أرض الميّت

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 08:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-01-2008, 10:28 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أرض الميّت


    أرض الميّت




    ** اللوحة بريشة الفنان التشكيلي السوداني: فيصل تاج السر
                  

10-01-2008, 10:31 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ____________
    إهداء ...

    إلى "عليم عباسي" مرّة أخرى في سويداء القلب والذاكرة الخاوية إلاّ منه، وإلى "فاطمة عيد"، أميّ النوبية الأصيلة التي أرضعتني حليب الحِكمة والصبر وإلى روح المرحوم "صالح محمود آدم" أوّل من علمني القراءة وقال لي: أجل!
                  

10-01-2008, 10:33 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    __________
    بقلم: هشام آدم

    كنتُ منتبهاً لصوت الجدة مِسكة المتشائم ومتأثراً به وهي تحكي لنا عن وفاة أحد أعظم الأساطير التي مرّت على أرض الميت والقرى النوبية على الإطلاق، وظلت سيرة هذه الشخصية الأسطورية التي تسببت في تسمية الأراضي التي تسكنها بعض القبائل الأحمسية السمراء تتردد على ألسنة عجائز القرية وشيوخها جيلاً بعد جيل؛ إلى الحد الذي جعل الرواية تخضع إلى عمليات تحريف شعبية واعية، فأضاف إليها البعض من مخيّلته الخاصة؛ بينما اعتمد البعض الآخر على ذاكرته التي كانت قد أصابها العطب والصدأ بفعل تقدّم السن، ولم يبق من معاصري هذه الشخصية أحد على قيد الحياة. ولكنني تأثرت برواية الجدة مِسكة التي روتها لنا على حلقات متسلسلة، فكنا ننتظر الظلام وهو قادم يتهادى على مهل فوق سفوح جبال ميمن توّو الجنوبية كغريب يدخل القرية على خجل فنجلس في نصف دائرة: أنا وأبناء عمومتي وبعض الفتيات لنستمع إلى ما تبقى من حكايات جلال التمتام.
                  

10-01-2008, 10:36 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    __________
    (2)


    ومازلت إلى الآن قادراً على تصوّر مشهد وفاته الذي لم يشهده أحد وخضعت لتكّهنات الرواة من هيئته التي رأوه عليها عندما عثروا عليه ميتاً على سريره ممسكاً بصورة فتاة لم تتجاوز الثامنة من العمر. والضوء الذي كان يمر متسللاً من خلال النافذة المتهالكة على تجاعيد وجهه الذي كجلد تمساح أمازوني، عرّى تواريخها. ذلك الضوء الذي كنهر هادر من آلاف اليرقات الضوئية، كان يعبر بين ثقوب النافذة الخشبية المطليّة بطلاء أزرق، ناشراً رذاذ أشعةِ الساعة الثامنة صباحاً على طول المجرى الضوئي المستقيم، مجنونة كإحدى لوحات سلفادور دالي السريالية. كل الذين رووا قصته أجمعوا على أن الحزن كان أكثر الملامح إضاءة في قسماته المُتعَبة، وأنفاسهُ المتصاعدة كأنها صوت سفينة بخارية غادرت مرساها من ميناء حلفا النهري للتو. الهواء الصباحي البارد يصفع الباب الخشبي بصفائح الألمنيوم المتآكلة، كأنه جسد كركدن أفريقي معتدٍ بنفسه.
                  

10-01-2008, 10:41 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ____________
    (3)


    كان له قنٌ يُربي فيه ثلاث دجاجات وديكاً أعرجاً لا يُلقّح ولا يُؤذن، وكلبٌ أسود بذيل مقطوع، يُذاع عنه أشياء مُريبة ويُشكّ في أمره. عندما عضّ ابنة العمدة ليلة عيد أضحى، لم يجرؤ –حتى إمام القرية– على إمساكه وحقنه بالسُّم. العمدة نفسه كان يقرأ المعوذتين وينفث عن شماله ثلاثاً كلما رآه، ويردّد بصوت عال ليسمعه الكلب: "أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق!" وظنّ أن ذلك ما كان يبقيه في حرز منه، وآمن أنّ تلك الكلمات كانت سرّ نجاته من هجمات الكلب العدوانية. ولا أحد يعرف على وجه الدقة من اكتسب الشهرة من الآخر الكلب الأسود أم ابنة العمدة. إذ كانت مجالس الرجال لا تخلو من ذكر تلك الحادثة وأصبح الأمر فاكهة الليالي الخمرية التي اعتاد عليها الشباب في القرية. جاء الناس راجلين وراكبين من كل الأصقاع البعيدة والقريبة ليحمدوا للعمدة سلامة ابنته. وجاء حكيم القرية ليحقن الفتاة المسكينة بإحدى وعشرين حقنة في سرّتها أمام دعوات الجميع لها بالشفاء والسلامة من داء الكَلَب.
                  

10-01-2008, 11:14 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    __________
    (4)


    بعد وفاة الشيخ العجوز، قرر بعض الفتيان -من بينهم هارون عزيزة- مطاردة الكلب الأسود العجوز وقتله، واعتبروا ذلك واجباً مدنياً ودينياً مقدساً، وشرفاً سوف يستحقون عليه الثناء والمجد من أهالي القرية. هارون عزيزة وجدها فرصة مناسبة لكسب احترام الأهالي الذين نبذوه بعدما وشت به مجموعة من الأطفال عندما كان يختلس النظر إلى فتاة بالغة وهي تستحم في مياه النيل، فكان أكثرهم حرصاً وحماسة لمطاردة الكلب، بل وأكثرهم شراسة في الفتك به. كانت دماء الكلب الأسود خلاصهُ من العار الأبدي ولا شك. وبموت الكلب الأسود وصاحبه التمتام، انقلبت أحوال القرية رأساً على عقب، ولم تعد تهنأ بالراحة منذ ذاك.
                  

10-01-2008, 11:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ________
    (5)


    أوصى الشيخ عبد الصبور إسماعيل دهب إمام الزاوية اليتيمة في القرية آنذاك بتعليق الكلب الأسود -بعد قتله- على سارية كانت فيما مضى جزءاً من ساقية أنشأها أبوه طيّبُ الذكر الشيخ إسماعيل دهب قال: "يمكننا استخدام جيفته طُعماً للتماسيح والضباع التي تهدد أبناء القرية وأطفالها ومواشيها، أو فلتكن طعاماً للجوارح التي تحمل في حويصلاتها أرواح الأطفال الميّتين." وأصبح ذلك فيما بعد سُنّة جارية، فكانت تُعلّق الحيوانات الأليفة المريضة، بعد قتلها، والضباع والبهائم النافقة، والكلاب السوداء على السارية؛ وكان ذلك سبباً في تسمية القرية بأرض الميّت. ومازال يُشاع حتى الآن في أرض الميّت أنّ الأطفال عندما يموتون تتخطّف الجوارح أرواحهم في طريقها إلى السماء، فتسكن حويصلاتها لأنهم لا حساب لهم أمام الله، أو يغدون ملائكة صغيرة لا يُوكل الله إليهم تلك الأعمال الشاقة التي يُوكلها للملائكة، فقط يحوّمون في الأرجاء
                  

10-01-2008, 12:09 PM

Emad Abdulla
<aEmad Abdulla
تاريخ التسجيل: 09-18-2005
مجموع المشاركات: 6751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)


    يا صاحبي ..
    طَرِبٌ أنا , فشكراً لك ..
    شكراً أن يشبهنا هذا القص الحميم ..
    مبهرٌ بنا و .. طاعم ..

