|
شايفات القمر يا الجندريات ؟ ... أو : هوووي يا ليلى هووي ( يا ليل يا عين )
|
يا ليل يا عين .. قالوا أن ) ليل ( عاشق و أن ) عين ( هي محبوبته ... هي بالضفة الغربية للنيل .. و هو بضفة النيل الشرقية .. و كلاهما يملك صوتا أوبراليا كامل التطريب.. و ما أن يلف الليل القرية .. و تبدأ أنزيمات الشوق في الإشتعال .. حتى تبدأ سيمفونية التنادي عبر الضفتين .. و تقوم صفحة النيل بعملية النقل عبر ألياف الصدى .. تقول : ( يا ليل ) .. فيرد عليها : يا عين .. و يرددها عشرات العشاق كخلفية كورالية لأي دندنة عشق و ترنيمة شوق .. تندس كل ترديدة بين الأخرى .. فيضيع ( دمها بين قبيلة ليل و قبيلة عين) .. فلا يعرف الناس ليلى مَن هذه و لا قيس مَن ذاك .. تنتفض عشرات العصافير في أوكارها مزقزقة في أوكارها .. التنادي قد أوقظها .. و لكنه لم يقلق مضجعها .. فهو إستيقاظ له لذته و نعومته .. و ما أن ينساب الصوت بينها .. حتى تهدأ مغمضة أجفانها .. و تواصل تهويماتها الليلية .. هذا ما كان من أمر الأسطورة التي إستمر تْ تنهيداتها إلى يومنا هذا ..
*** حكى لي صديق أن شابا في إحدى قرى السودان أحب فتاة .. علم والدها بالأمر و منعه من مقابلتها أو التغزل فيها شعرا أو التحدث عنها بأي شكل من الأشكال. و هدد الشاب بالويل و الثبور إن هو فكر في رؤيتها .. و لكن للعشق سطوة لا تعترف بالعراقيل .. الشاب الذي شغفها حباً و هياماً كان يذهب خلسة ليحادثها في راكوبة نائية خلف منزلها في غياب والدها .. يبثها نجواه في طهر و عفة .. لا يحدثه قلبه المفعم بحبها النقي بأي شيء يجرح رقتها .. يفكران كيف يكسبان ود الوالد المتجبر .. يجلسان على عنقريب تحجبه عن طريق القدوم شجرة حراز ضخمة .. فاجأهم ذات مرة بعودته غير المتوقعة .. من خلف الشجرة .. فأسرع الشاب مختبئا أسفل ( العنقريب) .. و في غمرة إستعجاله و هلعه .. كانت يده قد إنحشرت تحت واحدة من أرجل العنقريب ( المَخْرَطة ) المعروفة بمتانة خشبها و غلاظة أرجلها .. تزامن جلوس الأب ذو الوزن الثقيل جدا على العنقريب نفسه في ذات وقت إختبائه.. و يد الشاب محشورة تحت الرِجْل الماكنة .. لم يتح له فرصة ليسحب كفه .. فإنحشرت تحت ثقل الرجل و ثقل خشب السنط المعروف بمتانته. لم ينبس الشاب ببنت شفة .. ألجم الخوف لسانه .. و إبتلع الألم في جوفه .. و سال الدم منبثقا من ظهر كفه .. ليسيل أمام العنقريب .. و الأب جالس ملء جسده و راحته .. .. و كأن وزنه قد إزداد في هذا الوقت بالذات .. و بعد أن شرب الأب القهوة بتمهل.. هب واقفا و قال بأعلى صوته : قوم أمرق من تحت العنقريب يا جنا.. فخرج الشاب و قد تيقن أن رقبته ستطير بضربة من سيف الرجل أو أن أحشاءه ستندلق أمامه بخنجر الرجل القابع أمامه في جفيره .. خرج الشاب و يده قد أصابها الخدر الكامل .. متيبسة و ممدودة أمامه من شدة الألم .. فأشاحت الفتاة بوجهها و هي تتوقع صرخة حبيبها في أي لحظة .. فقال له الأب : حرّم ما بلقى أرجل منك يتزوج البنية دي .. ؟ و تزوجها و عاشا في هناء.. و أنجبوا البنين و البنات .. و ظل ذاك العنقريب شاهدا على الصبر و الثبات ..
***
ألا يوجد في سِفْر العشق في السودان غير قصة تاجوج ؟ لا بد أن هناك قصصا كثيرة لم توثق .. و أشعار كثيرة لم تكتب .. و مواقف تفوق مجريات أحداث قيس و ليلى .. و تراجيديا أقسى من نهاية قصة روميو و جولييت .. هناك أكثر من جميل و بثينة .. و أكثر من كُثير عزة ..
( شايفات القمر يا الجندريات ؟ )
|
|
|
|
|
|