|
|
 مشاهد من المجتمع السودانى....
|
ــ ياحاج بشير...حاج بشير..
صاح الحاج ابراهيم مانحا صوته الضعيف قوة وتركيزا ليسمع جاره
العزيز الذى لا يبارح راكوبته التى بالجانب الابعد من بيته ولكن ...لا اجابة
لقد اعتاد الحاج ابراهيم على ذلك وعليه فقد ارتفع بجسده الى الاعلى
مستخدما الحجر الذى وضعته زوجته سكينة بغرض اسماع امرأة جاره او مناولتها
او تبادل (الشمار) معهاوهو يصيح ايضا..
ــ حاج بشير....
ولكن الحاج بشير لم يكن هنالك ...لم تكن سوى زوجته وهى تكنس الحوش الواسع...
تلقى بكل تركيزها الى عملها وتدندن بشئ لم يسمعه جيدا لان فستانها القصير
الذى ابان فخذها الهائل بطوله حتى كاد ان يلامس عجيزتهااصابه بالذهول التام
فلم يستطع النزول ولم يستطع الكف عن المناداة ولكن بصوت متحشرج هذه
المرة....
ــ يا حاج مرتو....
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
بكرى كركابى كانت له رؤى انفتاحية وافكارا ديموقراطية براقة...يقرأ الجرايد
ويمارس حياة اجتماعية بلا حدود ويعشق مهنتيه...خضرجى نهارا وبائع مكيفات (ليست محرمة)
بنادى الهلال بام روابة ليلا ...ثم هل من مزيد ؟؟نعم لقد كان جريئالا يهاب احدا اذا تحدث
بشئ...
تلك الليلة كان منتشيا بشكل خاص فمنذ ايام قلائل دحر الهلال خصمه بثلاثية لواحد اعقب ذلك
مظاهرات هادرة شملت كل انحاء كردفان .كان ذلك فى مستهل تسعينيات القرن العشرين...حكومة الانقاذ
لا تزال فتيةوقوات امنها تمتلك صلاحيات كونية...ولكنهالا تقوى على اسكات صوت بكرى كركابى الذى
شارك فى مظاهرات الطلاب بفعالية وحماس كبيرين وحدث الناس عن حقوقهم فى التعبير عن حاجياتهم والمطالبة بحرياتهم وزلزلة عرش الطاغوت __ لقد كانت الحرية بالنسبة اليه خطا احمر__ لا يمكن المساس به بل انه تنبأ بزوال الحكم (الهسى ده) قريبا.
فى تلك الامسية كان نادى الهلال ممتلأا بالحضور وكانت المظاهرات هى الحدث الذى يستأثر بالحديث والنقاش حتى ان الكثيرين عزفوا عن التحلق حول موائد الحريق والويست...اما كركابى فقد كان حضوره مركزيا..يجهز طلبات الشاى والقهوة والشيشة فى سرعة خارقة ليشارك بحديث هنا اوقفشة هناك ..معبرا عن احد اراائه فى الحرية وحقوق الانسان والتى يحفظها الجمهور ويطرب لها بين الفينة والاخرى...حتى جاءت الساعة التاسعة الا ربعا...
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
حدثت جلبة واسعة وقام الحضور منصرفين على عجل تاركين علامات دهشة جلية على وجه كركابى الذى كان يعلم
بأمر حظر التجوالالمعلن فى التاسعة مساء ولكنه لم يتصور ان ينصاع له الجميع هكذا....
جمع الطاولات والكراسى على مهل واغلق الغرف ولملم حاجياته قبل ان يصنع لنفسه كوبا من الشاى ويعبئ حجر شيشة
فاهما ومن ثم استرخى على احد المقاعد الوثيرة واطلق لخياله العنان.ن
عند العاشرة والنصف اغلق كركابى ابواب النادى ومضى لبيته....كانت الشوارع خالية تماماوالاجواء ساكنة ولم يصادفه ولا كلب واحد فى الطريق حتى اقترب من منزله عندما اعترضه شابان صغيران....
كانا من قوات الشرطة الشعبية ...ابتدره احدهما متسائلا عن وجهته فلقنه كركابى درسا فى الحرية الشخصية ...
انسحب الولدان دون توجيه اى عقاب له فمضى الى بيته منشيا بنصره الباهر.
فى اليوم الثانى تكرر المشهد عند العاشرة والنصف تماما اعترضته سيارة لاندكروزر مكشوفة..كان رجلان يستلقيان فى حوضها وآخران فى كابينة القيادة....