    هذا هو هشام آدم ..
    فعوداً جميلا .


    ....
    قل بعد ..
    و ابقني طرِباً .


                  

10-01-2008, 01:34 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: Emad Abdulla)

    عماد عبد الله (ذي الأيدي والأغصان)
    عطّر الله أمسياتك وجميع أوقاتك ..
    ربما كانت المتعة في كل شيء ونحن
    لا ندري .. وقراءة الواقع أمر ليس
    بالسهل والكتابة عنه أصعب من ذلك

    كل عام وأنت والأسرة الكريمة بألف خير
    وعيد فطر سعيد عليك وعلى الجميع بطرفك
                  

10-01-2008, 02:08 PM

humida
<ahumida
تاريخ التسجيل: 11-06-2003
مجموع المشاركات: 9806

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    Quote: اللوحة بريشة الفنان التشكيلي السوداني: فيصل تاج السر
    هشام آدم ..
    دي ما لوحة دي صورة شغالين فيها بالفوتوشوب .. واثر الفلاتر ظاهر عليها ..
    اتمنى انه تدينا الايميل بتاع التشكيلي دا نستفسر منه ..
                  

10-01-2008, 02:11 PM

humida
<ahumida
تاريخ التسجيل: 11-06-2003
مجموع المشاركات: 9806

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)
                  

10-01-2008, 02:57 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: humida)

    _________
    (6)


    قيل أنّ الشيطان يتشكّل في أجساد كلاب سوداء، فيدخل البيوت ويبث فيها الشرور والأحقاد، وأوعز البعض حوادث غرق المراكب النهرية إلى أنّ بعض الكلاب السوداء السائبة كانت تتسلّل إلى النهر وتستحم وتشرب منه؛ فأطلق شبان القرية وشيبانها حملة للقضاء عليها، كانت الأشرس في تاريخ القرية كلها، ثم عمّت الحملة كل الحيوانات السوداء: قطط، عقارب، أفاعي، غِربان وأُصيبت القرية كلها بلوثة اللون الأسود. كلّ ذلك كان بعد خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ عبد الصبور دهب (إمام القرية آنذاك) وحذر فيها أهالي القرية من الكلاب السوداء التي تسكنها الشياطين، ولذا فإن قتل كلب التمتام الأسود كان واجباً دينياً مقدساً كذلك. كل ذلك ساعد على إقناع الأهالي بأن قريتهم تعج بالملائكة والشياطين، وأغلب الظن أن ذلك هو فهرس الحياة السرّي.
                  

10-01-2008, 03:02 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _________
    (7)


    قالت الجدة مِسكة فيما يُشبه العتاب المؤدّب: "إنّ العجوز التمتام دُفن دون مناحة تليق بسنوات عمره السبعين، أو بمآثره التي تعترف بها النساء فقط. ولم يترك ورائه ما يجعل الآخرين يتذكرونه به غير كلبه المعلّق على السارية، وثلاث عشرة حفرة متفرقة في جسد القرية الحجرية، وبعض الخردوات التي كان يحتفظ بها في حقيبته القماشية". ولم يدعي أحد الرواة معرفته باسم جلال التمتام ولكنهم ذكروا أن (التمتام) لقب أُطلق عليه لكثرة تأتأته. جاء إلى القرية قبل ثلاث سنوات من وفاته، ولم يكن يحمل معه –وقتها- غير حقيبة قماشية يجملها على ظهره، وتميمة معدنية يضعها في يده اليسرى، وكلباً أسود يتبعه لاهثاً بلسان طويل وردي اللون متدل ورطب. سكن أطراف القرية، وأقام بيته الذي من شعر الماعز على تلة كان يستخدمها كَلَس كمئذنة يرفع منها آذان المغرب في المواسم الرمضانية، ورغم أنّ جلال التمتام جاء في غير مواعيد رمضان؛ إلاّ أن بعض أهالي القرية اعتبروا ذلك مساساً بمقدساتهم، وقرروا طرده وحرق خيمته، وكادوا أن يفعلوا لولا تدخل العمدة. وبفتوى من الشيخ عبد الصبور دهب تم منع النساء من النياحة عليه بعد موته رغم أنهن كنّ الوحيدات اللواتي أحزنهن رحيله فعلاً، فلم يبكين عليه إلا سراً. وعادت للتلة قداستها حيث تتنزّل الملائكة بعد غروب شمس كل يوم. وأكدّ البعض أنهم رأوا خيالات ضوئية تلّف التلّة بعد وفاة التمتام بيومين وظلّت سيرة الضوء التي لم يشهدها إلا أموات القرية حجّة على قداسة التلّة التي أصبحت اليوم في مقام جبل عرفة من الحجاز؛ لذا فإن عمدة القرية أمر –بإيعاز من شيخها- أن يُسوّر التلّة بسياج له باب، وتولت عائلة كَلَس حراسة التلّة واحتفظوا بمفتاح بابها الزنكي المتين.
                  

10-01-2008, 03:52 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _________
    (8)



    وحسب رواية الجدة مِسكة فإن رجال القرية وأطفالها تجمهروا على باب خيمة الغريب حاملين العصي والحجارة، في انتظار أن يخرج إليهم، ولكنه خرج راسماً ابتسامة ترحيبية حذرة على وجهه، وهو يستقبل العمدة وضيوفه: "يمكنني أن أجيب عن أيّ سؤال تشاءون؛ إلاّ فيما يتعلّق بجهة قدومي. أنا بينكم الآن لأن العالم انتهى بي هنا، وهذه التلّة طيّة العالم الكبيرة. أحببتُ أن أموت في هذا المكان الجميل. فماذا يضيركم إذا بقي بينكم رجل عجوز مثلي؟!" أخرج التمتام بعض الأدوات المعدنية من جُراب جلدي قديم معلّق على عارضة الخيمةِ، ونثرها أمام الجميع: "هذا كلّ ما أحمله." نظر الناس بدهشة إلى الخردوات التي يحملها، وكتموا ضحكاتهم، بينما قال العجوز الغريب: "هذه آخر أسرار الفيزياء الحديثة. الإنسان ينوي أن يطوي العالم في كفّه، وهو في طريقه إلى خلق معجزاته الخاصة، البعض يتحدث عن عصور قادمة لن يحتاج فيها الإنسان إلى الحركة، حيث سيكون كل شيء بضغطة زر واحدة؛ وسيكون للأسلاك المهملة شأن عظيم في تواصل البعيدين وتقريبهم من بعضهم. وسوف تعود الحمير والخيول والجمال إلى البريّة فلن يكون الإنسان بحاجة إليها في تنقلاته، ربما تصبح أداة لتسلية إنسان ذلك العصر، وسوف يتوقف الناس عن كتابة الخطابات والزيارات سوف يكون كل ذلك تراثاً لا يتبعه إلا الفقراء والجهلاء فقط. سوف تنهار الأسرة، ويتبادل الجميع الأدوار؛ من كان له ابنة أو ابن فليسعد برؤيته الآن وليتمتع بحسّه الأبوي؛ فربما لن يعود هنالك أبناء. سيكف الإنسان عن مغازلة القمر في أغانيه وأشعاره، ويصعد إليه في زيارةٍ سياحية كل عام! الراكضون وراء الإبل والأغنام سيجدون ذلك مضحكاً، ولكن تلك هي الحقيقة."



    .

    (عدل بواسطة هشام آدم on 10-01-2008, 03:53 PM)

                  

10-01-2008, 04:02 PM

مجاهد عيسى ادم
<aمجاهد عيسى ادم
تاريخ التسجيل: 06-08-2008
مجموع المشاركات: 747

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    العزيز هشام
    وانت طيب (وجاني جوابك مفتوح شارع )

    متابع معك هذا العرض الانيق
    Quote: _________
    جاء إلى القرية قبل ثلاث سنوات من وفاته، ولم يكن يحمل معه –وقتها- غير حقيبة قماشية يجملها على ظهره، وتميمة معدنية يضعها في يده اليسرى، وكلباً أسود يتبعه لاهثاً بلسان طويل وردي اللون متدل ورطب

    انتابتني رغبة الهروب من سطوة هذا الكلب ..هكذا توصيف دقيق يجعلك تستمع الى مخالب الكلب وهو يتطرق (الورقة ) بصوت واضح ..
    انقلني معك الى ذاك الجو حتى آخر ا لارض الميته ..
                  

10-02-2008, 10:10 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: مجاهد عيسى ادم)

    صديقي: مجاهد عيسى آدم

    إنّ ألق اللحظات الإنسانية موجود بصفة مستمرة، ولكن يلزمنا بعض الهدوء والحكمة للكشف عنها في زحمة حياتنا اليومية وإيقاعها المتسارع. سعيد بمتابعتك للنص وأتمنى أن تجد فيه بعض المتعة التي تتمنى. كل عام وأنت بألف خير يا صديقي
                  

10-02-2008, 10:12 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ________
    (9)


    كلماته المتعجرفة تلك جاءت موافقةً لبريق ماكر لمع في عينيه. رفع حاجبه الأيمن الكث حتى ظنّ الناس أنه سيقع، كانوا يستغربون كيف يكون شعر حاجب أكثر كثافةً من الآخر. ملامحه تلك كانت تشعرهم بالخوف منه، إضافةً إلى طريقة كلامه المليء بالطلاسم المخيفة، والعبارات المبهمة. مدّ التمتام يده داخل جُرابه وأخرج قطعةً معدنيةً غريبةَ الشكل، وضعها بشكل عمودي على الأرض وبدأ يضغط على طرفها العلوي بسبابته فأخذت تتراقص بمرونة، ثم أفلتها فجأةً؛ فقفزت كجرادة مذعورة في حقل يحترق. تعجّب الأهالي للمعدن الطيّار، وكانت تلك هي المرّة الأولى التي يتعرفون فيها إلى النوابض المعدنية، ثم مدّ يده -مرة أخرى- وأخرج أداة أخرى، وأبدى –هذه المرة- اهتماماً بالغاً بما يفعل. تجمهر الناس حوله وهو لا يفعل شيئاً غير الإمساك بتلك الأداة غريبة الشكل. بدت لهم كقرص زجاجي تافه لا جدوى منه. وانتفضوا مذعورين عندما بدأ اللهب يشتعل في الأوراق اليابسة تحتها. سبحلَ البعض بصوتٍ عالٍ: "سبحان الله .. سبحان الله"، ونظروا إلى بعضهم البعض وهم يضحكون. قال أحدهم: "لقد عاد عصر المعجزات!" الوحيد الذي لم يعجبه الأمر هو الشيخ عبد الصبور دهب؛ الذي نهض مفزوعاً من مكانه كالملدوغ وهو يقول: "هذا سحرً، هذا أمر شيطاني، لا يجوز .. حرام!" وغادر المكان وهو يكرر: "استغفر الله العظيم .. استغفر الله العظيم!"
                  

10-02-2008, 10:57 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ________
    (10)



    عمدة القرية لم يكترث كثيراً لفزع الشيخ عبد الصبور، وشغله اندهاشه عن ذلك. تقدّم التمتام منه، وهو يمسك أداة أخرى غريبة الشكل، قال: "أمّا هذه فتسمى (عين الشيطان). خذ أمسكها يا عمدة وانظر من خلالها". لبعض الوقت؛ تردد العمدة؛ وخاف أن يؤدي ذلك إلى فقدانه بصره، خاف أن يخرج منها مارد شيطاني ويتمكن من الدخول إلى جسده عبر عينيه فتحرقهما: "ماذا تريدني أن أرى بهذا الشيء؟ فأنا لا أؤمن بالسحر." ضحك التمتام وأخذ ينظر من خلالها ناحية القرية: "سترى القرية -كلّ القرية- بين يديك، لا يحق لغيركَ أن يراها كذلك." قفز العمدة مدفوعاً بشغف السلطة والفضول، نظر إلى القرية، فرأى البيوت وكأنها أمام عينيه تماماً. رأى الشيخ عبد الصبور راكباً حماره وقد تعلّقت ثمرة نبتة شوكية بعباءته، كان قريباً لدرجة أنّه مدّ يديه لينتزع الثمرة الشوكية عن عباءة الشيخ عبد الصبور، ولكنه لم يتمكن من ذلك، أزاح الآلة عن عينيه فرآه بعيداً جداً عنه، فصرخ مجدداً: "سبحان الله!" وتهافت البقية على العمدة يريدون أن ينظروا من خلال الآلة العجيبة، فنهرهم: "لا أحد يحق له النظر من هذه العين الشيطانية إلاّي؛ وإلا ستحتقرون." ابتسم التمتام في سخرية وقال: "حضرة العمدة، هذه الآلة تسمى (المنظار)، وهي إحدى منجزات الفيزياء الحديثة". مسح العمدة أنفه وسأل: "وما الفيزياء؟"
                  

10-02-2008, 11:12 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ________
    (11)



    هذا الغريب الأسطوري كان دائماً محاطاً بهالة من الغموض؛ فكان البعض يخشونه ويعتبرونه ساحراً، بينما اعتبره آخرون من أولياء الله الصالحين، ومن أصحاب الكرامات. وبأمر من العمدة اجتهد شباب القرية -بهمة غير متوقعة- في بناء منزل من الطين والحجر ليقيم فيه التمتام؛ عِوضاً عن بيت الشعر الذي كان يسكنه. النساء كنّ يزرنه سراً، ويحكين له قصصهن السريّة، والأحاديث التي تجري وراء الجدران الجالوصية، حتى أنّ زوجة العمدة كانت إحدى زائراته السريّات. النساء أكثر إيماناً بالخرافة، لأنهن الأقل حظاً من التعليم في أرض الميّت التي تنتشر فيها نباتات العُشَر كالوباء، حتى خطب الجمعة التي كان الشيخ عبد الصبور يلقيها على أهالي القرية لم تكن تخلو من ذكر النساء ومكائدهن. ومازالت إحدى المخطوطات القديمة التي احتفظت بها عائلة كَلَس الدينية تحوي خطبه التي كان يلقيها في صلاة الجمعة، وجاء في بعضها: "النساء إحدى الآفات التي خلقها الله لامتحان قلوب الرجال، هنّ الامتحان والابتلاء الحقيقي والأشد في حياة المؤمن. النساء كالفيضانات والطواعين وكافة الابتلاءات التي تواجه أحدنا في طريقه إلى الجنّة. من أرخى لهن أذنيه فكأنما أسلم إلى الشيطان زمامه. ألم يكنّ آخر ما حذر منه الرسول وهو على فراش الموت (ما تركت فتنةً أضرّ على الرجال من النساء)؟ أولم يحذرنا ربنا منهن (إنّ كيدهن عظيم)؟ فكيف بنا نراهن على متاع الدنيا وهي زائلة لا محالة؟ فاتقوا الله في أنفسهم وفي دينكم، ولتتق النساء الله في أنفسهن وفينا، فلا يخرجننا من الجنّة مرتين."
                  

10-03-2008, 10:13 PM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)




    هشام آدم
    كل سنة و أنت طيب

    متابع جداً ... !!!!
    و منتظر


    _____________
    اللوحة لسلفادور دالي
                  

10-04-2008, 08:17 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: محمد صالح علي)

    الأخ: محمد صالح علي

    كل عام وأنت بألف خير
    وشاكر لك المتابعة وسوف أواصل سرد أحداث قرية أرض الميّت
    وأتمنى أن تنال جزءاً من إعجابك وإعجابك القراء الكرام

    هامش:
    صورة البروفايل الخاصة بك؛ مؤلمة جداً
                  

10-04-2008, 09:58 AM

عبدالوهاب علي الحاج
<aعبدالوهاب علي الحاج
تاريخ التسجيل: 07-03-2008
مجموع المشاركات: 10548

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    Quote: صورة البروفايل الخاصة بك؛ مؤلمة جداً




    الاخ هشام

    ماوجه الايلام في هذه الصورة ؟

    طالما ان البيضة والفرخة معدان لغذاء الانسان ولا غضاضة في ذلك

    مثلا اذا حولنا مفردات الصورة الي

    طماطماية وعلبة صلصة

    او قندول ذرة شامية وعلبة كورن فليكس

    تعليقك حيكون نفس الردالتعليق

    ام هو كلام للاستهلاك فقط ؟ ارجو التوضيح ....
                  

10-04-2008, 10:40 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: عبدالوهاب علي الحاج)

    _______
    (12)



    يبدو أن خُطب الجمعة وقتها لم تكن تخلو من ذكر النساء والشياطين، ونباتات العُشَر التي يُشاع أنها ثمار الجن والعفاريت. وحتى اليوم يتناقل الناس مقولته المشهورة عن العُشر: "ما كثرت في مكان؛ إلا كانت إشارة إلى وجود الجن والشياطين، فهي لا تُزرع، ولا تُقطع ولا يُستفاد من ثمرها، وإن أصابت عصارتها عين الإنسان فإنها تُصيبه بالعمى." ويتفق جميع الرواة على أن الشيخ عبد الصبور كان هو الشخص الوحيد الذي لم يُحب جلال التمتام رغم افتتان الناس بما يحمله في جُرابه من خردوات سحرية. ولكنه لم يستطع فعل شيء حياله لأنه كان حظياً عند عمدة القرية، لذا صبّ جام غضبه على كلبه الأسود بعد موته؛ هكذا فسّر البعض ثورته على الكلب المسكين.
                  

10-04-2008, 10:44 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (13)



    عندما فاحت رائحة العفن –وليس عندما افتقدوه وهو يجر حبل القارب ليعبر الجدول المائي إلى الضفة الأخرى، أو حين يحفر في القرية بشكل عشوائي دون أن يعرف أحد عما يبحث– عرف الجميع بموته. قلّة منهم فقط قاموا بدفنه مُحتملين تلك الرائحة النتنة، هذا عملهم! الجيّد في الأمر أنّ أحدهم استطاع نزع الصورة من كفّه المتيبسّة. كانت صورة من ورق كلاريك رديء جداً ما فسّر تكسرها بسهولة على يد عجوز لم يكن قادراً على أن يتحكم في حركات أطرافه، ولم يستطع أحد أن يتعرّف على الفتاة، أو يستدل على العلاقة بينها وبينه. قال البعض عندما علموا بخبر وفاته: "كان يجب أن يموت منذ عامين أو أكثر، فهو عجوز كفاية." بينما استشعرتُ في كلمات الجدّة مِسكة نبرات حاسدة وهي تقول: "كان محظوظاً إذ مات منتصف الليل؛ أنهى يومه كما يُنهي عامل البنطون يومه المهني: عرف كلّ ما دار في يومه ذلك، وشهد الأوقات كلها، شهد خروج النساء إلى النهر وعودتهن، وخروج الرجال إلى الغيطان وعودتهم، ولعب مع الأطفال، وضحك، وتناول عشائه، وشرب كأس مائه البارد؛ ومات". ولكن موته لم يكن سبباً في حزن أحد، غير النساء!


    .

    (عدل بواسطة هشام آدم on 10-04-2008, 10:46 AM)

                  

10-04-2008, 11:07 AM

rosemen osman
<arosemen osman
تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 2916

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    عبرنا من هنا وطابت لنا قراءتك
    شكرا لأشراكنا بعض الجميل الذى تحمل
                  

10-04-2008, 12:51 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: rosemen osman)

    الأستاذة: روزمين عثمان

    أشكرك على المرور من هنا ...
    وسعيد بأن النص قد نال بعض إعجابك

    لك التحية
                  

10-04-2008, 01:22 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _______
    (14)



    النساء العواجيز يُخلصن في عملهن في المناحات التي تقيمها القرية عند موت أحدهم. يذكرنَّ شجرة العائلة والمآثر والخصال التي كان يتمتع بها، ويفعلن ذلك بلحن مُوحّد. لكن في حالة هذا العجوز، كانت كل النساء حاضرات في المأتم السرّي الذي أقمنه في دار زوجة العمدة حيث لا تطالهن يد شيخ القرية وعيونه، وبكينهُ بحرقة بالغة، ورغم أنّ النائحات لم يكنَّ يعرفنَّ له شجرة عائلة لتذكرنها في نياحتهن إلا أنهنَّ نُحْنَه بأكثر مما نُحْنَ شخصاً آخر؛ ظللنَّ يُكررنَّ: "أيها العجوز المسكين المرتحل، يا من أمضيت جلّ وقتك في حفر الآبار بحثاً عن ماء للشرب لهؤلاء العطشى، و يا من أضأت ظلمات الصدور التعيسة بالحكمة الآسرة، يرحل عنّا جسدك الآن، ولتبقى روحك في الأرجاء من أجل النساء العازبات والراغبات في الحمل، وليبارك الله روحك إلى الأبد." استغفرت إحداهنَّ سبعين مرّة بعد انتهاء المناحة؛ علّ الله أن يغفر لها كذبتها تلك.
                  

