كنتُ –بروتينية مبالغ فيها- أحدثها عن يومي المهني الصاخب منذ خروجي صباحاً، وحتى عودتي إلى المنزل مساءً، وكأنني جندي أقدّم تقريري اليومي لضابط المخفر المناوب، بينما كانت منشغلة عما أقوله بقراءة الفصل الأخير من "السيدة بيرفيكتا" لبينيتو جالدوس. مرّ كلامي على أذنيها كما تمر نسمة خريف فاترة على منزلٍ مهجور، تدخل من نافذةٍ مشرعة لتخرج من الأخرى في الجهة المقابلة.
أخبرتها أنني رأيت حادث سير على الطريق أثناء عودتي من العمل، فقلبت الصفحة وواصلت القراءة. قلتُ: "إنّ سيارة طائشة دهست امرأةً في الطريق"، فنظرتْ إليّ، ولكنها لم تكف عن القراءة. قلتُ: "إنّ السيّدة كانت امرأة مقعدة"، فوضعت إصبعها على الصفحة وأقفلت الكتاب. قلتُ: "إنها كانت تحمل بين يديها طفلاً رضيعاً"، فوضعت الكتاب جانباً، ووضعتْ يديها الاثنتين على صدرها في شفقة. قلتُ: "إن سائق السيارة الطائشة لم يكن غير شاب مراهق لم يتجاوز الرابع عشر من عمره"، فنهضت من مكانها وصرخت في وجهي : "كيف يسمح الآباء لأبنائهم بقيادة السيارة في مثل هذا العمر؟" قلتُ: "إنه كان يبدو ثملاً ومفرطاً في الشراب"، فعقدت الدهشة أو الغضب لسانها. قلتُ: "إنه لاذ بالفرار بسيارته البورش"، فصرخت بحنق: "سحقاً للأثرياء، أتكون أرواح البشر رخيصةً عندهم إلى هذا الحد؟"
عندما انتهيت اعتذرت لها بلباقة عن مقاطعتي لها، وطلبت منها أن تواصل ما كانت تفعله قبل مجيئي، ولكنها أخبرتني بأنها لم تعد في مزاج جيّد للقراءة بعد الآن.
04-21-2008, 01:43 PM
محمَّد زين الشفيع أحمد
محمَّد زين الشفيع أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1792
أشكرك على العودة مجدداً إلى هذا النص ، وأشكرك على ملاحظات القيّمة ولا شك وسوف أتناول ما جاء فيها بقليل من الإسهاب. ولكن قبل ذلك اسمح لي أن أشيد بقراءتكم المتعمّقة للنص، والتي دائماً ما تكون محلق إعجابي وتقديري.
أولاً : بالنسبة للجميلة (فعقدت الدهشة أو الغضب لسانها) فإنني إن وضعت حرف العطف (الواو) بين الدهشة والغضب لالتبس على القارئ لأن الدهشة والغضب حالتان انفعاليتان مختلفتان ولا يمكن أن يتأتيا في وقتٍ واحد، ولكن المقصود يا صديقي أنّ الراوي لم يعرف على وجه التحديد ما إذا كانت الملامح التي ارتسمت على وجه السيّدة ملامح غضب أم ملامح دهشة. وباستخدام حرف التخيير (أو) فإنني أبداً لا أساوي بين هاتين الحالتين الانفعاليتين؛ بل على العكس، فإنني أحاول التفريق بينهما. وإن كنتُ أحاول المساواة بينهما إذن لكان لزاماً عليّ أن أستخدم حرف العطف (الواو) بدلاً من حرف التخيير (أو)
ثانياً: بالنسبة للعلامات الإعرابية في أواخر الكلمات، فإنني لا أتعمّد تركها ولكن هو تهاون مني في هذا الشأن، ولا بد وأنّك تعلم يا صديقي أنّ علم الصرف من العلوم التي تهتم بتشكيل أواخر الكلمات. وفي رأيي الخاص جداً فإنني أرى أن ذلك ليس بضروري إلا فيما يُعتقد أنّه من الملائم التنبيه إليه كالتنوين في المواضع التي تتطلب التنبيه إلى التنوين فيها وكذلك وضع الشدّة وغيرها، أما فيما غير ذلك فإنني -كما قلتَ- أعتبره من باب لزوم ما لا يلزم.
ثالثاً: أعجبتني قراءتك يا صديقي للنص، وسوف أزوّدك ببعض القراءات النقدية للقصة والتي كانت في موقعٍ آخر غير هذا كما وعدتك من قبل
لك كل الود والتحية
04-24-2008, 11:09 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
Quote: قصة بسيطة ، لكن حرفة السرد فيها عالية الأسلوب مشوق ليس فقط لتلك التي كانت تقرأ و تركت الكتاب ولكن أيضا لي كقارئ أتابع الحدث بانتظار تمخضه. الحدث انتهى بدون أن نعرف مصير المرأة والطفل والشاب ، لكن لم يخب الظن ، فالقاص عوض عن ذلك بخاتمة جيدة.
أعجبني قصرها رغم أنها قالت أشياء كثيرة
كما ان العنوان معبر ومناسب
تحياتي لكاتب أو كاتبة النص
04-24-2008, 11:34 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
Quote: في القصة بؤرة واحدة .. " كسر الرتابة الزوجية" قد لا يكون الزوج صادقاً فيما يروي لزوجته ، وربما كانت الحادثة كلها من نسج خياله ونقلها على مراحل متصاعدة بقصد كسر الرتابة في بيت تحكمه الروتينية .. حتى حقق ذلك بهذا التصاعد الثنائي المتقن ... رغم كثافة الحدث إلا أن هناك جملة لا ضرورة لها جاءت من خارج السرد : " بينما كانت منشغلة عما أقوله بقراءة الفصل الأخير من "السيدة بيرفيكتا" لبينيتو جالدوس."
كان يمكن أن يكتفي بالإشارة إلى كتاب في يد الزوجة أو ربما رقعة تطريز
ورغم أن الكاتب / بة ، قصد دلالة ما من تسمية الرواية التي تقرأها الزوجة .. إلا أنها كانت غير ضرورية ، واستطالة مقحمة لا مبرر لها ..
القصة بالمجمل تحمل كل سمات القص الجديد ..والجميل
هدى
04-26-2008, 07:02 AM
محمَّد زين الشفيع أحمد
محمَّد زين الشفيع أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1792
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة