|
|
 سلطة التصنيف (أو عن العنصرية المضادة)
|
ليست هناك حادثة واحدة.. طالما ننظر الى الحوادث كل بعينه الخاصة
هذه الكتابة مهداة الى تراجي مصطفى و آمنة مختار..
و بشاشا و جوك بيونق أصدقائي الأسفيرين الذين أشاركهم الرأي في الكثير من القضايا
و أختلف معهم في الكثير.. هي كتابة عن السلطة بكافة أنواعها و عن سلطة المثقف تحديدا و سلطةالتصنيف..
عندما أقول السلطة أعني فقدها و إمتلاكها و عن الوعي بذلك و عدمه في الوقت الذي بدأت فيه مجموعات كثيرة في البلاد تتكتل تحت أعلام
مختلفة الألوان و الشروط .. أعلام تستخدم لربط الأدمغة أولا و تضييقها ثم للف أجساد الشهداء أو الخونة و المرتزقة أو قتلى المعارك..
سمهم ما شئت حسب علمك الذي تحته تتكتل.. أعلام بعضها يمكن لمسه فيزيائيا مثل أعلام السودان و السودان الجديد المصنوعة في الصين كباقي
الأسلحة في بلادي.. أو أعلام المليشيات المختلفة و الأحزاب الجديدة والقديمة.
أود أولا الحديث عن التصنيف الذي يملك منبرنا العام هذا براءة إختراعه و هو تصنيف الناس الى جلابة و أهل هامش.. هذا المصطلح المستخدم
بسخاء طائي بالرغم من عدم دقته و سلطته الكبيرة في الحكم المسبق على الكثيرين أن تخمد أصواتهم حتى قبل أن يبدأوا الحديث.. و شبهه
العجيب بما قاله بوش عند إعلانه الحرب على الإرهاب : إن لم تكن معنا فأنت ضدنا.
و (الجلابة) مصطلح غريب و مائع
هل معنى أن تكون الجلابي أنك تتفق مع كل ما جاءت به الإنقاذ؟ أو أنك لا تحترم الآلاف من الدينكا و الفور الذين ماتوا عند طردهم للأستعمار
أو أنك تتلمذت دائما على يد أساتذة من شمال البلاد و عندما كان معلمك من دارفور أو من الشرق أو الجنوب تركت الفصل حانقا على النظام
التعليمي؟ أم أن الجلابي هو الجلابي القديم الذي كان يتاجر في الجنوب أو تاجر الرقيق أو من تاجر جدوده في ذلك و يتمرغ الآن في الأموال
من حصاد تلك التجارة.. أم أنه من يتمتع في مدينته أو قريته بالتنمية و المدارس و الخدمات الصحية و الطرق المعبدة و الهاتف و
الأنترنت و الأمان و العمل المستقر(هذا المكان لا يوجد بالسودان ..حتى في عاصمته) بينما لا يتمتع غيره بذلك؟ أم أنه من كان جدهم
الخمسين من العرب و لا زال يحمل في سحنته ذلك الدم ؟ أم أنه أو أسرته إنفردوا بالحكم سنين عددا و سرقوا الأموال و هو شخصيا لا زال
يتمرغ في النعمة..أم أن الجلابي يكره موسيقى الريجي و الجالوة و الزايكو و يوسوندور و بوب مارلي و علي عبد اللطيف و التعايشي و
عائشة الفلاتية و شرحبيل أحمد و جون قرنق و عمك تنقو و خليل إبراهيم؟
العجيب في الأمر أن العرق لن يعفيك من هذا التصنيف و إن كان أنفك أفطس و لونك حالك السواد.. ربما صنفك من جده جعل أو شايق بجرقاس
الجلابة حينها.. كأنه لسحنتك قرر أنك لا تستحق أن تكون جلابيا كامل الأهلية و هو المحارب للعنصرية و فعائلها بالبلاد!!
لهذا أجدني أجد هذا المصطلح ليس مائعا فقط و إنما محدود الخيال..
إنه مثال جيد لسياسة فاشلة لمحاربة العنصرية و ذلك بأن تتبناها منهجا و تصبح عنصريا أكثر من العنصريين أنفسهم ظانا أنك بذلك ستقضي
عليها و أنت تسقي نبتها و تخصب تربتها لتضرب بجذورها الأعماق.
عندما حارب نلسون مانديلا نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا لم يطالب بقتل كل البيض في العالم و إنما طالبهم بالحقوق المتساوية و
الواجبات المتساوية و الفرص المتكافئة و الإحترام المتبادل.. و عندما أنتصر في نهاية كفاحه أحتفى به البيض في العالم كبطل و قدوة..
و عندما مات جون قرنق بكاه الشماليون بحرقة لأنه لم يصنف أعداءه في حربه على أساس قبائلهم و لأنه نادى بسودان واحد يحترم فيه الإنسان
أخاه الإنسان.. الذين بكوا جون قرنق لم يكونوا كل أهل الشمال أو كل أهل الجنوب .. بكاه المحرومون من السودان كله.. و غضب العنصريين
من الجنوب و قتلوا مواطنين عزل ربما حزن بعضهم لموته.. و فرح لموته شماليين عنصريين أدركوا قوة رسالته و حب الناس له.. و لكن
الغالبية حزنت.. لأنه كان أملهم و لأن الغالبية هم من لم يحكم أو يتمتع بعيش طيب و حياة آمنة و دخل مستقر.. و هؤلاء فيهم من الشمال
الملايين ممن تصنفونهم بلا تردد جلابة..
مشكلة العنصرية متجذرة في نفوس الناس و قلوبهم و الطريق الى القلوب لا يكون بالكراهية و إنما بالحب.. إن أردتم تغيير ما بالنفوس ..
اسلكوا الطريق الصحيح إليها فالعنف هو الطريق الى الأجساد و الحكمة و الحب هي الطريق الى القلوب.
إن كنتم تظنون أن العنصرية داء.. فداوءه لن يكون بأي حال من الأحوال العنصرية المضادة..
أواصل...
|
|
 
|
|
|
|
fadlabi
العوض المسلمي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست