أبن البرلمان الفرنسي يوم الثلاثاء الماضي رسميا، الشاعر والمناضل المارتنيكي الكبير، ايمي سيزير، الذي وافته المنية يوم 17 أبريل عن عمر ناهر 94 عاما، انفق معظمها وهو يذود ليس فقط على لون بشرته، الذي دعا بني جلدته إلى الاعتزاز به، وإنما أيضا عن الجوهر الإنساني القابع داخلنا مهما كانت ألواننا، وأعراقنا، ودياناتنا.
وبالرغم من التعنت والأذى الذي خبره سيزير من مستعمري أمته، وخاصة في ثلاثينات القرن الماضي، عندما بدأ نضاله من اجل العدالة والإنصاف، إلا أن فرنسا المستعمرة التي كتب كل شعره ونثره بلغته، لم تكف عن الاحتفاء به وتكريمه، حيث انتخب عضوا في البرلمان الفرنسي لفترة طويلة (1945-1993)، كما اختير عمدة لمدينة فور دو فرانس في المارتنيك الفرنسية لمدة 56 عاما، وقد أجمع المتحدثون في جلسة التأبين بالجمعية الوطنية الفرنسية على الإشادة والثناء بالراحل العظيم. فقد قال عنه رئيس البرلمان، برنار اكويير أنه " رجل عزة السود وأحد الضمائر الحية الكبرى في القرن العشرين". مؤكدا أن سيزير لم يهادن في حياته، من أجل استرداد حقوق السود، ولكنه أكد أيضا أنه "لم يركن أبدا إلى الحقد ولم يحمل ضغينة للآخر". بينما وصف رئيس وزراء فرنسا زنجية سيزير بأنها كانت "زنجيته متألمة ومتمردة ومجابهة إلا أنها لم تكن حاقدة ولا طائفية".
ولكن ما قيل في جلسة البرلمان المخصصة لتأبينه، وأيضا الجنازة الرسمية التي شارك فيها الرئيس ساركوزي للراحل تخفي نصف الحقيقة، وهي أن جزءا من فرنسا الحالية لا يزال لا يستطيع القبول بكل ما قاله المحتفى به، في ماضيها الاستعماري، حيث اعترف وزير التعليم السابق فرنسوا بايروا في لقاء مع صحيفة لوموند، بان تشبيه سيزير الإستعمار بالنازية، هو السبب في حذف أعماله من مقررات المرحلة الثانوية، وذلك بعد أن أدرجت لفترة قصيرة عام 1994، ولعل إصرار البرلمان الفرنسي على استصدار قانون يمجد مرحلة الاستعمار في الجزائر، يدل على أن جلسة البرلمان الخاصة بتأبين سيزير لم تكن إلا حملة علاقات عامة، ومحاولة لترضية سكان الضواحي، أكثر من وقفة شجاعة مع النفس، ومحاولة لتجاوز تلك المرحلة المظلمة من التاريخ البشري، التي كان سيزير ورفيقه في النضال، الشاعر والرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سنغور أفضل ممثليها في الأدب المكتوب باللغة الفرنسية.
ويذكر أن سيزير رفض القانون الذي أصدره البرلمان الفرنسي عام 2005، والذي يمجد الاستعمار، كما رفض استقبال نيكولاي ساركوزي في المارتنيك من نفس العام، عندما كان وزيرا للداخلية لنفس السبب، قبل أن يتراجع البرلمان عن القرار.
ولد ايمي سيزير عام 1913 قرب فور دو فرانس عاصمة بلاده المارتنيك، وخلال مرحلة الدراسة الثانوية في مدرسة لوي دو غران في باريس، أسس جريدة "الطالب الأسود"، التي جمعت صفوة الطلبة السود الذين جاءوا من المستعمرات، وفي هذه الأثناء ولد مصطلح "الزنوجة" الذي أصبح محور نشاط هؤلاء الطلبة، ومن بينهم سنغور، وبيراغو ديوب السنغاليين، ليون داماس الغوياني، وآرستيد موجيه المارتنيكي.
في عام 1935 مكنه تفوقه الملفت للانتباه من دخول مدرسة الصفوة "مدرسة المعلمين العليا"، التي كان يتخرج منها قادة الفكر والسياسة في فرنسا، ولكن وجود سيزير بين الصفوة لم يمنعه من إطلاق صيحته الزنجية الكبرى، وكان ذلك خيبة أمل كبرى لمساعي فرنسا، باحتواء الصفوة السوداء المتعلمة، ومحو ثقافتها الأصلية بشكل كامل، وهو مضمون المقال الأول الذي نشره سيزير في صحيفة الطالب الأسود، التي أصبحت لسان حال الطلبة السود في فرنسا.
انتسب عام 1945 إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، وهو نفس العام الذي أصبح فيه نائبا في البرلمان الفرنسي، وعميدا لبلدية فور دو فرانس، ولكنه سرعان ما انسحب من الحزب الشيوعي، بسبب مناهضته للستالينية، وأسس الحزب التقدمي المارتنيكي، الذي ترأسه معظم حياته، ولكن الذي سيبقى من سيزير ليست هذه المناصب، وإنما شعره، وكتبه النثرية التي دافع فيها بحرارة عما آمن به، دون أن يعادي أو يكره الآخرين، بمن فيهم أولئك الذين استرقوا أجداده. مثل كتابة " مفكرة العودة إلى الوطن الأصلي"، الصادر عام 1935، قبل أن ينضم إلى الحركة السوريالية، كما كتب العديد من المسرحيات، مثل مأساة الملك كريستوفر عام 1936، وشمس المقطوعة العنق 1948، الجسم الضائع 1950، وموسم في الكونغو 1966، ولم يتردد في مساندة كل المستعمرات في نيل استقلالها، وكان في مقدمة من ساند ثوار الجزائر، وغيرها من المستعمرات في إفريقيا والكاريبي، أما في كتابه (خطاب حول الاستعمار) فقد هاجم بضراوة ما أسماه "الغرب القابع فوق أعلى كومة من جثث البشرية".
05-16-2008, 12:20 PM
Frankly Frankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211
تشبيه سيزير الاستعمار بالنازية تسبب في حذف أعماله من مقررات الثانوية الفرنسية بعد فترة قصيرة من إدراجها للمرة الأولى عام 1994 (الجزيرة نت)
عبد الله بن عالي-باريس
أقامت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) أمس الثلاثاء تأبينا رسميا للشاعر الزنجي المعروف إيمي سيزير الذي توفي يوم 17 أبريل/ نيسان الماضي في مسقط رأسه بجزيرة المارتينيك الفرنسية في البحر الكاريبي عن عمر ناهز 94 عاما. وحضر المناسبة رئيس الوزراء فرانسوا فيون وعدد من أعضاء حكومته.
" من أهم مؤلفات سيزير خطاب حول الاستعمار الذي هاجم فيه بشدة الغرب القابع على أعلى كومة من جثث البشرية " واعتبر رئيس البرلمان برنار أكويير أن الراحل كان "شاعرا عملاقا ومثقفا ملتزما"، مشيرا إلى أنه كان أبا مؤسسا لتيار الزنجية في الأدب الفرنكفوني و"رجل عزة السود وأحد الضمائر الحية الكبرى في القرن العشرين".
وذكر أكويير بأعمال سيزر في الحياة السياسية والفكرية الفرنسية، إذ ظل الفقيد عمدة لمدينة فور دو فرانس كبرى حواضر المارتينيك 56 عاما، كما احتفظ بمقعد في البرلمان الفرنسي من 1945 إلى 1993.
وناهض سيزر طيلة حياته الاستعمار والعنصرية وساند بقوة حركات التحرر الوطني في أفريقيا والعالم العربي.
وأكد رئيس البرلمان أن الأديب لم يهادن قط في معركته من أجل انتزاع حقوق السود الفرنسيين في المساواة والكرامة، مشددا على أنه "لم يركن أبدا إلى الحقد ولم يحمل ضغينة للآخر". وتابع قائلا "كان لدى إيمي سيزير إيمان لا يتزعزع بالآخر حتى وإن كان هذا الآخر هو من يقمع ومن يخطئ".
واعتبر أكويير الذي أشار إلى تمكن الكاتب من اللغة الفرنسية وحبه لها، أن مكانة سيزير الرفيعة في مصاف عظماء فرنسا تقوم على ما أعطاه للبلد كسياسي ذكي ونقي وعلى ما قدمه ككاتب كبير لفرنسا "التي دأبت منذ الأزل على أن تخص كبار مبدعيها بأسمى التكريم".
فرانسوا فييون أثناء تأبين سيزير: كانت زنجيته متألمة ومتمردة ومجابهة إلا أنها لم تكن حاقدة ولا طائفية (الجزيرة نت)
تمرد بلا طائفية من جانبه أثنى رئيس الوزراء فرانسوا فيون على روح المسؤولية التي كان يتحلى بها الراحل، موضحا أنه "كان ينهض دفاعا عن ذويه، ويتكلم حينما يسائل التاريخ المجتمع ويتحمل مشاق المعارك التي تفرضها العدالة".
وأشار فيون إلى أن سيزير حينما وضع عام 1934 مفهوم "الزنجية" مع الشاعر والرئيس السينغالي الراحل ليبولد سدار سينغور، أراد أن يجعل منه نبراسا يمكن أحفاد ضحايا الرق من استعادة هويتهم وكرامتهم واعتزازهم بأنفسهم.
وأضاف "كانت زنجيته متألمة ومتمردة ومجابهة، إلا أنها لم تكن حاقدة ولا طائفية".
يذكر أن سيزير نشر عدة دواوين شعرية ونصوصا مسرحية وكتبا فكرية من أهمها "خطاب حول الاستعمار" هاجم فيه بشدة الغرب القابع على "أعلى كومة من جثث البشرية".
ورغم أن فرنسا أقامت له مراسم تشييع وطنية بحضور الرئيس نيكولا ساركوزي فإن البعض لم يغفر له -في حياته- مواقفه من الاستعمار.
فقد اعترف وزير التعليم السابق فرانسوا بايروا في حوار نشرته أمس يومية لوموند أن تشبيه سيزير للاستعمار بالنازية كان سبب حذف أعماله من مقررات الثانوية الفرنسية بعد فترة قصيرة من إدراجها فيها للمرة الأولى عام 1994. المصدر: الجزيرة
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة