|
العميد يوسف بدري: الفكي – شيخ القبيلة – الجلابي... ثلاث ركائز قام عليها بنياننا الإجتماعي
|
Quote: من مذكرات العميد يوسف بدري:
الفكي – شيخ القبيلة – الجلابي... ثلاثة ركائز قام عليها بنياننا الإجتماعي رشيد خالد إدريس موسي
الرياض / السعودية [email protected] قراءة المذكرات مفيدة و ممتعة . فهي مفيدة لأنها تنقل للقارئ خلاصة التجربة التي عاشها كاتب المذكرات. و لا شك أن كثيراً ممن كتبوا مذكراتهم كتبوها عن صدق و بهدف أن ينقلوا لمن بعدهم تجربتهم في الحياة , حلوها و مرها . و هكذا الحياة فهي سلسلة متصلة الحلقات من حقب متعاقبة تعيشها الاجيال و كل يترك بصماته و يسلم الراية إلي الجيل الذي يخلفه.
و قراءة المذكرات ممتعة لأنها تنقل القارئ في سياحة بين السطور , و تصور له تجربة الأولين و تجعله يستخلص الدروس و العبر من هذه التجارب. يقول تعالي في محكم تنزيله: لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب.سورة يوسف الآية 111.
و من المذكرات التي تستحق القراءة و التآمل, مذكرات العميد/ يوسف بدري (12- 1995م) و التي تحمل عنوان( قدر جيل). و هي فعلا قدر ذلك الجيل ينتمي إليه العميد/ يوسف بدري , ذلك الجيل الذي حمل علي عاتقه أعباء بناء الدولة السودانية حتي تحقق الإستقلال و جلاء المحتل و سودنة الوظائف , و تطور المجتمع السوداني إلي ما نراه عليه مقارنة بما كان في منتصف القرن العشرين الذي إنصرم عندما نال السودان إستقلاله في مطلع عام 1956م.
يقول يوسف بدري في صفحة 213 و ما بعدها: يفخر الشعب السوداني بخصائص يتميز بها عن باقي الشعوب الافريقية و العربية, و من هذه الخصائص كرم الوفادة. فمن أمثالنا ( لاقيني و لا تغديني) و منها أيضا الكرم في الطعام و الإنس و طيب المعشر, و منها أيضا العفة و سماحة النفس و السلوك الانساني المتجرد من جلب المنفعة و منها أيضاً السمو الخلقي , و يتساءل: كيف تميزت الشخصية السودانية بهذه الخصائص؟
و يجيب علي هذا التساؤل إن هناك ثلاث شخصيات قيادية أغفلها كتاب تاريخنا المعاصر , و إنشغلوا عنها عندما بدأوا يعون أهمية تدوين التاريخ. هذه الشخصيات هم الفكي و شيخ القبيلة و الجلابي
و يقول إن اثر الاول(الفكي) كان في الرحمة و الرقة و الكرم , إضافة إلي أنه جعل من خلوته منتدي و من مسجده مأوي . الخلوة يؤمها سكان المنطقة للانس و الفتاوي , و المسجد يؤمه الدارسون و العارفون لمن اراد العلم اخذ منه ما يريد, و من اراد الطعام سد رمقه . ثم العلاج الذي يقدمه هذا الفكي لمرضاه . و هذا العلاج الروحي قديم ممارسته قبل أن يفسد حال الناس حيث لجأوا إلي طب الأطباء . إن هذه الصفات التي يتميز بها الفكي في مجتمعه بجانب الدور الروحي الذي يقوم به جعل منه سيداً في قومه.
و أما عن اثر الثاني ( شيخ القبيلة) فيقول إنه نصب نفسه أباً للجميع , يتخاصمون عنده لفض النزاعات و يجدون في كنفه الأمن و الطمأنينة , فهو دائماً جاهز للقاء لا يحجبه حاجب و لا يخشي من يطلبه. ثم إن شيخ القبيلة قد وضع نفسه موضع المسئولية عن حياة الناس في معاشهم و أمنهم و سلامتهم.إن شخصاً يكون في موقع كهذا و يقبله الناس عن رضي و طواعية حري أن تتجسد فيه خصائص جاذبة هي : الكرم و لين العريكة و إن يكون موطأ الاكناف و طيب المعاشر حتي تطمئن له النفوس.
اما عن اثر الثالث ( الجلابي) و هي لفظ أطلقه الرعاة و سكان البادية علي أصحاب التجارة لدوره الاقتصادي في تسهيل أسباب الحياة منذ إن إنتقل الإنسان من حياة الغابة و العزلة إلي حياة الإستقرار و الجماعة , فهو الذي يجلب حاجيات الجماعة من مأكل و مشرب و ملبس , و هذه تمثل الاساسيات في حياة الإنسان , غير إنه يتميز بصفات تعينه علي هذا الجلب و علي تحقيق المكاسب عرفها من سلوكيات أهل قريته أو ريفه هي : النجدة في حالة الإعسار , إذ لا يجعل المعسر يريق ماء وجهه . و ثاني هذه الخصائص: التعامل في البيع و الشراء بصراحة ووضوح ( أكلوا إخوان , تحاسبوا تجار) و ثالثها :التواضع الجم فهو يعيش مع الناس و يقاسمهم الافراح و الاتراح و لا يري أن ماله يميزه أو يحجبه. و رابعها :جعل الجلابي من متجره بورصة يؤمها البائع و المشتري فيهئ لهم التخزين و الترحيل. لقد أصبح الجلابي ركيزة اقتصادية تأوي الفكي و شيخ القبيلة في العسر و صاحبهما في دفع الإملاق عن العشيرة . هذا إضافة إلي أن الجلابي عن طريق تجارته و جلبه يحسن في ظروف الحياة من مأكل و ملبس و غيره فتنتعش الاسواق و تزداد الدخول للسكان و يتسع العمران .
و يقول يوسف بدري : إن هذا التجمع الثلاثي ( الفكي- شيخ القبيلة – الجلابي) هو الذي قامت عليه ركائز تكوين الشخصية السودانية منذ أن بدأت القرية و المدينة تتكون , و هو الذي حد من طغيان السلطان فهم شعبيون و هم قادة و لم يشعروا أو يُشعروا بانهم سادة. إن التاريخ ماضيه السحيق و حاضره البعيد و ما يعاصرنا اليوم يشهد لهذا الثالوث بحمايته لمصالح الناس و بحبه الناس و غيرته علي سلامة كيان المجتمع , علما بانه لولا وجود هذا الثالوث لما وجدت بلاد و لا امم ليقودها الحكام و ليحررها السياسيون.
و يقول يوسف بدري أن هذا الثلاثي قد تمكن من تكوين تحالف شعبي كان له اكبر الاثر في الحفاظ علي كيان الشخصية السودانية التي يفاخر بها جيل اليوم , فهل أنصفهم المؤرخين ووضعوهم في صدر قائمة بناة السودان الحديث؟
و يقول يوسف بدري إن القيادات الدينية و القبلية و الحرفية أصيلة أصالة الوجود البشري و التجمع الإنساني . و يعقد مقارنة بين ثالوث السودان و الثالوث الذي عاش في مجتمعات أخري ليبين تميز ثالوث السودان عن غيره بفضل الظروف التي عاش فيها و هو ما أدي بدوره إلي تميز و تفرد الشخصية السودانية عن غيرها. و من ذلك :
1/ أن الثالوث في أوربا قام علي تنافس و حمية و شهوة للسلطة بما فرضته عليه طبيعة المناخ.
2/ ثالوث منطقة الشرق الاوسط أغرق في الحروب و السطو و الغارات.
3/ ثالوث إفريقيا أنهكته الطبيعة بالاوبئة و الأمراض فكان يلهث نحو السلامة.
أما عن ثالوث السودان فيقول :
1/ عاش ثالوث السودان في بيئة مستقرة الطقس, طيبة الهواء ووفيرة الموارد و هذا كان له أثره في قيام مدائن إستقر فيها الناس عبر آلاف السنين , و هذا الإستقرار مكن قيادات هذا الثالوث أن تؤسس و ترسي قواعد ضاربة الجذور في الوجدان و العقل و الضمير و تناقلتها الأجيال و صقلتها اديان السماء في حقب المسيحية و الإسلام , فكان هذا المزيج العقلاني و العقائدي الذي إستمسك باصول الشريعة و معايشة الطبيعة في رفقة واسعة و متسعة , فسهلت اسباب العيش و أبعدت إفرازات ضيق المأوي .