10-04-2008, 01:49 PM

عواطف ادريس اسماعيل
<aعواطف ادريس اسماعيل
تاريخ التسجيل: 08-11-2006
مجموع المشاركات: 8006

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    هشام ...

    كل عام وأنت بخير ..

    نتابع بشغف هذه السميفونية الرائعة ...
                  

10-04-2008, 01:52 PM

معتصم محمد صالح
<aمعتصم محمد صالح
تاريخ التسجيل: 07-14-2007
مجموع المشاركات: 7293

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)
                  

10-04-2008, 01:58 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: معتصم محمد صالح)

    تسلمي يا عطوفة
    ويشرفني متابعتك للقصة.. وأكيد رأيك بيهمني

    ليك كل التحية
                  

10-04-2008, 02:30 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _____
    (15)


    مات جلال التمتام أخيراً كما تمنى البعض، وترك وراءه كلباً أسود علّقوه –بعد قتله- على عارضة خشبية، وثلاث دجاجات وديك لا يُلقح ولا يؤذن، وبعض الخردوات التي استولى عليها عمدة القرية في غفلة من الناس، حين أمرهم بحمل جثته إلى منزل الشيخ عبد الصبور ليغسّله استعداداً للصلاة عليه، وبعد مغادرتهم جميعاً، بحث عن خردوات التمتام حتى وجدها ودس بعضاً منها داخل ثيابه، ودس بعضها الآخر تحت عباءته وغادر دون أن ينتبه إليه أحد. ولكن الشيخ عبد الصبور أرسل جثة جلال التمتام في نفس العربة إلى العمدة مرّة أخرى ورفض تغسيل الجنازة أو حتى الصلاة عليها لأنه لا تجوز الصلاة على الساحر وأن الأولى بجثته الحرق وليس الغُسل، ولم يشأ العمدة أن يتحمّل ذنباً كهذا، فأمر بدفن الجثة سراً دون تغسيل أو صلاة. وتظل أسطورة جلال التمتام أكثر الأساطير الشعبية تداولاً في أرض الميت برغم ما في رواياتها من تناقض واختلاف، ورغم نهايته المؤسفة والغامضة التي أضفت على حياته الأسطورية رونقها الخاص الذي تتمتع به الآن.
                  

10-04-2008, 02:34 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (16)



    على موائد العشاء المثالية النادرة التي يقيمها العمدة في داره يوم عاشوراء من كل عام، يجتمع الرجال والنساء والأطفال، ويتغيّب العاشقون ليحجزوا لأنفسهم أماكن في البيوت الخالية، لتضج ليلة عاشوراء بروائح الذبائح والجنس؛ فعندما يتوجه الجميع إلى بيت العمدة تفتح البيوت أبوابها السرّية للعشاق الليليين ليحتفلوا بهذه المناسبة على طريقتهم الخاصة. أبواب بيوت أرض الميّت لا تعرف الأقفال، ولا تعانقها إلاّ في العاشرة ليلاً عندما ينام الجميع. يأخذون قوارير الخمر التقليدية، ويقضون ليلهم في ممارسة السُكر ومعاقرة الجنس. كانت تلك الحقبة من تاريخ القرية عصر البورنوغرافيا الذهبي؛ إذ بلغت فيه أعلى مستوياتها على الإطلاق، ولا يزال البعض يبكون على ضياع تلك الأيام واشتغال الناس بالملذات الأقل أهمية وأكثر خسّة! فتيات أرض الميّت أكثر شبقاً من بقية فتيات المنطقة الشمالية، وهنّ أكثر إمتاعاً، ولمّا كنَّ ليلاً لا يتحدّثنَّ إلا عن الشباب ومغامراتهن الجنسية معهم، ويتبادلن الخبرات في ذلك؛ فقد كنّ أكثر الفتيات دراية بما يُثير الرجال. "هارون عزيزة" الذي استعاد ثقة الناس بعد مشاركته الجادة في قتل كلب التمتام الأسود، لم يجد لوماً من أحد عندما اكتشفوا وجوده في منزل خاو برفقة إحدى الفتيات ليلة عاشوراء. قالوا إنه شابٌ طائش، ولا بدّ أنّ الله سيهبه الرُشد والصلاح إذا تزوّج؛ فزوّجوه. وبينما تتداول النساء أحاديث الجنس والشعوذة، ينشغل الرجال إمّا بمعاقرة الخمور أو مضاجعة البهائم.
                  

10-04-2008, 02:51 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (17)



    صباحاً تخرج بعض النسوة حاملاتٍ الجرار الصفيحية فوق رؤوسهن، بينما تحمل أخرياتٌ أوان نحاسية يضعن فيها ملابس أفراد الأسرة المتسخة للغسيل. تتوجه النساء إلى النهر لجلب الماء، وعلى ضفّة النهر الشرقية يتبادلن الأحاديث الماجنة، والأخبار العامة، ويتفقن على برنامج المساء؛ بينما تتوجّه النساء المتزوجات إلى حقول البرسيم والخضروات الموسمية. أحاديث النسوة على ضفة النهر لها نكهة خاصة، لاسيما إذا تمّت مراقبة ذلك سراً من وراء الأجمات والنخيل الذي يفصل ضفة النهر الرملية البيضاء عن القرية ذات الأرض الحجرية الصلبة. تشمّر النسوة ملابسهن، ويجلسن على حواف النهر الصخرية، بينما تتوغل أخريات إلى داخل النهر ليحصلن على الماء غير المصاب برغوة الصابون.
                  

10-05-2008, 07:22 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _____
    (18)



    عندما يعود زمرة من الغائبين -عن جيوب القرية الأنفية، وذاكراتها القريبة- من رحلة الحج في أراضي الحجاز، يذبح الأهالي الذبائح، ويمرغون أياديهم في دمائها، ويلطخون بها أبواب بيوت الحجيج ليُعرفوا بها لاحقاً، اعتاد الناس على أن يفعلوا ذلك، وفي أرض الميّت لا يوجد غير ثلاثة بيوت فقط ملطخة بصورة الكفوف الدامية. تعود هذه العادة (كما قيل) إلى تراث يهودي قديم، وأغلب الظن أنّهم لم يكونوا يعلمون ذلك إذ يقومون بذلك. تمتد جلسات الأنس -مع الحجيج القادمين- إلى أنصاف الليالي الصيفية وهم يتحدثون عن رحلتهم الإيمانية، ينقلون مشاهداتهم عن أراضي الحجاز، وعن أهلها وما رأوه هناك، ويظلون يستمعون إلى كل ذلك وكأنهم يستمتعون إلى حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة. ويؤمنون في قرارة أنفسهم أنّ من حجَّ إلى بيت الله الحرام ضمن الجنّة لا محالة، فينظرون إليهم بغبطة يعرفونها جيداً، ويتلذذون بها كثيراً. حتى الحجيج أنفسهم يعتبرون أنفسهم ولدوا بالفعل من جديد، وأنهم قد أصبحوا أناساً بلا تاريخ، ولا ذنوب ولا معاص تذكر، فيستسهلون خطاياهم الجديدة، ويرونها ضئيلة مقارنة بجبال الحسنات التي عادوا بها من رحلتهم، ولا يمر أسبوع كامل حتى ترى أحدهم وقد توسط جلسة سُكر ليلية. وفي أرض الميّت الشأن كل الشأن لشيخ القرية ثم لعمدتها وأخيراً للحجيج الذين قد يحلون محل الشيخ عبد الصبور دهب في الإفتاء عندما يغادر الأخير إلى قرى الضفة الأخرى من النيل لجلب البخور والصندل لأغراض الرقى الشرعية وتعطير المساجد.

    (عدل بواسطة هشام آدم on 10-05-2008, 09:13 AM)

                  

10-05-2008, 09:08 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (19)



    أهالي قرية أرض الميّت يشتهرون بزراعة النخيل، لذا فإنّ رجالها يتقنون كيمياء الكحول، وحِرفة صناعة الخمر، ولا يعتبرون الخمر من الموبقات أو المحرّمات، بل يعتبرونها إحدى أساسيات الحياة الضرورية، التي لا يستغنون عنها لاسيما في المناسبات السعيدة والأعياد؛ بينما تهتم النساء بالأشياء الأكثر أهمية. وربما أفتى الشيخ عبد الصبور دهب بكراهية الخمر، ولكنه لم يُحرّمها على الإطلاق. قال أنّ الخمر تجعل الشخص في حكم المجنون والنائم فيُرفع عنه القلم، ولا حرمانية فيمن يرفع عنه القلم؛ فكما أن الجنون ليس بحرام والنوم كذلك فالخمر تأخذ حكمهما ولو كان ترك الخمر أفضل وأكمل للدين.
                  

10-05-2008, 10:24 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (20)



    وفيما يهلك الأكثرية في طريقهم إلى أرض الحجاز لنيل لقب (حاج) التي كانت تعدّ أمنية غالية لمن تخطّى سن الخمسين؛ فإن آل كلس كانوا يحجون في كل عام تقريباً من أجل دعم سلطتهم الدينية في القرية، وتأكيداً لاستحقاقهم لهذه السلطة التي تقاسموها مع آل دهب الذين ربطتهم بهم مصاهرة قديمة. وبطريقة تلقائية تم تقسيم القرية إلى عائلات كبيرة وصغيرة اختص بعضهم بالعلم الديني واختص بعضهم الآخر بالثروة وفيما استولى آل دهب وآل كلس على كل ما يتعلّق بالدين والتدين، كان آل فنتي أرباب الأموال والمشاريع التنموية في المنطقة، بينما ظل البقية على هامش الحياة اليومية يقتاتون على ما يتساقط من هذه العائلات الكبرى.
                  

10-05-2008, 11:36 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _____
    (21)



    حتى بعد موت التمتام وكلبه كان ما يزال الكثيرون يؤمنون به كرجل صالح وصاحب كرامات، وقليل من الناس فقط اعتقد بأنه كان صاحب حظوة لدى بعض الملائكة الذين كانوا يسرّبون له بعض الأخبار المستقبلية والغيبيات، ويتذكر له البعض صدق نبوءاته التي جرت في حياته كما حكا بالتفصيل. إحدى المؤمنات بنبوءات جلال التمتام كانت السيّدة عواضة زوجة العمدة التي ذهبت إليه خلسة كما بقية النساء وطلبت منه الكشف عما تخبئه لها الأقدار إذ كانت تخشى أن يتزوّج عليها العمدة طلباً لإنجاب مولود ذكر.
                  

10-05-2008, 11:38 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (22)



    عواضة بصيلي ذات الثمانية وأربعين عاماً والمتزوجة من عمدة القرية منذ أكثر من ستة وعشرين عاماً كانت لا تنجب غير الإناث، وخشيت أن تذهب ثرواته الزراعية لأبناء أخته (فانا سالي) التي يبدو أنها لم تكن على وفاق معها. ورغم ما يبدو على القرية من تداخل ومصاهرة إلاّ أنّ الولاء للأرومة الأسرية كانت هي المحرّك والمحرّض الأساسي في خلافات وتحالفات أهالي القرية. ذكرني ذلك بما سمعته حديثاً عن ارتباط القبائل البدائية القديمة بالطوطم، وكيف كان محركاً أساسياً في الحياة الاجتماعية والتناسلية لتلك القبائل. بعد أن أحرق التمتام بعض البخور المجلوب من أدغال الصومال وقرأ تعاويذه الطلسمية، ردد بطريقة شعرية ساجعة لم تكن تخلو من لكنة نوبية ركيكة:

    ما تخافي الفوات
    العمدة مربوط بثبات
    والولد من صلبه آت
    يمكن يكون موجود ومات
    ويمكن حيجي من البنات
                  

10-05-2008, 12:23 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (23)



    وكانت عواضة (ذات الأسنان الأمامية البارزة وكأنها أنثى قندس نهري) في جلسات تحضير الإتّر والتركين في القسم النسائي المخصص من سرايا العمدة مع نسوة القرية الفضوليات تنشد ما سمعته من التمتام وهي تُمني نفسها بمولدها المرتجى وهي تقول: "سوف يأتي الولد ببركة نبوءات الشيخ التمتام!" ولكن وبعد مرور سنتين وموت التمتام دون تحقق النبوءة كانت كالكثيرات من النساء قد بدأت تكفر به كرجل صالح ذو كرامات. وعلى عكس النساء النوبيات فقد كانت عواضة بصيلي من ذلك النوع من النساء المهادنات التي تجد كينونتها في طاعة زوجها تلك الطاعة العمياء؛ فلا تحسن أمامه إلا حِرفة الخنوع الأمر الذي كان يمنحه شعوراً طاغياً بالسلطوية والسيادة.
                  

10-05-2008, 01:14 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (24)



    في ذلك الوقت الغابر من تاريخ أرض الميّت، لم تكن القرى النوبية (المنحدرة من نواة مجتمعات أمومية بائدة) ممهدة لثورات اجتماعية من ذلك النوع حتى يتقبّل الأهالي فكرة التعددية، ولكن عواضة بحس أنثوي مستنير لم تستطع أن تركن إلى هذا المنحى الاجتماعي المتغيّر؛ لاسيما وعلى بعد فراسخ منها تأتيها الأخبار من قرى يقطنها الهوسا والبشارية عن رجال يتزوّجون ما شاء لهم من النساء طلباً للذريّة أو بدواعي جنسية جشعة. ولم يكن لها لتعرف ذلك إلا بعد أن تمكن زوجها العمدة من حلّ لغز الجهاز الذي بحجم ثمرة البطاطا الذي وجده ضمن مسروقاته من جراب جلال التمتام بعد شروحات مستفيضة من أحد الحجيج القادمين من الحجاز، فكان العمدة أوّل من امتلك مذياعاً في أرض الميّت.
                  

10-05-2008, 01:22 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _____
    (25)



    كان البعض يتسلل خفية حتى يصل أسفل إحدى نوافذ سرايا العمدة التي يضع عليها المذياع الذي أطلق عليه اسم (كومّابنّي) أو الحكّاي، ليستمعوا إلى ما يُذاع من أغنيات وأخبار فيعرفوا ما يحدث خارج حدود قريتهم المنعزلة عن العالم. كان اكتشاف المذياع في القرية يُعد نقلة نوعية من ذلك النوع من الاكتشافات الكبرى التي تُحدث تغيّراً جذرياً في وعي أهالي أرض الميّت، وغزا المذياع بيوت أهالي القرية بفضل الحجيج القادمين من الحجاز، وعندها بدأ الشيخ عبد الصبور دهب بإصدار فتاواه التي تحرّم المذياع لأنها تنطق بالغناء المنكر؛ كما أنها كانت قد ألهت الناس فعلياً عن أداء الشعائر الدينية. ولم يدخل التحريم حيّز التنفيذ العدائي إلا بعد أن توالت مجادلات الناس للشيخ عبد الصبور حول فتاواه القديمة التي سمعوا بفتاوى مخالفة لها من المذياع.
                  

10-05-2008, 01:30 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (26)



    العمدة: حسن سالي (أو حسن فنتي كما أُشتهر عنه) والذي اختلفت الروايات حول حقيقة لقبه؛ كان حتى بعد وفاة التمتام بثلاث سنوات الوحيد في القرية وأحد القلائل في المنطقة الذي يمتلك حماراً، في الوقت الذي لم تكن فيه الحمير بذات الاحتقار الذي تبدو عليها الآن. فقد كانت وسيلة المواصلات الوحيدة؛ بل كانت إحدى أمارات الوجاهة والغنى الفاحش. وفي حين أعزا البعض لقب (فنتي) إلى اشتهار أسرته بتجارة البلح (منذ حقبة السلطنة الزرقاء وانتقال الملك إلى العرب المسلمين الذين تزوّجوا من أخوات الملون مستفيدين من أحد أغرب تقاليد النوبة التي تقضي بتوريث الملك للذكور من نسل أخواتهم)؛ يرجّح آخرون أنّ يكون (فنتي) لقباً لأمه التي يقال أنها كانت من أجمل جميلات النوبة، وكان الشعراء والفنانون يتغنون بجمالها وأناقة شلوخها الست. ومازالت الذاكرة الشعبية لأهالي القرية تحتفظ ببعض هذه الأشعار التي يُرددها الشباب لفتياتهن في طقوس البورنوغرافيا ومواسم عاشوراء.
                  

10-05-2008, 01:36 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _______
    (27)



    حسن فنتي الأرستقراطي المنحدر من أصول امتهنت تجارة البلح الشمالي المشهود له بالجودة في سائر القطر كان (حين انتهى إليه الأمر) يحتكم على اثنا عشر هكتاراً من النخيل والبرسيم والأراضي الزراعية. كل من عاصروه وُلدوا ليجدوه عمدة عليهم، وأغلب الظنّ أن ذلك لم يكن إلا منصباً شرفياً فرضه ثرائه والسطوة التي يملكها؛ فقد قيل أنه كان لا يعبر بمنطقة إلا وتمتد الأرض بساطاً أخضر أمامه، كناية عن الخير الذي يجلبه معه. أما عني فإني أقول: إن الروايات المتواترة عن غناه، لم تنقل إلينا مدى فقر أهالي القرية بالمقابل؛ فقد كان الناس يقيسون ثراءه بمدى ما يُقدّمه: فقيل أنه بنا أول مدرسة ابتدائية في المنطقة، وأول مشفىً صحي متواضع، وأول طابونة مجلوبة من مصر، وأول وابر مياه، وكان أوّل من سنّ النوادي الاجتماعية مستفيداً من علاقاته الواسعة ونفوذه الأخطبوطي.
                  

10-05-2008, 02:09 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (28)



    لسببٍ لا أعلمه فإنني لم أُحسن غير أن تصوّر العمدة رجلاً بديناً بلحية خفيفة، وعصا أبنوسية يتوكأ عليها دون دواعي العرج، وصوت جهوري كصوت سفوح جبال ميمن توّو في مواسم الانهيارات الصخرية؛ رغم أن الجدّة مِسكة أكدت غير مرّة أنه كان هزيل الجسم، ذو لحية كثة، وصوت متآكل يُشبه فحيح الأفاعي، وعينين جاحظتين وماكرتين كعيني حرباء ملعونة، واسع الخطوات حين يمشي وكأنه يتدرب على الطيران. لم أنجح أبداً في مطابقة هذه المواصفات الأكيدة بالشخصية التي سكنت في مخيلتي منذ سمعت عنها من الجدة التي كانت تحرص على سرد تفاصيل كل ما تحكيه لنا؛ وخمّنت أنها أخطأت وتغلّب عليها الخرف، ووجدتُ نفسي مطمئناً إلى هذا التخمين.
                  

10-05-2008, 02:11 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (29)



    لم يكن أهالي أرض الميت (وحتى وقت قريب؛ قبل وفاة الجدة مِسكة) يؤمنون بوجود مدن وبلدان أخرى خارج خارطة منطقتهم المنحصرة بين نهر لا يكف عن الجريان، وجبل لم يُحدّث نفسه بالحركة والتغيّر! كانوا يعتقدون أن العالم ينتهي عند جبال ميمي، وأن ورائها تماماً أرض المحشر العظيم. عزّز هذا الاعتقاد ما رواه البعض عن أسفار غامضة قام بها شبان مغامرين في حقب متتالية لعبور الجبال إلى الناحية الأخرى، وأنّ أحداً منهم لم يعد مرّة أخرى. كان يُقال: إن جبال ميمي تحرسها العفاريت، كما أن مياه النيل تحرسها التماسيح! وفي بعض الكهوف البدائية التي على إحدى سفوح جبال ميمي، وعلى صخورها الجرانيتية السوداء العملاقة التي كصخور نيزكية محترقة منذ ملايين السنين ثمة رسوم تبدو كرسوم الأطفال تصف ما يعتقدونه: تماسيح بأسنان حادة ذات لجام، تمتطيها مخلوقات غريبة ناهضة (شبيهة بالإنسان) ولها قرون، وآثار معركة ضروس. ولولا الشياطين البيض (التي سمّاهم النوبيون بالجريتية) لما تمكن أحدنا من معرفة ما بداخل هذه الكهوف حتى اليوم!
                  

10-06-2008, 07:21 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _______
    (30)



    في أرض الميّت تتقاسم التماسيح مياه النهر مع بني البشر، فتسبح التماسيح في النهر ليلاً، بينما يكون النهر صباح للنسوة: لغسيل الثياب، والأواني. وللرجال: لغسيل القوارب والحمير. وللشباب: للسباحة، والصيد. كل ذلك باتفاق (غير مكتوب) بين أبناء القرية وتماسيحها. والتماسيح غير مسئولية عمن يخرق هذا الاتفاق؛ فتلتهم الأطفال الذين يخرجون خلسة من البيوت ليدشّنوا قواربهم الورقية أو تلك المصنوعة من الأحذية القديمة البالية، ولا عزاء لأحد.
                  

10-06-2008, 08:45 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (31)



    في أرض الميّت تتقاسم العقارب والأفاعي الأرض مع بني البشر، فتهيم العقارب والأفاعي في الأرض مساءً: تحت الصخور وأوراق الأشجار المنكفئة على وجهها، وخلف كل شيء ساكن، بينما تكون الأرض صباحاً للنسوة: لتهذيب الحشائش في المزارع القريبة، وتقسيم أحواض الزراعة، وعيادات المرضى والولادات المستعجلة. وللرجال: لسقيا المزارع والعزاءات وحفر القبور، وإعداد الخمر التقليدية. وللشباب: لجلب الدقيق على ظهور الحمير، ومغازلات الفتيات، والسوق، وللأطفال للعلب السكج بكج، وشليل، وتصنيع سيارات من علب الصفيح القديمة. والعقارب والأفاعي غير مسئولة عمن يخرق هذا الاتفاق؛ فتلدغ الذين يخرجون ليلاً لجنس طارئ، أو بحثاً عن مفقود، أو قضاء حاجة.
                  

10-06-2008, 08:47 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (32)



    ورغم أنها قرية صغيرة (ولطالما رأيتها كذلك) ولكنها تعج بالقصص الخرافية والأساطير عن الجن والعفاريت والضباع، ولا تزال الأجيال تتناقل بفخر غير مسبوق أسطورة أسلافهم الذين روّضوا الضباع وامتطوها عوضاً على الحمير. الرجال في أرض الميّت يصنعون الخمر، ويزرعون الخشخاش، ويرقصون الأُولّيّ والهُمْبيق ويتفاخرون بالحمير، بينما تقوم النساء بالأشياء الأكثر أهمية؛ فهن يجلبن البرسيم، وينظفنّ المزارع والبيوت، ويصنعن التركين والأبري، بينما تهتم التماسيح والعقارب بتربية الأبناء.
                  

10-06-2008, 09:33 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _____
    (33)



    ذلك العام الذي صادف الذكرى السنوية الرابعة لوفاة التمتام، كان حسن فنتي قد خرج إلى مياه النيل محاطاً بأهالي القرية الذين تعودوا أن يخرجوا معه ليُجددوا له البيعة في شكل طقوس احتفالية لم تكن تُعد عملاً سياسياً بقدر ما كانت طقوساً نيلية توارثته القبائل النبوية التي ارتبطت حياتهم بمياه النيل في كل الملمّات والمناسبات السعيدة. حملت تلك الطقوس سمات يعود تاريخها إلى حقب منسية في التاريخ الشفهي للقرية؛ ولكنها موجودة الآن في كتب الأنثربيولوجية الحديثة. ولابد أنه في ذلك اليوم تم ختان عشرات الأطفال الذكور إذ يؤخر ختان الأطفال لمثل هذا اليوم من العام للحصول على البركة النيلية. أما الأطفال الأقل حظاً فيكتفي ذويهم بغسلهم فرادى في مياه النيل مع ذكر بعض الابتهالات النوبية القديمة.



    .

    (عدل بواسطة هشام آدم on 10-06-2008, 09:34 AM)

                  

10-06-2008, 11:01 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (34)



    شاءت المصادفة المحضة أن ينتج دلال العمدة المفرط لابنته الصغرى صابرين صبيّة بمواصفات ذكورية حتى أن اسمها الأنثوي اندثر في سيرة القرية وباتت تعرف باسم (صابر). كانت صابر التي نالت نصيبها من حقن داء الكلب الاثنتي عشرة عندما كانت في الخامسة من عمرها قد أصبحت بعد ذلك بأقل من سنتين فتاة تنافس الذكور في كل شيء. حتى أنّ أطفال القرية كان يخشون منها، وربما فعلوا ذلك لأنهم كانوا لا يجرؤون على مقارعة ابنة العمدة، ولكن وبمرور السنوات أثبتت صابر ذكوريتها وأن تلك الذكورية مستحقة بجدارة، فكانت تصرع الفتيان، وتسابقهم، وتسبح معهم في مياه النيل، وتتقدمهم عندما يعزمون تسلّق صخور جبال ميمن توّو. خمنّتُ أنّ لعاب كلب التمتام الأسود تسلل عبر أوردتها وعبث بجيناتها وهرموناتها الأنثوية.
                  

10-06-2008, 12:08 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    _______
    (35)



    ولمّا بلغت صابر سن المدرسة قام والدها العمدة بإلحاقها بمدرسة فركة الابتدائية للبنين دون أن يجد ذلك اعتراضاً من مدير المدرسة، فأكملت دراستها الأولية في مدرسة البنين كواحدة منهم. ومع مرور السنوات نسي الجميع أمر أصولها الأنثوية إلى الأبد. وحتى عندما بلغت مبلغ الإناث وبدأت أعضاؤها الأنثوية بالنفور من جسدها اضطرت إلى ربط ثدييها الصغيرين إلى أضلاعها بقطعة قماشية. كانت عواضة بصيلي مؤمنة بأن صابر هي إحدى نبوءات التمتام المُتحققة؛ وعندها فقط وجدت تفسيراً لكلماته الطلسمية التي كانت تشبه الهذيانات: "ويمكن حيجي من البنات"
                  

10-06-2008, 12:16 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    ______
    (36)



    هذه الذكريات المروية على لسان الجدة مسِكة كانت هي أولى معارفي الأساسية بأهالي قريتي الصغيرة الوادعة (أرض الميّت)، وكانت الجدة مسكة آخر الحكّايات عندما توفيت عن عمر يناهز المائة وثمانية عشر عاماً قضتها كلها في تصوير وتدوين موروثات القرية. لقد عاشت لترويها لنا دون أن يفطن أحد لتوثيق ما لديها من أخبار وقصص؛ ببساطة لأنه لم يكن هنالك وسيلة توثيق (شفاهي) ذلك الوقت. وبينما كانت القرية وادعة؛ فإن بيوتها كانت تحبس داخل أضلاعها الجالوصية حكايات وقصص حيّة ومتناقضة.
                  

10-06-2008, 01:03 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    أكتفي بهذا القدر من الحكاية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de