|
تحالف قوى الآيدولوجيا الشمولية والمتاجرة بدماء الأبرياء
|
تحالف قوى الآيدولوجيا الشمولية والمتاجرة بدماء الأبرياء قـناة الجزيرة القطرية تخدم أغراضه في المتاجرة بالصراع لا خلاف في أن ما قامت وتقوم به اسرائيل في غزة، من أعمال عسكرية لا تبدو معنية فيها بالتمييز بين المقاتلين من حركة حماس، والمدنيين من الشعب الفلسطيني، من رجال ونساء وأطفال، إنما هو إجرام لا تبرره صواريخ حماس التي لا تلحق بالاسرائيليين سوى بعض الخسائر التي تعتبر قـليلة جدًا إذا ما قورنت بخسائر الشعب الفلسطيني، من جراء العمليات العسكرية الاسرائيلية، ثم إن قيام حماس بضرب المدنيين الاسرائيليين، وإن كان بدوره إجرامـًا، لا يبرر لاسرائيل أن تقوم بدورها بضرب المدنيين الفلسطينيين، وذلك لأن الإجرام لا يبرر الإجرام المضاد، وهذه معلومة أولية في أي قانون جنائي، دوليـًا كان أو محليـًا، الإجرام لا يبرر الإجرام.. ولكن، وحيث أن اسرائيل تزعم، أو من الممكن أن تزعم، أنها تبذل قصارى جهدها لتجنب ضرب المدنيين، وأن مسئوليتها تجاه مواطنيها توجب عليها السعي لايقاف صواريخ حماس التي تسبب لهم الهلع المتواصل، وتلحق بهم بعض الخسائر في الأرواح والممتلكات، وأنها لم تجد وسيلة لايقاف تلك الصواريخ سوى ما قامت أو تقوم به من أعمال عسكرية تحاول فيها تجنب ضرب المدنيين بقدرما تستطيع، فإن من المتصور أن يرى البعض في هذا الزعم بعض الوجاهة، أو بعض المنطق، ولعل ذلك مما ساهم ويساهم في دفع الدول العربية، والمجتمع الدولي، إلى الصمت على ما ترتكب اسرائيل من جرائم.. وبأكثر مما تتضمن حجة اسرائيل، في نظر تلك الدول، من المنطق، يفتـقر إصرار حماس على إطلاق تلك الصواريخ إلى المنطق.. فطالما أن تلك الصواريخ غير قادرة على ردع اسرائيل، أو إخراجها من الأراضي التي تحتـلها، لأنها لا تسبب لها خسائر كبيرة، ثم هي في ذات الوقت تعطيها ذريعة لضرب الشعب الفلسطيني، وتعطي الدول العربية، والمجتمع الدولي، منطقــًا أو حجة يصمتون بها على ضربه، فلماذا تطلق حماس تلك الصواريخ؟؟.. لمصلحة من تطلق تلك الصواريخ طالما أنها لا تردع اسرائيل وفي نفس الوقت تعطيها ذريعة لضرب الشعب الفلسطيني، واحتلال المزيد من الأراضي؟؟.. فإذا قيل أن العقيدة الإسلامية هي التي تقف وراء إصرار حماس على إطلاق تلك الصواريخ، فإن ذلك لا يبدو وجيهـًا، لأن الشريعة الإسلامية لا تجيز إطلاق صواريخ عشوائية دون معرفة من ستصيب، وما إذا كانت ستصيب محاربـًا أم مدنيـًا، مسلمـًا أم غير مسلم، رجلا أم إمرأة أم طفلا، الخ. ومع غموض المنطق أو الحكمة التي يمكن أن تبرر أو تفسر إصرار حماس على إطلاق تلك الصواريخ العشوائية، فإن العديد من الدلائل تشير إلى أن تلك الصواريخ، والتي تبدو في ظاهرها عبثية، إنما تهدف في حقيقتها إلى أمر آخر، هو جر اسرائيل إلى ضرب الشعب الفلسطيني، مما يعني أنها إنما تفتقر إلى الأخلاق وإلى الإنسانية قبل أن تفتقر إلى المنطق أو الهدف السياسي السوي، وذلك لأن حركة حماس، كحركة سياسية، تتوهم أنها تستفيد سياسيـًا من قيام اسرائيل بضرب الشعب الفلسطيني، فبقدرما تقوم اسرائيل بذلك، يزداد حجم التأييد والدعم الشعبي، الفلسطيني والعربي، لحركة حماس، باعتبارها (حركة المقاومة الإسلامية) الفلسطينية، ضد ذلك الإجرام الاسرائيلي، علمـًا بأن من النادر أن تصيب نيران اسرائيل كوادر حماس، ومن الأندر أن تصيب أحد قادتها الذين يعرفون كيف وأين يختبؤون من تلك النيران، بينما يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني المدني، من رجال ونساء وأطفال.. وباختصار فإن حماس إنما تـتاجر بالدم الفلسطيني (دم الأطفال والنساء والشيوخ) حيث تشتري به تأييدًا شعبيـًا واسع النطاق يعينها على بسط نفوذها وسيطرتها على المجتمع الفلسطيني، ويضمن لها الوصول إلى السلطة في أي انتخابات قادمة.. وأما (حزب الله) اللبناني، الشيعي، فرغم أنه، في حرب تموز2006، عندما قام باختطاف الجنديين الاسرائيليين، لم يكن يريد أن تقوم اسرائيل بضرب الشعب اللبناني على نحو واسع كما حدث، لأن مثـل ذلك التدمير الواسع، مع واقع التعددية الدينية والطائفية في لبنان، لم يكن من شأنه أن يحقق كسبـًا سياسيـًا له، وإنما كان يريد أن يتاجر أساسـًا بقضيتي الأسرى ومزارع شبعا، فجاءت الرياح بما لا تشتهي سفنه، إلا أنه مع ذلك، وكما يمكن أن نلاحظ في أفعاله ومواقفه وخـُطبه الحماسية، لا يختلف كثيرًا عن حماس في استغلال العاطفتين الدينية والعرقـية (الإسلام والعروبة) لدى شعوب الدول العربية والإسلامية، وحتى في المتاجرة بدماء الأبرياء، حيثما سنحت لذلك سانحة، بغرض توسيع نطاق ما يلقى من تأييد ودعم شعبي عربي ولعل من المعلوم أن حماس و(حزب الله) نموذجان من قوى الآيدولوجيا الشمولية، في الشرق الأوسط، وأعني بها الحركات السياسية أو الأنظمة التي تقوم على التكتل العقيدي أو العرقي، ويتشكل فكرها السياسي على أساس التحيز العقيدي أو العرقي، وتتطرف في أحلامها وطموحاتها إلى درجة السعي الدائم إلى صنع ما تتوهم من (القوة والعزة والمجد) على أساس فكرها الانحيازي الذي يتناقض مع جوهر الديمقراطية، ولا يكفل حرية الفكر أو الاختلاف إلا في إطار آيدولوجيتها العقيدية أو العرقية الضيقة.. ومن قوى الآيدولوجيا الشمولية أيضـًا النظامان الايراني والسوري، ومنها أيضـًا كافة الحركات السياسية التي تتاجر بالإسلام، أو بالعروبة، وتطلق على نفسها من الأسماء، وترفع من الشعارات، ما من شأنه جذب الجماهير إليها بمجرد العاطفة الدينية، أو القومية، أو كليهما، دونما حاجة لتقديم محتوى فكري يقنع العقول، فمن أمثـلة تلك الأسماء (حركة المقاومة الإسلامية) و(حزب الله) و(حزب البعث العربي) و(الإخوان المسلمون)، ومن أمثـلة الشعارات (الإسلام هو الحل) أو(أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) وما إلى ذلك من أسماء وشعارات خاوية فكريـًا، ومليئة عاطفيـًا، إذ لا تقدم تحت عنوانها محتوىً فكريـًا مفصَّـلا، يوضح المقصود بها على وجه التحديد، ويخاطب عقول الجماهير، ليقنع من يقنع منهم بمعقوليته وايجابيته، بينما تحتشد فقط بمضامين عاطفية تهدف إلى الاستحواز على أكبر عددية ممكنة من الجماهير ثم إن تلك القوى (قوى الآيدولوجيا الشمولية) والتي تحشد الجماهير بخطابها العاطفي، إنما تتصور أن أكبر عائق مشترك أمام أهداف ومصالح كلٍ منها، في