|
الرحلة SD109 وقصة الغراب
|
الرحلة SD109 وقصة الغراب
أنه الغراب ، هذا ما يتداوله الناس ، هذا الطائر الماكر قفز إلي محرك طائرة الأيربص 310 وتسبب في حدوث تلك الكارثة الأليمة ، هذه إحدى مدارس التفسير لهذا الحادث ، ولا أعرف ما هو الفرق بين الجسم الصلب وجسم الطائر ، فحسب ما أعتقده أن جسم الغراب هش وضعيف ، وليس بالصلابة التي تجعل هذه الطائرة الضخمة تحترق كأنها قشة كبريت ، والذين أتهموا الغراب بإرتكاب هذه الجريمة ربما درسوا التاريخ البشري الإنساني وعلاقة الغراب بأول جريمة قتل فعلها إبن آدم بعد هبوطه للأرض ، وقد أحسن الغراب صنعاً عندما أحسن دفن أخيه ، مما جهل إبن آدم يتحسر على أنه لم يفعل ذلك ، ولا يعرف الناس هل دُفنت جثث قتلى حركة العدل والمساواة ؟؟ أم صحيح أنها تحولت إلي نموذج يتعلم فيه تلاميذ الطب البشري أدب التشريح والتقطيع ؟؟ إذا قد ضاع الدرس الذي علمنا إياه الغراب ، وأحترنا كما أحتار ولد آدم ..ماذا سيفعل بهذه الجثة ؟؟ ولقد رقصنا حول هذه الجثث وصورناها كما نشتهي وقد دفناها في بئر ، ولأجل الوصول إليها رسمنا خريطة معقدة مثل خريطة جزيرة الكنز ، وتقول كتب التاريخ القديمة أن سيدنا نوح عليه السلام ندب الغراب للتأكد من يباس الماء ، فعاد الغراب وهو يحمل جيفة فكره سيدنا نوح هذه البشارة ، ثم قام بإرسال الحمامة والتي عادت وهي تحمل غصن الزيتون ، فأحترم الإنسان طائر الحمام وجعله رمزاً للسلام ، كما أحترم الإنسان غصن الزيتون وأعطاه نفس المنزلة والمكانة . لا أعتقد أن الذين روجوا لنظرية الغراب في كامل وعيهم ، بالفعل أن الخريف بدأ مبكراً هذا العام ، لكن هذه القفزة في الموسم لن تخدع الغراب الذي يُعتبر من أكثر الطيور علماً بمكر بني آدم وقد أوصى إبنه : إن إبن آدم مستقيم القامة فإن مال بجسمه فإنه يريد أن يضرك فلا تنتظره حتى يستقيم للمرة الثانية ، إن الذين رموا الغراب بالتسبب في هذه الحادثة لا يريدون أن يقولوا " أن بنت المك قد وطأها الرجال " قبل أن يُعقد عليها القران ، ولا أظن أنني أفلحت في ترجمة هذا المثل العامي في السودان ، ولا يريدون القول أن البغلة في الإبريق ، وهو هروباً للأمام من المسؤولية والتقصير ، وهذا التفسير سوف يعقد المسألة لأننا سوف نطلب من جهات التحقيق أن تأتينا بدليل يُثبت هذه النظرية ، ومن حقنا أن نعرف أن DNA هو لغراب وليس " لسمبرية " ، فلتشارك كلية البيطرة جامعة الخرطوم في التحقيقات ، ولماذا لا تشارك ؟؟ فكل العاملين في مستشفى الشرطة من أطباء وممرضين ومديري خدمات وصيانة تحولوا إلي محللين للملاحة الجوية . ما أفجعني في هذه الحادثة هو رحيل البطلة سهام عبد الرحمن ، مضيفة الخطوط الجوية السودانية ، والتي رحلت مع أهلها وهي تحمل وسام الشجاعة ، رحلت وهي تقاتل حتى الرمق الأخير مع العجزة والضعفاء والمرضى ، فلم يصمد عودها الطري أمام اللهيب المميت ، فرحلت وهي حية في أذهان الناس الذين أنقذتهم ، رحلت وهي حية في قلوب الذين شاركتهم القبر المُرقم في مقابر الصحافة ، على مثل هؤلاء فلنذرف الدمع الهتون ، وعلى مثل هؤلاء فلنترحم ، الإمام أحمد بن حنبل في مسيره نحو الخليفة المأمون ، وقد تُوفي في ذلك المسير تلميذه أحمد بن نوح ، فحضر صلاة الجنازة رجلٌ مجهول ، بعد الفراغ من الصلاة خاطب هذا الرجل الإمام أحمد بن حنبل بنبرة قوية : إنك وافدٌ على الناس فلا تكن شؤماً عليهم ..فإنك إن لم تمت اليوم تمت غداً " ، هكذا فعلتها سهام ، ماتت اليوم لتحيا غداً ، فبقي الرجال في السودان يرقصون على أغاني الفلولكلور الشعبي : النار إن ولعت بقلبي بطفيها .. لكن هيهات . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|