|
|
 دينكا عالياب والكرباج بقلم البكباشي زاهر سرور الساداتي
|
تاريخ أهمله التاريخ
دينكا عالياب و الكرباج
بقلم البكباشي زاهر سرور الساداتي
أهدانا الباحث المجد عبد الرحمن عوض هذه المقالة التاريخية القيمة التي كتبها البكباشي – حينئذ – الوالد زاهر سرور الساداتي , يرحمه الله , و قد نشرتها مجلة مصر و السودان برئاسة القوات المصرية بالسودان في 23 يوليو 1954 م , و أعادت نشرها صحيفة الخرطوم بالقاهرة في 14 نوفمبر 2000 م .
و أعيد نشرها الآن تذكرةً و دلالةً على أن الكفاح و مقاومة الاستعمار لم تكن وقفاً على شمال السودان فحسب , و إنما كانت هناك إنتفاضات مسلحة في أكثر أنحاء السودان , ففي الجنوب كانت هناك أنتفاضة بقيادة زعيم الدينكا العالياب السلطان البطل ( النوج ) , و كانت هناك انتفاضة مسلحة في دارفور بقيادة السحيني , و كانت هناك ثورة مسلحة في جبال النوبة قادها السلطان عجبنا , و الثورة المسلحة عام 1924 م في الخرطوم التي قادها الضباط الابطال الملازم عبد الفضيل الماظ و الملازم أول سليمان محمد و الملازم ثاني حسن فضل المولى و الملازم ثاني ثابت عبد الرحيم و الملازم ثاني على البنا و الملازم ثاني سيد فرح و الملازم ثاني الله جابو سليمان و الملازم ثاني قسم السيد فرج الله .
و هكذا إشتعل السودان ثورات مسلحة ضد المستعمر مما يدل على أن السوداني لا يرضى بالضيم و الهوان أينما كان .
هلال زاهر الساداتي
و إلى المقال :
قبيلة العالياب بالمديرية الاستوائية هي فرع من قبيلة الدينكا المشهورة بجنوب السودان هذه القبيلة هي من أشجع قبائل الجنوب على الإطلاق طوال القامة صارمو الملامح ذوو بشرةٍ سوداء لامعة
و يكرهون تحكم الغير في أمورهم , و هي القبيلة الوحيدة بالجنوب التي لم يحكمها أجنبي منذ القدم إلى عام 1920 م .
في سنة 1916 م فكرت حكومة السودان أن تضع هذه القبيلة تحت الحكم الإداري كباقي قبائل مديرية ُ مُنقلا ( الإستوائية الآن ) و لذا فتحت أول مركز ببلاد العالياب و عينت لها مفتشاً إنجليزياً هو البكباشي سبينكس الذي صار فيما بعد مفتشاً عاماً للجيش المصري ولا يزال يعيش في مصر إلى الآن فيما أعلم و قد كان أول عمل أجراه المفتش الجديد هو كسر شوكة القبيلة بإحتقار رؤسائها و زعمائها لعلمه أنهم ينفرون من حكم الأجنبي و لهم من عزة النفس الشيء الكثير و عليه فقد أصدر أمره لكل الزعماء بأن يحضروا لمكتبه يومياً و يجلسوا خارج مكتبه طوال ساعات العمل لحين ميعاد خروجه . هذه السياسة الخرقاء في بداية سريان الحكم الإنجليزي على القبيلة قد أوغرت صدورها و شعرت بالمهانة و الإنكسار بعد العزة والحرية .
كان زعيم هذه القبيلة في ذلك الوقت يدعى ( النوج ) فلم يرَ من اللياقة لمركزه و سنه و سطوته أن يأتي يومياً و يجلس كالمراسلة أمام مكتب المفتش البريطاني , فأعتكف بقريته و رفض الحضور لمكتب المركز , و أرسل إليه المفتش عدداً من الرسل يطلب حضوره , و بعد مدةٍ طويلة حضر إلى المركز و معه من أتباعه نحو 100 شخص بخلاف 14 من أولاده . ولما وصل المركز قابله المفتش بجفاء ووبخه توبيخاً صارماً , و إمعاناً في إذلاله أمر بجلده 15 جلده بالكرباج أمام أهله و عشيرته . تحمل الرجل الجزاء بصبر و عزة و لم يقل شيئاً و لكنه أسرها في نفسه فذهب لقريته و اعتكف مدة شهرين و لم يحضر خلالها للمركز رغم إستدعاء المفتش له مراراً , و عند هذا الحد تراءى للمفتش أن يقوم بجولة تفتيشية في أنحاء المركز و ان يزور الزعيم ( النوج ) في قريته .
بلغ الزعيم نبأ هذه الزيارة فأستعد لها على الطريقة اللائقة بها , و جهز للمفتش محلاً لنزوله و محلات لنزول من معه من عساكر البوليس و حيواناتهم .
و أمر بأن يذبح ثور للعساكر و خروف للمفتش و ان تعمل مشروبات بلدية ( مريسة ) لشرب العساكر و لشرب أهل القرية . عند وصول المفتش و حاشيته لقرية الزعيم قوبلوا بحفاوة و انزلوهم كلاً في محله , و إبتدأت الالعاب ( رقصة الحرب ) و شرب المريسة , و كان الزعيم قد أصدر بعض التعليمات لأفراد قبيلته و طلب منهم تنفيذها في وقت معين عندما يعطيهم إشارةً خاصة .
و بعد الأكل و الشرب و الرقص صدرت الإشارة المتفق عليها , و هنا هجم الدينكا على البوليس المرافق للمفتش و أوثقوا أكتافهم و هجموا على المفتش البريطاني و أحاطوا به لمنعه من الهرب أو إستعمال السلاح . بعد إنتهاء عملية التطويق و الإستيلاء هذه ذهب الزعيم و جلس علي كرسيه في محكمة القبيلة محاطاً بزعماء القبيلة و أمر بإحضار المفتش أمامه , و لما مثل أمامه خاطبه الزعيم بقوله : أنا هنا مفتش على قبيلتي كما أنت مفتش بالمركز و قد سبق لك أن أصدرت أمراً بجلدي في مكتبك و الآن أنا سأعاقبك بالمثل . و في الحال أمر بجلد المفتش 15 جلدة بالكرباج .
بعد هذه العلقه الساخنة المتقنة عاد المفتش و عساكره إلى المركز و هناك أرسل تلغرافاً إلى رئاسة المديرية بمنقلا ذكر فيها أن الشيخ النوج قد أعلن العصيان و يطلب إرسال حملة عسكرية لتأديبه و بعد فترة قصيرة وصلت دورية عسكرية من بلوكين بيادة و معهم مدير المديرية أنذاك اللواء أوين باشا . وصلت الدورية إلى طومبي حيث رئاسة المركز و منها زحف للداخل في منطقة الزعيم , و طبعاً قد علم الزعيم أنباء هذه التحركات فقابلها بهجوم مضاد , أي أنه هو و أولاده و بعض الرؤساء من قبيلته سارعوا لمقابلة الحملة العسكرية بعد خروجها من المركز بقليل حاملين الرماح و عليها أعلام بيضاء , و عندما تقابلوا قدم الزعيم النوج نفسه لمدير المديرية الذي كانت دهشته بالغة من ظهور الزعيم العاصي أمامه بهذه البساطة , و قد بين الزعيم للمدير كل ظروف المأساة من تاريخ إنشاء المركز ببلاده , و كيف أن المفتش البريطاني سامهم العذاب و الهوان , و في معرض التدليل قال الزعيم للمدير ( إن المفتش البريطاني ضربني 15 جلدة لما أتيت لمكتبه , و أنا ضربته لما أتى إلي مكتبي نفس عدد الضربات ( الجلدات ) وهو رئيس و أنا رئيس ولا أرى مبرراً لشكواه فهل أنا ضربته 16 أو 17 جلدة مثلاً ؟ حينما جلدني المفتش كان معي من أولادي و اهلي عدداً كافٍ للاستيلاء على المركز و قتل من فيه و لكني رأيت أن أتباع الاصول أليق بي ) .
كان المذكور المدير أوين باشا من أولئك الرجال ذوي النظر البعيد و التقدير الصحيح للامور .
رأى أن هذه القبيلة قوية الشكيمة ثم أنها لم تدخل تحت الجهاز الإداري للحكومة إلا منذ وقت قصير و إن إتخاذ أي إجراء عنيف معها منذ البداية قد يزيد المضاعفات في المستقبل و قد يستفز القبائل المجاورة الأمر الذي لا تحمد مغبته في ذلك الوقت , لهذا قرر أن يجنح للطريق الأسلم . و بعد مشاورات مع معاونيه حكم على الشيخ النوج بأن يدفع للحكومة 15 ثوراً كغرامةٍ نظير أنه أهان موظفاً بريطانياً أثناء تأديته واجباته , و بهذا الإجراء الحكيم أنطفأت الشرارة الأولى و أنحلت الدورية و نقل المفتش و أعيد إلى الجيش و الحق صاحبنا سبنكس بسلاح الطوبجية . و الذين لهم إلمام ولو بسيط بأحوال معيشة القبائل بالمديريات الجنوبية بالسودان لا شك يعلمون شدة تعلق هؤلاء القوم بمواشيهم و خصوصاً قبيلة الدينكا التي يبلغ أعتناؤها بالابقار إلى مرتبة التقديس , و البقر هو الذي يكيف حياة القبيلة وهو العرق الحساس فيما يتعلق بسلوك و حياة أفراد القبيلة في كل طورٍ من أطوارها .
عين أحد الضباط السودانيين مأموراً لمركز العالياب بطومبي عقب نقل المفتش البريطاني البكباشي سبنكس و صدرت التعليمات للمأمور بجمع الضرائب الحكومية من القبيلة . و لما كان أولئك الناس لا يملكون من حطام الدنيا شيئا أخر غير البقر الذي هو مصدرهم الوحيد لمعيشتهم فليس هناك طريق أخر لجمع الضرائب الحكومية منهم إلا الإستيلاء على الثروة العزيزة المقدسة ( البقر )
هنا بلغت الأزمة مداها و توترت الأعصاب , فكيف يسمح الدينكاوي أن يسلم بقره عن طيب خاطر وهو الذي كان ينتظر إنتاجها , و بعد الأيام و الشهور يحلم بزيادتها ؟ و كيف يسلم الدينكاوي ثروته العزيزة المقدسة إلى حكومة لم يطلب حضورها لبلاده ؟ و لا طلب حمايتها , و لم يسأل في تكوينها , وهو يرى أن كائناً من كان في الوجود ليس له الحق بأن يستولى على مقدساته .
إنتهت الجولة بأن أخذ المأمور الضريبة بقوة الحكومة و هنا ثارت نفوس الدينكا و صمموا على
إعادة أبقارهم مهما كلفهم الأمر من مشقة و تضحية .
عاد المأمور لمركزه و معه الأبقار التي تحصل عليها و أبلغ الحادث لرئاسة المديرية ووصله الرد بالموافقة على كل الإجراءات التي تمت . بعد أسبوع واحد من هذه الحوادث و في نحو الساعة العاشرة صباحاً من أحد الأيام و المأمور في مكتبه سمع صياحاً عالياً من كل أطراف دائرة المكتب فخرج ليتبين الأمر , فإذا به يرى عدداً كبيراً جداً من رجال الدينكا بكامل عدتهم الحربية يصيحون صيحات الحرب و يقفزون في الهواء بحرابهم اللامعه و قد قسموا أنفسهم إلى مجموعات كل واحدةٍ منها أتجهت لهدف معين .
