|
إعتقال البشـــير - منقول
|
لن نضيف جديدا، إذا قلنا إن السودان ضحية مؤامرة دولية، بل إن كلمة "مؤامرة" فقدت قيمتها الدلالية، بعد أن باتت دول ومنظمات وهيئات إغاثية، تمارس العهر السياسي، وتعرض نفسها لـ"الإيجار المفروش" لكل من أراد "قضاء وطره" في دولة أو بلد عربي أو إسلامي، وبشكل فج ووقح وبلا حياء، دون أن يكترث بما سيطلق عليه من أوصاف أو تهم حتى لو كانت من قبيل "الخيانة" أو "المؤامرة"! قادة التمرد في "دارفور" ينامون على "أسرة" الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، ويجاهرون صباحا، بما اتفقوا عليه خلف الأبواب المغلقة.. بعض أقباط المهجر، يبرقون علانية رسائل الاستغاثة بالعدو الصهيوني، ويراهنون عليه في "تحريرهم" من المحتلين "العرب المسلمين".. إيران تتباهى بأنه لولاها ما سقطت كابول ولا بغداد في يد الأمريكيين.. منظمات حقوقية مصرية، قبطت ثمن دعمها المحكمة الدولية في استصدار مذكرة اعتقال البشير، واعترفت أنها شاركت في انتاج أفلام وثائقية لتليين الرأي العام الدولي، واقناعه بـ"عدالة" ملاحقة الرئيس السوداني قضائيا! كلمة مؤامرة ـ إذن ـ لم تعد "تُخجل" المتآمرين، ولا حتى المصطلحات الأكثر "فظاظة" مثل كلمة "خيانة" قادرة على أن تهز شعرة من رأس المتهمين بها.. وذلك بعد أن باتت الكلمتين جزءا من مفردات ما يسمونه بـ"الواقعية السياسية"، وارتدى "المتآمر" حلة "السياسي العقلاني" أو "المعتدل" أو "المستنير" أو "المناضل" الحقوقي وما شابه! القيادة السياسية المصرية، تستقبل محمد دحلان، باعتباره "معتدلا فلسطينيا" وترفض استقبال إسماعيل هنية باعتباره نموذجا لـ"التشدد الفلسطيني"، وسواء كان الموقف الرسمي المصري، في ذلك الشأن يأتي في سياق موقفه الثابت إزاء جماعة الإخوان المسلمين داخليا، أو كان في إطار التزام مصري بالتصنيف الأمريكي والغربي لحركة حماس، فإن موقف القيادة السياسية المصرية، يأتي متسقا مع انهيار منظومة القيم السياسية الدولية، والتي تلاشت في كنفها الحدود الفاصلة بين "المناضل الوطني" و"المرتزق السياسي"! لا يمكن أن نُحمل "المؤامرة الدولية" مسئولية هذا الاستهداف الفج والمباشر للسودان ووحدة أراضيه، إذ ما كان لهذه "المؤامرة" أن تستكمل بهذا الشكل الفضائحي، لولا ضعف الدور الإقليمي لمصر، وتخليها عن ثوابت الأمن القومي المصري، والذي أنزل السودان منزلة "الخط الأحمر"، الذي يببح للقاهرة، التدخل عسكريا، حال تعرض السودان لأي تهديد دولي أيا كان شكله أو نمطه، فما بالنا ـ اليوم ـ والكيان الصهيوني بـ"يتمختر" على الأراضي السودانية التي يهيمن عليها المتمردون؟! وكما أن قطاع غزة مسئولية مصر.. فإن السودان ـ كذلك ـ هو مسئوليتها، إذ لا يمكن أن يلغي النظام المصري ـ طمعا أو خوفا من واشنطن ـ حقائق التاريخ والجغرافيا، فما يحدث في هاتين المنطقتين، لا يمكن التعامل معه، كما نتعامل مع الملف الأفغاني أو الكشميري.. ومن غير المقبول بالمرة، أن تتلقى القاهرة مذكرة اعتقال البشير، وكأنها واحدة من الدول الاسكندنافية! ما يدبر للسودان اليوم، هو بطبيعة الحال، ثمرة "الغيبوبة الإقليمية" التي أصابت مصر، في العقود الثلاثة الأخيرة، ويبدو لي أن سلسلة من الكوارث الأمنية، ستأتينا تباعا، إذا ـ لا قدر الله ـ ظل الحال في القاهرة، لسنوات مقبلة، على ما هي عليه الآن، وهو ما لا أتوقعه، لأن الأوضاع ـ فعلا ولا مبالغة ـ فاقت قدرة الكاظمين الغيظ على الصبر والاحتمال.
|
|
|
|
|
|