل هذا خارج نص القصة ، فعله فى العنوان الذى هو باب الولوج للنص ..
للكاتب والجميع ألف تحية
|
|
|
|
|
|
|
|
|