محمد الحسن محيسي يكتب عن تؤام روحه (محارب من اجل عالم نضير) الخاتم عدلان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 08:15 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-18-2008, 03:33 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد الحسن محيسي يكتب عن تؤام روحه (محارب من اجل عالم نضير) الخاتم عدلان

    بعث لي قريبي مصطفي البطل بهذا السرد الرائع لصديقي الاسفيري في زمن سبق زمن سودانيز اونلاين (رغم تواجدنا في محيط جغرافي واحد وعشنا سنوات جامعة الخرطوم في زمن واحد) محمد الحسن محيسي وهو يكتب عن صديقه خاتم عدلان :

    Quote:
    الخاتم عدلان في ذكراه الثالثة:
    محارب من اجل عالم نضير

    محمد الحسن محيسي
    ______________________
    في خاتمة الرثاء الذي سطره بمناسبة حلول الذكري الاولي لغياب المناضل الرمز الاستاذ الخاتم عدلان في ابريل 2006 كتب الدكتور صدقي كبلو ( و انا اكتب هنا يا صديقي اتذكر الاصدقاء.. واتذكر توأم روحك محمد الحسن محيسي). الاستاذ محمد الحسن محيسي الخبير في مجال الادارة العامة المقيم حاليا بدولة الامارات العربية، صديق الخاتم الصدوق الذي وصفه كبلو بانه توأم روحه، خصّ صحيفة ( الاحداث) مشكورا بمرثية كتبها في تأبين صديقه الراحل و القاها امام الجمع في حفل التأبين الذي اقامه في ذكري اربعين الخاتم عدلان النادي السوداني بابوظبي في يونيو 2005

    ما عساي قائل في أمسية كهذه وقد لفّ الحزنُ الكالُح الناسَ والأشياء . كم يحزنني أن أقف هذا الموقف مؤبِّناً صديقَ العمر ، كم تمنيتُ أن يرثيني هو و لا ارثيه . إن لديّ تاريخاً عريقاً في العجز عن تأبين أصدقائي ، وكم تمنيت ألاَّ أقف هذا الموقف . وإذا كان الله قد شرّفني بصحبة كوكبةٍ من أنبلِ وأشرفِ أبناء الوطن الميامين ، فقد أبتلاني ، وابتلى الوطن كلّه ، بفقدهم الفاجع وهم في أوج عطائهم ، أذكر منهم عبدالله محسي ، محمد ميرغني نقد ، طه وخالد الكد ، محمد عبدالحي ، عثمان حسن أحمد ، علي المك ، محمود عُكِير ، وهأنذا أودع آخرهم ، الخاتم عدلان، ذلك العقد الذي ينتظم اللاَّليء.
    الحزن الأكبر ليس يقال .
    وهأنذا عاجزً حتى عن التعبير عن حزني عليه "ثمة معانٍ وأحاسيس لا يمكن أن تعبّر عنها الكلمات" كما قال أفلاطون ، وذلك شأني مع فقد خاتم ومن قبله كرام القوم . واحسرتاه .. واحسرتاه على وطنٍ ظلّ يفقد أبرَّ أبنائه في المنافي حتى يغيبهم الموت فيرجعون إليه في توابِيتَ يلفُّها علمُ الوطن .