الوقت الراهن، إنما هو التدخل الاميركي، والاوروبي، في شئون الشرق الأوسط، وذلك لأنها ترى أنه، من ناحية، ينافسها بثـقافته الليبرالية الديمقراطية، المناقضة لآيدولوجيتها الشمولية، على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، بينما يحد، من ناحية أخرى، من نفوذها عن طريق دعم الحركات والأنظمة الأخرى، المعتدلة نسبيـًا، التي تنازعها وتصارعها حول السلطة والنفوذ في المنطقة.. فالنظام الايراني مثلا يرى أن التدخل الاميركي هو العائق الأكبر (الشيطان الأكبر) أمام توسيع نفوذه، أو قـل أمام تصدير (الثورة الإسلامية) إلى دول المنطقة.. والنظام السوري يرى أن الفكر الليبرالي، المدعوم اميركيـًا، هو العائق الأكبر أمام توسيع نطاق (الفكر القومي) أو هو المسئول الأكبر عن انحسار ذلك (الفكر القومي).. و(حزب الله) بدوره يرى أن التدخل الاميركي يعيق أهدافه من ناحيتين، فهو من ناحية يدعم قوى الفكر الليبرالي (قوى الأكثرية النيابية) التي تنازعه على السلطة والنفوذ في لبنان، وهو من ناحية أخرى يعيق توسيع النفوذ الايراني في المنطقة.. وحماس بدورها ترى دعم اميركا واوروبا والأنظمة العربية المعتدلة نسبيـًا لحركة فتح التي تنافسها على السلطة في فلسطين.. وأما بقية الحركات (الإسلامية) السنية، كالإخوان المسلمين، في مصر، وفي غيرها من الدول العربية، فهي من ناحية ترى أن الفكر الليبرالي الديمقراطي، المدعوم اميركيـًا واوروبيا، هو أكبر منافس لما تتاجر به من طرح آيدولوجي شمولي، تنسبه للإسلام، بينما ترى، من ناحية أخرى، أن الدعم الاميركي والاوروبي للأنظمة المعتدلة نسبيـًا، الحاكمة في أغلب الدول العربية، هو أكبر عائق أمام وصولها هي إلى السلطة في تلك الدول ولكل ما تقدم فإن هناك تحالفــًا مرحليــًا تلقائيــًا ينشأ بين قوى الآيدولوجيا الشمولية، بصورها الثلاث، الإسلاموية السنية والإسلاموية الشيعية والعروبية، لمقاومة التدخل الاميركي والاوروبي في شئون الشرق الأوسط، باعتباره (العدو المشترك الأكبر) لها جميعــًا.. ولذلك فإن صراعها، في الأصل، إنما هو ضد اميركا واوروبا، وليس ضد اسرائيل.. ولكن ولأن الولايات المتحدة واوروبا، وإن كانتا تهتمان بالأمن والاستقرار في كل مكان بصورة عامة، إنما تعملان بصورة خاصة على حماية أمن واستقرار اسرائيل بالذات، باعتبارها دولة النموذج الغربي الديمقراطي في الشرق الأوسط، ثم لأن اسرائيل قد قامت على أراضي عربية واحتلت المزيد منها مما جعلها، لدى الرأي الشعبي العربي العام، عدو العرب الأكبر، فإن استمرار وتأجيج الصراع ضدها إنما يمثـل الورقة الرابحة لقوى الآيدولوجيا الشمولية المتحالفة، المذكورة، تستخدمها في صراعها ضد التدخل الاميركي والاوروبي في شئون الشرق الأوسط، كما تستخدمها في الحصول على المزيد من التأييد والدعم الشعبي العربي.. ومن أجل هذين الغرضين (مقاومة التدخل الاميركي الاوروبي، وكسب التأييد الشعبي العربي) تصر قوى الآيدولوجيا الشمولية على استمرار وتأجيج الصراع ضد اسرائيل، وهي تريد أن تتخذ من لبنان وفلسطين ساحتين دائمتين لهذا الصراع، فإذا تم تحقيق أهم الهدفين المذكورين، وهو الانسحاب الاميركي الاوروبي عن التدخل في شئون الشرق الأوسط، مما يعني التخلي عن دعم الفكر الليبرالي وأنظمة الاعتدال النسبي، مما يتيح لقوى الآيدولوجيا الشمولية، التي تستقطب الجماهير بخطابها العاطفي، أن تصل إلى السلطة في أغلب الدول العربية، فإن من المرجح أن يتهمش دور الصراع مع اسرائيل لأنه يكون عندئذٍ قد حقق أهم أهدافه، غير أن هناك صراع آخر، أشد ضراوة، سينشأ عندئذ، حول السلطة والنفوذ في المنطقة، فيما بين النماذج الثلاثة من قوى الآيدولوجيا الشمولية نفسها، الإسلاموي الشيعي، والإسلاموي السني، والعروبي، ومن المرجح أن تكون الغلبة فيه للنموذج الإسلاموي الشيعي، بسبب تقدم الدولة الايرانية في القوة العسكرية والاقتصادية، على النموذجين الآخرين ولا تختلف التنظيمات الأكثر تطرفـًا، مثل تنظيم القاعدة، عن قوى الآيدولوجيا الشمولية سالفة الذكر، في أهدافها، وإنما تختلف عنها فقط في الأسلوب والوسائل، فهي أقـل ذكاءً، ولذلك تتجه، في صراعها ضد التدخل الاميركي والاوروبي، إلى زعزعة أمن واستقرار الدول العربية، مباشرة، عن طريق التفجيرات وقـتـل الأبرياء من الشعوب العربية نفسها، بغرض إسقاط الأنظمة المعتدلة نسبيـًا مباشرة، أو إرغام التدخل الأميركي والاوروبي الداعم لتلك الأنظمة على الانسحاب، كخطوة نحو إسقاط تلك الأنظمة، بينما تتجه قوى الآيدولوجيا الشمولية سالفة الذكر إلى زعزعة أمن اسرائيل، وجرها إلى ضرب الأبرياء من الشعبين اللبناني والفلسطيني، بحيث تصير اسرائيل هي المسئولة عن قتل العرب والمسلمين.. وبسبب وحدة الهدف، واختلاف الأسلوب، بين قوى الآيدولوجيا الشمولية، سالفة الذكر، والتنظيمات الأكثر تطرفــًا، فكثيرًا ما تجد الأخيرة دعمـًا سريـًا من الأولى.. ومن القوى الإسلاموية السنية، التي تمارس حاليــًا تحالفــًا تلقائيـًا ودعمـًا متبادلا مع ايران وسوريا و(حزب الله) وحماس، التنظيم الاقليمي الموحد للإخوان المسلمين، الذي يقف وراء قـناة الجزيرة، ويوجه خطابها، وبرامجها، ويضع الخطط الدقيقة (المحبوكة) ليجعلها تبدو وكأنها قناة اعلامية محايدة، لا تنحاز لجهة سياسية معينة، وهي في الواقع تهدف أساسـًا إلى خدمة أغراضه، ومنها الدعم الاعلامي لأنظمة وتنظيمات الآيدولوجيا الشمولية سالفة الذكر، بما يتضمن من خدمة وسائلها التي منها المتاجرة بالصراع مع اسرائيل، والمتاجرة بدماء الشعبين الفلسطيني واللبناني.. وليس من الصعب ملاحظة كل ذلك في أداء قناة الجزيرة، في أخبارها وبرامجها المتعددة. إن الصراع في الشرق الأوسط، حاليــًا، إنما هو في حقيقته صراع بين قوى الفكر الليبرالي وأنظمة الاعتدال النسبي، من جانب، وتحالف قوى الآيدولوجيا الشمولية، من الجانب الآخر، فإذا انتصرت فيه قوى الآيدولوجيا الشمولية المتحالفة، لا سمح الله، فسوف تفضَّ التحالف القائم بينها، ويتحول الصراع إلى صراع فيما بينها كما سلف الايضاح.. وأما الإسلام الحقيقي (الإسلام السلمي الديمقراطي الإنساني) فهو غائب ومفقود في الساحة السياسية حاليـًا، بيد أن قوى الفكر الليبرالي، وأنظمة الاعتدال النسبي، إنما هما أقرب إليه بكثير من قوى الآيدولوجيا الشمولية. عبد الله الأمين، المحامي، الخرطوم
|
|
 
|
|
|
|