د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-22-2024, 07:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2003, 01:51 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم


    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة الاولى)


    (1)

    ليس في المعاني الانسانية ما هو أرفع من الدين ، فلقد نشأت المجتمعات على الأعراف الدينية ، فحفظتها ، بما ارست فيها من قواعد الأخلاق والسلوك .. فالدين أول ماعرف الانسان ، وسيكون آخر ما يعرف .. فقد تصور الانسان البدائي قوى الطبيعة المختلفة ، آلهة جبارة تتحكم في حياته ، ولا تأبه بمصيره ، فتزلف اليها ، وقرب لها القرابين ..وكان يرى اقرباءه الذين ماتوا في احلامه ، وهم يتحركون وكأنهم في حياتهم العادية ، ومن هنا نشأت فكرة الحياة الأخرى ، ومختلف التصورات عنها.. وزاد الخوف من بطش الآلهه ، اذ تعدى الأذى في الدنيا الى العذاب في الحياة الدائمة !! ولكن ذلك الخوف هو الذي حفز الانسان في مراقي التطور ، فخوفه من عناصر الطبيعة ، ومن الحيوانات المفترسة ، ومن اعدائه ممن هم مثله ، مدد خياله ، ووسع حيلته في التخفي ، والمناجزة ، وشحذ ذكاءه ، فاكتشف قوانين الطبيعة واستغلها في تصنيع سلاحه وتطويره من السلاح الحجري حتى القنبلة الهايدروجينية !! أما الخوف من عقاب الآلهه في الحياة الأخرى ، فقد اعانه على كبت رغائبه وشهواته، والخضوع لعرف الجماعة ، حتى في غياب الرقيب ، وضمان الأمن من بطشها ، ومن هنا نشأ الضمير الانساني في سحيق الآماد ..

    فلم يرسل الله الرسل ليخبروا الناس بان لهم إلهاً ، لأن ذلك سبقتهم اليه رسل العقول . فقد ادرك العقل البدائي الساذج بالتجربة المعاشة ، ان ليس هناك شئ صنع نفسه بنفسه .. فقام في خلده ان هذه الأرض الواسعة ، والجبال الهائلة ، والبحار والانهار والاشجار السامقة والسماء والشمس والقمر والنجوم ، لا يمكن الا ان تكون قد صنعت بيد صانع قدير ، أقوى وأحكم من الانسان !! وهكذا نشأ الدين في الأرض ، ثم ألمت به أسباب السماء ، على مكث ، وتلبث ، فهذبته ، وسيرته وفق أرادة هادية من ظلام الوثنيات الى نور التوحيد .. فعرفت أديان التوحيد الله للناس ، ووصفته لهم على قدر طاقتهم ، ومهدت طريق الرجعى له بمناهج العبادة وحسن الخلق ، والطقوس المختلفة ، مما نشرته الأديان على مر الأزمان ..

    (2)

    في تلك المراحل البدائية من مسيرة الدين ، كان هناك مشرفون على القرابين وحراس للنار ، وامكنة العبادة ، فأخذ هؤلاء يفسرون للعوام رغبة الآلهه ، ويستلمون الهدايا باسمها ، ويحافظون على مكانتهم بتلاوة التعاويز والرقي ، التي لا يفهمها عامة الناس !! فاذا ارتفع الدين في النفوس ، قام سدنة النار ، وحراس المعابد ، والكهنة بواجبهم تجاه الآلهه ، وتجاه المواطنين ، ومثلوا صوت العقل ، بينهم وبين الأقوياء ، الذين كانوا يغتصبون حقوق الجماعة ، ويبنون على آلامها امجادهم الشخصية .. وحين ينحط الدين في النفوس يخاف رجال الدين من الزعماء الأقوياء ، ويطمعون في عطاياهم ، فيهرعون لمساعدتهم في بسط نفوذهم على الفقراء ، والمساكين ، ويستعملون الحجج الدينية التي تدعو العامة للتسليم للزعماء ، والخضوع لهم ، والا غضبت عليهم الآلهه ، واستحقوا بطش الزعماء !! وهكذا يختل ميزان العدل ، ويسود الظلم والفساد ، ويجمع الطغاة الى السلطة الزمنية ، الني اغتصبوها بالقوة ، سلطة دينية تلحقهم برضا الآلهه يحققها لهم الكهان ورجال الدين .. وبسبب جهل العامة بالدين، لاحتكار رجال الدين لاسراره ، وبسبب ضعف علماء الدين ، وطمعهم ، جاء الحكام الأقوياء الذين ادعوا الآلوهية نفسها !! ومن هؤلاء الفراعنة الذين حكموا مصر ، وغيرهم ممن عاصرهم ، وسبقهم ، أو لحقهم من الملوك ..

    (3)

    وحين تأذن الله تعالى أن يسوق الوثنيات الى غايتها ، بعد ان استنفدت غرضها ، جاءت أديان التوحيد مواجهة لعقائد الشرك ، وللملوك الذين نصبوا أنفسهم آلهه على البشر ..فكانت ثورة أبراهيم الخليل ، عليه السلام ، على آلهة قومه ، وحواره المشهود مع النمرود ، ذلك الملك الذي ادعى الالوهية .. ثم جاء موسى عليه السلام ينازع فرعون مصر الوهيته المزعومة ، ويخرج بني اسرائيل من بطشه وقهره ، ويهلكه وسدنته من رجال الديانة المصرية القديمة .. ولما كانت سطوة الملوك لا تزال قوية في النفوس ، والاتباع بعيدين عن الوعي الذي يؤهلهم لحكم انفسهم ، فقد ارسل الله الانبياء الملوك فجاء داؤد وسليمان عليهما السلام .. ولعل هذا ما جعل اليهود ينتظرون نبياً ملكاً ، فلما جاء عيسى عليه السلام فقيراً زاهداً ، رفضوه واغروا به حكامهم من الرومان .. ولقد كان فقهاء اليهود الذين يسمون الكتبة أو الفريسيين يحاولون بشتى الطرق ان يعزلوا المسيح عليه السلام عن الناس ، ويوقعوا بينه وبين الحاكم ، حين عجزوا من مناظرته ، وحواره .. ولقد كانو كمن سبقهم من الكهنة يتمسكون بقشور الشريعة ، ويفرطون في جوهر الدين !! ولقد وصفهم المسيح عليه السلام وأحسن وصفهم حين قال :
      لكن الويل لكم أيها الكتبة و الفريسيّون المراءوون ! فانكم تغلقون ملكوت السموات في وجوه الناس ، فلا انتم تدخلون ولا تدعون الداخلون يدخلون ! الويل لكم ايها الكتبة والفريسيّون المراءوون فانكم تلتهمون بيوت الارامل ، وتتذرعون باطالة صلواتكم لذلك ستنزل بكم دينونة أقسى ! الويل لكم أيها الكتبة والفريسيّون المراءوون ! فانكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا متهوداً واحداً فاذا تهود جعلتموه أهلاً لجهنم ضعف ما انتم عليه .. الويل لكم أيها القادة العميان ! الويل لكم ايها الكتبة والفريسيّون المراءوون فانكم تؤدون حتى عشور النعنع والشبث والكمون وقد أهملتم أهم ما في الشريعة : العدل والرحمة والأمانة ... ايها القادة العميان ! انكم تصّفون الماء من البعوضة ولكنكم تبلعون الجمل ! الويل لكم أيها الكتبة والفريسيّون المراءوون فانكم كالقبور المطلية بالكلس تبدو جميلة من الخارج ولكنها من الداخل ممتلئة بعظام الموتى وكل نجاسة ! كذلك انتم أيضاً تبدون للناس ابراراً ولكنكم من الداخل ممتلؤن بالرياء والنفاق !

    ولقذ تآمر الفريسيّون على عيسى عليه السلام ، وسلموه لقتلته ، وذلك أقصى ما بلغ رجال الدين من السوء ومن تزلف الحكام .. على ان المسيحية نفسها وقعت في شرك رجال الدين وتبريرهم لصلف الحكام !! فبعد بضع سنوات من عهد المسيح عليه السلام كتب القديس بولس " ومن يقاوم السلطان فانما يعاند ترتيب الله " !! وبعد فترة ظهر رجال الدين المسيحي الذين يستغلون أقدس المقدسات لمصلحتهم الشخصية .. وكانوا يبيعون صكوك الغفران للمذنبين ، ويرفلون في الحرير الى جانب الحكام ، ثم يثبطون من همم الثوار من الفقراء والمحرومين ، ويعدونهم بالجنة اذا هم خضعوا للملوك وأدوا عطاياهم للكنيسة !! وحتى يحكموا قبضتهم على رقاب الناس ، عقّد رجال الدين المسيحية ، وصبغوها بالكهنوت والاسرار ، وجعلوها طلاسم تصعب على العامة ، واخضعوا المكانة عند الله الى الدراسة والتخصص في علوم الكهنوت ، واصبحوا يشرعون لأتباعهم ما يناقض جوهر الدين المسيحي ويجوزونه باسمه !!

    (4)

    لقد كانت ثورة مارتن لوثر ( 1483-1546) تستهدف تخليص الدين المسيحي من عقابيل الكهنوت والغنوصية ، التي أزرت بهيبته في نفوس الأذكياء ، وكان اعتراضه على الكنيسة يتجه الى تعميم المعرفة التي كانت تحتكرها، وتوجيه النظر الى غاية الدين بدلاً عن مظاهره التي أغرقه فيها رجاله .. ومع ان المذهب البروتستانتي سار خطوات في طريق الاصلاح الا انه أيضاً أوجد رجال دينه بعد فترة ، مما ساق الى الاعتراض من جديد ، باساليب جديدة ..

    على ان الاعتراض هذه المرة ، جاء متأثراً بزخم الثورة الفرنسية وعنفوانها ، فلم يقف عند رجال الدين وانما تعداهم الى الدين نفسه !! ومن ابرز الفلسفات التي ثارت على المؤسسة الدينية ورفضت الدين من ثم ، فلسفة كارل ماركس (1818 – 1883 ) فقد رأى الدين كوسيلة في يد رجال يستغلون به البسطاء ، ويخدمون به مصالح الطبقة الرأسمالية الحاكمة .. ورأى اتباع الدين عاجزون عن الادراك السليم لمأساتهم ، وكأنهم قد خدروا بواسطة الوعود والخطب الدينية ، فوصف الدين بانه " افيون الشعوب" !! وكل الافكار التي تلت الماركسية تأثرت بها بصورة من الصور ، وسعت بمختلف الوسائل والعلوم لتثبت صحة الزعم بان الدين ما هو الا تصور الانسان البدائي للطبيعة ، وهو تصور لا بد من تجاوزه كشرط من شروط تطور الواقع الجديد .. وهكذا تبنت مرحلة الحداثة التصور العلماني ، ونجحت أوربا في فصل الدين عن الدولة ، وعزلته عن دوره التشريعي والأخلاقي ، واقامت مفاهيمها على أديم الفكر المادي بشقيه الشيوعي والرأسمالي ..

    (5)

    وحين جاء الاسلام ، وضع نفسه من أول وهلة ضد ظاهرة رجال الدين .. وسحب البساط من تحت أرجلهم ، حين جعل منهاج المعرفة الاساسي التقوى بدلاً عن الدرس والاطلاع ، فكان رسوله أمّي وامته امّية !! قال تعالى "هو الذي بعث في الأمّيين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين" .. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلم الناس ما لا تصح العبادة الا به عن طريق الهيئة ، فلم يتحدث عن فرائض الوضوء أو مستحباته ، وانما كان يتوضأ امام الأعرابي فيعلمه الوضوء ، وهكذا علمه جبريل عليه السلام .. ولقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم للأمة ان العلم الحقيقي لا يتأتى بكثرة الاطلاع ، واحتراف الحفظ والاستذكار ، وانما هو ثمرة التقوى ، وبلغهم قوله تعالى "واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم" وقال في شرح ذلك "من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم" !! .. ولهذا انشغل الأصحاب رضوان الله عليه بالعمل ، وكان أحدهم لا يحفظ الآيات التي تنزل حديثاً ، ما لم يكن قد طبق الآيات السابقة ، خشية النفاق !! وهم في ذلك ينظرون لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون" !!

    وفي اتجاه المحاربة العملية لظاهرة رجال الدين ، لم يتميز النبي صلي الله عليه وسلم على اتباعه بلبس معين ، أو مكانة معينة ، حتى ان الأعرابي اذا قدم الى مجلسه سأل: أيكم محمد؟! ولقد تنبأ النبي صلي الله عليه وسلم للمسلمين بالانحدار، والمفارقة ، واتباع نفس انحرافات الامم السابقة فقال "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه !! قالوا : أأليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟! " !! ولقذ رأينا كيف ان الأمم السابقة ، ابتدعت ظاهرة رجال الدين ، الذين يتميزون بزي خاص ، ومكانة خاصة ، وكيف ان المتأخرين من علماء المسلمين وفقهائهم كانوا يلبسون ثياباً خاصة ، مميزة ، تشبه الى حد كبير لبس حاخامات اليهود وقساوسة النصارى !!

    ولعل اول اشارة في النعي على رجال الدين ما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها فقد رأت بعض الرجال يغطون روؤسهم ، ويمشون ببطء ، ويتظاهرون بالمسكنة ، ويخفضون أصواتهم ، فقالت : من هؤلاء ؟! قالوا : هؤلاء القراء !! قالت : أخبروهم لا يميتوا علينا ديننا !! فقد كان عمر أقرأ الناس ، وكان اذا تكلم أسمع ، واذا مشى أسرع ، واذا ضرب أوجع !!

    (6)

    على ان الفقهاء والوعاظ ورجال الدين لم يظهروا في شكل مؤسسة بالغة الأثر في حياة المسلمين الا بعد الفتنة الكبرى ، حين انتصر معاوية بن ابي سفيان على عليّ بن ابي طالب رضي الله عنه فتحولت الخلافة الى ملك عضوض !! ولما كان الملك وتوارث الحكم ، بدعة جديدة ، تفتقر الى السند الديني ، والتأييد الشعبي ، فقد اعتمد ملوك بني أميّة على الفقهاء ووعاظ السلاطين ليوطدوا سلطانهم ويبرروا ظلمهم ، وفسادهم !! ولم يحدث ذلك الانحراف في يوم وليلة ، وانما كان أوائل الفقهاء أقرب الى روح الدين ، فأعترض قلة منهم على بعض ملوك بني أميّة فنكلوا بهم ، وارهبوا بهم غيرهم ، حتى خضع سائر الفقهاء ، وعلماء الشريعة الى الحكام ، واصبح ذلك الخضوع المنكر ، ديدنهم منذ ذلك الوقت ..

    وبينما احتضنت دولة بني أميّة الفقهاء وعلماء الشريعة ، قتلت آل البيت ، وشردتهم ، ففروا بدينهم الى الفلوات ، وقضوا أوقاتهم في اللجأ الى الله ، والذكر والفكر ، بعيد عن بطش السلطة ، ومن هؤلاء نشأ التصوف الاسلامي ، كفكر واسلوب مغاير تماماً للفقهاء ومذاهبهم !! فحين شغل الفقهاء وقتهم بمداهنة الحكام ، وترقب عطاياهم ، والخوف من بطشهم ، والاجتهاد في تفصيل الفتاوى حسب مصالحهم وأهوائهم ، انشغل السادة الصوفية بتجويد العبادة والتوسل اليها بالزهد في الدنيا ، ثم حسن معاملة الناس ، بكف الأذى عنهم ، وتحمل أذاهم وتوصيل الخير لهم !!

    ومن حسن التوفيق الالهي ان السودان ، لم يفتح بالسيف كغيره من البلاد ، وانما توغل الدين في ربوعه عن طريق التصوف .. فلو كان الاسلام قد قدم الينا تحت ظلال السيوف ، لكان للفقهاء الذين يسيرون في ركاب الملوك ، الاثر البالغ على حياة الناس ، واخلاقهم ، وانشغالهم بمظهر الدين بدلاً من مخبره !! ومع ذلك فان السلطة التي وجدها الفقهاء في السودان ، انما كانت بسبب من اثر النفوذ المصري علينا ، فقد درس كثير من السودانيين في الأزهر ، وعادوا لينشؤا المعاهد الدينية التي يروجون من خلالها لآراء الفقهاء القدامى ، دون فهم لجوهر الدين ، أو اعتبار لتطور الحياة !!

    (7)

    كتب د. عبد الله علي ابراهيم ، الباحث والمؤرخ المعروف عدة مقالات نشرت في شهر ابريل الماضي بجريدة الرأي العام ، ولقد أوضح غرضه من كتابة هذه المقالات بقوله:

    أريد في المقالات التي انشرها متتابعة ان ارد الشريعة الى مطلبها الحق ان تكون مصدراً للقوانين في بلد للمسلمين . ولست أرى في مطلبها هذا بأساً أو ظلماً لغير المسلمين . فهي عندي مما يسع التشريع الوطني العام ويهش له متى خلا دعاتها من نازعة "الوطنية الاسلامية" وبذلوا سماحتها للوطن لا يفرقون بين أهله متوسلين الى ذلك بحرفة القانون عارضين اجتهادهم من خلال مؤسسات التشريع بالدولة . ولست ادعي علماُ فيما يجد غير انني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وما تلاه في ترتيب قوانين ألتزمت خير الأسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها . وهي ما اسميه التقليد الشرعي السوداني 1898 -1983 .

    ومع ان مقالات الكاتب قد جاءت طويلة ومفصلة ، الا انه لم يخبرنا كيف ان الشريعة ، لوكانت هي مصدر القوانين ، لن يكون في ذلك ظلم لغير المسلمين ، أو ظلم للمرأة ، بل لم يعط القارئ أي نصوص مما تقوم عليه الشريعة ليدلل بها على ما يمكن ان تحققه من مساواة وعدالة .. كما انه لم يقف عند محاولات تطبيق الشريعة في السودان أو ايران أو باكستان ليحدثنا عن السبب في فشل تلك التجارب ، وضمان عدم فشل التجربة الجديدة لو أردنا تطبيق الشريعة مرة أخرى !!

    لقد اتجهت مقالات د. عبد الله علي ابراهيم لتؤكد ان محافظتنا على ديننا وثقافتنا تقتضي ان نجعل الشريعة مصدر كافة قوانينا بما في ذلك قوانين الأحوال الشخصية ، وينتج عن ذلك رد اعتبار الفقهاء وعلماء الشريعة الذين قلل الاستعمار من مكانتهم بسبب انهم كانوا رمز للوطنية لدفاعهم عن قوانين الشريعة في وجه القانون الانجليزي الوضعي !!

    ان محاولتي في هذه المقالات تتجه لأن توضح ان تمسكنا بالدين يقتضي الفهم الذي يميز بين الدين والشريعة ، فيدعو الى تطوير الشريعة حتى ترتفع الى جوهر الدين ، والى قامة العصر من تحقيق الحرية والديمقراطية ، وان غياب هذا الفهم هو الذي أدى الى فشل تطبيق الشريعة !! كما ان الفقه قد قصّر قصوراً مزرياً ، أخرجه عن جادة الشريعة دع عنك جوهر الدين .. ومن هنا جاء ظلم الفقهاء وعلماء الشريعة للمرأة ولغير المسلمين بصورة لا يمكن تعميتها ، بمثل محاولات د. عبدالله !! ولم يكن القضاة الشرعيين والفقهاء وطنيين وانما كانوا يخدمون غرض الاستعمار ، ويتسقطون رضاه !! ثم انهم ساروا من بعد الاستقلال في ركاب الطائفية ، واستغلوا بواسطة الجماعات الاسلامية ، لرفع شعار الدولة الدينية ، الذي تحول الى تصعيد للحرب الأهلية باسم الجهاد !! وهم بذلك كانوا يشوهون الدين بمساندتهم للسلطة ، وبرفضهم وتآمرهم على الصورة المتقدمة التي طرح بها في السودان منذ مطلع الخمسينات فيما عرف بالفكر الجمهوري ، ومن هنا كان لا بد من كشفهم ، ومواجهتهم حتى لا ينفر الاذكياء عن الدين ، بسبب سوء ممارسة رجال الدين ، ويرد شعبنا المعين الصافي بعد ان تطهر من اوضار الجهلات !!

    ان مقالات د. عبد الله علي ابراهيم ، قد جاءت في وقت مناسب يتحاور فيه السودانيون بالداخل والخارج ، حول مستقبل بلادهم ، ويسعون الى تحقيق السلام ، وتوسيع قاعدة المشاركة ، وهي بذلك تعطينا فرصة لنوضح ربما للكثيرين من ابنائنا وبناتنا جانب من تاريخنا ، وقع عليه كثير من التزييف لمصلحة قوى التخلف ، مما جعل قضية الدين والدولة أهم القضايا التي يجب ان نثيرها ، دون ان نمل الحديث فيهاً !!

    (نواصل )

    عمر القراي
                  

05-23-2003, 05:35 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم

    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة الثانية)


    (8)


    ان الافتراض الاساسي في مقالات د. عبد الله علي ابراهيم لجعل الشريعة مصدر القوانين في السودان ، وتحسره على عدم الأخذ بها منذ ان جلا الاستعمار عن هذه البلاد، هو ان الشريعة ليس بها " بأساً أو ظلماً لغير المسلمين " كما انها " انتصفت للمرأة ما وسعها" !! ولعل ما ساق لهذا الخطأ هو الخلط بين الدين وبين الشريعة ، وهو خلط قد جاز طويلاً على علماء المسلمين وعامتهم .. فالدين هو التوحيد ، وهو في بدايته الاقرار لله بالوحدانية ، وفي قمته التسليم التام له سبحانه وتعالى . وحين قال تعالى " ان الدين عند الله الاسلام " عنى التسليم للارادة الالهيه ، ولم يعن الاسلام بمعنى الشريعة التي اتى بها محمد صلى الله عليه وسلم !! وذلك لأن الاسلام سابق لهذه الشريعة وعن ذلك يقول تعالى " انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " ، فأنبياء بني اسرائيل قد كانوا مسلمين ، وابراهيم الخليل عليه السلام قد كان مسلماً ، قال تعالى " ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين * اذ قال له ربه أسلم قال اسلمت لرب العالمين " !! والدين بهذا المعني واحد ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا اله الا الله " .. ومع ان الدين واحد الا ان الشرائع قد اختلفت باختلاف الامم ، بسبب تطور الحياة ، ومن ثم تغيير المجتمعات .. ذلك ان الشريعة انما هي القوانين والاحكام ، التي تنزلت من الدين ، لتدرج المجتمات نحو غايات الدين العليا ، وهي لملامستها لواقع المجتمع تتأثر به ، وتراعي امكانات وطاقات افراده .. ولتوضيح هذا الأمر يضرب الاستاذ محمود محمد طه المثل باختلاف شريعة الزواج بين آدم عليه السلام ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فبينما كان زواج الأخ من أخته شريعة دينية في عهد آدم ، اصبح حراماً في شريعة محمد ، بل شمل التحريم ما هو أبعد من الأخت كالخالة و العمة وغيرها ، يقول الاستاذ محمود:

      فاذا كان هذ الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سببه اختلاف مستويات الأمم ، وهو من غير أدنى ريب كذلك ، فان من الخطأ الشنيع ان يظن انسان ان الشريعة الاسلامية في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها ، للتطبيق في القرن العشرين . ذلك بان اختلاف مجتمع القرن السابع ، عن مستوى القرن العشرين ، أمر لا يقبل المقارنة ، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلاً ، وانما هو يتحدث عن نفسه . فيصبح الأمر عندنا أمام أحدى خصلتين: أما ان يكون الاسلام كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف ، قادراً على استيعاب طاقات القرن العشرين ، فيتولى توجيهه في مضمار التشريع ، وفي مضمار الأخلاق ، واما ان تكون قدرته قد نفدت ، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع الفرن السابع ، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله . فيكون على بشرية القرن العشرين ان تخرج عنه ، وتلتمس حل مشاكلها في فلسفات اخريات ، وهذا ما لا يقول به مسلم .. ومع ذلك فان المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة .. وهم يظنون ان مشاكل القرن العشرين يمكن ان يستوعبها وينهض بحلها ، نفس التشريع الذي استوعب ، ونهض بحل مشاكل القرن السابع ، وذلك جهل مفضوح ..

    ولما كان القرآن قد حوي كل شئ ، فان التطور الذي حدث لا يحتاج الى رسالة جديدة ، وان احتاج الى تشريع جديد !! ولقد حوى القرآن المكي الذي كان منسوخاً ، بسبب قصور المجتمع عن شأوه ، التشريع المناسب للبشرية في عصرنا الحاضر ، وانما بعث هذا التشريع لتفصل منه القوانين هو ما اسماه الاستاذ محمود محمد طه تطوير التشريع ، وزعم انه السبيل الوحيد لعودة الاسلام في حياة المسلمين .. هذه الفكرة التي فصلها الاستاذ محمود في حوالي الاربعين كتاباً ، وكتب حولها تلاميذه ما يربو على المائة وخمسين كتاباً ، وقاوم بسببها تطبيق قوانين سبتمبر التي زعمت كافة الجماعات الاسلامية بانها الشريعة ، حتى بذل حياته ثمناً لذلك ، لم تحظ من د. عبد الله علي ابراهيم بأي اشارة على الرغم من ان بحثه المطول قد كان حول الخلاف المحتدم حول القوانين الشرعية في السودان ، ولم ينس ان يذكر فيه حتى معارضة أو موافقة الاتحاد النسائي !!

    (9)


    أول ما تجدر الاشارة اليه في أمر الشريعة ، هو انها لا تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات لانها تقوم على العقيدة التي تفضل المسلم على غيره !! قال تعالى في ذلك "ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين" .. ولقد اتجه التطبيق العملي لهذا المفهوم الى قتال المشركين حتى يسلموا ، وقتال أهل الكتاب- اليهود والنصارى- حتى يسلموا أو يعطوا الجزية !! قال تعالى "فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" .. ولقد حددت هذه الآية ، وهي من آخر ما نزل في شأن التعامل مع المشركين ، زمان قتالهم بانقضاء الاشهر الحرم ، وحددت مكان قتالهم بانه حيث وجدوا ، وحددت سبب قتالهم بانه كفرهم وعدم اقامتهم شعائر الاسلام ، وحددت وقف القتال معهم ، بدخولهم في الاسلام واقامتهم الشعائر !! واعتماداً على هذه الآية جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فان فعلوا عصموا مني دماءهم واموالهم وأمرهم الى الله"..

    أما أهل الكتاب فقد قال تعالى عنهم "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " !!
    ونزولاً عند هذا التوجيه ارسل النبي صلى الله عليه وسلم رسائله المشهودة لملوك الفرس والروم "أسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا وعليكم ما علينا، فان ابيتم فادوا الجزية والا فاستعدوا للقتال" !! هذه هي خيارات الشريعة لليهود والنصارى : اما الاسلام ، أو الجزية ، أو القتال .. أما بالنسبة للمشركين فهما خياران لا ثالث لهما : الاسلام أو القتال !!

    والجزية ليست ضريبة دفاع ، يدفعها أهل الذمّة ، من يهود ونصارى ، للمسلمين الذين غزوا بلادهم وبسطوا سلطانهم عليها، لأنهم يقومون بحمايتهم فحسب ، لكنها الى جانب ذلك اقرار بالخضوع ، واظهار للطاعة ، واشعار بالمهانة والذل ، هدفه ان يسوق الذمي الى الاسلام .. جاء في تفسير قوله تعالى "عن يد وهم صاغرون" "أي عن قهر وغلبة .. وصاغرون أي ذليلون حقيرون مهانون ولذلك لا يجوز اعزاز أهل الذمّة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه"

    ومعلوم ان غير المسلم لا يصح له ان يكون رئيساً للدولة المسلمة ، ولا ان يتولى قيادة الجيش لأن الجيش جيش جهاد !! وليس له الحق في تولي القضاء الذي يقوم على قوانين الشريعة الاسلامية !! ومن الناحية الاجتماعية لا يجوز له ان يتزوج المرأة المسلمة ، ولما كان دفعه للجزية الغرض منه اشعاره بالصغار ، فإنه لنفس الغرض لا يتولى المناصب الرفيعة ولا يؤتمن على اسرار المسلمين .. فقد روي ان ابو موسى الأشعري اتخذ كاتباً نصرانياً ، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الا اتخذت حنيفياً ؟ قال: يا امير المؤمنين لي كتابته وله دينه !! قال عمر : لا اعزهم اذ اذلهم الله ولا ادنيهم اذ ابعدهم الله !! ثم قرأ قوله تعالى "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين" !!
    فهل يمكن لمثقف أمين ان يقول بان غير المسلم لا يتضرر بتطبيق قوانين الشريعة الاسلامية ؟!


    (10)


    ومما يترتب على الجهاد اتخاذ الاسرى رقيقاً ، ومع ان الاسلام وجد الرق سائداً في الجاهلية ، الا انه لم يلغه ، كما ألغى الزنا ، والربا ، والميسر ، وغيرها ، وذلك لانه فرض الجهاد ، فاضطر الى مجاراة عرف الحرب والاسر .. ولقد أقرت الشريعة الرق كنظام اجتماعي ، وتعايش المسلمون الأوائل مع عبيدهم يبيعونهم ، ويشترونهم ، ويعتقونهم احياناً اذا لزمت احدهم الكفارة .. ورغم ان الشريعة دعت الى حسن معاملة العبيد ، من الناحية الاخلاقية ، الا ان الوضع القانوني للعبد ، يجعله أقل في القيمة الانسانية من الحر ، فمع انه انسان الا انه اعتبر مثل المتاع الذي يملكه سيده .. وقد اسرف الفقهاء في بيان ذلك بمستوى ينفر منه الذوق السليم .. فالسيد اذا قتل العبد لا يقتل ، واذا اصابه دون القتل يقدر المصاب بالقيمة الماليه للعبد !! فقد ورد ان العبد "ان كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من اصابه شئ فان اصاب كسره ذلك نقص أو عثل ( جبر على غير استواء) كان على من اصابه قدر ما نقص من ثمنه" !!

    وحين يتخذ الاسرى من الرجال عبيداً ، يتخذ الاسيرات من النساء اماء ، ويعتبرن مما ملكت يمين أسيادهن .. وقد أجازت الشريعة للمسلمين ان يعاشروا ما ملكت ايمانهم بغير زواج ، فاصبح للمسلم الحق في معاشرة عدد غير محدود من النساء .. قال تعالى "والذين هم لفروجهم حافظون * الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين" .. ويجوز للمسلم ان يبيع جاريته لغيره ، وان يشتري غيرها من الجواري ، يعاشرهن ثم يبيعهن مرة أخرى !! وهكذا نشأ سوق للجواري بجانب سوق العبيد ، واصبح نظام الاماء مثل نظام العبيد ، نظاماً اجتماعياُ راسخاً مرتبطاً أيضاً بالجهاد !!

    وقد يقول قائل ان نظام الرق والاماء قد كان سائداً في الماضي لكنه لا يعنينا الآن !! وفي الحق ان الدعوة لجعل الشريعة مصدراً للقوانين انما تسوق كنتيجة طبيعية الى اقامة الدولة الاسلامية .. ومتى ما قامت الدولة الاسلامية ، ولو بمجرد الادعاء ، فان حربها مع خصومها أو مع الاقليات غير المسلمة تعتبر جهاداً ، مما يعيد كل هذه الصور من جديد !!

    (11)


    عندما تعالت صيحات منظمات حقوق الانسان عن اعادة الرق في السودان في منتصف التسعينات ، قامت بعثة من المنظمة السودانية لحقوق الانسان بالسفر لجنوب السودان وكتبت في تقريرها الذي كان له اثر بالغ :

      خلال الفترة ما بين 17 و22 مايو عام 1999 قامت المنظمة السودانية لحقوق الانسان فرع القاهرة ، ممثلة في نائب رئيسها والامين العام بزيارة الى أقليم بحر الغزال في جنوب السودان ، بغرض الوقوف على أوضاع حقوق الانسان في المنطقة وللتحري في اتهامات بممارسة الرق. وقد اجرت المنطمة خلال الزيارة – التي شارك فيها ممثلون لمنظمة التضامن المسيحي ومجموعة تمثل التلفزيون والصحافة الكندية - تحقيقات ميدانية ومقابلات مباشرة مع كافة الاطراف ذات الصلة بقضية الرق من مواطنين تمت اعادتهم من الاسترقاق ، وتجار شاركوا في عمليات استعادة الرقيق ، وسلاطين وزعماء ، ومسؤولين عن الادارة الأهلية ، واهالي وذوي العائدين من الاسترقاق الى جانب مواطنين عرب يعيشون في المنطقة وتجار قادمين من الشمال. وابدت المنظمة اهتماماً خاصاً بافادات الاطفال وعملت على توثيق لقاءاتها المباشرة بالمعنيين عبر عدة وسائل للتوثيق وخلصت الى ما يلي :

      • ظاهرة الرق ليست مستحدثة بل قديمة وهي قد ارتبطت بداية بالصراعات القبلية في المنطقة غير انها اتسعت بشكل يدعو للقلق في ظل النظام الحالي الذي تقوم سلطاته بالتشجيع على ممارسة الرق وتنظيمها والاشراف عليها . وتقوم السلطات بتجنيد أعداد من ابناء المسيرية والرزيقات ضمن قوات الدفاع الشعبي وتوفر للمجند منهم حصاناً وبندقية كلاشنكوف ومبلغ 50 الف جنيه للقيام بغارات على القرى التي تشتبه السلطات في انها تدعم الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ويحتفظ المغيرون من هؤلاء المجندين بما يحصلون عليه من رقيق وأبقار وممتلكات باعتبارها مغانم الحرب الجهادية .
      • يشارك في الغارات على القرى والبلدات المراحيل – وهو الاسم الذي يطلقه الأهالي المحليون على مجموعات المجندين – وافراد الدفاع الشعبي أو القوات المسلحة. وسواء تمت الغارات بمشاركة الاطراف الثلاثة أو عن طريق مجموعة واحدة منها يتم نقل حصيلة الغارات من رقيق وابقاروخلافه الى مناطق تقع تحت سمع وبصر السلطات السودانية.
      • يتم تجميع الرقيق والغنائم الاخرى في حظائر معدة لهذا الغرض تقوم بحراستها قوات نظامية ( قوات مسلحة و قوات دفاع شعبي ) وتقع هذه الحظائر على مسافة تتراوح بين 5 الى 7 ساعات سيراً على الأقدام من المناطق التي استهدفتها الغارات .
      • في مرحلة لاحقة ينقل الرقيق الى مدن المجلد والميرم عبر رحلات تستغرق من 6 الى 9 أيام ويتم أثناء هذه الرحلات إعدام أعداد كبيرة من الرجال بضربهم ، وهم مقيدي الايدي والأرجل ، بهراوات على الرأس ، كما يتم الاحتفاظ باعداد من الشباب كمجندين ، وتتعرض النساء الى عمليات أغتصاب متكرر بواسطة الحراس والعاملين على نقلهم ، ويتم أثناء الرحلة ربط كل 9 أو 10 من الرقيق بواسطة حبل طويل الى بعضهم البعض .
      • يتم بيع الرقيق الى اسياد جدد حيث تستخدم النساء في أعمال الزراعة والرعي وجلب الماء وطحن الذرة ( بلا مقابل ) بالاضافة لتقديم خدمات جنسية نزولاُ على رغبات اسيادهن ، ولا تتبدل معاملة الرقيق بعد انجابهن من سادتهن كما لا يعامل اطفالهن بذات المعاملة التي يحظى بها الاطفال الطبيعيون للسادة ويطلق على الرقيق اسماء جديدة تكون في الغالب اسماء عربية.

    ولعل من أهم ما جاء في هذا التقرير، الافادات العديدة المسجلة ، لأشخاص عانوا من تجربة الاسترقاق المريرة . ورغم قسوة هذه الافادات ومرارتها حتى لمن يقرأها الا انني ارى ان نورد واحدة منها كنموذج بالغ الدلالة على ما وصل اليه الحال تحت الحكومة التي تدعي تطبيق الشريعة . جاء في الافادة :

      من " كوروك" غرب "أويل" تم اختطافها قبل 14 شهراً ومعها حوالي 300 شخص من الدينكا تم اختطافهم بواسطة اعداد كبيرة من المهاجمين الذين كانوا خليطاً من الجنود النظاميين وقوات الدفاع الشعبي والمدنيين : ثم اخذنا الى "ابو مطارق" وفي الطريق تم إغتصابي بواسطة عدة اشخاص ، وقد تعرضت للضرب الشديد –زوجي "بول يول داو" قتل قبل عامين من اختطافي – تم اخذي من "ابو مطارق" بواسطة شخص اسمه علي وكان يعاملني بقسوة شديدة ، يضربني ويقذف بالأكل على الأرض ويطلب مني أكله وكان علي مرتبط بالزراعة في مكان بعيد من المنزل ، وكان يناديني "بنت الجانقي" وكان يطلب مني الصلاة وحين اذكر له اني لا اعرف كان يضربني ب "القنا" .... اصرّ سيدها على ان يقوم بطهارتها حتى يتزوجها ، وقد تم ذلك بعد ان تم تثبيتها على " العنقريب" بحضور زوجة سيدها وعدد آخر من النساء ، وقد تمت الطهارة دون بنج ، وكان الجرح ينزف لمدة أربعة أيام دون توقف ، وبالرغم من الألم والإرهاق بسبب النزيف ، فقد اجبرت على العمل في اليوم التالي مباشرة ، وقد ضاجعها سيدها بعد ثلاثة أشهر من "الطهارة".