    خاتم عدلان كان أخاً لي ، وتلك من نِعَمِ اللهِ عَلىْ . عرفته صديقاً حميماً منذ إثنين وأربعين عاماً ، شكَّلتْ ثلاثة أرباع عُمْرَينا ، تخلّلتها سنوات السجن ، والإختفاء ، والمنفى ، لكنها صداقة ظلّت تتعتق كلمّا مرَّ الزمن . ما نكاد نلتقي بعد سنوات الغياب حتى نبدأ من حيث أنتهينا ، كأننا لم نفترق. ذكراه العَبِقَه تعوِّض لدرجةٍ ما ، سنوات غيابه . عشنا حياةً مشتركة منذ السنة الأولى في المرحلة الثانوية . كنا وقتها في بداية تعرُّفنا على الحياة ، على الناس والأشياء . عملنا معاً في الجمعيات الطلابية ، الأدبية والسياسية. التحقنا بجامعة الخرطوم معاً ، ذات الكلية – الآداب – وذات الفصل ، بل حتى ذات المواد الدراسية : اللغتان العربية والإنجليزية والفلسفة والتأريخ . نلتقي يومياً كل مساء لتحرير صحيفة الجبهة الديمقراطية . سكنَّا معاً ، ودرسنا معاً ، حضرنا الندوات الثقافية والسياسية معاً ، قرأنا الكتب والمجلاّت معاً ، قرأنا دواوين الشعر ، قديمه وحديثه، تدارسناها ، وحفظنا بعضاً من قصائدها معاً ، خاصة القصائد الوطنية ، قرأنا صلاح عبدالصبور، أحمد عبدالمعطي حجازي ، محمد ابراهيم أبوسنِّه ، عبدالوهاب البياتي ، السيّاب ، أما أمل دُنْقُل فذاك شاعرٌ عشقناه ، وحين سُرِّبت إلينا قصيدته التي سمَّى بها أحد دواوينه (تعليق على ما حدث في مخيَّم الوحدات) كان لي شرف كتابتها على بوستر كبير وعلقناها ، خاتم وأنا ، بعد منتصف الليل في مقهى النشاط ، فقد كان ذلك إبَّان طغيان النميري ، أوائل السبعينيات وفي صباح اليوم التالي تجمع العشرات من الطلاب ينقلونها قبل أن ينزع البوستر رجال الأمن. وحفظنا ديوان ود المكي وطالما رددنا قصائده في ليلٍ بهيم ، نقوى بها على المِحَن . عشنا أفراحنا ، وكذلك أحزاننا معاً ، وحين أقتِيد إلى السجن أول مرة كنا نسكن معاً في غرفة فيها سريران في الطابق الثاني من داخلية سوباط ، إحدى داخليات جامعة الخرطوم ، فاستَوْحشتُ بعده .. وظلَّ سريرُه الشاغرُ تذكاراً موجعاً ومقيتاً لغيابه .

    لم تكن دراسة خاتم متصلة فقد فصلت بينها سنوات السجن ، وفي المرتين كان خاتم نجم الجامعة بلا منازع ، تغصّ القاعات ودار إتحاد الطلاب بالحضور في الندوات التي يتحدث فيها ، فقد كان لواسع فهمِهِ وقدرتهِ الخارقة على التحليل ، ومنطِقِه السديد ، ولغَتِهِ الجيِّدة السبك ، الدقيقة التعبير ، وَقْعُ السحر في آذان سامعيه ، وهنا بالضبط مكمنُ خطرِه : قوته الهائلة على الإقناع . أما بعد الإنتفاضة فقد لمع نجمُه كما لم يلمع من قبل ، خاصة وقد نضجت تجربته ، وعجمت عودَهُ ابتلاءاتُ السياسةِ والسجن ، لكن ذاك حديثٌ آخر ، أرجو أن يتصدى له من هو أقدر مني على ذلك ، غير أني أستطيع أن أقول حين يكتُب تأريخَ هذا الوطن مؤرخٌ مُنْصِف فلابد أن يتبوأ خاتم مكانه اللائق في طليعة المناضلين الذين ساهموا ، بقدر ما أتاحت لهم الظروف ، في توعية الشعب . حين سأل الطاغية النميري عبدالخالق اثناء التحقيق قبيل إعدامه : ماذا قدمت لشعبك؟ أجاب عبدالخالق : (الوعي...بقدر ما استطعت ) . ذلك كان أيضاً شأن الخاتم ، وهو شرف لا يناله إلا من أوتى من حبِّ الوطن قدراً عظيماً .

    ثم تفرَّقت بنا السُّبُل سنين عددا ، ولكنَّا كنا على إتصال دائم حتى وهو في السجن كنا نتبادل الرسائل، وحين اسرَّ لي في مخبئه بأنه يفكر في الخروج من البلاد توجّسْتُ في نفسي خيفةً ، إذ لا أحد يعرف تَبِعَاتِ فشلِ تجربةٍ كهذه . ولكنه نجح عام 1994م في مغادرة السودان سرّاً إلى السعودية ، فالقاهرة ثم التحق بأسرته في لندن حيث استقر به المقام . وحينما استقال في نفس العام من الحزب الذي انتمى إليه لثلاثين عاماً ، كوَّن حركة سياسية جديدة ، في ظروف شخصية بالغـة الدقـة . وقد كنت أعلم ما قد لا يعلمه الكثيـرون عنـه في هـذه الفتـرة فقد كان يعمل سائق سيارة اجرة driver mini-cab لمدة ثمانية عشر ساعة في اليوم ليؤمن الحياة الكريمة لأسرته ، ومع ذلك لم تَلِنْ قناةُ نضالِهِ قط ، يكتب في الصحف ، يتحدث في الندوات ، يجري المقابلات في التلفزيون ، يسافر لحضور الندوات والمؤتمرات خارج بريطانيا ،و له حضورٌ كثيفٌ وفاعلٌ في كل المحافل المحليّة والدوليّة التي تناقش قضايا السودان الشائكة .

    كان خاتم عدلان رجلاً فذَّاً بكل المقاييس ، ومما يثلج الصدر ذلك السيل من المراثي الذي سوَّد صفحات الصحف السودانية والمواقع السودانية المختلفة في الانترنت عقب وفاته ، لكنه أشعرني أكثر بفداحةِ فقْدِهِ ، فإذا كان ذلك حُزْنُ من استمعوا إليه أو قرأوه ، وبعضهم لم يشاهدْهُ قط ، فكيف بأحزان من "استثمر" ثلاثةَ أرباعِ العمر في صداقته؟

    وكأنّ خاتماً أحسَّ بدنوِّ أجله ، فقد كثَّفَ نشاطه في السنوات الأخيرة بدرجة فوق طاقة البشر العاديين، وهل كان هو بشراً عادياً ؟ كان كأنما يسابق الزمن ، يريد أن يؤدي رسالته الوطنية كأحسن ما تؤدّى الرسائل . كان يعمل خمسة أيام في الأسبوع كبير المترجمين بجريدة (الشرق الأوسط) ، يدرِّس الدبلوماسيين الغربيين اللغة العربية في معهد الدراسات الشرقية بجامعة لندن ، يحْضُر دورة تدريبية عن الكتابة الإبداعية باللغة الإنجليزية ، ويكتب مقالاً أسبوعياً لجريدة (الأضواء) السودانية ، يستعرض لجريدة الشرق الأوسط مرة كل أسبوعين أحد الكتب الهامة الصادرة باللغة الإنجليزية لمن لا يتاح لقراء العربية الاطلاع عليها ، يجري حواراً ثرَّاً في موقع (سودانيز أون لاين) مع عدد واسع جداً من ألوان الطيف السياسي السوداني ، حيث وجِّهت له أسئلة غاية في التعقيد حول كافة القضايا الشائكة التي تواجه الوطن .. ومن رأي الكثيرين أن إجاباته كان فيها من قوة العارضة ، وتماسك الحجة ، وسند المنطق ، ما يرفعه لدرجة المفكرين الكبار، لكن ليس هنا مجال الخوض في اسهاماته الفكرية .

    خاتم عدلان كان يتميز بحسِّ وطني لا يُعْلَى عليه ، فنحن إزاء رجل ضخم، رجل لم يعمل يوماً واحداً في سوق العمل السوداني ، بأجر أو بدون أجر ، رجل نَذَرَ نفسه وحياته بالكامل لخدمة وطنه وتنوير شعبه ، منذ أن تفتح ذهنُهُ الوقَّاد على قضايا وطنه ، وهو بَعْدُ طالبٌ بالمدرسة الثانوية ، وظلَّ ( ذلك دأبَهُ الدهرَ سادراً) حتى لقِىَ وجهَ ربِّه .