كانت قوة البوليس الموجودة في المركز في تلك اللحظة لا تزيد عن 20 عسكرياً و على راسهم المأمور . حاولوا الدفاع عن المركز فاألتحموا بالعدو المغير و بعد ساعة واحده أنجلت المعركة عن قتل العساكر جميعاً و لم يرَ الضابط مناصاً من الانسحاب صوب النهر , و هناك ركب قارباً و عبر النهر للجانب الشرقي إلى مقر الإرسالية المسيحية ( الكنيسة مالك ) و طير خبر المصيبة للجهات الحكومية العليا .
أسترد الدينكا أبقارهم و أستولوا على الخزينة الحكومية و حرقوا كل شيء بالمركز حتى حيوانات عساكر البوليس ( البغال ) . و بعد 3 ساعات من هذا الهجوم الخاطف كان مركز طومبي أطلالاً و رماداً تذروه الرياح .
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
 Re: دينكا عالياب والكرباج بقلم البكباشي زاهر سرور الساداتي (Re: هلال زاهر الساداتي)
|
الاخ الفاضل جعفر اسماعيل
لك الشكر والتحية والتقدير لما تفضلت به من تعقيب ومن اسف ان كثيرا
من صفحات تاريخنا الناصع في النضال والكفاح ضد الاستعمار والطغاة من
الحكام الوطنيين في عهود الدكتاتوريات بداية من انقلابات الفريق ابراهيم
عبود والعقيد جعفر نميري وما نعيشه حاليا من قهر واستبداد وفساد .
لم يكتب ويسجل منه بعد سوي النزر اليسير .
اترقب كتابتك عن بور والكنيسة مالك .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: دينكا عالياب والكرباج بقلم البكباشي زاهر سرور الساداتي (Re: هلال زاهر الساداتي)
|
الاخ الفاضل ادم صيام
التحية مقرونة بالود والشكر لمساهمتك .
الاخت الفاضلة رجاء العباسي
التحية والود
اين انت , في الاردن ام امريكا ام انجلترا ؟اينما كنت ارجو لك الصحة والعافية.
لقد قضي الشهداء الابطال الضباط ثوار ثورة 1924 المسلحة نحبهم رميا بالرصاص بعد ان حكمت
عليهم محكمة عسكرية بالاعدام وهم : الملازم اول سليمان محمد والملازم ثاني حسن فضل المولي
والملازم ثاني ثابت عبدالرحيم . اما الملازم ثاني سيد فرح فقد اصيب بجراح وعبر النيل سباحة
الي الخرطوم بحري واستطاع الهرب الي مصر رغم رصد جائزة 1000 جنيه لمن يقبض عليه . واستبدل حكم الاعدام بالسجن المؤبد علي الملازم ثاني علي البنا بالسجن مدي الحياة بعد ان تدخلت
شخصية دينية كبيرة لصالحه .
واما البطل عبدالفضيل الماظ فقد ظل يصلي الانجليز نارا بمدفعه الرشاش (المكسيم) وحصد منهم
عددا كبيرا , ولم يقدروا عليه فاستعانوا عليه بالمدفعية الثقيلة من الطابية وقذفوه بقنابل المدفع الجبلي فهدوا عليه المبني ومن معه من جنوده (المبني هو مستشفي النهر للعيون)
واستشهد البطل عبدالفضيل وهو ممسك بمدفعه الرشاش .
وتردد اسم كل من زين العابدين عبدالتام (والد الدكتور عبدالوهاب اول سكرتير للحركة الشيوعية
في السودان) , واسم عبدالله خليل (رئيس حزب الامة ورئيس الوزراء لاحقا) في تقارير المخابرات
بأعتبارهما المحرضين الاساسين علي التمرد , وارتبط اسم زين العابدين بأحداث ملكال وتلودي فقد ثارت الوحدات السودانية هناك , وارتبط اسم عبدالله خليل بثورة الخرطوم .
| |
|
|
|
|
|
|
| |
هلال زاهر الساداتي
Gaafar Ismail
آدم صيام
Raja
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست