|
|
 ما بعد العاصفة، ذهنية الرفض والقبول فى سودانيزاونلاين
|
على الرغم من أنها لم تهدأ بعد ولا أظن ذلك قريب، ورغما عن إختلاف عناصرها وتباين مسوغاتها عن ومن "عاصفة شيكسبير"، إلا أنها تحمل صفات العواصف والأعاصير حين هبوبها، إرتفاع كبير فى درجة حرارة الهواء الأقرب للسطح، إنصياع لقوانين ومحركات الطبيعة الفيزيائية، إذ لامناص من صعود الهواء الحار إلى الأعلى، ربما ليعرض مطالبه على أرباب أعالى طبقات المنبر العليا، ثم وإعمالا أيضا لذات القوانين الطبيعية الصارمة، لابد أن يحل مكان ذلك الهواء الحار، آخر أشد برودة وأقل حرارة، إذ لا فراغ فى هذا الكون ابدا، وكما قال "كيركغارد" ذات سأم، لا يوجد فراغ فى هذا الكون، سوى الكون ذاته، أو كما قال، والنتيجة إعصار وعاصفة تنحنى بفعلها هامات الأشجار وتكفهر وجوه البيوت، تموت الشتلات الضعيفة وتهجر الأطيار مراتعها الهوائية الرحيبة لتأوى إلى جحور تعصمها من الهلاك
ونحن تلاميذ فى سنتنا الأخيرة فى "الثانوى العام"، أصدر "ناظر المدرسة" فرمانا لعموم تلاميذ الصف الثالث، يأمرهم فيه و بموجبه مواصلة فترة المذاكرة الليلية بعد إنتهاء حصتها الرسمية لثلاث ساعات إضافية، بمعنى أن يخرج "المذاكرون" فى منتصف الليل تقريبا
ساد هرج عظيم واحتج الجميع رفضا لذلك الفرمان المجحف فى نظرهم، والمفيد لهم فى نظر صاحب المقام الرفيع حضرة مولانا الناظر
جلس الجميع يتفاكرون فى كيفية حل تلك الواقعة، وكان لنا زملاء من قرية مجاورة يعانون الأمرين فى القدوم والرواح اليومى من وإلى بلدتهم، فهم يعانون فى أطراف صباحهم، فكيف سيكون حالهم فى آناء ليلهم وليلنا البهيم؟
استقر رأى أولئك الزملاء على صياغة ورفع "بيان" يشرح ويوضح صعوبة ما سيلاقونه من مصاعب وأهوال بسبب ذلك الفرمان، وقد حدث، كتبوا بيانهم ووقعوا عليه أجمعين ثم أوصلوه إلى إدارة المدرسة
كان بيانا منطقيا يعبر عن مقتضى حالهم بوقائع معلومة ومفسرة وجلية ومقنعة، وما أن وصل الخبر إلى بقية الزملاء، حتى انقلب الوضع على شقاق وتناحر بين الزملاء أنفسهم، إحتج الباقون من غير "أهل تلك القرية" على صياغة وتوقيع بيان لا يعبر عن حال الجميع، وكان الرد منهم، أن الجميع وبالفعل لا يطيقون ذلك القرار المفيد والضار فى آن معا وأن المعاناة واحدة وتشمل الكل، لكنهم، أى ابناء القرية تلك، وبما يربط بينهم من عامل مشترك واحد، وبما لهم من صلة جمع واتصال يومى مشترك، آثروا أن "يفرزو عيشتن براهن" ويوصلوا احتجاجهم منفصلا لإدارة المدرسة
وبقية ما حدث منذ أكثر من ثلاثين حولا، أكاد أجزم أنه نسخة مطابقة لما جرى ويجرى الآن فى "مدرسة سودانيزاونلاين"
هكذا هى عقليتنا فى التعامل مع الأشياء، أخذ ما يسهل تناوله وترك ما يصعب معالجته، وجذب الدانى مما يتيسر وترك القاصى وإن كان أعظم فائدة، ثم توسيع الهوة وتكبير الفجوة بين هذا الدانى وذلك القاصى، بين السهل الأقل منفعة والصعب الأشد فائدة
جهد يسير قد تصاحبه بعض معاناة للوصول إلى الثمار الناضجة فى أعالى فروع الأشجار، قد يفيد أكثر من راحة سهلة لا تتيح سوى إلتقاط ما تناثر على الأرض تحت تلك الأشجار من ثمار
|
|
 
|
|
|
|
أبوذر بابكر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست