|
حادث سير ... مع أغنية عابرة ..!
|
" نشر بجريدة المستقلة" .....................
إذا قادتك خطواتك الى وسط مدينة الخرطوم هذه الأيام , فإن أشياء كثيرة ستثير إهتمامك .. ولكنك لن تجد الوقت الكافي لتفهم عنها شيئاً ! فوسط الخرطوم عبارة عن بحر من الناس , مشاة , وعلى سيارات .. حتى أنك ستكون مهتماً فقط بأن تسير في طريقك دون أن تصطدم بشخص عابر , إصطداماً قد يكون كارثياً , خاصة إذا كان هذا الشخص من اولئك الذين يعطون الكرة الارضية أكثر من 100 كيلوجرام من الوزن الإضافي .. !
**
ومهمة تجنب الإصطدامات هذه اصبحت بمرور الوقت صعبة أكثر , مع زيادة عدد المشاة الذين يسيرون وهم ( خارج التغطية ) تماماً ! , منشغلين بالتحدث فى الموبايل , او فقط ( سارحين بغنم إبليس ) .. تلك الغنم المحظوظة التي أصبح عدد رعاتها اكثر منها هي شخصياً ..! وبالإضافة لأصناف المتحدثين بالموبايل , والسارحين بغنم إبليس , فقد صارت لديّ أنا فى الفترة الاخيرة أشياء اخرى أحاول تفادي الإصطدام بها أثناء سيري في تلك المنطقة .. فإذا نجحت في مراوغة امواج المشاة , والعبور بين صفوف السيارات , متفادياً تلك المواتر اللعينة التى تظهر بغتة ً , فربما أجد نفسي مصطدماً بقوة مع سرب من ( الطير المهاجر ) ..!
**
حتى هذه النقطة , ربما يبدو حديثي عن ( الطير المهاجر ) غريباً بعض الشيء , ولكنني أريد أن أوضح أن ( الطير المهاجر ) الذي اتحدث عنه هنا , إنما هو إسم الأغنية الشهيرة للفنان محمد وردي ..! واغنية الطير المهاجر ليست وحدها التي تسير بين الناس في الشوارع , فآلاف الأغنيات أصبحت موجودة في الهواء من حولنا , تسير معنا في الشوارع , ويمكننا إنزالها الى اى جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت بدون اسلاك حتى ! , ويمكن كذلك تحميلها الى الهواتف المحمولة , بمجرد ضغطات على الأزرار .. ألا يبدو الأمر مدهشاً : في المكان الذي توجد فيه , يمكنك ببساطة , بجهاز صغير , بلا اسلاك , ان تحصل على الاغنية التي تريدها و وتحفظها لديك , وتستمع اليها لأى عدد من المرات تريد ... إنه بالتاكيد امر مدهش !
**
ومنذ أن هبطت على رأسي هذه الفكرة , وانا لا أكف عن محاولة تصوّر وتخيّل أن الشارع الذي اسير فيه ممتلىء تماماً بالأغنيات , التي مثلها مثل البشر : تحتاج الى مراوغة جيدة ليكون المرور عبرها ممكناً ! وعملية المراوغة – هذه – تكتسب اهميتها من مبدأ أن شرطة المرور لا يمكنها أن ( تقطع إيصالات ) لهذه الأغنيات المنطلقة في الشوارع , مما يعني أن بإمكانها أن تصدمك , ثم تنطلق هاربة دون ان يمسكها أحد ! وهي طبعاً قد تكون شديدة الخطورة إذا إصطدمت بك في أي شارع , وعليك فقط أن تتخيل ما سيحدث لك إذا تعرضت – لا قدر الله – الى حادث تصادم مع أغنية بحجم ( قطار الشوق ) ... بكامل محتوياته من اشواق ..!
**
ولحوادث التصادم مع الاغنيات التي تسير في الشوراع أنواع مختلفة , وربما لا يراها جميع الناس شيئاً كارثياً بالضرورة , وهذا بالطبع يعتمد على نوع الأغنية التى ستصطدم بك : فكروا في أغنية ( البت الحديقة ) عند هذه النقطة بالتحديد ..!
