|
من عجائب أمر هذا الإنسان
|
أقرب أمر إلى قلبك ، هو أبعد نقطة في عينك .. وأحلى مذاق في الحياة لروحك ، هو أكثر الأشياء مرارة في حلق نفسك .. وأوضح الأشياء لبصيرتك الصحيحة ، هو أغمض الأمور أمام بصرك الكليل ..؟؟ ولكن متى يكون ذلك ، وكيف ، وهل يعقل هذا ؟ بادئ ذي بدء : ضع إبهامك _ بمباشرة _ أمام إحدى عينيك وأغلق الأخرى ، أحسبك الآن لا ترى السماء على سعتها العظيمة ، ولا تتمتع برؤية روائع حللها ، أليس كذلك ؟ دع هذا .. وتناول نظارة سوداء قاتمة معتمة ، وضعها على عينيك ، لا أراك الآن ستبصر بها شيئا واضحا على طبيعته وحقيقته .. أليس كذلك .. ؟!
فأعلم الآن هذا الحقيقة : أن الشأن في منطقة قلبك هو كهذين المثالين تماما بتمام .. فقد أجمع العارفون بحقائقه وخفاياه وعجائب عوالمه : أنه لا يمكن أن يتفتح لرؤية أوضح الأشياء وأجلاها ، طالما بقيت بواباته موصدة في إحكام بحجارة الهوى الكثيرة المتراكمة ، وسدود الشهوات الكثيفة ، وستائر رغبات النفس الأمارة بالسوء الغليظة ..
وفي الوقت الذي كان ينبغي أن يتجه إلى جهة السماء ليرى عجائب بدائعها ، وروائع جمالياتها ، إذا به يتجه تلقائيا ليعكف في وحل الأرض يدس رأسه فيه ، ولا يرفع عينيه منه ، فكيف إذن سيعرف أعاجيب السماء وهو لم يرفع رأسا إليها ؟؟!
تتألق معاني السماء في القلب المتجه بكليته إليها ، وتتوالد إشراقات النور في شغاف الروح التي قررت أن لا تلتفت إلى غير النور الواحد (( الله نور السموات والأرض )) .. ثق تماما ، أن أقرب الأمور إليك على الإطلاق هو أن تعرف ربك وخالقك عز وجل ، لأنه أقرب إليك من نفسك التي بين جنبيك ؛ فهو أقرب إليك من حبل الوريد ،
ولكنك لانغماس قلبك حتى الثمالة في الوحل ، وانشغاله بملهيات أطفال الدنيا ، لم تر هذه الحقيقة الباهرة الناصعة المشرقة المتألقة ، فسرت في هذه الحياة تركب رأسك، تحسب أن الله غائب عنك غير مطلع عليك ، ولا محيط بك ، ولا ناظر إليك ، ولا يحصي عليك !!!
ومن ثم جاءت أعمالك تترجم مكنونات قلبك ، فكل إناء بما فيه ينضح..!! هذه واحدة ..أما الثانية : فإن المعاني التي تشتعل بحرارة في مصابيح قلوب العارفين بالله فتذيقهم حلاوة حقائق الإيمان ، ولذة نعيم الأنس _ من خلال كثرة الإقبال على الله ، وتنافس على طاعته ، وتسابق إلى تنفيذ أوامره في فرح وسرور وسعادة _ هذه الأعمال التي تولد في أرواحهم الأنوار هي هي بعينها التي تستشعر أنت لها ثقلا كبيرا في نفسك ، ومرارة في قلبك ، وضيق في روحك !!
والسر كله مجموع في النقطة التي أسلفنا الحديث عنها : قلبك الذي ضاع منك بين أكوام قاذورات الشهوات ، وأوحال الأهواء القاتلة لك من حيث لا تشعر ، بل وأنت تضحك ملء شدقيك وتظن أنك تحسن صنعا !!
وهذا ما قرره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله .... ألا وهي القلب )..
|
|
|
|
|
|