|
فعل الإبداع
|
يحكى عن أبى العلاء المعرى، واسمه أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخى، أنه قد تناهى لسمعه أن والى الكوفة من أكثر الناس حبا واحتراما للأدب وللعلم وكان من المتكلمين أيضا، فعزم أبو العلاء على أن يستبين الأمر وقرر السفر، ذلك لشدة ما وجده من جهل وخواء فكرى لدى جل القائمين على أمر العباد وقتذاك. التحق المعرى بالقافلة المتجهة من معرة النعمان الى الكوفة، وهو لا يعرف أحدا هناك، ولو قال من هو فقط لأغناه ذلك، ولكنه المعرى يناطح بزهوه الشموس، المهم فى الأمر وصل أبو العلاء الى الكوفة وطفق يبحث عن قصر الوالى الى أن وصل اليه، ومباشرة اتجه داخلا الى القصر دون أية بروتوكولات، استوقفه الحراس، وكان أبو العلاء وقد بلغت منه وعثاء السفر ما بلغت، بهيئته مزرية وكأنه واحد من أولئك المتسولين على حسب وصف أبى الفرج، استوقفه الحارس منتهرا
الى أين ايها الكلب؟
إندهش المعرى للوصف فى الوهله الأولى، إذ لا شئ يدعو للسب، وهو لم يرتكب أدنى جريرة تسوغ سبه
لكنه وبدون أن يعيد التفكير فيما سمع، التفت الى الحارس قائلا
الكلب منا من لا يعرف للكلب سبعين إسما.
الإبداع لغة، هو الإتيان بالجديد وما هو غير مألوف ومتفرد
ويدخل ضمن المعنى أيضا، الخلق وإستيلاد الشئ من غيره
ثم انداح الإسم ليستخدم فى مجالات محصورة محددة مثل الفنون والعلوم والآداب، وأصبح هذا هو المألوف والشائع بين الناس
فكل من أتى بفعل متفرد جميل يستحسنه "آخرون" وليس كل الآخرين، فكل نفس بما تتذوق وتحس وتدرك رهينة، ويجدون فيه سمات وخصائص ما هو جميل، يمكن أن نطلق عليه صفة وإسم الإبداع، كل فى مجاله وحقله
وكل من يعرف للكلب "سبعة" اسماء فقط، وليس سبعين إسما مثل حال شيخنا المعرى
فهو ايضا مبدع
ومن يعرف إسما واحد أحدا، فهو حتما ليس من زمرة المبدعين
|
|
|
|
|
|