    على الصعيد الشخصي كان خاتم أباً باراً حنوناً ، لم ينعم بالعيش مع زوجته وأولاده إلاَّ قليلاً . وحين استقرَّ به المقام وذاق طعم الحياة المستقرة ، وهو الذي تَيَتَّم باكراً بفقد أختِه ، ثم أمِّهِ ، ثم جدِّهِ عدلان الذي تسمَّى به ، حين بدأت حياته تستقر ، عَكَفَ على تربية ابنيه النابهَيْن حسام وأحمد على أسس راشدة ، ولأنه يأخذ الحياة بجدِّية في كافة مناحيها ففي مكتبته العامرة رفٌّ كامل يحوي كتباً عن أسس وأساليب تربية الأطفال .. لله دَرُّهْ من رجل ، ولِلَّهِ دَرُّه من أب .

    وفي خاتم وفاءً نادرٌ وأصيل ، ففي لقاء مع إحدى صحف الخرطوم ذكر أنه كوَّن صداقات منذ المدرسة الثانوية لا تزال بعد أربعين عاماً تعيش معه ، ولا يزال يعتز بها ، بل وسمّى بعض أولئك الأصدقاء . وفيه دماثة خلق ومودة تنثال منه بصورة طبعية آسِرة ، يشهد بذلك كل من عرفه ولو للحظات . كتب أمين موقع السودان للجميع (Sudan-for–all.com ) كلمة قصيرة ولكنها غاية في الرصانة ودقة التعبير عنه ، أشارت ، فيما أشارت ، لهذه المِزْية ، إذ قال : "وعلى الصعيدين الإنساني والإجتماعي كان للخاتم مزايا آسرة ، فهو يتميز بقدرة عالية على الاحتفاء بالآخرين من حوله ، وبحُسنِ إصغائه لمحدّثيه ، وبقدرةٍ صادقةٍ على إشعار كلِّ واحدٍ وواحدةٍ من جلسائِه وأصدقائِهِ وصديقاتِهِ ، بأنَّهم وأنَّهُنَّ محطُّ إهتمامٍ خاصٍ لديه ، وقد كان حضوره قوياً ومؤثراً بين كل من عرفوه بفضل إمتلاكه بالذات لهذه المزايا القائمة على مبدأ سخاء الذات السامق إزاء الآخر" . ذلك الرِّباط الإنساني الخاص الذي كان يشُدّ الناس للخاتم كان رباطَ طبيعة ، لا يتصنَّعَهُ خاتم ، وهو رباطً يعلو على فوارق العمر والدين والجنس والسياسة والتعليم والمهنة والثراء وغيرها ، مما يُغْرِى بالتفريق بين الناس . خاتم كان براءً من كل ذلك .

    كان خاتم متواضعاً ، نشأ نشأة عادية ، في أسرةٍ عادية كسائر الأُسَرْ في قرى مشروع المناقل ، ولكنه نال من التعليم والثقافة العالية الرفيعة والشهرة ما يؤهِّلهُ لأن يتعالى بها على العالمين ، كما تفعل صِغَارُ العقولِ عند صِغار القوم ، ولكنه لم يفعل ذلك فقد كان له (إرْثٌ من الحكمةِ والحِلْمِ وحبِّ الاخرين) بكلمات صلاح أحمد إبراهيم ، وكان له من الفطنةِ وسَعَةِ الرأي ما يعصِمُهُ من الزَّلل .

    ولعلي لا أضيف شيئاً لو تحدثت عن ذكائه الحاد وذهنه الوقَّاد ، وبديهتِهِ الحاضرة دوماً ، وتلك كانت أمْيَزَ صفاته ، بجانب (قدرته المذهلة على النفاذ لجوهر الأشياء) كما لاحظ بشرى الفاضل . وقد ساعده كثيراً أن درس الفلسفة والمنطق ، وعكف على تثقيف نفسه بدأبٍ ومثابرة . ومع أنَّ الدراسة الأكاديمية لم تكن أولى إهتماماته إلاَّ أنه كان دائماً طالباً مُبَرِّزاً . كان يَدْرُس فقط في الأسبوعين السابقين للإمتحانات ومع ذلك يحرز أعلى الدرجات ، فلا غرو أن تخرج ببكالوريوس بمرتبة الشرف في الفلسفة ، وكان يؤدي بعض الإمتحانات وهو في السجن .

    وكان للخاتم وَلعٌ طاغٍ بالإطِّلاع والدرس وتحصيل المعرفة . ذكرت له ذات مرة كتاباً إسمه Work How Ideas اي (كيف تعمل الأفكار) وقلت له إن ذلك كتابٌ هام ، ذو مَنْحَىً فلسفي ، وكنت أعرف ولَعَهُ بالفلسفة ، ووعدتُه أن آتيه قريباً بنسخةٍ من الكتاب . شكرني على ذلك ، غير أنه فاجأني بعد أسبوع واحد بأنه طلب الكتاب وحصل عليه ، وسيكون ذلك باكورة ما يستعرضه من كتب في صحيفة (الشرق الأوسط) ، وقد تمَّ ذلك بالفعل ، ربما يعرف هذا من كانوا يتابعون كتاباته.
    وبعد، فقد فقدت بلادنا بغياب الخاتم مفكراً ضخماً يملك كافة مقوّمات القائد العظيم لو أمهلته المنيّة، وفقدتُ بغيابِهِ صديقَ العمر وأقرب أصدقائي إلى نفسي على الإطلاق، و لعل صديقي د. صدقي كبَلوَّ لم يجاوز الحقيقة حين شرّفني بأن وصفني بأني (توأمُ روحِه).

    لقد شقَّ نَعْيُ الخاتم على كل من عرفه ، أو قرأ له ، أتفق معه أم اختلف ، شقّ نعْيُهُ حتى على ابني (خالد) الذي بالكاد يكمل عامه الخامس عشر، وكان أوَّل من عزَّيتُه فيه ذاكراً له أننا ظلَلْنَا صديقيـن لمدة اثنين وأربعين عاماً ، كان ذلك بُعَيْدَ سماعي للنبأ العظيم بحـواليْ عشريـن دقيـقـة فقط ، وأنا بين مكذِّبٍ ومكَّذب ، فجاءني في E-mail ردٌّ فوريٌ من إبنـي يقـول فيـه :
    "You had your share in him, it is now God's turn" وظني أنه أوجَزَ فأعجَز.

    وبرغْمِ البكاءِ المُمِضْ ، والحزن الذي رأيناه وسمعناه من أصدقاء الفقيد وزملائه ومعارفه وأصدقائه فقد كان لأهل قرية الفقيد وسيلةٌ أخرى للتعبير عن حزنهم ، فقد استقبلوا جثمانَهُ بقَرعِ (طبولِ النحاس) ، وطُبُولُ النحاس في الثقافة السودانية تقرع للفرسان وعند المُلِمَّات والأحداث الكبرى، فرحاً أو حزناً .. ولا شك أن أهل (أم دكَّة الجعليين) كانوا يعرفون قَدْرَ الفارس الذي يستقبلون، وإن كان جثماناً مسجَّى يلفُّه علمُ الوطن ، ولعلَّهم أيضاً كانوا يدركون أن وصيَّتَهُ كوصيةِ ذلك الفارس لبلاده (في شعر محمد ابراهيم أبو سنة) إذ قال :

    ( فإنْ أتاكِ نعْيىَ الحزينْ /
    لا تملئي عينيك بالدموعْ /
    لا تتركي النساء يُعْوِلْنَ في جنازتي /
    وإنما يزِفَّنَّي الفِرسانْ /
    وَلْيَصدَحِ الغناءُ خلفَ النَّعْش /
    فَلَسْتُ نادماً ، /
    لأنني أفنيتُ عمري القصير /
    محارباً من أجلِ عالمٍ نضِير / )

    وبالفعل ، فقد أَفْنَى صديقي ، بل توأم روحي ، عمرَهُ القصير محارباً من أجل عالَمٍ سودانيٍ نضير .. سوى أني لن أعمل لا بوصيَّته ولا بوصيَّة الشاعر، وسأظل أبكيه ما بقيت فيَّ شئون تذرف الدمعَ السخين، فليس ثمَّةَ من أو ما يمكن أن يعزّيني في فقده .. فوداعاً يا صديقي ، فأنا وأبناء الوطن المخلصين ، ذاكروك طويلاً وذاكروك جميلاً ..
    نَمْ وادِعاً فلقد تقَرَّح ناظري سهراً ، ونامت أعينُ السُمَّارِ .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de