|
تجربتي الخاصة مع لجنة الاختيار للخدمة المدنية في عهد الانقاذ
|
قرأت الشكوي التي قدمتها المهندسة ايناس في جريدة الوطن ، وكيف أنها تعرضت لعملية اقصاء من الوظيفة بفعل فاعل ، فهي تحمل البكالوريوس في هندسة الحاسوب (خمسة سنوات) ، غير أنها تفوقت علي جميع المتقدمين للمعاينة وأحرزت الدرجة الاولي ، رغما عن كل ذلك تمكنت الايدي الخفية من اقصائها ونصبت لها فخا عميقا عن طريق تسريب بياناتها الشخصية الي آخرين ، العمل في ديوان الضرائب شاق ومرهق ، والرواتب ضئيلة في وجه احتياجات الحياة المتزايدة ، رغما عن كل ذلك ، دلفت المهندسة ايناس الي مقر لجنة الاختيار للخدمة العامة ، معتقدة أن الشهادات الجامعية هي الفيصل الوحيد والمقياس المعترف به من أجل شغل الوظيفة ، الامر ليس كذلك ، هناك شروط خفية ، مثل التزكيات الثلاثية وشهادة الانتساب للدفاع الشعبي والتعريف من لجنة الحي ، اضف الي كل ذلك ، نوع القبيلة عربية أم زنجية ، الديانة مسلم أو مسيحي ، ان كان المتقدم مسلما فهو هو (كوز) أم انصار سنة ، الكثير الكثير من العوائق ، المحصلة الاخيرة تكدس مجموعية حزبية واحدة في كل منافذ الوظائف في السودان ، لا يغادرون كبيرة أو صغيرة والا أحصوها . في زمني كان التوظف في ديوان الضرائب أمرا غير مرغوبا فيه ، لأن الكيزان كانوا يركزون علي وزارة الخارجية والاسواق الحرة وبنك أمدرمان الوطني ، فتركوا ديوان الضرائب والمراجع العام والعمل في المدارس الحكومية للتعساء والمعدومين من أمثالي ، حاولت مرة أن أتقدم للعمل في وزارة الخارجية عام 91 ، بعد أن قرأت الاعلان عن الوظائف في جريدة الانقاذ الوطني ، نصحني بعض الزملاء بأن لا أجازف في ذلك ، فقررت المخاطرة حتي وان تطلب ذلك تحمل بعض المردودات النفسية السيئة ، لجنة الاختيار كان يترأسها ( كوز ) اسمه خليل غانم ، وهو يمت بصلة القرابة لاسماعيل المتعافي والي الخرطوم الحالي ، قابلت لجنة مكونة من سبعة اشخاص ، سألوني عن لوني السياسي وموقفي من قضية الجنوب ، وهل سبق أن التحقت بكتائب أخوات نسيبة ؟؟ وهل قرأتي أحد كتب الترابي ؟؟ وما هي مرجعيتك الفكرية ؟؟ وماذا تعرفين عن ايران ؟؟ ، بعدها تم تحويلي الي شيوخ متخصصين في المناسك والشعائر ، سألوني عن أركان الاسلام وأحكام الحج وزكاة الانعام وفضل الشهادة في سبيل الله ، بعد هذا المشوار الطويل والكم الهائل من الاستجواب والتحري أخبروني أن هذه مقدمة للمعاينة التي لم تحدد بعد ، يعني أنها معاينة من أجل دخول المعاينة حتي يكونوا فكرة عامة عن الشخص المتقدم للوظيفة ، حرصا من عندهم حتي لا تلج من خلال الغربال أي جرثومة شيوعية الي جهاز الدولة ، لم يسالني أحد عن شهادتي الجامعية أو مجال تخصصي ، وكان هناك من يدخل الي رئيس اللجنة ( خليل غانم ) عن طريق باب خلفي خصص لهذا الغرض ، ومعظم الداخلين عليه كانوا يحملون أظرف مغلقة تطوي في داخلها علي شهادات تزكية من أناس متنفذون داخل النظام . كان تجربة قاسية بالنسبة لي ولكنها كانت مفيدة ، جعلتني أؤمن بقضايا التهميش والمطالبة بالمساواة وسد الخلل الناجم عن تقسيم السلطة والثروة في السودان ، نعم انها خسارة ذاتية حدتث لي في وقت محدد ، ولكن لم أكن أتوقع أن هذه الممارسة السيئة لا زالت موجودة في مكاتب الالتحاق بالخدمة المدنية في السودان حتي هذه اللحظة ، اين اتفاقية السلام من كل ذلك ؟؟ وما هي أخبار العهد الجديد الذي أدعت الانقاذ بأنها أتت به بعد توقيع اتفاقية نيفاشا ؟؟
|
|
|
|
|
|