لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-15-2024, 06:41 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-13-2008, 07:30 AM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان



    سأنقلها دون مقدمة...

    رسائل غسان كنفاني
    إلى غادة السمان
    محاولة إهداء
    إلى الذين لم يولدوا بعد
    هذه السطور التي أهداني إياها ذات يوم وطنيّ مبدع لم يكن قلبه مضخة صدئة، أهديها بدوري إلى الذين قلوبهم ليست مضخات صدئة، وإلى الذين سيولدون بعد أن يموت أبطال هذه الرسائل

    ولكن سيظل يحزنهم مثلي أن روبرت ماكسويل دفن في القدس في هذا الزمان الرديء، بدلا من أن يدفن غسان كنفاني في يافا
    غادة

    محاولة تقديم أولى

    الخروج من الخاص إلى العام

    1-الخنساء لم تصب بالعمى لكثرة ما رثت أخوتها القتلى وبكتهم –كما هو شائع في كتب الأدب-ولكنها رثت قتلاها وبكتهم لأنها كانت (عمياء) منذ البداية! إنها لم تر في الموت غير الموت. إنها لخطيئة مميتة أن لا نرى في الموت غير الموت

    2- كي أتجنب السقوط في فخ الرثاء الذي أكرهه، والرومانسيات التي لا تجدي ، لن أكتب عن غسان كنفاني ،وإنما سأتركه هو يحدثنا عن نفسه

    3- يخيل إلي أحيانا أننا جميعا تحدثنا عنه بما يكفي ، وأن الناس في شوق إلى سماع صوته هو .وهذا ممكن بفضل عادة سيئة طالما تملكتني ، هي الحوار الأبجدي مع رفاقي ، زادت في تفاقمها عادة سيئة أخرى من عاداتي وهي كثرة الترحال، بحيث تصير الرسائل أحيانا وسيلة التخاطب الوحيدة الممكنة وعبرها نتابع حوارنا الأدبي والحياتي

    4- أترك غسان كنفاني يتحدث إليكم عن نفسه وعن (الرجال الذين لا يمكن قتلهم)

    5-حولوا الآن صفحة نفوسكم الهائجة الأمواج إلى صفحة بيضاء كالشاشة، وفوقها سترتسم كلماته كلسع النار والجليد معا ، تذكروا، أنا لست هنا لأرثيه بل لأشهر صوته على الذاكرة كالخنجر. وكل ما سأفعله هو (مونتاج ) صغير للذكريات ، وكل ما سأقوله لن يتجاوز ما يقوله معلق إذاعي يبذل جهدا غير بشري كي يكون محايدا وبشريا أمام شريط من أحداث له طعم المعجزة.

    لماذا (المونتاج) ؟ لأن الذاكرة عين بملايين الأجفان نسدلها كالستائر جفنا بعد الآخر على ما كان، وسأرفع اليوم جفنا واحدا لأن المجال لا يتسع لمزيد . ولأن الذاكرة حنجرة بملايين الأصوات اخترت لكم منها إيقاعا واحدا هو صوت المذيع المحايد ، فصوت غسان ليس بحاجة إلى كورس إغريقي من الندابات .

    6- قلت لكم صفحة بيضاء كالشاشة. حدقوا جيدا. الآن ترتسم فوق الشاشة صورة غسان وهو في العاشرة من عمره (طفلا شقيا مبللا بمطر يافا الغزير، بعد أن ركض طويلا تحت المزاريب )

    -هل ذكرت لكم أن كل ما هو ضمن قوسين وبالحرف الأسود منقول حرفيا من رسائله؟

    لقد تعمد غسان بمطر يافا ، وحين غادرها كان مطرها قد اخترق جلده إلى الأبد وصار من بعض دورته الدموية...وكان النسيان مستحيلا.

    وكان غسان منذ البداية يتقن استعمال قلمه وسكينه معا ، ويؤمن بهما معا . كان صغيرا يوم أدخلوا أخته فايزة – وكان يحبها كما يحب وطنه- إلى غرفة العمليات بسبب ولادة عسيرة ، فاقتحم غرفة العمليات:

    (( رفعت المشرط في وجه المسكين ولسون ، ذلك الاسكتلندي الطيب الذي كان يجد فيّ ما لم أجده أنا في نفسي . إنه يضحك بلا شك حين يذكر القصة. كنت أنا على حق رغم كل شيء ، وقلت له :ليمت الطفل ، ولكن إذا ماتت هي فستموت معها هنا . ورفضت أن أخرج وظللت مثل مجنون فار مثبتا ظهري إلى الزاوية وأنظر إليها مضرجة بالدم تحت أصابعه الباردة وحين تنفس الصعداء بعد قرن من الرعب أخذت أبكي، وسقط المشرط من يدي ...ولم أرها إلا بعد أن صار أسامة في الرابعة من عمره.....))

    هكذا أرى غسان دائما : رجل قلمه من الناحية الثانية مشرط قاطع ، إنه الرجل الذي لا يحجم عن استعمال السلاح المناسب في الوقت المناسب ، طرف القلم وطرف المشرط ، وبوسعه :

    ( أن يصنع الحياة بمشرط جارح)

    وبعد أن فقد الوطن:

    (أحس كم كان فقدانه هولاً تساوت فيه إرادة العيش بشفرة المشرط. إنني لا أنسى حدقتيّ الدكتور ولسون حين كانت تسبح فيهما تلك الكرتان الزرقاوان ، كان رجلا قادرا على الفهم من فرط ما شاهد الناس يموتون ببساطة ، ويتركون العالم بملاجئ أقل).

    وكان غسان يمتلك الملجأ الأكبر : الوعي بقضية ..بيقين.. بهدف..كان منذ البداية يعرف (الهدف) الوطن:

    (سأظل أناضل لاسترجاعه لأنه حقي وماضيّ ومستقبلي الوحيد..لأن لي فيه شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب... وجذور تستعصي على القلع)

    ( لقد حاولت منذ البدء أن أستبدل الوطن بالعمل ، ثم بالعائلة ، ثم بالكلمة، ثم بالعنف، ثم بالمرأة ، وكان دائما يعوزني الانتساب الحقيقي. ذلك أن الانتساب الذي يهتف بنا حين نصحو في الصباح: لك شيء في هذا العالم فقم.أعرفته؟ وكان الاحتيال يتهاوى ، فقد كنت أريد أرضا ثابتة أقف فوقها ، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا ، إننا لا نستطيع أن نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة بالهواء))

    وكانت تمر لحظات من الألم الشرس في نفس غسان الفنانة المرهفة، وكان يعرف أن درب الانتماء هي ما تبقى له:

    (أستطيع أن أكتشف ذلك كله كما يستطيع الجريح في الميدان المتروك أن ينقب في جروحه عن حطام الرصاص ، ومع ذلك فهو يخاف أن ينتزع الشظايا كي لا ينبثق النزيف. إنه يعرف أن الشظية تستطيع أن تكون في فوهة العرق المقطوع مثلما تكون سدادة الزجاجة ويعرف أن تركها هناك ، وحيدا في الميدان ، يوازي انتزاعها. فالنهاية قادمة ، لا محالة ....ولو كان شاعرا فارسا يمتطي صهوة الصحراء الجاهلية لاختار أن يموت رويدا رويدا : يده على كأسه الأخيرة ، وعينيه على النزيف الشريف )

    ماذا يفعل بالضبط؟ يمشي نحو (الهدف) أي هدف :

    (كما يؤمن التقي بالله والصوفي بالغيب)


    - وهذا النقاء الفذ ، هو مهمازه للوقوف إلى جانب أصدقائه حين يقعون في ورطة. فالشخصية وحدة لا تتجزأ – أو أنها هكذا على الأقل لديه- وبعد حرب حزيران ، ورغم ألمه الفادح للهزيمة ، فإن ذلك لم يلهه عن مد يد المساعدة إلى زميلة عمل مثلي رمت بها الأقدار في لندن – بالأحرى رمت هي بنفسها هناك للدراسة- فطردوها من العمل البيروتي ومن المحبة، وحكمت بالسجن ثلاثة أشهر لجرم لم تكن تدري أنها ارتكبته قبلها بعامين( وهو ترك العمل الدمشقي بدون إذن رسمي وهو أمر محظور على حملة الشهادات العالية)

    وها هو في رسالة واحدة يحدثني عن ألمه الكبير ولا ينسى المساهمة عمليا في تخفيف ألمي الشخصي:

    ( ماذا أقول لك ؟ إنني أنضح مرارة...يعصر لساني الغضب مثلما يعصرون البرتقال على الروشة) ، ( أنا لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم)

    لكنه لا ينسى رتق وجعي المادي والعملي المربك، فينفحني بجواز سفر ينقذني من العودة مرغمة إلى السجن، ويساهم في إيجاد عمل جديد لي بصيغة كلها فروسية كما لو كان هو بحاجة إلى أن أعمل!