2/ إن حياة البداوة التي إستمرت حتي وقت ليس بالبعيد داومت علي رباط العلائق البشرية و جميعنا يمارس هذه التقاليد حتي اليوم, إذ يأتي السؤال عند لقاء الآخر و بعفوية : من وين في الأهل؟ و هذا تقليد سوداني أصيل له ما بعده!.
3/ ثم هناك تقليد آخر يميز السوداني عن غيره من الشعوب و هو سهولة التعارف و رفع الكلفة. هذه الخصائص و التقاليد اكسبت هذا السودان هويته المتميزة و داومت علي بقاء هذا الكيان الذي نسميه السودان.
لقد تحدث كاتب هذه المذكرات عن تجربته في الحياة منذ أن كان طالبا في الخرطوم و إبتعاثه لدراسة الصيدلة في الجامعة الأمريكية في بيروت في ثلاثينات القرن الماضي , و عودته بعد تخرجه ليعمل في مجال الصيدلة و إعتزاله العمل الحكومي في مجال الصيدلة ليعمل مدرساً في مدرسة الاحفاد مع والده الشيخ/ بابكر بدري , ثم مسئولا عن الاحفاد بعد وفاة والده , و سفره مرة أخري لدراسة الفلسفة في جامعة اكسفورد و هو شيخ في عمره الستين , و يقول إن التجارب التي مر بها في طريق حياته أضافت إليه الكثير و المفيد دون أن تخصم من إرثه شيئاً بفضل البنية الأخلاقية المتماسكة التي تميز أبناء ذلك الجيل.
و بعد هذه قراءة في فكر هذا الرجل , و هو ما سطرته يداه و فيه من التجربة ما يفيد. و لعل الباحثين في التربية و الإجتماع و الإدارة يجدون فيه ما يعينهم علي دراسة الشخصية السودانية , هذه الشخصية المتفردة التي يقف لها من يعرفونها إحتراماً قائلين أنتم شعب متفرد You are one of a kind .
و اخيراً اود أن اهمس في أذن أولئك الذين بدأوا في ما يشبه التنابذ بالالقاب في الفترة الأخيرة مثل (الجلابة) و ( الغرابة) و ( أولاد البحر ) وما إلي ذلك من الالقاب و المسميات غير اللائقة و يحملونها ما لا تحتمل من دلالات سالبة , أقول إن هذا السلوك يعد سمة من سمات التخلف و يجرنا إلي الوراء و يعطل مسيرتنا نحو الوحدة و الوئام , فهل ننبذ هذا السلوك غير السوي و غير المسئول؟!
|
http://sudaneseonline.com/news5.html
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: العميد يوسف بدري: الفكي – شيخ القبيلة – الجلابي... ثلاث ركائز قام عليها بنياننا الإجتماعي (Re: Elawad)
|
Quote: يقول إن اثر الاول(الفكي) كان في الرحمة و الرقة و الكرم , إضافة إلي أنه جعل من خلوته منتدي و من مسجده مأوي . الخلوة يؤمها سكان المنطقة للانس و الفتاوي , و المسجد يؤمه الدارسون و العارفون لمن اراد العلم اخذ منه ما يريد, و من اراد الطعام سد رمقه . ثم العلاج الذي يقدمه هذا الفكي لمرضاه . و هذا العلاج الروحي قديم ممارسته قبل أن يفسد حال الناس حيث لجأوا إلي طب الأطباء . إن هذه الصفات التي يتميز بها الفكي في مجتمعه بجانب الدور الروحي الذي يقوم به جعل منه سيداً في قومه.
|
| |

|
|
|
|
|
|
Re: العميد يوسف بدري: الفكي – شيخ القبيلة – الجلابي... ثلاث ركائز قام عليها بنياننا الإجتماعي (Re: Elawad)
|
Quote: أما عن اثر الثاني ( شيخ القبيلة) فيقول إنه نصب نفسه أباً للجميع , يتخاصمون عنده لفض النزاعات و يجدون في كنفه الأمن و الطمأنينة , فهو دائماً جاهز للقاء لا يحجبه حاجب و لا يخشي من يطلبه. ثم إن شيخ القبيلة قد وضع نفسه موضع المسئولية عن حياة الناس في معاشهم و أمنهم و سلامتهم.إن شخصاً يكون في موقع كهذا و يقبله الناس عن رضي و طواعية حري أن تتجسد فيه خصائص جاذبة هي : الكرم و لين العريكة و إن يكون موطأ الاكناف و طيب المعاشر حتي تطمئن له النفوس. |
| |

|
|
|
|
|
|
Re: العميد يوسف بدري: الفكي – شيخ القبيلة – الجلابي... ثلاث ركائز قام عليها بنياننا الإجتماعي (Re: Elawad)
|
Quote: اما عن اثر الثالث ( الجلابي) و هي لفظ أطلقه الرعاة و سكان البادية علي أصحاب التجارة لدوره الاقتصادي في تسهيل أسباب الحياة منذ إن إنتقل الإنسان من حياة الغابة و العزلة إلي حياة الإستقرار و الجماعة , فهو الذي يجلب حاجيات الجماعة من مأكل و مشرب و ملبس , و هذه تمثل الاساسيات في حياة الإنسان , غير إنه يتميز بصفات تعينه علي هذا الجلب و علي تحقيق المكاسب عرفها من سلوكيات أهل قريته أو ريفه هي : النجدة في حالة الإعسار , إذ لا يجعل المعسر يريق ماء وجهه . و ثاني هذه الخصائص: التعامل في البيع و الشراء بصراحة ووضوح ( أكلوا إخوان , تحاسبوا تجار) و ثالثها :التواضع الجم فهو يعيش مع الناس و يقاسمهم الافراح و الاتراح و لا يري أن ماله يميزه أو يحجبه. و رابعها :جعل الجلابي من متجره بورصة يؤمها البائع و المشتري فيهئ لهم التخزين و الترحيل. لقد أصبح الجلابي ركيزة اقتصادية تأوي الفكي و شيخ القبيلة في العسر و صاحبهما في دفع الإملاق عن العشيرة . هذا إضافة إلي أن الجلابي عن طريق تجارته و جلبه يحسن في ظروف الحياة من مأكل و ملبس و غيره فتنتعش الاسواق و تزداد الدخول للسكان و يتسع العمران .
|
| |

|
|
|
|
|
|
Re: العميد يوسف بدري: الفكي – شيخ القبيلة – الجلابي... ثلاث ركائز قام عليها بنياننا الإجتماعي (Re: Elawad)
|
Quote: ( الجلابي) و هي لفظ أطلقه الرعاة و سكان البادية علي أصحاب التجارة لدوره الاقتصادي في تسهيل أسباب الحياة منذ إن إنتقل الإنسان من حياة الغابة و العزلة إلي حياة الإستقرار و الجماعة , فهو الذي يجلب حاجيات الجماعة من مأكل و مشرب و ملبس , و هذه تمثل الاساسيات في حياة الإنسان , غير إنه يتميز بصفات تعينه علي هذا الجلب و علي تحقيق المكاسب عرفها من سلوكيات أهل قريته أو ريفه هي : النجدة في حالة الإعسار , إذ لا يجعل المعسر يريق ماء وجهه . و ثاني هذه الخصائص: التعامل في البيع و الشراء بصراحة ووضوح ( أكلوا إخوان , تحاسبوا تجار) و ثالثها :التواضع الجم فهو يعيش مع الناس و يقاسمهم الافراح و الاتراح و لا يري أن ماله يميزه أو يحجبه. و رابعها :جعل الجلابي من متجره بورصة يؤمها البائع و المشتري فيهئ لهم التخزين و الترحيل. لقد أصبح الجلابي ركيزة اقتصادية تأوي الفكي و شيخ القبيلة في العسر و صاحبهما في دفع الإملاق عن العشيرة . هذا إضافة إلي أن الجلابي عن طريق تجارته و جلبه يحسن في ظروف الحياة من مأكل و ملبس و غيره فتنتعش الاسواق و تزداد الدخول للسكان و يتسع العمران . |
وهو فقط من استطاع من تطوير نفسه ، فبجانب الثروة جمع السلطة و قرر إخضاع الفكي و شيخ القبيلة في إطار اجتماعي نادر ما يلجأ اليه
| |

|
|
|
|
|
|
|