**
لنحاول – إذن – أن نفترض أن التصادمات بين الناس العابرين والاغنيات العابرة , لا يترك آثاراً مرئية مباشرة , فالمشاة – في نهاية المطاف – ليس لديهم اى زجاج ليتحطم فى الاصطدامات , ولكننا بقليل من التفكير وطولة البال سندرك ان آثار حوادث الإصطدام تلك ستظهر حتماً في تصرفات اولئك الناس الذين قادهم حظهم العاثر الى الاصطدام بالأغنيات المنطلقة في الشوارع .. ! فانت لن تحتاج الى ذكاء كثير لتدرك أن شخصاً يبدو ( سارحاً ) ومهموماً , قد إصطدم في ذلك اليوم بإحدى أغنيات اللوعة والعذاب , التي تملأ الشوارع , مثلما يمكنك ان تفهم أن الشخص الذي يضحك امامك دونما سبب واضح , إنما هو أحد المشاة الذين يملكون حظاً جيداً دفعه الى الإصطدام وجهاً لوجه مع أغنية من موديل ( الدنيا حلوة ) لنانسي عجرم , فاقتنع هو ان الدنيا حلوة فعلاً , وصار يوزع الضحكات دونما حساب ... هذا طبعاً إذا لم تكن هذه الضحكات ناتجة عن خلل في الدماغ العاطفي , من النوع الذي فسرته كلمات الأغنية التى يطلقون عيها إسم ( انا مجنونك ) ..!
**
لا تحاول ان تفسر تصرفات جميع الناس بنفس المنطق السابق , فعليك ان تتذكر ان ليس كل الناس يصطدمون بالأغنيات , فهناك فئة لا تمشي في الشارع أصلاً .. وهذه الفئة إن أردت تفسير حالاتها , فعليك الإستعانة بــ ( قاموس التصادم الجوي مع الأغنيات ) .. وهو قاموس يفسر تلك الحالات إستناداً الى فرضية تصادمها مع أغنيات من نوع ( رحلة بين طيات السحاب ) .. ولكن لا تحاول البحث عن هذا القاموس في المكتبات ... فالمشكلة ان طبعاته قد نفدت .. قبل أن يصدر حتى !
**
في الأيام الماضية , علمنا من مصادر موثوقة في شرطة مرور مدينتنا أن حادث تصادم كبير ومدمر قد وقع فى أحد الشوارع , أثناء الاحداث التي كانت تجري في منطقة ( غزة ) بين كتلة ضخمة من المشاة إسمها ( الدول العربية ) , كانت تسير في مسيرة شجب ضخمة , وبين اغنية عابرة تصادف مرورها في ذلك الطريق .. ويبدو ان تلك الأغنية كانت من الأغنيات المصفحة , لأن الحادث نتج عنه أصابات وكسور بليغة في جسد كتلة الدول العربية .. وقد تناقلت مصادر شرطة المرور تفاصيل هذا الحادث بكثير من الدهشة والتعجب , ليس لضخامة الحادث , بل بسبب الأغنية صاحبة الحادث نفسها ..! فبعد التحريات اللازمة , تبين بما لا يدع مجالاً للشك , أن الأغنية التى أصطدمت بكتلة الدول العربية , مسببة لها كل تلك الإصابات البليغة , كانت نشيداً شهيراً للاطفال تقول كلماته : ( دجاجي يلقط الحب .. ويجري وهو فرحان) ..!
**
أعزائي المشاة في شوارع الخرطوم : عليكم بالحرص واليقظة , وتجويد المسير , والمراوغة بين السيارات , وأفواج البشر , والأغنيات ايضاً ... فالإصطدام بأغنية عابرة في الأثير من حولكم قد يكون أمراً مدمراً ... خاصة إذا علمتم أن اكثر الأغنيات رواجاً في الخرطوم هذه الأيام .. إسمها : قنبلة ..!.
|
|
|
|
|
|