    (هام: كان أحمد بهاء الدين عندي اليوم وطلب مني جادا ورسميا أن أكتب لك رجاءه ورجاء مؤسسته – دار الهلال – بأن تكتبي للمصور من لندن رسائل أدبية وفنية وإذا شئت سياسية بأسلوبك. إن المصور مجلة جادة وذات توزيع مرتفع وتدفع أسعارا جيدة –إذا رغبت بذلك ابعثي له رسالة إلى دار الهلال بالقاهرة...إن ذلك في رأيي مرحلة جيدة ومفيدة ، وسيكون الاتفاق واضحا يحولون لك الفلوس إلى لندن أو يفتحون بها حسابا لك في القاهرة- إنه يهديك تحياته أيضا)....

    ووصلت الرسالة بعد أن كنت باشرت العمل خارج حقل الصحافة ، وكان القرف يغمرني إثر تجربتي السابقة مع المجلة التي طردتني دونما إنذار، فتابعت عملي بدل أن أكتب للمصور لكن جواز السفر كان طوق نجاة ولمسة حنان أنقذتني من السجن ريثما أعتقني أوائل السبعينات فيما بعد عفو عام شملني.

    بهذه الشفافية كان غسان يساعد رفاقه حين يسقطون وبمثل هذه الكلمات كان يشجع رفاق القلم حين يخذلهم العالم

    (بوسعك أن تدخلي إلى التاريخ ورأسك إلى الأمام كالرمح. أنت جديرة بذلك)

    غسان يحترم المرأة العاملة، ولا يخجل من دعمها علنا . لم يكن ثوريا فصاميا. كان حقيقيا وأصيلا في كل ما يفعله ، وكان الانسجام قائما لا بين فكره والعالم الخارجي فحسب ، بل بين فكره وجسده :

    (هل تفهمين؟ إنني رجل مأساتي هي في ذلك التوافق غير البشري بين جسدي وعقلي، هكذا قال لي الدكتور ولسون يوما : ولذلك أنت مريض بالسكر يا صديقي)

    لكن ذلك التوافق كان يجعل الصداقة وغسان حقيقية وحميمة وشاملة، وكنا نحبه كما هو داخل إطاره . وكما كان يأسى لمتاعبنا كنا نفرح لركنه العائلي الهادئ حيث يكتب ويرسم ويبدع، ونشعر أن ولديه فايز وليلى والرائعة آني من أفراد أسرتنا الكبيرة ، نحن الذين يربطنا أننا:

    (نتعاون لنضع نصل الصدق الجارح على رقابهم) رقاب جلادي أسرتنا الكبيرة.


    8- من الرفض بدأ غسان ، الرفض الحقيقي الفذ :

    (حياتي جميعها كانت سلسلة من الرفض ولذلك استطعت أن أعيش. لقد رفضت المدرسة ورفضت الثروة ورفضت الخضوع ورفضت القبول بالأشياء)

    وذلك الرفض كله كان دربا لاختيار الانتماء الواعي العظيم الذي هو تتويج للتناقضات السابقة كلها بحيث تنتفي النظرة السطحية للأمور التي تصورها لنا على أنها تناقضات جوهرية ، وتكتمل لوحة الفسيفساء النفسية على نحو مدهش ، وكما عبر عنه غسان:

    (إنني أتحدث عن وجود أكثر تعقيدا من ذلك وأكثر عمقا. ماذا أقول لك وكيف أشرح لك الأمور ؟ دعيني أقول لك كيف : أمس كنت أذوِّب شمعة فوق زجاجة ، أتلهى بهذه اللعبة التي يكون فيها الإنسان شيئا فوضويا وغامضا من زجاجة وقضيب شمع، وكان ذوب الشمع قد كسى جسد الزجاجة بأكمله تقريبا ، وفجأة ، سقطت نقطة من الشمع الذائب دون إرادة مني، وتدحرجت بجنون فوق تلال الشمع المتجمد على سطح الزجاجة ، واستقرت في ثغرة لم أكن قد لاحظتها من قبل ، وتجمدت هناك فجعلت ثوب الشمع بأكمله يتماسك من تلقائه)

    ولكن الأمر لم يكن عشوائيا. ففي الخلفية كان هنالك إنسان يؤمن بأن : (هنالك رجال لا يمكن قتلهم إلا ممن الداخل) وهكذا يستعصي غسان على القتل منذ تماسك الداخل كما يستعصي أمثاله على الموت سواء كانوا من نوع الشهداء مع وقف التنفيذ أو كانوا من نوع الشهداء مع التنفيذ

    وغسان لا يبالي بالموت بقدر ما يعي عبثية الحياة، لكن العبث يقوده إلى محاولة صنع المصير:

    (إن الدنيا عجيبة ، وكذلك الأقدار. إن يدا وحشية قد خلطت الأشياء في المساء خلطا رهيبا فجعلت نهايات الأمور بداياتها والبدايات نهايات...ولكن قولي لي : ماذا يستحق أن لا نخسره في هذه الحياة العابرة؟ تدركين ما أعني...إننا في نهاية المطاف ستموت)

    ولكن غسان عاش لحظات نصر ثورية جميلة، منها زيارته لغزة ولقاؤه بالمناضلين والناس هناك:

    (إنني معروف هنا ، وأكاد أقول (محبوب) أكثر مما كنت أتوقع ، أكثر بكثير. وهذا شيء في العادة يذلني ، لأنني أعرف أنه لن يتاح لي الوقت لأكون عند حسن ظن الناس ، وأنني في كل الحالات سأعجز في أن أكون مثلما يتوقعون مني . طوال النهار والليل أستقبل الناس ، وفي الدكاكين يكاد الباعة يعطونني ما أريد مجانا ، وفي كل مكان أذهب إليه أستقبل بحرارة تزيد شعوري ببرودة أطرافي ورأسي وقصر رحلتي إلى هؤلاء الناس وإلى نفسي . إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى في أنا كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه ، وذلك كله يشعرني بغربة تشبه الموت وبسعادة المحتضر بعد طول إيمان وعذاب ، ولكن أيضا بذل من طراز صاعق)

    هذا هو غسان المتواضع الفذ المناضل ( يبدو أنني أكاد أنزلق إلى فخ الرثاء الرومانسي. أعيدي رأسك إلى موضعه يا امرأة وتابعي الكتابة بحياد)

    أجل يوم قرأت هذه الكلمات أحسست بشيء يشبه المطر داخل حلقي ، فمن غسان كنت قد سمعت للمرة الأولى بالمقاومة بصوت هامس يشبه الصلاة ، وكان رائعا أن أسمع عبره صدى الهمس رعدا يتنامى في القلوب والسواعد.



    - ذلك الرجل الذي وجد( الهدف ) ظل فريسة أوجاع جسدية :

    ( إن النقرس يفتك بي مثل ملايين الإبر الشيطانية ) ( إنني مريض حقا . لا أريد أن أشعرك بأي قلق علي ( إذا كان ذلك ممكنا ) ولكن الغرفة تدور الآن ، وكالعادة أحتاج كما أعتقد إلى نوم كثير )

    حسنا والآن لنستعرض أسلوبه في مداواة النقرس والسكري:

    ( حولت صدري إلى زجاجة معبأة بالدخان المضغوط ، دخنت 6 علب وأمضيت النهار التالي أسعل وأدخن وأسعل وأدخن من جديد ، وأمس ليلا كان جسدي قد تعب من هذه اللعبة واستسلم أمام عنادي، وهكذا قمت فسهرت عند بهاء ثم اقتادني الأصدقاء بعد ذلك إلى الليل ونمت مع طلوع الصباح)

    كان يعرف أنه لا شفاء لمرضه وإنما مجرد مصالحة معه في الموقع الوسط ، وهو يكره الحلول الوسط :

    ( ولكن في الوسط ؟ في الوسط الذي تعرفين أنني لا أستطيعه)؟

    10- ولأن الطرف الثاني للمشرط الذي أراد به أن يصنع الحياة هو قلمه فقد كان نضاله الآخر التوأم في حقل الكتابة ، ولم يكن الكفاح أقل صعوبة ، وقبل أن تولد مجلته كان يتمزق أحيانا على هذا النحو:

    ( تسألين عن روايتي ؟ لم أكتب شيئا. أعمل في الصحافة كما كان يعمل العبيد العرايا في التجديف . لدي فكرة لمسرحية)

    ثم تأتي بعض الانفراجات رغم كثافة الغيوم – أو بسببها!

    (عبر هذا الازدحام الذي لا مثيل له (مؤتمر الكتاب الأفرو آسيوي) أنهمك كالمصاب بالصرع في كتابة المسرحية التي حدثتك عنها. أسميتها (حكاية الشيء الذي جاء من الفضاء وقابل رجلا مفلسا) . وأمس اقترحت لنفسي عنوانا آخر (النبي والقبعة) على أساس أن القبعة تستر رأس الرجل من الخارج والنبي يستره من الداخل...وما زلت في حيرة ، ولكن المسرحية تمشي على ما يرام . ما رأيك؟؟)

    11- غسان الذي كان يقاتل بعيدا عن أرضه من أجل أرضه المستباحة وحبه الهارب يرسم صورته

    ( معذبا وبعيدا عن جواده وقلعته ، يقاتل بكل دمائه النبيلة ، ناجحا في أن يتجنب التلطيخ بوحل الميدان الشاسع . كان يعرف أن التراجع موت ، وأن الفرار قدر الكاذبين، إنه فارس اسبارطي حياته ملتصقة على ذؤابة رمحه، يعتقد أن الحياة أكبر من أن تعطيه ، وأنه أكبر من أن يستجدي، ولكنه يريد أن يعطي بشرف مقاتل الصف الأول. ليس لديه ما يفقده ورغم ذلك فهو يعرف أنه إذا فقد هذا الشيء الوحيد الذي يعتز به فإنه سيفقد نفسه)

    12- روى لي غسان مرة أن والده حشا جرح صديقه بغبار العنكبوت جمعه من ثقوب سور عكا ، قال يومها إن الغبار أوقف النزيف.

    فلنأمل بمفعول الغبار؟ لا ...غبار الأيام سيترسب فوق الجرح، لكنه سيكون مثل جراح روحنا كلها : تلتهب كلما هبت عليها الريح ..ريح الذاكرة وريح النسيان. تراني سقطت أخيرا في (خطيئة الحزن) ؟ حسنا من كان منكم بلا خطيئة ، فلترمه بحجر!....
    غادة
                  

04-13-2008, 09:27 AM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (Re: مدثر محمد عمر)



    محاولة تقديم ثانية- وفاء لعهد قطعناه
    غادة السمان



    نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني......وكان له وجه طفل وجسد عجوز ..عينان من عسل وغمازة جذلة لطفل مشاكس هارب من مدرسة الببغاوات ، وجسد نحيل هش كالمركب المنخور عليه أن يعاجله بإبر الأنسولين كي لا يتهاوى فجأة تحت ضربات مرض السكري : هدية الطفولة لصبي حرم من وطنه دونما ذنب .....لم يكن فيه من الخارج ما يشبه صورة البطل التقليدية : قامة فارعة...صوت جهوري زجاجي .

    لا مبالاة بالنساء 0إلى آخر عدة النضال) لأنه كان ببساطة بطلا حقيقيا.....

    والأبطال الحقيقيون يشبهون الرجال العاديين رقة وحزنا لا نجوم السينما الهوليوودية الملحمية .....غير العادي في غسان كان تلك الروح المتحدية.....

    النار الداخلية المشتعلة المصرة على مقاومة كل شيء ، وانتزاع الحياة من بين منقار رخ القدر ......نار من شجاعة تتحدى كل شيء حتى الموت...
    ***
    نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني.....جسده المهترئ بالنقرس لا يرسمه جيدا ولا يعبر عنه ....ولكن حرفه يفعل ذلك بإتقان ...وحين أقرأ رسائله بعد عقدين من الزمن أستعيده حيا ... ويطلع من حروفه كما يطلع الجني من القمقم حارا ومرحا صوته الريح..يقرع باب ذاكرتي ..ويدخل بأصابعه المصفرة بالنيكوتين وأوراقه وإبرة ( أنسولينه) وصخبه المرح...ويجرني من يدي لنتسكع معا تحت المطر..ونجلس في المقاهي مع الأصدقاء...ونتبادل الموت والحياة والفرح بلا أقنعة ، والرسائل أيضا...
    ***


    نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...التصق بعيني زمنا كدمعة نقية، وانتصب فوق أفقي كقوس قزح...ووفاء لضوء عرفناه معا ، دعوتكم مرة لمشاركتي في الإحتفال بعيد ميلاده الذي يتصادف في شهر نيسان في (لحظة حريتي) بمجلة الحوادث ولبيتم ، وها أنا أدعوكم اليوم إلى مهرجان من الألعاب النارية والنجوم هي رسائله...

    والوفاء ليس فقط لعاطفتي الغابرة المتجددة أبدا نحوه ، بل وفاء لرجل مبدع من بلادي اكتمل بالموت لأنه كان أكثر صدقا من أن يسمح له عدوه بالحياة والكتابة والاكتمال بالعطاء ...موت غسان المبكر خسارة عربية على الصعيد الفني لا تعوض ، لم يمهلها العدو وقتا لتأخذ مداها من التأجج والسطوع...والأجمل من ذلك كله أنه كان مناضلا حقيقيا ومات فقيرا ..(وتلك ظاهرة في زمننا الموسخ بالخلط بين الثروة والثورة)...إنه رجل لم يتلوث بالمال ولا بالسلطة ولا بالغرور وظل يمثل النقاء الثوري الحقيقي.
    ***
    نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...أشعر دائما بالرغبة في إطلاقه كرصاصة على ذاكرة النسيان العربية...والأسباب كثيرة وعديدة ، وأهمها بالتأكيد أن غسان كان وطنيا حقيقيا وشهيدا حقيقيا وتكريمه هو في كل لحظة تكريم للرجال الأنقياء الذين يمشون إلى موتهم دون وجل لتحيا أوطانهم ، ولتخرج (القيم) و(المفاهيم) من صناديق اللغة الرثة، إلى عظمة الفعل الحي....لا أستطيع الادعاء-دون أن أكذب- أن غسان كان أحب رجالي إلى قلبي كامرأة كي لا أخون حقيقتي الداخلية مع آخرين سيأتي دور الاعتراف بهم – بعد الموت – وبالنار التي أوقدوها في زمني وحرفي ...لكنه بالتأكيد كان أحد الأنقياء القلائل بينهم.
    ***

    نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...ويعز علي أن أرى الغبار يتراكم فوق وجهه ، والعنكبوت يغزل خيوطه ببطء – ولكن باستمرار – فوق حروف اسمه بالرغم من الجهود المباركة للجنة تكريمه...أخشى أن يغوص في لجة النسيان هو وكل ما كان يمثله...لا جائزة أدبية باسمه، ولا شارع في مدينة عربية يخلده ( أرجو أن أكون مخطئة وقليلة الاطلاع )...ولا مهرجان أدبيا يكرسه... أفرح حين أرى ليوسف الخال هو – رياض نجيب الريس – يحمي اسمه من عث النسيان، وأتساءل : أين (جائزة غسان كنفاني) للرواية مثلا ؟ أم أن عليه أن يقرع جدران (الخزان) ؟...غسان ليس ملكا لمنظمة معينة فهو طفل الأمة العربية كلها وأحد الذين جسدوا أنبل ما فيها..أفكر به ، وقلبي على الحبيبة الفلسطينية الأخرى ولكن المكفنة بنسيان شبه شامل : سميرة عزام ...منذ غادرت الكنيسة حيث عزيت بها لم أر أحدا من الذين عرفوا وهج إبداعها يحاول بعث ذلك الضوء في نجمة...لم أسمع بأستاذ جامعي منهم كلف طالبة أو طالبا بإعداد رسالة جامعية عنها توثق لها وتحفظ ذكراها إلا فيما ندر ...والاحتفال بميلاد غسان كنفاني في صفحتي الأسبوعية بالحوادث ذات مرة ، وبرسائله اليوم ، هذا الاحتفال جزء من الاحتجاج على ذاكرة النسيان العربية ...لا أريد أن أرى الثلج يهطل فوق شاهدة قبره وأمثاله ويغطيها ببرود الجحود...فقد كان وطنيا من نوع فريد...لم يعرف المساومة ولا الرياء ولا رقصة التانغو السياسية: خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء...
    ***
    نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...والأستاذ جهاد فاضل لم يفتر علي ّ حين تحدث ذات يوم عن رسائل متبادلة بيننا سأقوم بنشرها دون حذف حرف منها...ولم يبح بسر شخصي حين خط سطوره ...على العكس، كنت أريد أن يكتب ما كتب، على أمل أن يتصل بي (الشخص) الذي ما تزال رسائلي بحوزته...فالذي حدث أن الشهيد غسان قتل والعلاقات الدبلوماسية بيننا على أفضل حال ، ولم يحدث ما يستدعي قطع العلاقات وسحب الرسائل والسفراء...وبعبارة أخرى: رسائله عندي ورسائلي عنده كما هي الحال لدى متبادلي الرسائل كلهم!!...

    وأنتهز الفرصة لأوجه النداء إلى من رسائلي بحوزته (أو بحوزتها)..نداء أشاركهم فيه محبة غسان وأرجوهم جعل حلم نشر رسائلنا معا ممكنا كي لا تصدر رسائل غسان وحدها حاملة أحد وجوه الحقيقة فقط بدلا من وجهيها..وأنا والحق يقال لا أدري أين رسائلي إليه..كل ما أعرفه هو أن تلك الرسائل العتيقة لم تعد ملكا لأحد ، وإنما تخص القارئ العربي كجزء من واقعه الأدبي والفكري على لسان مجنونيّ حبر، صار أحدهما غبارا مضيئا منذ عقدين من الزمن ، وتستعد الأخرى لمهرجان التراب منذ ولادتها ...إنها رسائل تدخل في باب الوثائق الأدبية أكثر مما تدخل في باب الرسائل الشخصية بعدما ما انقضى أكثر من ربع قرن على كتابتها، فخرجت من الخاص إلى العام ، باستشهاد صاحبها قبل عشرين سنة.
    ***
    نعم .كان ثمة رجل اسمه غسان كنفاني...ونشر رسائلنا معا هو أيضا إقلاق لراحة الرياء ولنزعة التنصل من الصدق ...وهي نزعة تغذيها المقولات الجاهزة عن (التقاليد الشرقية) المشكوك أصلا في صحتها...أنا من شعب يشتعل حبا ، ويزهو بأوسمة الأقحوان وشقائق النعمان على صدره وحرفه...ولن أدع أحدا يسلبني حقي في صدقي....وإذا كانت جدتي المسلمة –مثلي- ولادة بنت المستكفي قد فتحت خزائن قلبها منذ تسعة قرون تقريبا ، فلم أخشى أنا ذلك في زمن المشي فوق سطح القمر ...ولماذا يكون من حقها أن تقول في ابن زيدون:

    ترقب إذا جن الظــــــــلام زيارتــــــي..........فإنــــــــي رأيت الليل أكتم للسر

    وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح..........وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر

    فلماذا لا أجرؤ على نشر رسائلي ورسائله دونما تبديل أو تعديل-بغض النظر عما جاء فيها أو لم يجيء؟-..

    للحقيقة سطوة ترفض مجاملة الزيف وركوعا مني لسطوتها سأنشر رسائل زمن الحماقات الجميلة دون تعديل أو تحوير ، لأن الألم الذي تسببه لآخرين عابرين مثلي هو أقل من الأذى اللاحق بالحقيقة إذا سمحت لقلمي بمراعاة الخواطر ...والحقيقة وحدها تبقى بعد أعوام حين أتحول وسواي من العابرين إلى تراب كغسان نفسه...ولذا قدمت هذا الاعتبار على أي اعتبار آخر ولسان حالي يقول : قد لا أريد أن أتذكر كي لا أجرح الحاضر، ولكنني لا أستطيع أن أنسى كي لا أخون ذاتي والحقيقة معا...

    وريثما أحصل على رسائلي إليه فأنشرها ورسائله معا ، أكتفي مؤقتا بنشر رسائله المتوافرة، بصفتها أعمالا أدبية لا رسائل ذاتية أولاً ووفاء لوعد قطعناه على أنفسنا ذات يوم بنشر هذه الرسائل بعد موت أحدنا، ولم يدر بخلدي يومئذ أنني سأكون الأمينة على تنفيذ تلك الرغبة الكنفانية-السمانية المشتركة
    ***
    نعم .كان ثمة رجل يدعى غسان كنفاني...وكان يعرف أن حبي للحقيقة يفوق أحيانا حتى حبي لذاتي، ومن هنا كانت الحرب التي لن تهدأ يوما بيني وبين المؤسسات المكرسة لرعاية الرياء الاجتماعي و(تطييب خاطره)...وإذا كنت قد جاملتها يوما فبالمقدار الذي يسمح لي بالبقاء على قيد الحياة لا أكثر، وعلى طريقة (غاليليو) الذي أعلن أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس-لأنها ببساطة الحقيقة وبغض النظر عمن تزعزع جذور حياته كشفها –ولكنه عاد وسحب مؤقتا كلامه وهو يهمس (ولكنها ما تزال تدور...)...

    ونشر رسائل غسان كنفاني فعل رفض للخضوع لزمن الغبار الذي يكاد يتكدس في الحناجر وعصر التراجع صوب أوكار تزوير المشاعر البشرية الجائعة أبداً إلى حرية لا تؤذي وإذا فعلت فعلى طريقة مبضع الجراح لا خنجر قاتل الظلام

    ثمة أديبة عربية نشرت رسائل حبيبها الشاعر خليل حاوي بعدما حذفت اسمها منها ( واحتراما لرغبتها لن أذكره) كما شطبت بنفسها بعض السطور التي وجدتها محرجة في حق سواها على الأرجح...ولم تنج من اللوم لأنها تجنت على الأمانة الأدبية ...وأنا أعتقد أن العتاب لا يجب أن يوجه إليها ، بل إلى القيم التقليدية السائدة التي تجعل سلوكا كهذا مفهوما – بل ومدعاة للاحترام- ..والهجوم لا يجوز أن يوجه للأديبة التي نفذت تعاليم مجتمعها ، بل لذلك المجتمع المهترىء بالزيف الذي يجد في أكبر حقائق الحياة عيبا يجب التنصل منه في حجرات السر المظلمة ...

    وليس من حقنا معاتبة تلك الأديبة على مزاجها الشخصي في المقاومة ، ولا الطلب من جميع الأديبات لعب دور العين التي تقاوم المخرز ...بل علينا أولا ضرب اليد التي تمتد بأصابعها السكاكين لتقص أغصان أية شجرة تومض فيها شرارات الحقيقة..كي لا تضرم نار عشق الصدق في غابات القلوب المتعطشة إلى حرية الضوء ، التائهة أمام المعادلة المستحيلة: كيف نضيء دون أن نحترق؟!..
    ***
    نعم .كان ثمة رجل يدعى غسان كنفاني...وتسديد طعنة إلى (جمعيات الرياء المتحدة) أمر كان سيطرب له غسان ، كما كان سيفرح بإحياء ذكر أي شهيد نقي يستحق من ذاكرتنا حيزا أكبر من الذي رصدناه له ...ولعل ذلك أحد الأسباب التي دعتنا يوما للعهد الذي قطعناه على أنفسنا بنشر رسائلنا معا وهو عهد ربما كنت سأتملص من تنفيذه أو أؤجله لو لم أشعر أن هذه الرسائل خرجت من الخاص إلى العام بمرور الزمن.

    ولكن ثمة عوامل أخرى أيضا تحثني على نشر رسائل غسان كنفاني دونما تردد ، منها مثلا رسم شخصية (الفدائي) من الداخل ....أي مناضل في أي وطن ...

    ثمة ميل دائم في الأدب العربي بالذات لرسم صورة (المناضل) في صورة (السوبرمان) ولتحييده أمام السحر الأنثوي وتنجيته من التجربة..وفي رسائل غسان صورة المناضل من الداخل قبل أن يدخل في سجن الأسطورة ويتم تحويله من رجل إلى تمثال في الكواليس المسرحية السياسية ....

    وهي صورة أعتقد أن بوسعها أن تغني أدب الجيل الطالع عامة وأدب المقاومة خاصة وتبعده عن هوة الضوضاء الخطابية المهرجانية السياسية التي يلقى الإبداع فيها مصرعه بعدما حلت الإنشائيات والرطانات المدرسية المزودة بمكبرات الصوت محل دقات القلب .وبهذا المعنى تبدو لي قراءة رسائل غسان كنفاني ضرورة للروائيين الشباب....حيث يطلعون على صورة حية لحياة شهيد حقيقي بعيدا عن أقنعة التزوير .....وأعتقد أن ( أنسنة) فكرة الشهيد لا تؤذي القضية ، بل على العكس من ذلك، تساعد كل إنسان على اكتشاف العملاق الذي يقطنه مهما بدا لنفسه أو للذين من حوله مريضا وضعيفا – بالمفاهيم التقليدية- وعاشقا مهزوما كسره الحب حيناً وملأه بالزهو والاعتداد أحيانا ....

    سنكتشف في رسائل غسان أن كلاً منا يستطيع أن يكون مهما لوطنه إذا تبع صوت قلبه بلا وجل حتى النهاية وتخلص من الازدواجية بين المشاعر والسلوك قدر الإمكان، فإذا أحب وطنه حتى الموت مارس ذلك الحب سلوكا ، لا خطبا طنانة على المنابر فقط....

    بهذا المقياس أرى كنفاني شهيدا نموذجيا بالمعنى العالمي والإنساني للكلمة ورسائله تجسد هذا النقاء الثوري البعيد عن (التبتل الاستعراضي) والفساد السري، ولعبة الرصانة الديكورية والأقنعة اللا مقنعة...
    ***
    الوفاء للعهد على نشر هذه الرسائل بعد خروجها من الخاص إلى العام بحيث صارت وثيقة أدبية ...التأسيس لنوع أدبي منتشر في الدنيا بكثرة ويكاد يكون معدوما عندنا هو أدب المراسلات غير الرسمية ، مراسلات الاعتراف : اللون الناقص شبه المفقود في لوحة الأدب العربي . عشق الحقيقة...إحياء ذكرى غسان ...الإعلان عن عاطفة نبيلة تزويرها يدعو إلى الخجل لا كشفها .تكريم الشهيد .....أهذه وحدها تقف خلف رغبتي في نشر رسائل كنفاني؟؟

    ها أنا أستجوب نفسي في لحظة صدق وأضبطها وهي تكاد تتستر على عامل نرجسي لا يستهان به : الفخر بحب رجل كهذا أهدى روحه لوطنه وأنشد لي يوما ما معناه

    مولاي وروحي في يده ..........إن ضيعها سلمت يده

    وأعتقد أن كل أنثى تزهو (ولو سراً) بعاطفة تدغدغ كبرياءها الأنثوي ....وأنا بالتأكيد لا أستطيع تبرئة نفسي من ذلك جزئيا!...ولكني في الوقت ذاته أتساءل : إلى أي مدى تضيف رسائل غسان إلى صورته في الأذهان (أو تنقصها)؟..وأجد بكل الإخلاص أن هذه الرسائل تمنح صورته بعداً إنسانيا جميلاً أخاذاً يذكر بشخصية طالما أحبها غسان هي شخصية (الدكتور جيفاكو) التي أبدعها الأديب الروسي (باسترناك) وكان غسان يحبها كثيرا (قدر كرهي لشخصية حبيبته لارا في الرواية وكانت مستسلمة تركت قدرهما يدمرهما معا ). ولعل غسان كان يعي ذلك حين طلب مني أن أعاهده على نشر تلك الرسائل ذات يوم بعيد كأنه البارحة .إنها وجهه الحقيقي أو أحد وجوهه الأصلية..
    ***
    نعم .كان ثمة رجل يدعى غسان كنفاني...وأعترف لذكراه أن فكرة إحراق الرسائل راودتني مراراً ، وأنا أنشد مع الجوقة ضد المشي بين القبور هربا من الثمن الذي يدفعه كل من يجرؤ على إقلاق راحة الرياء....في ممالك الأقنعة واللاوفاء

    ولكن للرسالة سحرا أبيض لا أسود...يتحول فيها المرء إلى رقعة ملساء نقية اسمها الورقة، وتخط الروح فوقها رموز الصدق...

    الرسالة جموح القلب إلى المستحيل،وشهية الأشواق إلى تقمص اللغة حتى البقاء . والمظروف أحد أكفان لحظات الخلود الصغيرة، حين لا يخطر ببال المرء أنه سيتحول من رجل إلى طابع بريد!..ومن عاشق إلى شهيد...

    وإلى جانب النرجسية الصغيرة التي لا يخلو منها أحد (بعضنا يعترف وبعضنا يكابر) ، ثمة شعور بالجميل أحمله نحو غسان الصديق وسبق لي أن عبرت عنه في حواري مع الدكتور غالي شكري- الذي صدّر به كتاباً نقدياً له عني- منذ خمسة عشر عاما .

    وهو شعور بالجميل لا يزيده الزمن إلا تأججا وسطوعا ....ذات يوم، كنت وحيدة ومفلسة وطريدة،وحزينة، فشهر بعض (الأصدقاء) سكاكينهم بانتظار سقوط (النعجة) – على عادة الدنيا معنا- ....يومها وقف كنفاني إلى جانبي وشهر صداقته...كنت مكسورة بموت أبي ، ومحكومة بالسجن لذنب أفخر به، ولكن غسان أنجدني بجواز سفر، ريثما صدر أوائل السبعينات عفو عام شملني....
    ***
    نعم .كان ثمة رجل يدعى غسان كنفاني..ورسائله تستعصي على التجزئة –باستثناء المقاطع السياسية منها التي سبق أن نشرتها في المجلة التي أسسها بنفسه-تخليداً لذكراه في مناسبة سابقة...

    أما ما تبقى من الرسائل، فأترككم معها دون أن أنسى التعبير عن أسفي لحريق بعضها(بعض رسائل عام 1968-1969)يوم احترق بيتي في بيروت خلال الحرب مطلع عام 1976.ولو لم أكن قد احتفظت بهذه الرسائل في لندن –مصادفة-لذهبت هي أيضا طعمة للنيران...وكل ما أتمناه هو أن أرى رسائلنا كلها منشورة معا كما حلمنا يوماً..رسائلي ورسائله،حتى تلك التي احترقت!...

    ولعلي كنت حنثت بعهدي لغسان على نشر تلك الرسائل، لو لم أجد فيها وثيقة أدبية وسيرة ذاتية نادرة الصدق لمبدع عربي ، مع الوطن المستحيل والحب المستحيل...وثيقة ثرية بأدب الاعتراف الذي تفتقر إليه مكتبتنا العربية . والرسائل بهذا المعنى تسد نقصا سبقتنا الأمم الأخرى إلى العطاء في مجاله، وتؤسس لنوع جميل من الأدب مازلنا نتهيب أمام بحاره ، ومن أجدر من القلب العربي الثري للخوض في لجته.



    انشريها لا تتركيني أموت!
    عند كوبي المكسور،حزمة أوراق..........وعمر في دفتيها شَمِـيتُ
    احمليهــــا، ماضي شبابك فيهـــــا..........والفتون الذي عليـه شَقِيتُ
    اقرئيهــــــــا،لا تحجبـي الخلد عنها..........انشريهـا،لا تتركيني أموتُ
    عمر أبو ريشة



    ذائع من سره ما استودعك

    ودع الصبـر محب ودعـك..........ذائع من سره ما استودعك
    يا أخـا البدر سناء وسنى.......... حفظ الله زمانــــــــا أطلعك
    إن يطــــل بعدك ليلي فلكم..........بت أشكو قصر الليــل معك
    ولادة بنت المستكفي





    رسالة غير مؤرخة-لا أذكر التاريخ!....لعلها أول رسالة سطرها لي
                  

04-13-2008, 09:36 AM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (Re: مدثر محمد عمر)



    رسالة غير مؤرخة-لا أذكر التاريخ!....لعلها أول رسالة سطرها لي

    غادة..

    أعرف أن الكثيرين كتبوا إليك، وأعرف أن الكلمات المكتوبة تخفي عادة حقيقة الأشياء خصوصا إذا كانت تُعاش..وتُحس وتُنزف على الصورة الكثيفة النادرة التي عشناها في الأسبوعين الماضيين...ورغم ذلك، فحين أمسكت هذه الورقة لأكتب كنت أعرف أن شيئا واحدا فقط أستطيع أن أقوله وأنا أثق من صدقه وعمقه وكثافته وربما ملاصقته التي يخيل إلي الآن أنها كانت شيئا محتوما، وستظل كالأقدار التي صنعتنا: إنني أحبك.

    الآن أحسها عميقة أكثر من أي وقت مضى، وقبل لحظة واحدة فقط مررت بأقسى ما يمكن لرجل مثلي أن يمر فيه ، وبدت لي تعاساتي كلها مجرد معبر مزيف لهذه التعاسة التي ذقتها في لحظة كبريق النصل في اللحم الكفيف...

    الآن أحسها ، هذه الكلمة التي وسخوها ، كما قلت لي والتي شعرت بأن علي أن أبذل كل ما في طاقة الرجل أن يبذل كي لا أوسخها بدوري.

    إنني أحبك: أحسها الآن والألم الذي تكرهينه – ليس أقل ولا أكثر مما أمقته أنا – ينخر كل عظامي ويزحف في مفاصلي مثل دبيب الموت.

    أحسها الآن والشمس تشرق وراء التلة الجرداء مقابل الستارة التي تقطع أفق شرفتك إلى شرائح متطاولة...

    أحسها وأنا أتذكر أنني لم أنم أيضا ليلة أمس، وأنني فوجئت وأنا أنتظر الشروق على شرفة بيتي أنني – أنا الذي قاومت الدموع ذات يوم وزجرتها حين كنت أُجلد – أبكي بحرقة.بمرارة لم أعرفها حتى أيام الجوع الحقيقي ، بملوحة البحار كلها وبغربة كل الموتى الذين لا يستطيعون فعل أيما شيء ...وتساءلت: أكان نشيجاً هذا الذي أسمعه أم سلخ السياط وهي تهوي من الداخل؟

    لا..أنت تعرفين أنني رجل لا أنسى وأنا أعْرَفُ منك بالجحيم الذي يطوق حياتي من كل جانب ، وبالجنة التي لا أستطيع أن أكرهها ، وبالحريق الذي يشتعل في عروقي ، وبالصخرة التي كتب علي ّ أن أجرها وتجرني إلى حيث لا يدري أحد ...وأنا أعرف منك أيضاً بأنها حياتي أنا ، وأنها تنسرب من بين أصابعي أنا ، وبأن حبك يستحق أن يعيش الإنسان له ، وهو جزيرة لا يستطيع المنفيّ في موج المحيط الشاسع أن يمر بها دون أن....