    (12)



    ولقد يلاحظ ان السيدة الجنوبية ، التي وقع عليها هذا الاعتداء الاثيم ، اعتبرته اغتصاباً ، بينما اعتبره الرجل الذي يعتقد انه سيدها ، عملاً مقبولاً ، لانه يظنها مما ملكت يمينه !! وانه لذلك ، له الحق الشرعي في بيعها وشرائها وختانها ومضاجعتها !! فهل كان مثل هذا الفهم وهذه الممارسة يمكن ان تتم لو ان شعارات القوانين الاسلامية لم ترفع وطبول الجهاد لم تدق من كافة وسائل الاعلام ؟! أفان قال هذا الرجل ان عمله هذا يتفق مع الشريعة الاسلامية التي اجازت قتال الوثنيين وسبي نسائهم واتخاذهم جواري ومعاشرتهم بغير زواج ، وانه فعل ذلك تطبيقاً للقوانين الاسلامية ، واقتداء بالاصحاب رضوان الله عليهم ، فهل سيقبل د. عبد الله علي ابراهيم عمله هذا أم سيرفضه باعتبار انه "يصطدم مع العدالة واملاءات الوجدان السليم" ؟! فان كان سيرفضه فقد اجاب على سؤاله حيث قال " لماذا لم يستفد القضاة الانجليز وخلفهم من السودانيين من الشريعة الاسلامية في انشاء قوانين السودان في حين كان متاحاً لهم ذلك بفضل الصيغة الموجهه لعملهم القضائي والتشريعي القائله ان بمقدورهم الاستعانه بأي قانون طالما لم يصادم العدالة والسوية واملاءات الوجدان السليم" !! ذلك ان الشريعة في وقتنا الحاضر تصادم العدالة والسوية والوجدان السليم !! ان دعوة د. عبد الله علي ابراهيم ، لتطبيق الشريعة ، منذ الاستقلال ، لو حدثت بالفعل ، لكنا قد دخلنا في تجارب الجهاد ، والرق ، وما ملكت ايمانكم ، من قبل خمسين سنه !!
    ألم يكن "الافندية " الذين على اصرّوا ان يتبع القانون السوداني ، بعد الاستقلال القانون الانجليزي الوضعي ، ابعد نظراً ، واعرف بواقع التنوع الثقافي ، من دعاة تطبيق الشريعة ، ابتداء من الترابي ، ومروراً بالنميري وانتهاء بعبد الله علي ابراهيم ؟!

    ان حكومة الجبهة الاسلامية القومية ، الحاضرة ، انما تمارس تضليلاً واسعاً ، حين تزعم في مفاوضاتها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، بانها تقبل ان تعفى مناطق تواجد غير المسلمين من قوانين الشريعة .. ذلك لأن الشريعة لا تعترف بالقوانين الأخرى بل تعتبرها مجرد أهواء البشر ، وتنهى لذلك الحاكم المسلم ان يحكم بها قال تعالى " وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق ..." !! فالشريعة لا تقوم فقط على ما ينبغي ان يطبقه المسلم على نفسه ، بل تقوم ايضاً على ما يجب ان يطبقه على غيره ، ولهذا شرعت الجهاد والجزية عقوبة لغير المسلمين ، ولم يمنعها من ذلك كونهم غير مسلمين !! فاذا تنازلت حكومة الجبهة عن تدخل الشريعة في حياة غير المسلمين ، فانما هو تكتيك سياسي مؤقت لا تسنده الشريعة ، ولا تلتزمه الجبهة الا ريثما تملك القدرة مرة اخرى على استئناف ما تعتبره جهاداً !!

    ومقالات د. عبد الله علي ابراهيم ، انما جاءت في هذا الوقت بالذات ، لتدعم من موقف الجبهة في المفاوضات الجارية ، فالجبهة تحتاج ان تؤكد بأن القوانين الاسلامية يؤيدها "مثقفون" من خارج تنظيمها وان هؤلاء يعتقدون ان قوانين الشريعة تضاهي القوانين الانسانية الرفيعة التي تحتوي على حقوق الانسان ، فلا يتضرر منها غير المسلمين ولا تضرر منها المرأة !! ولقد اوجزنا موقف الشريعة من غير المسلمين ، وسنحاول باذن الله ان نتطرق الى موقفها من المرأة في الحلقة القادمة ، حتى نفرغ لرجال الدين ..


    (نواصل)

    عمر القراي

                  

05-23-2003, 07:31 PM

رباح الصادق

تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)

    أخي عمر عبد الله
    لك التحية..فلا شك أن الكاتب الكاتب والكاتب موضوع الكتابة كلاهما من أهم منابع الفكر في بلادنا المجدبة من هذه الناحية.
    حبذا أخي لو استطت أن تعثر لنا (أو أي من البورداب) تعثرون لنا على مقالات دكتور عبد الله علي إبراهيم حتى تكتمل الصورة، ويثري النقاش.

    مع تحيتي الحارة
    رباح
                  

05-23-2003, 09:23 PM

omdurmani

تاريخ التسجيل: 06-22-2002
مجموع المشاركات: 1245

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)

    up...
                  

05-23-2003, 09:30 PM

omdurmani

تاريخ التسجيل: 06-22-2002
مجموع المشاركات: 1245

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)

    if only we have Dr/abdalla's articles in another post .that will be great.
    ........
                  

05-23-2003, 10:10 PM

baballa
<ababalla
تاريخ التسجيل: 05-13-2002
مجموع المشاركات: 151

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)

    as per request u'll find the articles that r written by Dr. Abdalla Ali Ibrahim in a post called What DR. Abdalla Ibrahim wants to say ? or something like that in Arabic
    thanks and have a great day and night
                  

05-24-2003, 04:13 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    الأخت الكريمة رباح
    تحية طيبة
    لقد نشر الدكتور عبدالله على ابراهيم مقالاته منجمة على صفحات جريدة الرأى العام ولعلها لا تزال موجودة للأطلاع في أرشيف الجريدة على شبكة الإنترنيت .. جاء بعضها تحت عنوان "كيف أدار القانون السوداني الوضعي ظهره للشريعة الاسلامية خلال الفترة الاستعمارية وما بعدها؟" والمقال الأخير منها عنوانه "الشريعة التقدمية، الحداثة الرجعية: الشريعة والرق فى السودان" وقد راجعته قبل قليل وهو موجود على الوصلة أدناه:http://www.rayaam.net/2003/05/20/araa1.html
    عمر


                  

06-06-2003, 06:33 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم

    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة الثالثة)


    (13)


    يقول د. عبد الله علي ابراهيم " ولست أدعي علماً فيما يجد غير انني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وما تلاه في ترتيب قوانين التزمت خير الاسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها. " [1]

    أحب ان ابدأ بان الشريعة الاسلامية ، قد كانت حكيمة كل الحكمة ، في كافة أحكامها ، وهي قد قفزت بالمرأة قفزة كبيرة عما كان عليه وضعها في الجاهلية .. فقد كانت المرأة في عرف المجتمع الجاهلي توأد ، وتباع ، وتسبى ، وكان الرجل يعاشر العشرة والعشرين ، دون أي قيد ، ولم يكن للمرأة أي قيمة الا من حيث انتسابها للرجل !! ولقد منعت الشريعة كل ذلك ، وأعطت المرأة من الحقوق بقدر ما كانت تسمح به طاقة المجتمع في القرن السابع الميلادي .. ولكن أحكام الشريعة انما تقصر عن أمكانات المرأة الحديثة ، مما يجعل الدعوة الى تطبيق قوانينها اليوم ، دعوة الى التخلف ، بالغة الظلم للمرأة ، وبالغة التشويه للدين !!

    ولعل ابقاء الاسلام في مستوى الشريعة على بعض صور عدم المساواة ، وعدم الكرامة للمرأة ، هو الذي ضلل فقهاء المسلمين الأوائل ، وعلماءهم الحاضرين ، وبعض المثقفين حين ظنوا ان ذلك هو مراد الدين بالاصالة ، وحكمه النهائي ، وغفلوا عن حقيقة ان الاسلام انما كان يدرج المجتمع ، ويراعي ضعفه ، وان أحكامه التي طبقت على مجتمع العهد الأول ، وخرج بفضلها من ظلام الجاهلية الأولى ، لا يمكن ان تكون كلمته النهائية للمجتمع البشري الحاضر بعد ان قطع زهاء الألف وخمسمائة عام من التطور . والآن !! بفضل الله ثم بفضل تطور المجتمع ، وتطور المرأة ، وتمردها على واقعها ، ومشاركتها بكفاءة في شتى ميادين الحياة ، ظهر مبلغ الخلف الشاسع بين الفكر الاسلامي السلفي التقليدي وما يتبناه من قوانين الشريعة وبين واقع العصر !!


    (14)


    لقد اعتمدت جملة آراء الفقهاء ، في كافة القوانين التي أعطت المرأة حقوقاً منقوصة ، على آية القوامة ، وهي قوله تعالى " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، ان الله كان علياً كبيراً " .. جاء في تفسير الآية :

    الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها اذا اعوجت .." بما فضل الله بعضهم على بعض" ، أي لأن الرجال افضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة (رواه البخاري) وكذا منصب القضاء .." وبما انفقوا من اموالهم "، أي المهور والنفقات والكلف التي اوجبها الله عليهم في كتابه وسنة نبيه .. فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والافضال فناسب ان يكون قيماً عليها .. قال الحسن البصري : جاءت امرأة الى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو ان زوجها لطمها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : القصاص . فانزل الله عز وجل "الرجال قوامون على النساء" الآية ، فرجعت المرأة بغير قصاص .. " واللاتي تخافون نشوزهن" أي و النساء اللاتي تتخوفون ان ينشزن عن أزواجهن ، والنشوز هو الارتفاع ، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركه لأمره المعرضة عن المنفعة له ، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه ، فان الله أوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرم عليها معصيته ، لما له عليها من الفضل والافضال .. قوله " واهجروهن في المضاجع " قال علي بن طلحة عن ابن عباس الهجر هو ان الا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويولها ظهره ، وزاد آخرون منهم السدّي والضحاك وعكرمة : ولا يكلمها ولا يحادثها .. " واضربوهن" اذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم ان تضربوهن ضرباً غير مبرح . [2]

    وذهب بعض المفسرين ومنهم الطبري ، الى ان المرأة التي تنشز لا تبالي بهجر زوجها لها ، ولا تهتم باعراضه عنها ، ولذلك رأوا ان كلمة " واهجروهن" لم تشتق من الهجران وهو الأعراض ، وانما من الهجار وهو القيد الذي يشد به البعير حتى لا يهرب !! " واهجروهن" اذاً تعني قيدوهن في المضجع حتي يظهرن الخضوع والطاعة!! [3]

    ولقد فهم الفقهاء الأوائل ان طاعة المرأة لزوجها من جنس طاعة الخدم والعبيد ، فقد سئل ابن تيمية الذي كان يلقب بشيخ الاسلام : هل يجب على المرآة ان تخدم زوجها أم لا ؟ فقال : "وقيل وهو الصواب وجوب الخدمة ، فان الزوج سيدها في كتاب الله ، وهي عانية عنده بسنة رسول الله ، وعلى العاني والعبد الخدمة " !![4]


    ولم يستطع رجال الدين ، أو مفكرو الجماعات الاسلامية الحديثة ، تجاوز مفهوم القوامة ، وان وضعوه بصور لطيفة على أمل ان تتقبله النساء داخل الحركات الاسلامية .. يقول حسن البنا مؤسس جماعة الأخوان المسلمين " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم –سورة النساء 34 – هذا التعاون لم يجعله الاسلام على صورة جافة ، بل تعاون يتخلله الحب والتسامح والتقدير ، فعلى المرأة ان تكون طائعة وعلى الرجل ان يكون رحيماً .. ولما كانت الشركة تحتاج الى مدير في تصريف الأمور ، والشركاء ليسوا جميعاً على مستوى واحد فقد حفظ الاسلام الاشراف للرجل لانه أكمل عقلاً من المرأة " !![5]

    ولما كانت القوامة تتبعها مسائل اصعب منها مثل الهجر والضرب ، فان مهمة التبرير تصبح شاقة ومتعثرة على مفكر اسلامي بارز مثل الاستاذ محمد قطب فهو يقول " يتفرع من قوامة الرجل على المرأة حق الزوج في تأديب زوجته الناشزة وهو الحق الذي تبينه هذه الآية (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) ويلاحظ ان الآية تدرجت في وسائل التأديب حتى وصلت الى الضرب غير المبرح في نهاية المطاف .. لا بد من سلطة محلية تقوم بهذا التأديب هي سلطة الرجل المسئول في النهاية عن امر هذا البيت وتبعاته ، فاذا لم تفلح جميع الوسائل فاننا أمام حالة من الجموح العنيف لا يصلح لها الا اجراء عنيف هو الضرب بغير قصد الايذاء وانما بقصد التأديب ، لذا نص التشريع على انه ضرب غير مبرح. وهنا شبه الاهانة لكبرياء المرأة والفظاظة في معاملتها ، ولكن ينبغي ان نذكر من جهة ان السلاح الاحتياطي لا يستعمل الا حين تخفق كل الوسائل السلمية الأخرى ، ومن ناحية ثانية ان هناك حالات انحراف نفسي لا تجدي معه الا هذه الوسيلة .. " !![6]

    ومحمد قطب ، هنا ، انما يرد على شبهات المستشرقين ، الذين يزعم انهم يطعنون الاسلام ، في كتابه المشهور" شبهات حول الاسلام" ، فاذا به يعطيهم حجة ، لم تخطر لهم على بال ، مفادها ان الاسلام فرض على الرجل ضرب زوجته لان هناك حالات انحراف نفسي ، لا يعرف لها الاسلام علاجاً غير ضرب المريض !! فالاسلام ، بهذا الفهم ، قد جاء بالضرب للمرضى ، بينما جاءت الاديان بالرفق والرحمة حتى للاصحاء !! ومن عجب ان هذا الكتاب المتخلف ، قد جعل بفضل تعالي اصوات الجماعات الاسلامية ، من ضمن مقرر الدراسة في المرحلة الثانوية بالمدارس السودانية !!

    ويترتب على القوامة ، وكون المرأة تابعة لزوجها في منزلها ، الا يكون لها الحق في قيادة غيره من الرجال ، في الشئون العامة ، ومنعت بسبب ذلك ، من كل الوظائف القيادية في المجتمع .. يقول الشيخ أبو الأعلى المودودي زعيم الجماعة الاسلامية في باكستان " الرجال قوامون على النساء (النساء 34 ) لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة (رواه البخاري) هذان النصان يقطعان بان المناصب الرئيسية في الدولة رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس شورى او ادارة مختلف مصالح الحكومة لا تقوض الى النساء ، وبناء على ذلك فان مما يخالف النصوص الصريحة ان تنزل النساء تلك المنزلة في دستور الدولة الاسلامية أو يترك فيها مجال لذلك . وارتكاب تلك المخالفة لا يجوز البتة لدولة رضيت لنفسها التقييد بطاعة الله ورسوله ".[7] ويرد الشيخ المودودي على من يعترض عليه بان آية القوامة لا علاقة لها بشئون الدولة ووظائفها لانها محصورة في شئون الاسرة فيقول " وقد يقول المعترض في هذا المقام : ان هذا الحكم انما يتعلق بالحياة العائلية لا بسياسة الدولة ، فنقول ان القرآن لم يقيد قوامة الرجال على النساء بالبيوت ولم يأت بكلمة " في البيوت " في الآية ، مما لا يمكن بدونه ان يحصر الحكم في دائرة الحياة العائلية ، ثم هبنا نقبل منكم هذا القول فنسألكم التي لم يجعلها الله قواماً في البيت بل وضعها موضع القنوت أأنتم تريدون ان تخرجوهامن نظام القنوت الى منزلة القوامة على جميع البيوت أي جميع الدولة ؟ أمن شك في ان قوامة الدولة أخطر شأناً وأكثر مسئولية من قوامة البيوت؟! فهل انتم تظنون بالله ان يجعل المرأة قواماً على مجموعة من ملايين البيوت ولم يشأ ان يجعلها قواماً داخل بيتها؟! ثم ارجع البصر في القرآن انه يحدد دائرة أعمال المرأة بهذه الكلمات الصريحة (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) "[8]


    (15)


    ومن ابلغ النماذج ، التي يمكن ان تعطي تصوراً واضحاً لما يمكن ان يصل اليه الاعتداء على حقوق النساء ، باسم الدين وفتاوي الفقهاء ما حدث في المملكة العربية السعودية اثناء حرب الخليج الاولى عام 1990 . ففي يوم الثلاثاء 6 /11/1990 تحركت 47 مواطنة سعودية – معظمهن من العاملات في قطاع التعليم أو طالبات فيه- في مدينة الرياض يقدن 14 سيارة مطالبات بحقهن في قيادة السيارة تجنباً للأعباء المادية الناجمة عن اضطرارهن لتأجير سائق اجنبي ، مع المشاكل الاجتماعية المصاحبة لوجوده ، وكذلك لمواجهة احتمالات الحرب التي قد تدفع بالرجال الى الجبهة وتجبر النساء على تولي كافة الأمور في الداخل . وقد ترتب على ذلك :

    1- اقتيدت النساء الى مقر الشرطة للتحقيق معهن ، وقد بقين حتى صباح اليوم التالي ، ولم يفرج عنهن الا بعد أخذ تعهد على أزواجهن أو آبائهن بعدم تكرار ذلك.

    2- أصدرت وزارة الداخلية بياناً بتحريم قيادة المرأة السيارة ، وهددت بانزال عقوبات رادعة بحقها ، ونشر ذلك في أجهزة الأعلام السعودي يوم 14/11/1990 .

    3- افتى منظر النظام السعودي عبد العزيز بن باز بان ما حدث بادرة سوء يجب منعها ، ودعا للابلاغ عن من يتبنى هذا المطلب ، وارسل برقيات استنكار الى ولاة الأمور.

    4- طرد العاملات منهن من العمل والطالبات من الدراسة .

    5- منعهن من السفر كما أمتد الحظر ليشمل أزواجهن أو آباءهن أو اخوانهن الذين أجبروا على توقيع التعهد.

    6- صرح وزير الداخلية بان هؤلاء النسوة تربين خارج بيوتنا الاسلامية ، وشجب عملهن وموافقة اهلهن على هذا العمل.

    7- أنطلق الجناح المتزمت في التيار الديني لأكمال المأساة فانهالت المنشورات التي تصفهن بالساقطات والمنحلات أخلاقياً ودينياً .. ونشرت اسماءهن في قائمة تحت عنوان (أعرف عدوك) مختتمة بقولها (هذه اسماء الساقطات وبعض من يقف وراءهن من الشيوعيين والعلمانيين.. افعل ما تراه مناسباً) !!

    8- تحولت المساجد الى منابر لشتمهن وتجريحهن والمطالبة باستتابتهن أو إقامة الحد الشرعي عليهن ، وتعدى ذلك الى الدعوة الى قصر تعليم الفتاة الى المرحلة الابتدائية وتركيزه على علوم الدين فقط.[9]

    أما خطاب وزارة الداخلية فقد جاء فيه " تود وزارة الداخليه ان تعلن لعموم المواطنين والمقيمين انه بناء على الفتوى الصادرة بتاريخ 20/4/1411 ، من كل من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لأدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد ، وفضيلة الشيخ عبد الرازق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء ، وعضو هيئة كبار العلماء ، وفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن غريان عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء ، وعضو هيئة كبار العلماء ، وفضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء ، بعدم جواز قيادة النساء للسيارات ، ووجوب معاقبة من تقوم منهن بذلك بالعقوبة المناسبة التي يتحقق بها الزجر ، والمحافظة على الحرم ومنع بوادر الشر "[10]

    اما فتوى الشيخ ابن باز فقد جاء فيها " فقد كثر حديث الناس في صفحة الجزيرة عن قيادة المرأة للسيارة ، ومعلوم انها تؤدي مفاسد لا تخفى على الداعين اليها ، منها الخلوة المحرمة بالمرأة ، ومنها السفور ، ومنها الأختلاط بالرجال بدون جدار ، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور ، والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية الى المحرم واعتبرها محرمة ، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت والحجاب وتجنب اظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي اليه ذلك كله من الاباحة التي تقضي على المجتمع ..."[11]

    يتضح من هذه القصة العجيبة ، التي ما كان لأحد ان يتوقع حدوثها ، في اواخر القرن العشرين، ان فقهاء السعودية ، لم يجدوا نصاً واضحاً يمنع المرأة قيادة السيارة ، لأنه ليس هناك نص ديني ، منعها في الماضي ، من قيادة الناقة أو الفرس !! فلم يترددوا في ايراد ما لديهم من نصوص جاهزة ، ضد الخلوة ، والاختلاط ، وخروج المرأة من البيت ، مع ان كل هذا لا علاقة له بقيادة السيارة .. بل ان المرأة داخل السيارة ، قد تكون في أمان من الاختلاط ، والخلوة ، والسفور لانها مختفية بالسيارة ، كما كانت المرأة في الماضي تختفي بالهودج وهي تسافر فيه .. فالمرأة في السيارة ، أقرب الى تنفيذ الشرع ، من المرأة التي تسير في الشارع ، والتي لم تقم ضدها أي فتاوي !!

    ان هذه الفتوى فتوى سياسية ، هدفها ارضاء السلطة ، التي اتخذت حركة النساء مناسبة لتقمع أي حركة جماعية ، تتخذ صور الخروج على النظام ، وذلك قفلاً للباب الذي قد يؤدي الى الثورة الحقيقية ضد النظام الملكي المتوارث الذي يخوض في الفساد ويرزح في الجهل والتخلف .. ولما كانت ورقة الدين مجربة في تضليل الشعوب ، فقد هرع هؤلاء الاشياخ ، المرتزقة ، ليخرجوا بهذه الفتوى الهزيلة ..


    (16)


    يعتمد الفقهاء ، في إعطاء المرأة حقوقاً قانونية ناقصة ، على الآية الكريمة " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فلرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى ..." جاء في تفسير الآية " وهذا انما يكون في الأموال ، وانما اقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة .." [12] !! ولقد يطيب لبعض الدعاة الاسلاميين ، ان يذكر ان شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ، في الامور المالية فقط ، حتى يفهم الحاضرون ، انها مساوية له في شهادتها فيما عدا ذلك !! والحق ان المرأة في قوانين الشريعة ، وآراء الفقهاء ، ليس لها الحق مطلقاً في الشهادة ، فيما عدا الامور المالية هذه ، التي تساوي شهادتها فيها نصف شهادة الرجل !! لذلك "يرى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادة المرأة في الحدود والحرابة والقذف والبغي والزنا وشرب الخمر والسرقة والقصاص ، سواء كن منفردات وان كثرن أو مع رجال ، واستندوا في ذلك على حجج من المنقول والمعقول. المنقول: وهو ما يستخلص من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .

    1- الكتاب الحكيم : قوله تعالى " واستشهدوا ذوي عدل منكم " (الطلاق 2 ) ، وقوله عز وجل " لولا جاءوا عليه باربعة شهداء فاذا لم يأتوا بالشهداء فاؤلئك عند الله هم الكاذبون " (النور 13) ويستدل من هذه الآيات على اشتراط الذكور في الشهود دون النساء .

    2- السنة النبوية الشريفة : ما رواه مالك عن الزهري انه قال مضت السنه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده انه لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص (البخاري جزء 13 ص 222 )

    المعقول : استند الجمهور الى حجج مستخلصة من المعقول وذلك فيما يلي :

    1- ان الحدود تدرأ بالشبهات ، فلا تثبت بحجة فيها شبهة ، وشهادة النساء شبهة لتطرق الضلال والنسيان اليها تطبيقاُ لقوله تعالى " ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى " فالضلالة شبهة والحد يسقط بالشبهات . كما ان الرسول صلى الله عليه وسلم وصفهن بنقصان العقل والدين ..."[13] !!

    فالمرأة اذاً ليس لها الحق في الشهادة ، ما عدا في الأموال ، حيث تكون شهادتها منقوصة ، اذ تساوي نصف شهادة الرجل ، أكثر من ذلك ان شهادتها هذه لا تقبل أصلاً الا بوجود رجل !! فلا يمكن ان يشهد أربعة نساء بدلاً عن رجلين !! ولقد تعرضنا الى عدم حقها حسب الشريعة وآراء الفقهاء ، في تولي مناصب الرئاسة والقيادة ، كما لا يجوز ان تلي القضاء ، فتقيم شهادة الشهود ، وهي تقصر عن مدى الشاهد !! فلم يبق لها من الحقوق القانونية للمواطن في الدولة الا حق الشكوى عند وقوع الاعتداء عليها !!

    ولم تأت التيارات الاسلامية الحديثة ، بجديد فيما يخص الحقوق القانونية ، المنقوصة للمرأة ، بل تذهب في تبريرها على انها الوضع الطبيعي .. يقول حسن البنا " واذا كان الاسلام قد انتقص من حق المرأة فجعل شهادتها نصف شهادة الرجل ، فهو مجاراة للطبيعة ، فطبيعة المرأة تجعلها تعيش بعاطفتها لا بعقلها ، والعاطفة تتأثر ، وتمتاز المرأة بعاطفتها ولا تمتاز بعقلها ، وهي مع ذلك سريعة النسيان ، لذا لم يساو الاسلام بينها وبين الرجل في الشهادة وعلل ذلك بقوله تعالى " ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى ".[14] ولا يكتفي زعيم الأخوان المسلمين بذلك ، بل يسعى لحرمان المرأة من ممارسة مهنة المحاماة ، ومن الترشيح والانتخاب فيقول " اما ما يريد دعاة التفرنج واصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بان الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا اداء هذا الحق ، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين "!! [15]

    ولما كان مفكرو الجماعات الاسلامية ، لا يدركون ان النصوص الفرعية مرحلية ، فقد اتعبهم هذا الحديث واضطرهم الى صور من التدليس ، لا تبقي لأحد ديناً ولا خلقاً .. حتى بلغ بهم الحد ، ان يحاولوا اقناع النساء ، بان الحديث لا يعتبر ذماً وانما هو في مقام المدح !! فقد كتب د. محمد عمارة الكاتب الاسلامي المصري المعروف "ونحن هنا نود ان نتساءل هل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقصان العقل والدين يعني (الذم) ام انه يعني تقرير واقع غير مذموم ، بل قد يكون هو الواقع (المحمود)، ان النقص المذموم في أي أمر من الأمور هو الذي يزول بتغييره ، فهل يجوز للمرأة ان تجبر النقص في شهادتها عن شهادة الرجل فتزيل الذم عنها؟ بالطبع لا، فهي مثابة ومحمودة على هذا النقص لأنها به تمتثل شرع الله فهو ليس بالنقص المذموم ، انما هو (المحمود)" !![16]

    فهل كان د. محمد عمارة سيجد فرصة لهذا الالتواء ، لو أورد الحديث كاملاً ؟ فقد جاء " عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فاني رايتكن أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ فقال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن. قالت : يا رسول الله ما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان عقلها فشهادة إمراتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل. وتمكث الليالي لا تصلي ، وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين " !! [17] هذا هو الحديث فهل يمكن ان يكون د. محمد عمارة قد فهم منه ان دخول النساء النار، وكفرهن العشير ، ونقص عقلهن ودينهن ليس ذماً لأنهن لا يستطعن ان يغيرنه؟! واذا كان هذا الوضع لا يتغير فما الداعي لموعظة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء؟!


    (17)


    ان تعريف الزواج ، لم يتعد عند الفقهاء العلاقة الجنسية ، مما يعد مفارقة لروح الدين ، كان لها سود العواقب في تشاريعهم ، التي تضررت منها النساء ابلغ الضرر .. فقد جاء ان " الحنفية عرّف بعضهم النكاح بانه عقد المتعة قصداً ، الشافعية عرّف بعضهم النكاح بأنه قصد يتضمن ملك الوطء بلفظ انكاح أو تزويج ، المالكية عرّف بعضهم النكاح بأنه عقد على مجرد التلذذ بآدمية "[18] !!

    وحين عّرف الفقهاء الزواج بانه الاستمتاع الجنسي ، ساقهم ذلك الى ان يقرروا أن المرأة اذا أضحت عاجزة عن القيام بدورها في الامتاع ، فان النفقة الشرعية عليها ، تصبح غير ملزمة للرجل !! فالنفقة عندهم لا تجب الا نظير الاستمتاع ، والزوجة المريضة لا تصلح للاستمتاع ، فلا تجب لها نفقة !! والذين لا يرون هذا الرأي من الفقهاء ، وهم السادة الحنفية ، ويوجبون النفقة على الزوجة ولو كانت مريضة ، يشترطون لذلك بقاءها في المنزل ولهذا قالوا " ان النفقة تجب نظير حبس الزوجة في منزل زوجها ولو لم تكن صالحة للاستمتاع "[19] . وهكذا نرى أن المرأة اذا كانت مريضة ، لا يجب الانفاق عليها ، عند سائر الفقهاء أصحاب المذاهب ، ما عدا الحنفية الذين اشترطوا الحبس ، بدلاً عن عدم المرض كثمن للانفاق على الزوجة !! وابلغ سوءاً من عدم الانفاق على زوجته المريضة ، كونه ، في رأي الفقهاء ، ليس مسئولاً عن علاجها ولا عن دفع ثمن الدواء !! الأمر الذي لا يبقي في هذه العلاقة أي ظل من المرحمة أو العاطفة الانسانية . فقد ورد أن " الحنفية يرون كل ما هو غير ذلك من كحل وأبيض وأحمر وخضاب وتصفيف شعر ونحو ذلك فانه لا يجب عليه وكذا لا يلزمه دواء ولا فاكهه ".[20] ويقول المالكية " فلا يفترض عليه السمن والحلوى ، كما لا يفترض عليه الفاكهه ، أما ثمن الدواء واجرة الطبيب ففي وجوبهما عليه قولان والذي في المتون انهما لا يجبان عليه"[21] .. وقال الشافعية " اما الخضاب والزينة فلا تجب عليه لأن ذلك تابع لما يراه زينة لها ، فأنها تلزم به ولا يلزمه دواء مرض ولا أجرة طبيب وحاجم وفاصد ونحو ذلك ".[22] وقال الحنابلة " ولا يجب عليه أدوات الزينة كالحناء والخضاب وشراء الحلي ونحو ذلك ، وكذا لا يجب عليه ثمن الدواء وأجرة الطبيب " [23].

    وأركان الزواج في الشريعة : الشاهدان ، وخلو المحل ، والولي والمهر .. والاصرار على ان يتولى رجل عن المرأة أهم شئون حياتها وهو عقد زواجها ، سببه ان الشريعة ترى ان المرأة مهما كان حظها من التقوى ، أو التعليم ، أو الوضع الاجتماعي تظل قاصراً ، لا تستحق ان تلي أمر نفسها بنفسها !! ولما كان أي رجل مهما كان مستواه يمكن ان يكون ولياً على أي إمرأة ، فأن هذا يعتبر تمييزاً لا يقوم الا على اساس الجنس من ذكورة وأنوثة!!

    أما المهر ، فانه يمثل ثمن شراء المرأة ، ودفعه بواسطة الرجل وحده ، يعني أن له حقوقاً اكثر في هذه الشراكة . ولتأكيد معنى الشراء هذا ، قبل الفقهاء ان ينعقد الزواج بصيغة تفيد الشراء والبيع .. فقد ورد عن صيغة عقد الزواج " أما الصيغة وهي عبارة عن إيجاب وقبول ، فانه يشترط فيها شروطاً كأن تكون بلفظ صريح أو كناية.. والكنايات التي ينعقد بها النكاح تنقسم الى اربعة اقسام منها: ... القسم الثاني : وفي الانعقاد به خلاف والصحيح الأنعقاد وهو ما كان بلفظ البيع والشراء ، فلو قالت : بعت نفسي منك بكذا ناوية به الزواج وقبل فانه يصح ، ومثل ذلك اذا قالت : أسلمت لك نفسي في عشرين أردباً من القمح آخذها بعد شهر تريد الزواج فانه يصح . وكذا اذا قال: صالحتك على الألف التي عليّ لأبنتي يريد به الزواج ، فقال قبلت فينعقد النكاح على الصحيح بلفظ البيع والشراء والسلم والصلح والفرض ..."[24]

    ورغم ان الفقهاء يرون ان الاسلام أعطى المرأة الحق ، في دخول العلاقة الزوجية برضاها ، الا انهم يرون انها لا تملك الحق في الخروج منها بنفس الصورة !! ذلك لأن الشريعة أعطت حق الطلاق للرجل دون المرأة .. فقالوا " ان الرجل هو الذي يملك حق الطلاق دون المرأة وذلك لأمرين أحدهما : ان الشريعة قد كلفت الرجل بالانفاق على المرأة وأولادها ، وكلفته ان يبذل لها صداقاً .. وثانيهما: ان المرأة مهما أوتيت من حكمة إلا أنها سريعة التأثر بطبيعتها وليس لها من الجلد والصبر مثل ما للرجل فلوكان الطلاق بيدها فانها تستعمله أسوأ استعمال .."[25].

    ولعل من افظع المآسي ، الناجمة عن استئثار الرجل بحق الطلاق ، ما عرف في المجتمعات الاسلامية ببيت الطاعة.. فاذا إختلفت المرأة مع زوجها ، وذهبت الى بيت ابيها ، فان له الحق في اجبارها بالقوة ، للرجوع اليه والدخول في طاعته .. وقد كانت أحكام الطاعة تنفذ بان تؤخذ المرأة قسراً بواسطة رجال الشرطة ، وتحمل الى بيت زوجها ، الذي من حقه اجبارها على معاشرته والعيش معه .. فان لم يرد إرغامها بواسطة السلطة يمكنه ان يعلقها فلا يطلقها ولا ينفق عليها حتى تضطر ان تزعن له !! ولقد رأينا من قوانين الفقهاء كيف ان الانفاق لا يكون الا نظير الحبس في البيوت عند السادة الحنفية ، أو نظير الاستمتاع عند سائر الفقهاء .. ورغم اعتراض الحركات النسوية على بيت الطاعة ، في بعض الدول العربية والاسلامية ، ورغم الغاء تنفيذه بالقوة ، في بعض الدول الا انه لا زال موجوداً ، وينفذ بالضغط على المرأة بموضوع الانفاق عليها .. والسبب في عجز الحكومات عن الغائه هو انه مأخوذ مباشرة من آية القوامة التي اشرنا اليها ، والتي تخلص الى قوله تعالى " فأن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً"!!

    -نواصل-

    د. عمر القراي

    ------------------------------------------------

    [1] - مقالات د. عبد الله بالرأي العام

    [2] - تفسير ابن كثير الجزء الأول ص 491

    [3] - راجع تفسير الطبري الجزء الثامن ص 298

    [4] - ابن تيمية : فتاوي النساء ص 265

    [5] - حسن البنا : حديث الثلاثاء ص 382 -383

    [6] - محمد قطب : شبهات حول الاسلام ص 129

    [7] - أبو الاعلى المودودي : تدوين الدستور الاسلامي ص 57 .

    [8] - المصدر السابق ص 58-59 .

    [9] - لجنة مناصرة المرأة بالجزيرة العربية : سلطة العبائم ص 157-158

    [10] - المصدر السابق ص 17 .

    [11] - المصدر السابق ص 18-19

    [12] - تفسير ابن كثير- الجزء الأول ص335

    [13] - د. حسن الجندي : أحكام المرأة في التشريع الجنائي الاسلامي ص 104 -105 .

    [14] - حسن البنا : حديث الثلاثاء ص 369 .

    [15] - المصدر السابق ص 370

    [16] - محمد عمارة : هل الاسلام هو الحق؟ ص 152

    [17] - ابن كثير الجزء الأول ص 335 .

    [18] - عبد الرحمن الجزيري : الفقه على المذاهب الأربعة ص 181

    [19] - المصدر السابق ص 488

    [20] -المصدر السابق ص 488

    [21] -المصدر السابق ص 489

    [22] - المصدر السابق ص 491

    [23] - المصدر السابق ص 491

    [24] - المصدر السابق ص 17-19

    [25] - المصدر السابق ص 327
                  

06-21-2003, 03:04 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم
    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة الرابعة)
    د. عمر القراي

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 06-29-2003, 08:02 PM)

                  

06-29-2003, 08:00 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم
    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة الخامسة)
    د. عمر القراي



    Please use the scroll bar shown to the Left to view the rest of the article

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 06-29-2003, 08:04 PM)

                  

07-06-2003, 01:07 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم
    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة السادسة)
    د. عمر القراي



    Please use the scroll bar shown to the Left to view the rest of the article
                  

07-28-2003, 04:08 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم
    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة السابعة)

    بقلم د. عمر القراي

                  

08-10-2003, 00:20 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم
    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة الثامنة)

    د. عمر القراي

                  

08-13-2003, 09:15 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)

    Quote: وقد تصدت بالرد علي تعليقه الدكتورة كارولين لوبان التي تسمي نفسها مهيرة كناية عن حبها وتعلقها بالسودان قائلة بأن الأسلام ليس نظاما متخلفا كما يدعي الشاعر محمد المكي أبراهيم بل قد جلب الحضارة للعالم عندما كان الغرب يغط في ظلامية دامسة. وقالت الدكتورة لوبان بصورة أدهشت الجميع بأن أمريكا تحتاج الي تطبيق قانون الأسرة الأسلامي (الأحوال الشخصية) حتي تنصف المرأة الأمريكية وترد عليها حقوقها الضائعة مشيرة الي أن الشريعة في هذا الجانب أفضل وأعدل من القوانيين الأمريكية السائدة الآن. والدكتورة لوبان كما هو معلوم لمثقفي السودان جاءت الي أرضنا في سبعينيات القرن الماضي ولزمت الشيخ الجزولي شيخ القضاة الشرعيين لتنجز أعظم مخطوطة عن الشريعة الأسلامية وقانون الأسرة في السودان إذ ذكرت بأن حقوق المرأة في قانون الأحوال الشخصية في السودان يتفوق علي كثير من حقوق المرأة الغربية وأكدت علي تفوق تجربة السودان في هذا المضمار علي كل الدول الأسلامية والعربية


    الاخوان الدكتور عمر القراي وعمر عبدالله
    لم اتمكن من الاطلاع علي كل مقالات الدكتور عبدالله ابراهيم حول الدفاع عن القضاة الشرعيين والفقهاء وقوانينهم
    لذلك لا ادري اذا كان قد اشار فيها الي هذه المستشرقة ،كارولين لوبان
    الوارد ذكرها في هذا الاقتباس
                  

08-22-2003, 02:15 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.القراى: حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوان (Re: Omer Abdalla)


    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم
    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة التاسعة)

    د. عمر القراي

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de