|
يظل مصطفي سيد أحمد .... هو قيثارة الزمن الجميل
|
علي هامش الذكري الثالثة عشر لرحيله :
______________________ بقلم : صلاح الباشا [email protected] هاهي عجلة الزمان تجري بسرعة فائقة .. وهاهو اليوم السابع عشر من يناير 2009م قد حل علينا .. وقد جاء ليوثق مضي ثلاثة عشر عاماً علي رحيل قيثارة الزمن الجميل .. كروان السودان مصطفي سيد أحمد الذي أسلم روحه إلي بارئها بالعاصمة القطرية الدوحة في مثل هذا التاريخ من عام 1996م حين كان يواصل رحلة علاجه بها من آثار الفشل الكلوي بعد فشل الكلية التي تمت زراعتها له بالعاصمة الروسية ( موسكو ) في العام 1994م. فعندما يتحدث أهل السودان في مهاجرهم وفي داخل الوطن العزيزعن جماليات الغناء للوطن ، فإن سحائب الحزن سرعان ما تتجمع لتغطي مساحات الزمن فيتذكره معجبو فنه في كل المهاجر القريبة والبعيدة وفي داخل الوطن الذي كم تغني له الكروان الراحل مصطفي سيد أحمد الراحل بتلك اللغة الجديدة التي إكتشفها خيال شعرائه الشباب الذين خبروا في ذلك الكروان تلك القدرات الموسيقية التطريبية الهائلة . . بمثلما خبروا فيه الحس الوطني المتجرد ليترجم مفردات أولئك الشعراء ألحاناً شجية تحمل دفئاً عجيباً لا يشعر به إلا من إمتلك الحس الرهيف والمستقل والشفاف والممزوج بالإنحياز العميق لقضايا آلام وآمال وتطلعات شعب السودان الذي كتبت له المقادير أن يعيش مأساة معاناة ظلت تحيط به إحاطة السوار بالمعصم . فلم يستطع منها فكاكاً .. ولم يقدر علي تحقيق بعض أمانيه ورغباته المشروعه في كل شيء. نعم .. لم تتركه القوي الدولية الغاشمة دوما من أن ينعم بالسلام وبخيرات البلاد المتعددة ومنها العمل الشريف القويم والجسم المعافي السليم والحفاظ علي العش الهاديء والمتواضع الذي يسعد به ويمارس دوره الطبيعي في تكوين أمة جديدة تعمل بمفاهيم جديدة ولصنع أجيال نظيفة جديدة لاتلتفت أبداً إلي المال الحرام أوإلي السكن الفاخر الحرام أوعيشة الهلع الشرهة الحرام . فكان مصطفي سيدأحمد ومجمل شعرائه يخاطبون خيالات هذا الجيل بكل ما ظلوا يتمنون ويحلمون به من أشياء جميلة كباقي شباب الدنيا لعلها تتحقق أو يتحقق بعضها0 فقد أحب هذا الجيل كروانه الراحل الذي كان يترنم بأرق وأعمق المفردات المكتنزة بأعذب الألحان0 ومصطفي سيد احمد كان قد نذر حياته لرسالة الفن الرفيع وهو بذلك كان يؤسس لقيام مشروع متكامل لتطوير جزء عزيزمن التراث الغنائي المتعدد الألوان عند شعب السودان بحيث لا يمكن تجاوزه أو تهميشه أو إلغائه . فهذا الكروان الراحل أتي بمسارات لحنية جديدة وأتي شعراؤه بمضامين جديدة أيضاً ليؤكدوا بواسطتها شيئاً محدداً وهو أن فن الغناء لم يعد طرباً أرستقراطياً محدوداً يمارس داخل الصالونات أو في بيوتات الأفراح أو أندية الليل.. بل هو فنُُ ملتزمُُ يحتوي علي ثقافة شعبية كاملة تحمل قيماً رفيعة تعمل علي تنقية وتهذيب أذواق الشباب من القول الساقط المبتذل في مجال الفن والشعر الغنائي من كل شائبة .. فكان الكروان يخرج من غرفة غسل الكلي بمستشفي حمد العام بالدوحة ليذهب إلي مسكنه منهكاً لكنه كان يجد الورود في إنتظاره .. إنها ورود كان يأتي بها إليه القادمون من أرض الوطن .. كانت الورود نفسها تتلهف في أن يمسك بها ذلك الكروان ليستنشق رحيقها.. رحيق بلاده .. فكان يري فيها ملامح أهله البسطاء في ( ودسلفاب ) بالجزيرة بالسودان .. كانت الورود هي تلك الوريقات البيضاء المتواضعة التي ظلت تقطع مشواراً طويلاً مابين الوطن و خليج العرب غير آبهة ببعد المسافة التي تقارب الثلاثة آلاف من الكليومترات . نعم... كانت الورود هي ذات الوريقات التي تحتضن اجمل الكلام المعطر بعرق سهر مبدعي بلادنا من شباب الشعراء في كل الدنيا .. كتبوها في حالات ترقب كان مقروناً بالأمل في أن تجد طريقها إلي أحاسيس الناس عبر تلك الأنغام الشجية .. فيحتضنها الكروان بكل اللهفة .. فكانت القصائد الراقية تنتظر تلك الأنغام التي تتفجر موسيقاها ألقاً مستديماً ينساب من حزمة الوتر المفجوع الذي تركه الكروان مصطفي سيد أحمد خلفه في الدوحة عندما حمل جسده النحيل المعلول الطائر الحزين ليواريه في ذلك التراب الطاهر في ودسلفاب الوديعة الوادعة.. ليجد أمواج الشباب كالسيل الهادر تنتظره في مطار الخرطوم الذي كان أيضاً حزيناً حينذاك.. أتي الموج الحزين من كل حدب ليقول للكروان كم نحن نشتاق في أن نحمل نعشك فوق أعناقنا وفوق هاماتنا طالما كنت تنشر في دنيانا أفراحاً لا حدود لها رغم عنصر المعاناة التي كانت تظلل حياتك في إغترابك المرير خارج بلادك .. نعم ... كان التعبيرعفوياً في ذلك اليوم البارد في شهريناير من عام 1996م . فلقد كان الكروان في سباق مع الزمن في أن يُخرج درراً إبداعية من الفن الأصيل ليكون تراثاً متقدماً ومميزاً يظل مفخرة لكل الأجيال القادمة . نعم.. أتت الجماهيرلوحدها دون ترتيب مسبق وكانت تظللها مشاعر الحب والدهشة (والحزن النبيل) وتغطيها حزمة الأسي التي كانت تلون مساحة الفنون والإبداع بألوان رماديه غير واضحة الرؤية0 وياللحسرة علي إعلامنا ، فلقد غاب التلفزيون يومذاك .. وكأنه لم يشاهد قبلها كيف تقابل تلفزيونات المنطقة نعوش مبدعيها وتعمل علي تخليد ذكري رحيلهم في كل عام . ذلك000لأن المبدع هو جزء من نسيج تراث الشعوب .. لأن هذا التراث هو جزء هام وباق علي مر العصور0 وتلك كانت هي معاناة رموزالثقافة والتراث والإبداع الذي ظلت تلازمه وبصفة مستمرة عبر كل الحقب السياسية 0. تلك الحساسية التي لم تستطع الأجهزة الفكاك من إسارها إلا مؤخراً .. ومن المعروف غنائياً كما كتب (عتيق) وتغني بها (بادي) أن -الكواكب إحتفلوا بالقمر_ فكانت الكواكب هي حزمة كل شعراء مصطفي الموهوبين ، أما القمر فقد كان هو كروان الجيل... نعم هو مصطفي سيد احمد الذي اضاء بروعة أشعارهم كل مساحات الزمن. ونحن عندما نظل نكتب دون كلل أو ملل عن منجزاته الإبداعية والوطنية .. نكتب لأننا ظللنا نكتشف في كل مرة أن له رصيداً ضخماً من الألحان الشجية يخرج ضؤها خافتاً في البداية ثم سرعان مايزداد بريقها ولمعانها يوماً بعد يوم . فقد أصبح مصطفي سيد أحمد واحداً من العلامات الفنية في تاريخ الغناء العاطفي والوطني بالسودان.. مما يستوجب الإهتمام الإعلامي والنقدي لكل أعماله. التي تركها موثقة خلفه ورحل بعد أن إحتفت بها كل مواقع النت السودانية. وفي الختام نسال الله تعالي أن يتغمد الكروان مصطفي سيد احمد فقيد شعب السودان بوافر رحمته وغفرانه وأن يعوض شبابه الجنة بقدر ما عاني وتعب في هذه الفانية .. وأن يحفظ أولاده من بعده.. كما لا يسعنا إلا أن ندعو بخير الدعاء لكل من وقف مع الراحل الفقيد في الدوحة عامة و لأبناء ودسلفاب الأوفياء بالدوحة وبالسودان .. وللجماهير التي خرجت في يناير من عام 1996م لإستقبال جثمانه بمطار الخرطوم خاصة طلاب وطالبات الجامعات والمعاهد العليا في ذلك الزمان الذي مضي عليه ثلاثةعشر سنة .. وإلي كل الذين ظلوا يتذكرونه ويكتبون عنه بكل خير عبر كل السنوات الماضية.. وأيضاً خير الدعاء لكل الصحف التي ظلت تذكرنا به .. ولا ننسي أولئك الشباب الذين صمموا للكروان مواقع متجددة في الإنترنت تحمل أغنياته بالصوت والصورة .. وأحيانا بالصوت فقط ( أوديو )... مع تحية أكثر خصوصية لأصدقائنا من الشعراء بالخرطوم وفي كل أنحاء الدنيا لوقفاتهم الإبداعية التاريخية تجاه الكروان الراحل مصطفي سيد أحمد ... وإلي اللقاء ،،،،
|
|
|
|
|
|