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
ابتدره احدهما ناهرا...
ــ اطلع فوق...يلا سرعة
لم يرتجف كركابى...كركابى رجل شجاع ولكنه تهيب الموقف وادرك سريعا انلا جدوى من مناطحة هؤلاء (الرعاع) فصعد
الى السيارة وهو يمنى النفس بمقابلة من هو اكثر نضجا من هؤلاء العتالة...
فى مكاتب الامن دفع به الى شاب يافع كان يجلس الى مكتبه فى عنجهية واضحة...
ابتدر كركابى هائجا..
ــ انت زول حمار ؟...ما بتفهم؟ حايم بالليل مالك؟؟واستطال رأسه قريبا من وجه كركابى..
كانت تلك اقسى اهانة تعرض لها فى حياته..اظلمت الدنيا امام عينيه ...غدى رأسه فارغا وامتدت يده بلا وعى فى صفعة مدوية وجهها الى الشاب الواقف
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
لم يتحرك احد...فقط العيون فى محاجرها...ومن ثم بدأالهمس : ضرب الملازم كف!!...
ضرب الملازم كف!!واستمر الهمس وهو يعلو الى ان سمعه فى آخر الممر البعيد : ياسعادتك
ده ضرب الملازم كف .
ـ وينو؟؟
هاتوه ....
سمع الصوت صارخا من آخر غرف الممر البعيدة ومن ثم اقتاده احدهم..
ـ أهو ده ياسعادة الرائد...
ـ ده؟...ده الضرب الملازم كف؟
ـ ايوه سعادتك..
ـ طيب منتظر شنو؟ ماتخلص عليهو؟
تناول الاخر بندقية قصيرة كانت على كتفه وسحب شيئا من جانبها فاصدرت صوتا حاسما ثم وجهها
اليه...
ـ اقيف...صاح الرائد ثم اضاف:
ـ بتعمل فى شنو؟....امش وديهو بعيد...عايز تكتلوا لى فى نص البلد؟
نهبت نفس اللاندكروزر الارض ...سارت على الاسفلت الجديد لنصف ساعة ثم انعطفت يسارا على طريق رملى
لنحو ربع ساعة قبل ان تتوقف ويتم انزال كركابى مقيدا...
ابتعد عنه الرجال حوالى عشرة امتار وصوب احدهم ذات السلاح عليه جاذبا التأمين قال :
ـ عندك اى وصية؟
ـ آآى ...رد كركابى بصوت واهن وعزيمة خائرة تلامس الموت..
ـ عندى قروش فى البيت....ووووووووو
سرد كركابى مايقرب من الخمسة عشر وصية فاردا صفحة حياته كلهاليقرأها من يقف
امامه قبل ان يسمع صوت احدهم :
ـ خلاص..كفاية...اشهد
ـ اشهد الا اله الا الله وان محمدا رسول الله...
طااااااااااخ......
تهاوى كركابى ارضا وهو يتخبط فى غيبوبة الموت ..قبل ان يحس بصفعة على خده
وصوت ضاحك يقول....
ـ يعنى بتعرف الخوف؟؟ ....قم...قم
لقد كانت طلقة فى الهواء...
اقتيد كركابى الى الملازم مرة اخرى فسأل هذا مندهشا...
ـ ده لسه حى؟
ـ سعادتك ده طلع جبان ساكت...
صفعه الملازم على خده بأشد قوة لديه وهو يقول :
ـ امش...حظر التجول الساعة تسعة..لكن بالنسبة ليك انت الساعة سبعه
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
اعتاد موظفو الدولة بالسودان الذين يقطنون فى القرى والمدن القريبة من الخرطوم
على الذهاب الى اهلهم فى عطلة نهاية الاسبوع ...اى فى يوم الخميس واحيانا منذ
الاربعاء قبل ان يتحول السبت الى عطلة اسبوعية فى البلد الذى لا تنتهى عطلاته...
يؤطر هذا الوضع _ رغم حتميته_ لحميمية اسرية لاهبة واشواق للقاء لا حدود لها...
ذلك الخميس كان الشاب النقيب شرطة فهمى ايوب
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
ذلك الخميس كان الشاب النقيب شرطة فهمى ايوب والمتزوج حديثامنذ عام ونيف
فى اشد لحظات شوقه للقاء زوجته تهانى...
دلف من باب البيت فى طريقه الى غرفته المنزويةفى احد الاركان من البيت الفسيح
عندماشاهد دخانا كثيفف فى الطرف الاقصى من الحوش....
عدل مساره على الفور واتجه ناحية الحبيبة التى كانت تتلظى على حفرة الدخان
__ ما اشد شوقها هى الاخرى __ تمتم لنفسه مبتسما...سيحييها اولا ثم يعود ليلقى حمله
من الاكياس ويبدل ملابسه...
كان الدخان كثيفا حتى تعذرت الرؤية لديه فاكتفى بالسلام والتعليق..:
_ كيفك يا حتة؟؟والله الليلة جنس (........)!!
وقفل عائدا الى غرفته...
دفع الباب ودخل فاصتدم مباشرة بالمفاجأة...زوجته مستلقية....
هبت على الفور لاحتضانه لكنه _ لدهشتها البالغة_ دفعها الى الوراء
قليلا وهو يتساءل :
__ البتدخن منو؟؟؟
__ امك...
لم يقل شيئا بل وضع اكياسه وخرج عائدا الى الخرطوم حاملا معه اشواقه لاسبوعين قادمين..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
تنفس الصباح وأقبل..مبتسما ومترفا وخجلا مثل حسناوات العواصم فى الزمن البعيد.
وقع الصباح وانا فى قريتى (الملاحة) لا يماثله شئ فى الوجود...كثيرا ما اتساءل لماذا يهرب الناس
من القرى؟؟فى القرية انام عميقا ولو كنت احمل هموم الكون كله...وفى القرية احس بأن الحياة تستدير
نحو بداياتها فتعود انثى بكرا حالمة...فى القرية لا ادرى ايهم اعشق صباحات الالق المديد ام مساءات
النجوم والاذاعات البعيدة....
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
ام جدتى فاطمة بت التوم ذات اللقب الزمردى _ العتيقة_ ....
توفيت العتيقة منذ سنوات بعيدة ولكنها لا تزال منتصبة الهامة فى مخيلة من يعرفونها مثل
تماثيل الطغاة فى طرقات المدن الكئيبة...كانت امرأة فى القرية بماكينة عمدة..طويلة وباسقة..تفوق
القدر طولا.دقيقة الملامح وجذابة الابتسامة حتى وهى فى الثمانين من عمرها...لم تكن العتيقة مشلخة
فى وقت كان الناس جميعا _ رجالا ونساء _ مشلخون وكأنها بدأت فرض خياراتها وهى لما تزل طفلة...
كانت لا تجالس الرجال ولكنها ان مرت فى مجالسهم هبوا وقوفا...لانها تعرف مداخلهم جميعا..نقاط ضعفهم
وقوتهم...والويل لمن لا يعرفها ان استضدم بها؟؟ ومنهم ذلك الرجل فى قرية بعيدة عن قريتنا (الملاحة) .
كانوا وفدا من نساء كثيرات ورجالا قليلون فى طريقهم لتلك القرية بمناسبة سد مال ابن اخت العتيقة الذى
اختار احدى حسناوات تلك القرية وكانت العتيقة معهم....
عندما وصلواكانت الفتيات يغنين بالدلوكة ويزغردن باصوات رنانة مؤملة عندما صعد رجلان من تلك القرية الى
البص وزجرا بنات المقدمة واسكتوهن لان لهم رجل متوفى منذ ايام قلائل....
احست العتيقة بالصمت الفجائى فتساءلت عن ذلك واشاروا لها ناحية الرجلين فما كان منها الا ان واجهتهما متسائلة...:
ـ مالكم ياناس على البنات ؟؟
ـ عندناراجل متوفى وما دايرين دلوكة...
ـ لكين نحن ما عندنا زول متوفى.....زغردن يابنات
اييييييييييو اييييييييييييوى
وامتلأ البص بالزغاريد
اللهم انزل شآآبيب رحمتك على العتيقة
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من المجتمع السودانى.... (Re: عبدالرحمن فضل الكريم)
|
عطبرة مدينة العمال بامتياز وورشة السكك الحديدية الهائلة...هكذا ارادها الانكليز
وفق منهجيتهم الصارمة والقادرة على انشاء كون داخل الكون...
مدينة الوعى بامتياز حتى زمان قريب وشعلة التمرد على الانظمة وبؤرة التنظيمات النقابية الى
لا تهدأ
| |
|
|
|
|
|
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست