|
الأطفال يكتشفون القسم الثالث
|
راح الضيوف يغطّون في نوم عميق ، فقد كان المشوار إلى هنا مرهقا ، والجو كان خانقا ، لكن اللقاء بالأحبة أسقط الكثير من العناء والمشقة ، ولطّف كآبة الجو وأزال اختناقه . النوم وسط الحوش يجعل النائم يحس وكأنه قد امتلك الدنيا ، يغازل النجوم ، يلاطف القمر ، تحيط به الطبيعة الهادئة ، وسكون الليل يلفه بثوبه ،، أمامه يرقد كلب الحراسة في حفرته الرطبة التي يضيف إليها عمقا جديدا كل يوم ،، والأسرة تقاربت وتراصت إلى درجة يصعب معها المرور بينها ، كل سرير يحتضن نائما من الكبار ، أو أكثر من الصغار ، وأمهات ينمن إلى جانب أطفالهن ،، الأجساد كلها مسترخية بلا خجل ، وممددة بلا هوادة ، وبعض السيقان ، أو الشعر ، أو الصدر ، أو الكفل مكشوف للناظرين ،، لكن من ينظر في عتمة الليل البهيم إلا القمر والنجوم ، ونسمة تمر فتداعب نعومة جسد أو خصلات شعر . الليل يهجع ، والنائمون يتقلّبون ذات اليمين وذات الشمال ، تروح أحلامهم وتجيء باسطة ذراعيها بالوصيد ، لكنهم لا يملّون مداعبة النسيم ومغازلة النجوم ، والقمر يتدحرج نحو مغيبه وهو يغالب بعض غيوم كانت تعمد إلى إخفاء وجهه .. سلمى لم تنم ، تعبها يدفع سهرها ، وسهرها يضيف إلى تعبها ،، تقلبت فوق السرير ساعة ، ساعتين ، ولم تنم ، لم تكن تأبه بالبدر وهو يغازلها ، فهي تنتظر بدرها هي ،، ذاك النائم في قسم الرجال ربما يكون هو الآخر يعاني من السهر ،، منذ أن تزوجا لم ينم أحدهما بعيدا عن الآخر ، سرير واحد ، وسادة واحدة ، لحاف واحد ، لم يشاركهما أحد ، عشر سنوات مرت وهما على هذا الحال ، لم يرزقا طفلا ، ولم يفترقا في حلًّ أو ترحال ،، ينصبّ همّ سلمى كله على زوجها ، تعرف أنه لن يستطيع النوم منفردا ، لكنها تأمل أن لا تواتيه الفرصة لمغازلة نجمة السماء ، تريد أن تكون نجمته الوحيدة في كل سماواته ، وتخشى على جسده من ملامسة نسمات الليل . لكنّ الليل يتمدد ، والجسد المتعب لا يجد حضنا يلفه ، وخصلات الشعر لا تجد من يداعبها ،، وعيون سوداء واسعة تلتقط إشارة من جهة قسم الرجال ، الجدار الطيني يفصل بين القسمين منذ أن قام هذا البيت ، لكنّ عتمة الليل تعين على القفز من فوق الجدار ،، وسلمى تتعرف على أطراف الأصابع ،، وتستجيب للإشارة ،، المرور الصعب بين الأسرة كان يمثل حاجزا أقوى وأضخم من حاجز الجدار الطيني ،، لكن التعب والسهر كانا دافعين للبحث عن مخدع يوفر نوما هادئا وعميقا ،، الجدار الطيني لم يشكّل مقاومة عنيدة ، والقفزة الأولى كانت كافية لهزيمة تاريخه الطويل في ممارسة عنصرية النوع ،، والقمر يستجيب للحب والوفاء فيختفي لدقائق خلف الغيوم المتربصة به أصلا ، ونسمات الليل تحمل همسات الأحبة بكل الرقة والأمانة ، باب الغرفة القريبة لم يكن مغلقا بالمفتاح ، فيستجيب لدفعة واهنة دون أن يحدث صريرا ،، والسرير ينتظر في قاع الغرفة المعتمة ،، لكن لا حاجة للضوء في هذا الوقت ، في ذاك المكان .. رغم إجهادها ، ابتسامة سلمى كانت كافية لإضاءة عتمة الليل ، وفرحة بدرها كانت تضئ قلبها المشحون بالحب والشوق ،، لحظات من سكون ، ينقطع فيها الهمس ، وتتشابك الأصابع ، ويحتضن الجسد الجسد ، وجو الغرفة تخنقه الحر ، لكن نسمة تنبعث من القلب ، تلطّف الجو ، فيتمدد الجسدان في حالة تواز تام ، متلاصقان لا يمر بينهما خيط عنكبوت ، وتغمض الأعين ، وتنطلق الأنفاس ، ويسترخي الجسدان مستسلمان إلى نوم عميق . لكن عيون الفجر توقظ النيام ، وخيوط الشمس لا تصل إلى غرفة سلمى وحبيبها ،، سرير سلمى في قسم النساء مهجور لا أحد ينام فوقه ، وسرير حبيبها في قسم الرجال مهجور لا أحد ينام فوقه ،، واكتشف الأطفال الذين صحوا من نومهم أنّ بالبيت قسما ثالثا ،، لكن سلمى وحبيبها ما يزالان نائمين ، الجسد يحضن الجسد ، والأنفاس تختلط ، والسرير واحد ، والوسادة واحدة ، واللحاف واحد ،، لكنّ الأطفال يقدّرون الحب ، ويعرفون معنى الوفاء ، ويشعرون بدفء الأحضان ،، الأطفال أحباب الله ،، والحب من نفس الخالق ،،
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الأطفال يكتشفون القسم الثالث (Re: ودقاسم)
|
الغالي .. ود قاسم
دا مشروع (طيب صالح) آخر ..
لم أكن متابعا تماما لكتاباتك لكن قرأت العديد منها .. دي بتلفت النظر وقبلو الفؤاد والأفكار والذكريات الجميلة .. أسلوب رائع .. و اتمنى تسجلني في نادي المعجبين بكتاباتك
وياتماضر أنا زاتي شاهد مع انو شهادت ودقاسم كفاية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأطفال يكتشفون القسم الثالث (Re: ودقاسم)
|
سلمي وسلمي وسلمي وسلمي
طفلة وسلمي , سلمي وطفلة , دلالة شـعر الناس يوم جمعة , ولمـّة فرح النـاس في حفـلة , قصـايد الدنيا قربـان لي طفــلة مليانة شجون , يا أحمد أبقي عشرة علي وصية نبض الجواك بهتف , بقول يا سلمي , خت في بالك انونزيفك معني خريفك , لما الشواق يبداك في من أول , خلي قرايتك في عينيها مناهج , شان تنجح وتلقي شهادتك نظـرة بتبقي الفال لي بـاكر.
غريبة الدنيا وظالمة , زي ما سمع الناس الغنية تنادي , ألا حبيبتك ســودانية , رويانة محــنّة وطيبة نـاس , وكلام ونــّاس رقـة أحــساس
ألا حبيبتك سودانية , أحمد ما تنسي كلام جـواك , وما تتنازل وما تتخازل , ما تخلي الخوف يغشاك بالمـرة , أرفـع صــوتك بي أقدامك
قول للبنت الفيك زي طفــلة , ماني مفارق وماني مغرب ولاني مشرق , محل ما تمشي خطاك تلقيني معالم سكـة أملك , يا أحمد ما تفــكـّّّر يوم , أنو التـاريخ ممكن ينسي , أنك بـعت , ... بنتـاً جواك سودانية , أرفع صـوتك فوق للعالم , ما تخلي هتافك يبقي جـبان ,? يقلع منك صــوتـاً قـــال يا سـلمـي .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأطفال يكتشفون القسم الثالث (Re: ودقاسم)
|
العزيز / ودقاسم
تمتلك خيال واسع ومقدرة على جذب القارئ لكل موضوع تكتب ، اضافة للرصانة في الاسلوب المشوق الذي تنتهجه في كتاباتك ، كل يوم نكتشف فيك جديد وحقيقة يا اخي ودقاسمزول رائع والقصة رائعة كروعتك .
ان كان لي ملاحظه يا اخي في داعي لنشرها في الوقت ده ان كانت سلمى تفصلها حيطه نحن الان تفصلنا بحار وفيافي فماذا نعمل ؟ واعتقد فاهمني و الحال ينطبق على صاحبك وراق .
مع خالص حبي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأطفال يكتشفون القسم الثالث (Re: ودقاسم)
|
ود قاسم صاحب القلم الأنيق والخيال الخصب والله أنت اتفوقت على الطيب صالح وكما قالت تماضر بقيت مشروع لأديب قادم ينسج في الخيال أحلام حقيقة صورة حية ومشهد درامي مجسد بالصورة والصوت والهمسة واللفتة وحتى الإشارة والإيماءة بكل تفاصيلها تجسدت عبر سطورك
| |
|
|
|
|
|
|
|