    ورغم ذلك فأنا أعرف منك أيضاً بأنني أحبك إلى حد أستطيع أن أغيب فيه ، بالصورة التي تشائين ، إذا كنت تعتقدين أن هذا الغياب سيجعلك أكثر سعادة ، وبأنه سيغير شيئاً من حقيقة الأشياء.

    أهذا ما أردت أن أقوله لك حين أمسكت الورقة؟ لست أدري..ولكن صدقيني يا غادة أنني تعذبت خلال الأيام الماضية عذاباً أشك في أن أحدا يستطيع احتماله ، كنت أجلد من الخارج ومن الداخل دونما رحمة وبدت لي حياتي كلها تافهة ، واستعجالاً لا مبرر له، وأن الله إنما وضعني بالمصادفة في المكان الخطأ لأنه فشل في أن يجعل عذابه الطويل الممض وغير العادل لهذا الجسد، الذي أحتقر فيه قدرته غير البشرية على الصلابة، ينحني ويموت...

    إن قصتنا لا تكتب ، وسأحتقر نفسي لو حاولت ذات يوم أن أفعل ، لقد كان شهراً كالإعصار الذي لا يُفهم ، كالمطر، كالنار، كالأرض المحروثة التي أعبدها إلى حد الجنون وكنت فخورا بك إلى حد لمت نفسي ذات ليلة حين قلت بيني وبين ذاتي أنك درعي في وجه الناس والأشياء وضعفي ، وكنت أعرف في أعماقي أنني لا أستحقك ليس لأنني لا أستطيع أن أعطيك حبات عينيّ ولكن لأنني لن أستطيع الاحتفاظ بك إلى الأبد .

    وكان هذا فقط ما يعذبني ...إنني أعرفك إنسانة رائعة ، وذات عقل لا يصدق وبوسعك أن تعرفي ما أقصد: لا يا غادة لم تكن الغيرة من الآخرين.....كنت أحسك أكبر منهم بما لا يقاس ، و لم أكن أخشى منهم أن يأخذوا منك قلامة ظفرك .

    لا يا غادة ....لم يكن إلا ذلك الشعور الكئيب الذي لم يكن ليغادرني ، مثل ذبابة أطبق عليها صدري ، بأنك لا محالة ستقولين ذات يوم ما قلتِه هذه الليلة.

    إن الشروق يذهلني ، رغم الستارة التي تحوله إلى شرائح وتذكرني بألوف الحواجز التي تجعل من المستقبل - أمامي – مجرد شرائح....وأشعر بصفاء لا مثيل له مثل صفاء النهاية ورغم ذلك فأنا أريد أن أظل معك ، لا أريد أن تغيب عني عيناك اللتان أعطتاني ما عجز كل شيء انتزعته في هذا العالم من إعطائي . ببساطة لأني أحبك. وأحبك كثيراً يا غادة، وسيُدَمرُ الكثير مني إن أفقدك، وأنا أعرف أن غبار الأيام سيترسب على الجرح ولكنني أعرف بنفس المقدار أنه سيكون مثل جروح جسدي: تلتهب كلما هبت عليها الريح .

    أنا لا أريد منك شيئاً وحين تتحدثين عن توزيع الانتصارات يتبادر إلى ذهني أن كل انتصارات العالم إنما وزِعَت من فوق جثث رجال ماتوا في سبيلها

    أنا لا أريد منك شيئاً ، ولا أريد- بنفس المقدار- أبداً أبداً أن أفقدك.

    إن المسافة التي ستسافرينها لن تحجبك عني ، لقد بنينا أشياء كثيرة معا ً لا يمكن ، بعد، أن تغيّبها المسافات ولا أن تهدمها القطيعة لأنها بنيت على أساس من الصدق لا يتطرق إليه التزعزع.

    ولا أريد أن أفقد ( الناس) الذين لا يستحقون أن يكونوا وقود هذا الصدام المروّع مع الحقائق التي نعيشها...ولكن إذا كان هذا ما تريدينه فقولي لي أن أغيب أنا . ظلي هنا أنت فأنا الذي تعودت أن أحمل حقيبتي الصغيرة وأمضي ...

    ولكنني هذه المرة سأمضي وأنا أعرف أنني أحبك، وسأظل أنزف كلما هبت الريح على الأشياء العزيزة التي بنيناها معاً..


    غسان
                  

04-14-2008, 07:20 AM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (Re: مدثر محمد عمر)


    رسائل غسان كنفاني لغادة السمان- وهاأنذا متروك هنا ، كشيء!


    وهاأنذا متروك هنا ، كشيء!

    كيف تركتك تذهبين؟

    كيف لم تطبق كفاي عليك مثلما يطبق شراع في بحر التيه على حفنة ريح؟

    كيف لم أذوبك في حبري ؟ كيف لم أجعل من لهاثينا معاً زورقنا الواحد إلى نبض الحياة الحقيقي؟

    كيف ذهبت دون أن أحس بك ؟ كيف مرت عيناك في عمري دون أن تتركا على وجهي بصماتهما ؟ كيف لم أتمسك بك ؟ كيف تركتك – يا هوائي وخبزي ونهاري الضحوك- تمضين؟

    أيتها المرأة الطليقة ، يا من قبلك لم أكن وبعدك لست إلا العبث، من بحر عينيك سقيت ضياعي جرعة الماء التي كانت دائماً سراباً ، وفوق راحتيك تعرفتُ إلى مرساتي ووسادتي وليلي.

    يا طليقة ! أيتها المرأة التي مثلك لا يرى، أيها الشعر الذي رف تحت جفني مثل جناحي عصفور ولد في رحم الريح ، أيتها العينان اللتان تمطران خبز القلب وملح السهوب الجديبة ، يا طليقة : كيف انخلعت هكذا عني ؟ كيف شلت مرساتك من عشبي وتركت بحري ؟ بعدِك ليس إلا الخواء، دونك لست إلا قطرة مطر ضائعة في سيل .

    عشت معك حقيقة عمري. ضعت فيك إلى حد لم أصدق أنه قد تمضين، كان ذلك مثل المستحيل ، ولكنك –ذات صباح- غبتِ ، كما لو أن شروقك في جبيني لم يكن!

    وورقة على حافة الفجيعة:

    " غادرت لتوك ، وما زلت أحسك بين ذراعي . راقبت المصعد يهبط ، الضوء ينطفئ ، خطواتك تختفي. وغداً سأراك لأودعك ، ولكن ذلك سيكون مرعباً ، إلا إذا تصرفنا بحذاقة غير إنسانية...هل أقول لك : إلى اللقاء؟ إنها كلمة ليست شخصية بصورة كافية ، تبدو وكأن شخصاً ما قد استعملها قبل لحظة وتركها مرمية هناك. الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أقوله.."

    أيتها الطليقة...

    ذلك كله عبث. الكلمات كلها علكت من قبل أناس آخرين ، ولكن وقع يدكِ على جبيني كان دائماً ولادة لشيء رائع ومتوهج ، مثل ومضة لهب ، كان دائماً شيئاً خاصاً وشخصياً ولا يعوض.

    الكلمات عبث أيتها السحابة التي أمطرت على جفافي موسماً من الخصب ، ولكن في عينيك كانت توجد دائماً الكلمة الجديدة البكر التي لم تصدأ من كثرة ما تناقلتها الشفاه . كانت تولد في قبضة الصمت نبضاً عبقرياً يلتمع بالدهشة .

    الكلمات عبث ، وأنت كنت دائماً لغتي التي لا يفهمها أحد ، وراء التعويذات التي اخترعها أجدادنا وسموها حروفاً وأصواتاً ، لقد كان شعركِ مطري، وراحتك وسادتي ، وذراعك جسري ، وعيناك بحري، وشفتاك كأسي. كان انتظارك عمري ، وحضورك ولادتي وغيابك ضياعي.. وها أنت تذهبين مثلما تعبر ريح الصباح شباكاً مهجوراً : تحييه لحظة ، ثم تعيده إلى الغيب...

    كيف تركتك تذهبين؟ ما الذي سأفعله بعدك؟ أي أرض ستخصب بعدك؟ وأي شباك سيدخل إلى جفافي ويباسي ريح الصبح؟

    سأعلك الندم عمري. ندمك وندمي. لقد نسفنا بأيدينا الشجرة الوحيدة التي صادفناها في رحلة عمرينا ، ولم يبق أمامنا إلا أن نكمل الشوط في قيظ الوحدة التي لا ترحم . أنت وأنا اعتقدنا أن في العمر متسعاً لسعادة أخرى ، ولكننا مخطئون ، المرأة توجد مرة واحدة في عمر الرجل ، وكذلك الرجل في عمر المرأة ، وعدا ذلك ليس إلا محاولات التعويض ، بذل النسيان والندم راقة فوق راقة.

    إن أسعدنا هو أبرعنا في التزوير، أكثرنا قدرة على الغوص في بحر الأقنعة. ننسى؟ ذلك مستحيل ، وأنا - أيضاً - لا أريد أن أنسى . ليس بوسعي أن أطمر الزهرة الوحيدة في عمري هكذا ، لمجرد أنك ذهبت ، وأن أملي في أن ألقاك هو مثل أملي في أن ألقى طفولتي .

    فيا أيتها الطليقة التي حملها جناحاها إلى أرض لا أعرفها، والتي كان علي منذ البدء أن أعرف بأنها ، مثل العصافير، ستضرب في فراغ السماء وجاذبية المدى الذي لا يحده حد ، لست أطمع منك بالعودة . لقد رف جناحاك في زنزانتي وتركا في هوائها الساكن شيئاً يشبه خفق القلب، زرعا في صمتها خفقة طليقة وتركاها تغطس في وحدتها المرة.

    لست أطمع منك بالعودة، فالعصافير لا تسكن أعشاشها مرتين، وحين نفضت عن ريشك كسل القرار عرفت أنا أنك لن تعودي..

    ولكن كيف تركتك تذهبين؟ كيف لم أربط نفسي إليك مثلما ربط السندباد نفسه إلى ريش الرخ؟

    ليس عندي، أيتها الطليقة ، يا خبزي ومائي وهوائي، إلا الندم ، وبعيداً في قراره توجد بذرة للشجرة القادمة


    بلى.

    سأراك مرة أخرى ، ذات يوم. ترانا – يومذاك- سنكسر من حول جلودنا يراقات النسيان التي سنبنيها فوق اللحظات النادرة في حياتنا، كي لا نظل صرعى الخذلان؟

    إن العمر خديعة ، يا طليقة، وإلا كيف يمكن أن يكون عمري معك عمراً وعمري دونك عمراً أيضاً، وكيف يمكن – بعد هذين العمرين –أن أراك مرة أخرى وتكونين أنت وأكون أنا ؟ لماذا لا؟

    ماذا أقول لك؟ إن النسيان هو أحسن دواء اخترعه البشر في رحلتهم المريرة ، ومع ذلك فأنا لن أنساك. أنت تخفقين في رأسي مثل جناحي عصفور طليق، أمام بصري ينتثر ريش الطائر الذي حط وطار ، مثل لمح البصر...

    وها أنذا، متروك هنا كشيء ، على رصيف انتظار طويل، يخفق في بدني توق لأراك، وندم لأنني تركتك تذهبين. أشرع كفيّ اللتين لم تعرفا منذ تركت ، غير الظمأ.

    وأقول : تعالي..

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    سليم : سليم اللوزي

    كريس : كرستوفر ، صديق بريطاني من أصدقائي في لندن ، وكنت مشردة تلك الفترة فتكرم بإعارتي عنوانه البريدي

    وهاأنذا متروك هنا ، كشيء! ... : هذه الرسالة نشر غسان بعضها في ملحق الأنوار الأسبوعي الذي كان يرأس تحريره ، وكتب بعضها الآخر بخط يده على هامش الجزء المنشور. وفي تونس، كتب الأستاذ عبد الرحمن مجيد الربيعي في جريدة الصدى بتاريخ23/9/1990 يقول: أحب أن أذكر أن المرحوم غسان كنفاني عمل في أواخر الستينات رئيساً لتحرير الملحق الأسبوعي لجريدة الأنوار اللبنانية وكان يكتب صفحة أسبوعية فيها. صفحة لا يحلل الوضع السياسي العربي أو العالمي بل يكتب عن خفق قلبه ووجدانه وكل أصدقائه كانوا يعرفون أن تلك الصفحات كانت لغادة وعنها ، فلماذا لا تنشر في كتاب أيضاً سيما وأن هناك لجنة مهتمة بنشر تراثه كاملاً ؟ كما كان غسان يكتب زاوية لنقد الكتب الجديدة ويوقعها باسم فارس فارس ، هذه الكتابات لم تر النور كذلك ويجب أن يحصل لها ذلك.


    صباح يوم28/12/1966أيقظني قرع على الباب . كان غسان واقفاً منهكا،ً وغاضباً ، وناولني هذه الرسالة قائلاً : إنها لك. كتبتها لكِ ، ولكنني خاطبت أختي فايزة فيها لغضبي منك . وتركها بين يدي ومضى..وكانت رسالة بدأ كتابتها في الليلة السابقة ، ليل 27/12/1966 وختمها برسالة أخرى بعد طلوع فجر 28/12/1966.

    صعقني ما ورد فيها فقد كنت ليلتها بحاجة إلى أن أخلو إلى نفسي بعد سهرة مع بعض الأصدقاء ولم يخطر ببالي أن ذلك سيزلزل غسان إلى هذا المدى ..أم تراه خطر ببالي وتعمدته في اللاوعي ؟ أم تراني كنت أريده حقاً أن يقضي سهرته مع أسرته ولذا اقترحت عليه الذهاب مبكراً إلى هناك ووعدته بأن أهتف له لأضمن ذهابه مما أثار شكوكه ؟ هل تعمدت إثارة شكه؟ ما زلت حتى اليوم لا أدري ، ولكنني أذكر جيداً أنني كنت دائماً حريصة على كيانه العائلي بقدر حرصي على استقلالية كياني.
                  

04-17-2008, 05:51 AM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (Re: مدثر محمد عمر)

    كازينو الأندلس - غزة

    ANDALUS CASINO-GAZA

    فندق الأندلس - غزة

    EL-ANDALUS HOTEL-GAZA

    فندق قصر البحر – غزة ت 603

    SEA PALACE HOTEL-GAZA TEL603

    كازينو هويدي – غزة ت 352

    HAWAIDICASINO GAZA TEL352



    غزة في 29/11/1966 Gaza



    غادة

    كل هذه العناوين المسجلة فوق، على ضخامتها ، ليست إلا أربع طاولات على شاطئ البحر الحزين ، وأنا ، وأنت، في هذه القارورة الباردة من العزلة والضجر. إنه الصباح، وليلة أمس لم أنم فقد كان الصداع يتسلق الوسادة كجيوش مهزومة من النمل ، وعلى مائدة الفطور تساءلت: هل صحيح أنهم كلهم تافهون أم أن غيابك فقط هو الذي يجعلهم يبدون هكذا؟ ثم جئنا جميعاً إلى هنا : أسماء كبيرة وصغيرة، ولكنني تركت مقعدي بينهم وجئت أكتب في ناحية، ومن مكاني أستطيع أن أرى مقعدي الفارغ في مكانه المناسب ، موجود بينهم أكثر مما كنت أنا.

    إنني معروف هنا ، وأكاد أقول (محبوب) أكثر مما كنت أتوقع ، أكثر بكثير . وهذا شيء، في العادة ، يذلني، لأنني أعرف بأنه لن يتاح لي الوقت لأكون عند حسن ظن الناس ، وأنني في كل الحالات سأعجز في أن أكون مثلما يتوقعون مني . طوال النهار والليل أستقبل الناس ، وفي الدكاكين يكاد الباعة يعطونني ما أريد مجاناً وفي كل مكان أذهب إليه أستقبل بحرارة تزيد شعوري ببرودة أطرافي ورأسي وقصر رحلتي إلى هؤلاء الناس وإلى نفسي. إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أن كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه ، وذلك كله يشعرني بغربة تشبه الموت وبسعادة المحتضر بعد طول إيمان وعذاب ، ولكن أيضا بذل من طراز صاعق.........

    ولكنني متأكد من شيء واحد على الأقل، هو قيمتك عندي..أنا لم أفقد صوابي بك بعد ، ولذلك فأنا الذي أعرف كم أنت أذكى وأنبل وأجمل. لقد كنتِ في بدني طوال الوقت ، في شفتي، في عيني وفي رأسي. كنتِ عذابي وشوقي والشيء الرائع الذي يتذكره الإنسان كي يعيش ويعود...إن لي قدرة لم أعرف مثلها في حياتي على تصورك ورؤيتك..وحين أرى منظراً أو أسمع كلمة وأعلق عليها بيني وبين نفسي أسمع جوابك في أذني ، كأنك واقفة إلى جواري ويدك في يدي . أحياناً أسمعك تضحكين، وأحياناً أسمعك ترفضين رأيي وأحياناً تسبقينني إلى التعليق ، وأنظر إلى عيون الواقفين أمامي لأرى إن كانوا قد لمحوك معي، أتعاون معك على مواجهة كل شيء وأضع معك نصل الصدق الجارح على رقابهم. إنني أحبك أيتها الشقية كما لم أعرف الحب في حياتي، ولست أذكر في حياتي سعادة توازي تلك التي غسلتني من غبار وصدأ ثلاثين سنة ليلة تركت بيروت إلى هنا .

    أرجوك..دعيني معك. دعيني أراك.إنك تعنين بالنسبة لي أكثر بكثير مما أعني لك وأنا أعرف ولكن ما العمل؟ إنني أعرف أن العالم ضدنا معاً ولكنني أعرف بأنه ضدنا بصورة متساوية، فلماذا لا نقف معاً في وجهه؟ كفي عن تعذيبي فلا أنا ولا أنت نستحق أن نسحق على هذه الصورة. أما أنا فقد أذلني الهروب بما فيه الكفاية ولست أريد ولا أقبل الهروب بعد. سأظل، ولو وُضع أطلس الكون على كتفيّ، وراءك ومعك. ولن يستطيع شيء في العالم أن يجعلني أفقدك فقد فقدت قبلك ، وسأفقد بعدك ، كل شيء.

    (إنني لا أستطيع أن أكرهك ولذلك فأنا أطلب حبك) ..أعطيك العالم إن أعطيتني منه قبولك بي..فأنا، أيتها الشقية، أعرف أنني أحبك وأعرف أنني إذا فقدتك فقدت أثمن ما لديّ ، وإلى الأبد..

    سأكتب لك وأنا أعرف أنني قد أصل قبل رسالتي القادمة، فسأغادر القاهرة يوم 5 كانون وتأكدي : لا شيء يشوقني غيرك.
    غسان كنفاني
                  

04-17-2008, 07:32 AM

Nasruddin Al Basheer
<aNasruddin Al Basheer
تاريخ التسجيل: 12-09-2005
مجموع المشاركات: 4083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (Re: مدثر محمد عمر)

    واصل يا مدثر
    متابعين معاك نثرك لهذا الجمال
                  

04-19-2008, 11:02 AM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (Re: Nasruddin Al Basheer)



    الاخ نور الدين....

    شكرا علي مرورك....

    عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي اهدي لي والدي رحمه الله كتاب الرحيل للمرافئ القديمة ومنذها بدأت في قراءة كتبها حتي اليوم وقد قادتني لغسان وكانها كانت ممرا الي البحر!!!

    غسان كنفاني في سطور..

    ولد غسان كنفاني في مدينة عكا بفلسطين عام 1936 ومن عائلة متوسطة انتقل مع أبويه إلى يافا، حيث تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة تابعة لإرسالية فرنسية ، وقبل أن يكمل عامه الثاني عشر قامت العصابات الصهيونية بمهاجمة المدن الفلسطينية ..فاضطر إلى النزوح مع عائلته المكونة من أبويه وجده وسبعة أشقاء إلى جنوب لبنان وأقاموا هناك فترة من الزمن..ثم انتقلت العائلة إلى دمشق... في بداية الخمسينيات التحق غسان بحركة " القوميين العرب" التي كانت قد طرحت شعار مناهضة الاستعمار .

    في عام 1953 كتب قصته الأولى اسمها " أنقذتني الصدفة" وأرسلها إلى برنامج أسبوعي كانت تبثه إذاعة دمشق تحت اسم "ركن الطلبة" وبالفعل أذيعت القصة مساء 24/11/1953

    ثم نشر قصته الثانية في جريدة " الرأي " عام 1953 واسمها " شمس جديدة" التي تدور أحداثها حول طفل صغير من غزة . في العام نفسه سافر غسان إلى الكويت ليعمل مدرسا..وهناك ومن خلال مشاهدته للصحراء ولأبناء شعبه ..وللعلاقات السائدة ...يختزن في ذهنه مئات الصور ...وليستفيد منها بعد سنوات في روايته الشهيرة " رجال تحت الشمس" التي كتبها عام 1963

    انتقل إلى بيروت عام 1960 حيث عمل محررا أدبيا لجريدة " الحرية " الأسبوعية ثم أصبح عام 1963 رئيسا لتحرير جريدة "المحرر" كما عمل في " الأنوار " تحت اسم مستعار "فارس فارس" ومجلة "الحوادث" حتى عام 1969 وقد نشر بالأخيرة رواية "من قتل ليلى الحايك" و"عائد إلى حيفا" ثم أسس مجلة " الهدف" الأسبوعية وبقي رئيسا لتحريرها حتى استشهاده.

    ففي صباح الثامن من حزيران عام 1972 استشهد غسان على أيدي عملاء إسرائيل عندما انفجرت قنبلة بلاستيكية ومعها خمسة كيلو غرامات من الديناميت في سيارته وأودت بحياته الغالية...تقول زوجته ورفيقة نضاله السيدة "آني": "..بعد دقيقتين من مغادرة غسان ولميس-ابنة أخته- سمعنا انفجارا رهيبا..تحطمت كل نوافذ البيت ...نزلت السلم راكضة لكي أجد البقايا المحترقة لسيارته...وجدنا لميس على بعد بضعة أمتار ..ولم نجد غسان...ناديت عليه ..ثم اكتشفت ساقه اليسرى ...وقفت بلا حراك ..في حين أخذ فايز –ابنه- يدق رأسه بالحائط...وليلى-ابنتنا- تصرخ: بابا ..بابا..لقد قتلوك".

    بقي أن نذكر أن المحققين وجدوا إلى جانب السيارة المنسوفة ورقة تقول " مع تحيات سفارة إسرائيل-كوبنهاجن".

    هذه الورقة لها معناها المحدد وهي تكشف عن جانب مهم من جوانب نضاله السياسي فماذا تعني هذه الرسالة الغامضة؟
                  

04-19-2008, 11:21 AM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (Re: مدثر محمد عمر)

    عزيزتي غادة

    صباح الخير..

    ماذا تريدين أن أقول لك ؟ الآن وصلت إلى المكتب ، الساعة الثانية ظهراً ، لم أنم أبداً حتى مثل هذه الساعة إلا أمس ودخلت مثلما أدخل كل صباح : أسترق النظر إلى أكوام الرسائل والجرائد والطرود على الطاولة كأنني لا أريد أن تلحظ الأشياء لهفتي وخيبتي. اليوم فقط كنت متيقناً أنني لن أجد رسالة منك ، طوال الأيام ال17 الماضية كنت أنقب في كوم البريد مرة في الصباح ومرة في المساء . اليوم فقط نفضت يدي من الأمر كله، ولكن الأقدار تعرف كيف تواصل مزاحها . لقد كانت رسالتك فوق الكوم كله، وقالت لي: صباح الخير ! أقول لك دمعتُ

    منذ سافرتِ سافرت آني ، وإلى الآن ما تزال في دمشق وأنا وحدي سعيد أحياناً ، غريب ٌ أحياناً وأكتب دائماً كل شيء إلا ما له قيمة ...حين كنتِ على المطار كنت أعرف أن شيئاً رهيباً سيحدث بعد ساعات: غيابك وتركي للمحرر، ولكنني لم أقل لك. كنتِ سعيدة ومستثارة بصورة لا مثيل لها وحين تركتك ذهبتُ إلى البيت وقلت للمحرر أن كل شيء قد انتهى.

    إنني أقول لك كل شيء لأنني أفتقدك. لأنني أكثر من ذلك ( تعبت من الوقوف) بدونك.. ورغم ذلك فقد كان يخيل إلي ذات يوم إنك ستكونين بعيدة حقاً حين تسافرين.

    ولقد آلمتني رسالتك. ضننت عليّ بكلمة حارة واحدة واستطعت أن تظلي أسبوعاً أو أكثر دون أن أخطر على بالك، يا للخيبة! ورغم ذلك فها أنا أكتب لك: مع عاطف شربنا نخبك تلك الليلة في الماي فير وتحدثنا عنك وأكلنا التسقية بصمت فيما كان صاحب المطعم ينظر إلينا نظرته إلى شخصين أضاعا شيئاً.

    متى سترجعين؟ متى ستكتبين لي حقاً؟ متى ستشعرين أنني أستحقك؟ إنني انتظرت ، وأنتظر ، وأظل أقول لك : خذيني تحت عينيك..
    غسان
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

    المحرر جريدة المحرر البيروتية ، حيث كان غسان يعمل.

    عاطف صديق حميم من أصدقائي وغسان.

    الماي فير مقهى في الروشة

    التسقية فتة الحمص وكنا نذهب آخر الليل للعشاء في مطعم شعبي يعدها في ( الطريق الجديدة) قرب المقاصد ، حتى صار صاحب المطعم يتوقع حضورنا كل ليلة مع الأصدقاء ، ويعاتبنا إذا غبنا!
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de