|
المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ (3) ...د. حيدر ابراهيم علي
|
المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ (3) د. حيدر ابراهيم علي ازدهرت الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ للمفارقة ـ مع عصر تراجع الآيديولوجيات، بسبب انها بشرت في ذلك الوقت بآيديولوجيا التنمية والتقدم. ورغم ان فكرة الديمقراطية السياسية لم تكن ذات اولوية قصوى، باعتبار ان الديمقراطية الاجتماعية ـ الاقتصادية متقدمة عليها وسوف تحل تلقائيا مشكلات التجارب الديمقراطية المتكررة في السودان.
ويعتقد البعض ان الحركة الشعبية تراجعت بعد انهيار المعسكر الاشتراكي عن مواقفها وتوجهاتها الماركسية. ولكن لو اردنا الدقة مع سقوط نظام منقستو هيلامريام في اثيوبيا بالاضافة لزياد بري في الصومال، وفشل تجربة المعلم نايريري في تنزانيا، وغرق انجولا في الحرب الاهلية، وموزمبيق في المجاعة ومشكلات التخلف الاقتصادي وفي نفس الوقت تصاعدت موجة «ديمقراطية جديدة» حسب الفهم الصيني في صناعة غربية! فهي ديمقراطية يمكن ان تكون خالية من التعددية ولكنها تحقق الحكم الراشد. وهي معادلة صعبة فشلت لاحقا او على الاقل ركدت. وقد انجبت موسفيني وكابيلا وافورقي وزيناوي ولم يكن قرنق خارج هذه المدرسة.
على المستوى الداخلي، لم تدخل الحركة الشعبية مثل حركات التحرر الوطني المسلحة الى العاصمة وتستلم السلطة وتهزم «العدو» بالقوة. ولكنها دخلت في مفاوضات مضنية وطويلة، وذلك لان كل طرف يرى نفسه نصف منتصر او على الاقل ليس مهزوما. فليس هناك من يملي شروط المنتصر ولا يوجد من يقبل وضعية المهزوم. ووجدت الحركة الشعبية نفسها جديدة في سلطة سياسية ظل الطرف الآخر يبني فيها منذ يونيو 1989 وحتى يناير عام 2005 اي توقيع اتفاقية السلام الشامل.
سلطة اعطيت صفة التمكين يختلط فيها البشري مع الإلهي والمقدس مع المدنس وبالتالي يصعب فيها تحديد موقف او رؤية. فالكل ممكن وغير ممكن في نفس الوقت. وهنا برز انبتات الحركة الشعبية عن اي مرجعية فكرية جديدة. وجاءت الحركة الى السلطة وهي تفتقد الرؤية والبرامج والآليات في نفس الوقت. وهنا برز انبتات الحركة الشعبية عن اي مرجعية فكرية جديدة. وجاءت الحركة الى السلطة وهي تفتقد الرؤية والبرامج والآليات في نفس الوقت. وحتى الشعار وقد اصبح خاليا من الافكار والتنظير «السودان الجديد» لم يتجسد واقعيا لا في السودان ككل الذي تشارك الحركة الشعبية في حكمه ولا في الجنوب الذي تكاد الحركة تنفرد بحكمه وادارته. وقد كشفت الشراكة انبتات الحركة الشعبية حين نشبت ازمة الشريكين ـ كما سميت في ادبيات الخلاف ـ بين رؤيتين مفترضتين باعتبار تاريخ الطرح الاسلاموي والسودان الجديد. اذ لا يعقل ان تظل حركة او تنظيم سياسي لمدة ثلاث سنوات في حكومة لا يجد فيها اي اثر لرؤيته وبرامجه وسياساته. هذا وضع مستحيل حدوثه لو كان للحركة اي رؤية او مرجعية تعود اليها في تقييم ادائها. فقد استطاع حزب المؤتمر الوطني ان يفرض سياساته البراقماتية ـ فهو بدوره لا يمتلك رؤية ـ ولكن لديه مخططات للاستمرار في الامساك بالسلطة او بالاصح الاستفادة من ثمار السلطة. اذ لم تعد هناك دولة وطنية كاملة السيادة بعد كل التدخلات الاجنبية التي حدثت عقب ازمة دارفور.
حصرت الحركة الشعبية نفسها في الاشخاص ولذلك كانت معركة التعديلات الوزارية. ففي الاحوال العادية يفترض ان يكون اي عضو خاصة لو كان قياديا او وصل لدرجة ترشيحه او تعيينه في مجلس الوزراء، ملتزما برؤية وبرنامج الحركة. ولكن لغياب الإثنين، يظل الجانب الشخصي حاسما. فهناك اعضاء قد يمثلون اجواء عامة تفضلها اغلبية الاعضاء او قد لا يقعون مباشرة في هيمنة الشريك وفقا للاغراءات المعروفة. هذا هو المعيار فقط لمعرفة الالتزام او عدم الالتزام بخط الحركة. وقد اضطرت الحركة في فترة قصيرة الى فصل اعضاء يفترض انه تم تصعيدهم خلال فترة طويلة وبعد تمحيص واختبار.
وما تزال الشخصنة تسود العمل السياسي ولذلك استطاع البعض تكوين مراكز قوى متمحورة حول ذواتهم. وهذا وضع طبيعي في غياب المرجعية اذ يكفي ان تكون مثل هذه الشخصيات ذات براعة في العلاقات العامة وقادرة على ارضاء نزوات معينة لدى الشلة التي تلتف حولها وتمجدها وتلمعها، وترضى بدورها شهوة العظمة والشهرة والضوء.
كان من اكبر اخطاء الحركة وهذا بدوره ناتج عن غياب الرؤية ثم البرامج المفصلة، انها لم تخلع سريعا لباس المقاتل لتتحول الى حركة سياسية مدنية وجماهيرية. وكانت لديها هذه الفرصة بسبب الفراغ الحزبي والسياسي الذي خلقته الانشقاقات والمطاردة وبعض الاحزاب عن قواعدها. وهنا كانت الاسئلة الحقيقية والحارقة: كيف يمكن ان تتحول الحركة الشعبية لتحرير السودان الى تنظيم مطابق لهذا الاسم او الصفة؟ اي ان تتحول فعليا الى حزب سياسي لجميع السودانيين وليس مجرد حركة اقليمية؟
يشترط مثل هذا التحول ان تؤكد الحركة على تاريخها الحقيقي وليس المتخيل. وذلك يعني انتسابها المباشر لحركة التحرر الوطني السوداني التي انطلقت منذ نهاية اربعينيات القرن الفائت. وان تتبنى مشروع القوى التقدمية واليسارية في الحركة الوطنية اي مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية، باعتبارها الشروط اللازمة للنهضة والتقدم بعد الاستقلال. ومن ناحية اخرى كانت هذه العناصر هي التي وقفت الى جانب الحركة في الشمال وقدمتها كحركة مقاتلين من اجل السودان الجديد، وهو ايضا شعار الثورة الوطنية الديمقراطية، وليس كمتمردين كما كان يصفهم رأي عام رسمي وشعبي عريضين. ويمكن القول إن هذه العلاقة والتوجه حكما التعامل منذ عام 1983 وحتى مؤتمر القضايا المصيرية باسمرا عام 1995 ثم تذبذبت العلاقة حتى قبيل اتفاقية السلام الشامل عام 2005م. وبعد ذلك ظهرت عناصر تحاول التشكيك والابتعاد عن الحلفاء الطبيعيين. وساعدت في استفراد الوطني بالحركة، فقد باع لهم المؤتمر فكرة الاتفاق كعجل مقدس لا يمكن نقده او لمسه. حتى كان تصريح باقان اموم هذا الاسبوع والذي اكد على روح ومضمون وجوهر اتفاقية السلام وما التفاصيل الا تأكيد او اضرار بهذه الروح. لذلك اي اختلاف في التفاصيل لا يعني رفض الاتفاق.
لنترك جانب التحالف والاصدقاء والمتعاطفين، ونأتي الى العضوية نفسها: هل استطاعت الحركة تكوين عضوية صلبة وملتزمة ونشطة، وهنا لا نتحدث عن العددية، تساعد في عملية تحول الحركة الى حزب سياسي جماهيري قومي؟
اعتقد ان خطأ الحركة الاستراتيجي كان في تكوين ما يسمى قطاع الشمال. فهو يذكرني بالامانات التي تكونها الاحزاب او المنظمات للمرأة والطفل او ذوي الحاجات الخاصة. اذ لا ادري الحكمة وراء إفراد قطاع للشمال وهل هذا امتياز اضافي ان يكون المرء عضوا في الحركة زائدا كونه في قطاع الشمال ام العكس، كونه من قطاع الشمال انه ناقص العضوية. فالحركة بوعي او لا وعي، تكرس تقسيمات اقل ما فيها من ضرر انها تخلق كيانا موازيا للجسم الاساسي للتنظيم، وهذا ايضا شكل ممكن لمراكز القوى الخطيرة التي تستطيع ان تعزل كل الشماليين عن المجرى الاساسي للتنظيم الام. ويمكن للمؤتمر الوطني ان يكون له قطاع الجنوب لاسباب خاصة به اقلها تعطيل او مراقبة الحركة في الجنوب. ولكن الحركة في اتجاه تحولها الى تنظيم سياسي قومي لا يوجد اي مبرر منطقي مفهوم لمثل هذا التقسيم الانفصالي معكوسا والذي يقلل من قومية الحركة.
وقع في يدي تقييم لوضعية كردستان في العراق بين سقوط صدام ونيلها لشكل من اشكال الحكم الذاتي. وهنا وجه مقارنة مع الجنوب السوداني ولكن الدراسة تتحدث عن عوامل نجاح كردستان والذي نفتقده في تجربة الجنوب. اذ يرى الكاتب نزار آغري ان اهم اسباب نجاح الكرد يعود الى الانشغال بالحال الكردي على ارض الواقع وان تنأى الحكومة الكردية بنفسها عن المزاعم الكبيرة لتقوم بخطوات صغيرة وتدريجية على طريق تطوير كردستان واحداث تغيير في مستوى معيشة الناس الساكنين هناك «صحيفة الحياة اللندنية 1/9/2007م» ومن ناحية اخرى، اشار رئيس الاقليم الى ان مفتاح الحل في مستقبل زاهر للعراق يكمن في نشر ثقافة التسامح وعدم الحنين الى الماضي وجراحاته لان ذلك يجعل الجميع اسرى لعذاباتهم السابقة ويعطل قدراتهم على التبشير بمستقبل افضل للعراق. هل يمكن ان ينسحب مثل هذا الفهم على أبيي مثلا؟ وغدا الهاجس ان تكون كردستان مركزا للتجارة والاستثمار والنمو الاقتصادي وبالفعل تعمل في الاقليم شركات من كل انحاء العالم. وهناك تركيز على اعادة اعمار القرى وزيادة الانتاج الزراعي في الريف. ووصل الاستقرار في كردستان لدرجة تحولها الى مركز ثقافي واسع، وعلى المستوى الشخصي وصلتني دعوة من الاخ فخري كريم لمهرجان ثقافي في اربيل عاصمة الاقليم لم استطع للاسف تلبيتها لكني ارى تجربة الاستقرار والتحول بنفسي.
نجد انفسنا مطالبين بالحوار مع الحركة الشعبية بسبب ادعائنا اننا اصحاب قدر مشترك ولا نريد للحركة ان تحارب لنا معاركنا مع الرجعية والظلامية. ولا نريد ان نتمسح ببندقية الحركة ونلتقط ثمار كفاحها السلمي والمسلح ونحن قاعدون. ولكن لو ارادت الحركة الشعبية تأسيس سودان جديد لا بد لها من عقل جديد يستوعب تاريخها ثم يبني علاقات مع الآخرين ومحاولة التقارب والتحالف والتفاهم دون اقصاء او تعالٍ. وهذا ما اتمنى ان يكون في أجندة من يحضرون للمؤتمر الثاني في مايو القادم.
- د. حيدر إبراهيم علي – مدير مركز الدراسات السودانية.
- نقلاً عن صحيفة (الصحافة) اليومية 23 فبراير 2008م
|
|
 
|
|
|
|
|
|
Re: المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ (3) ...د. حيدر ابراهيم علي (Re: munswor almophtah)
|
نجد انفسنا مطالبين بالحوار مع الحركة الشعبية بسبب ادعائنا اننا اصحاب قدر مشترك ولا نريد للحركة ان تحارب لنا معاركنا مع الرجعية والظلامية. ولا نريد ان نتمسح ببندقية الحركة ونلتقط ثمار كفاحها السلمي والمسلح ونحن قاعدون. ولكن لو ارادت الحركة الشعبية تأسيس سودان جديد لا بد لها من عقل جديد يستوعب تاريخها ثم يبني علاقات مع الآخرين ومحاولة التقارب والتحالف والتفاهم دون اقصاء او تعالٍ. وهذا ما اتمنى ان يكون في أجندة من يحضرون للمؤتمر الثاني في مايو القادم.
- د. حيدر إبراهيم علي – مدير مركز الدراسات السودانية.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ (3) ...د. حيدر ابراهيم علي (Re: munswor almophtah)
|
العزيز منصور..
سلامات ومحبة..
مقال جدير بالقراءة والتفكير فيما حواه..
شكرا للدكتور حيدر إبراهيم الذي أراه ضميرا يقظا. حيث لا إنتماءات حزبية تتنازعه. ولا يسعى لمجد أو جاه. إضافة لمنهجية كتاباته وعمقها المأخوذ من الأحداث اليومية التي يعايشها..
وشكرا لك لإيراد المقال..
* مكتوب (3).. اين المقالة الأولى والثانية؟ هل على أرشيف الصحيفة؟ أتمنى الإتيان بهما لتكتمل الصورة..
لك الود
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ (3) ...د. حيدر ابراهيم علي (Re: Raja)
|
الأستاذه رجاء ولك وعليك السلام
نعم هذا الموضوع وكأنه كتب بإشفا على اللحم الحى ولكن الخدر والعشى حجبن حقيقته عن عقول الجيل ولكنك تعرفين فضل السنكيت وفضل السنام فقد قرأت هذا الموضوع مثنى وثلاث ورباع وما زلت بين جيئة وذهاب إليه أقيس روعة ثغره بودعة من قارعة طرائق التفكير ولك السلام وسأبحث عن ما سبق.............
منصور
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ (3) ...د. حيدر ابراهيم علي (Re: munswor almophtah)
|
العزيز/ منصور المفتاح
شكراً لك على الاهتمام بمقالة الدكتور حيدر إبراهيم علي... لم أجد الحلقة الأولى بأرشيف الصحيفة لأرفد بها البوست. وهاك الحلقة (الثانية)... والتحية عبرك للأستاذة (رجاء)...
المنبتون.. الإسلاميون بين حسن الخاتمة والمكابرة «2» د.حيدر إبراهيم علي
يعتبر الإسلامويون اكبر واخطر المنبتين، ويثير الكثير من مشاعر الأسى والشفقة والشماتة. وفي نفس الوقت يسببون كثيرا من الضرر والخراب للوطن، لسبب بسيط هو انهم ممارسون ومحتكرون لسلطة سياسية دون ان يكون لديهم ما يقدمونه بعد ان انبتوا من مرجعيتهم الإسلامية ولم يقدموا بديلا فكريا او حلولا عملية. وهم بالتالي اسقطوا حيرتهم وتشويشهم الفكري والايديولوجي على وطن باكمله، وصار السودان يتخبط ويرتبك ويتوه حسب اتجاهات ولاة الامر المنبتين. فالانبتات لم يعد مشكلة حركة سياسية او حزب او صفوة بل انتشر في كل مفاصل الاحوال السياسية والادارية والاقتصادية. وهذا ما نحسه ونعيشه كل يوم، اذ لم يعد هناك اي مسؤول مهما كان رفيعا عن توقعاته لما يمكن ان يحدث في الغد. ولا يمكن لاي انسان ان يتنبأ بكيفية صدور قرار سياسي او طريقة تنفيذه، مهما كانت مكانته السياسية وموقعه التنفيذي.
نعود لسؤال المقال السابق وهو ان قضية السودان لم تعد: من يحكم السودان؟ او كيف يحكم السودان؟ ولكن لماذا تريدون حكم السودان؟ وهو سؤال ليس موجها للإسلامويين وحدهم بل لكل من يتطلع لحكم البلاد بعد هذه الكوارث التي اجتاحت البلاد طوال عقدين ، وبعد ان جربوا قبل ذلك في الحكم منذ الاستقلال. وعندما نتابع سياسات الحكم الحالية لابد ان نردد سؤالا «لماذا» اي ماذا تريدون تقديمه للمواطنين؟ وهذا سؤال يستحيل ان يجيب عليه شخص بلا رؤية او فكر، والا فهي نظرية الحكم من اجل الحكم، ويصبح الحكم غاية في حد ذاته.
يساهم الإسلامويون في تعميق الانبتات بسبب اصرار بعضهم بأن الحركة الإسلاموية كتبت نهايتها بيدها بانقلاب 30 يونيو 1989م وبالطريقة التي ادارت بها دولتها والتي وجدتها كاملة وشاملة بين يديها بعد القمع الشاذ والاقتلاع لكل المعارضين والمخالفين حتى اكلت بنيها انفسهم. اكرر دائما بأن الاعتراف بالخطأ فعل انساني شديد الصعوبة للكل واشد مرارة وصعوبة لدى السوداني صاحب ذلك الاعجاب المبالغ فيه بذاته. ولذلك كان من الطبيعي ان تكابر الحركة الإسلاموية وترفض الاعتراف بالموت والافول رغم انه ماثل امام اي صاحب عقل. وافول وموت الحركة ليس شأنا ذاتيا لان بعض الإسلامويين يصرون على مزيد من التدمير للوطن بسبب بقايا متناثرة من افكار تنسب للإسلام وشعارات تكسب انتشارها بسبب الادعاء الإسلامي الذي تدين به الاغلبية كدين وثقافة وليس كحركة فاشلة ومراوغة، وسياسات مضرة وماحقة لكل خير. وهنا نجلس في المركب الغارق حتما مع الإسلامويين المنبتين، ويقودون الناس رغما عنهم وهم بلا بوصلة ولا مجاديف.لا بد لهم من ان يفكوا هذا الارتباط. وهذا يعني التنازل الطوعي عن السلطة وتكوين حكومة وطنية حقيقية وفي نفس الوقت يجد الإسلامويون المنشغلون بالجهاز التنفيذي والادارة فرصة لمراجعة افكارهام وايديولوجيتهم اذا ارادوا مستقبلا لهم وخيرا للوطن. وقد سبقهم إسلامويون في المراجعة والمناقشة ولدينا مثال مصر ومن قبل جماعات لجأت للقتل والارهاب. وفي نفس الوقت، ترفض الحركة الإسلاموية السودانية والتي وصلت بالقوة الى السلطة في مجتمع اعطاها الحريات الكاملة خلافا لبقية رصيفاتها. ولكن حركتنا التي تعودت على احتقار شعبها وتقوم بعمل بنفس ما تفعله حكومتها تجاه الشعب.
ما زلنا نسمع كمواطنين بأننا نعيش في دولة إسلامية ونحكم بشرع الله وان حكومتنا لن تحيد عن النهج الإسلامي. وتتم كثير من الممارسات تحت هذه الادعاءات. بدءا من التبرع لحماس بالملايين وحتى جلد فتاة تلبس تنورة قصيرة مرورا بمنع المغني تامر حسني. وهذا وضع غريب حيث تغيب الفكرة الإسلامية في القضايا الاستراتيجية مثل محاربة الفقر وقضية المساواة والارتقاء بالتعليم والمعرفة، والدور الثقافي الاقليمي، واخلاقية الانتاج، والنهوض الاقتصادي... الخ.
ومن الواضح اننا نعيش دولة إسلامية شكلانية تفتقر الى الفكر والرؤية ولا تستطيع ان تجمع كل هذه الممارسات التي تعتبرها إسلامية في منظومة إسلامية فكرية تمثل مرجعية قوية مقنعة يمكن ان تجد عناصرها في الإسلام، خاصة الإسلام الاجتهادي. ويتحدث بعض الليبراليين الناقدين عن «ديمقراطية بلا ديمقراطيين»، ويمكن ان نتحدث عن السودان عن «إسلامية بلا إسلاميين». وهذا الوضع الانبتاتي ينعكس في اعترافات بعض الإسلامويين السودانيين. وهي خطوة للمراجعة ولكن المتشنجين يرونها تراجعا ليس عن تجربة إسلامية ما بل عن الإسلام نفسه. لذلك، يلوون عنق الحقائق ويلتذون بتخبطهم الفكري.
لا يحتمل حيز المقال متابعة اعترافات بعض الإسلامويين منذ المفاصلة بعد عام 1999م. وبدأت اصوات ناقدة ومراجعة ولكن لم تخرج عن الجانب الشخصي اي ان الدافع يرجع الى ابعاد شيخ ومؤسس الحركة الشيخ حسن الترابي. وبدت المراجعة وكأنها عملية مزدوجة الهدف: تبرئة الذمة الخاصة بهذه المجموعة مع ادانة تلك المجموعة. ونكرر ان القضية ليست اخطاء شخصية بل خللا فكريا عميقا في جوهر الحركة. وذلك، لسبب شديد البساطة لماذا الصمت على خطايا عقد كامل اي في عام 1989 وحتى 1999م والاهم من ذلك طريقة ممارسة نقد تلك الفترة لم يذهب بعيدا. فالخلاف الذي يهمني كمواطن ليس انتخاب الولاة او عدم الانتخاب بل لماذا لجأت الحركة الإسلامية لبيوت الاشباح في مواجهة المعارضين، وهذا مسكوت عنه ضمن اعتى نقاد الحركة الإسلاموية؟ وحتى كيف قبل الإسلامويون انفسهم فكرة الانقلاب على نظام برلماني هم القوة الثالثة داخله؟
هناك التفسير الساذج وقد ردده الشيخ الاسبوع الماضي في قناة الجزيرة، والقائل بأن الغرب والاستعمار لن يسمح لهم بالوصول الى السلطة ديمقراطيا عن طريق الانتخابات! لذلك لجأ الإسلامويون الى الانقلاب العسكري. ولكن الشيخ وكل الإسلامويين لم يجدوا من يسألهم: ولكن هل يسمح لكم هذا الغرب والاستعمار بالوصول الى السلطة بالقوة والانقلاب العسكري؟ لا اظن ان مثل هذه التبريرات يمكن ان يقبلها اي عقل سياسي منطقي. ولكن تبني فكرة الانقلاب تفضح الخلل الفكري الجوهري في الحركة فيما يتعلق بحقيقة الايمان بالديمقراطية. وجد بعض الإسلامويين الشجاعة للحديث عن موت الحركة الإسلاموية ورفعوا الفاتحة وارادوا تكريم الميت وهذه بعض من اخلاق المسلمين عموما. ولكن تصدى لهم بعض المتشنجين والدراويش الذين يريدون ان تلقى الحركة في الفضاء ليأكلها صقور الفساد والاقتصاد الطفيلي والكذب المتناسل والتزييف. ويريد هؤلاء للحركة سوء الخاتمة، وكان يجب ان تغسل اولا بعقد مؤتمر جرئ للنقد والمراجعة يحضره الجميع دون اي استثناء او تحفظ. ثم يمشي بها في موكب جنائزي لائق باخطائها ومحاولاتها ، ثم تدفن وتقرأ عليها الفاتحة مثنى وعشرا. ويمكن ان يتم مواصلة التكريم بالبحث عن حركة إسلامية جديدة تنتمي الى القرن الحادي والعشرين ولم تنتجها ظروف الحرب الباردة ومحاربة الشيوعية. فالحركة الإسلاموية السودانية التي عرفناها لم تكن تأسيسا بل ردة فعل لمحاربة الحركة الشيوعية بين طلاب الجامعات والمعاهد العليا. ولم تخرج عن هذا الرداء حتى عندما وصلت الى السلطة وحكمت لعقدين.
ولا اجد اي حرج في ان اختم بقول احد القياديين الإسلامويين: غازي صلاح الدين، من ورقة «دعوة الى احياء العمل الإسلامي الوطني»، حيث يقول:«ان المشكلات الراهنة التي تواجه التجربة الإسلامية لا يمكن تلخيصها في انها مشكلة قيادات. وانما تسري في اغوار اعمق من ذلك، تسري في البنيات التنظيمية وفي الافكار والنظريات التي تشكلها، وفي سلوك القاعدة والمؤسسات الشورية والقيادية والتنفيذية وتقاليدها الموجهة. لذا فان مقصود الاحياء ينبغي ان يتجاوز المعالجات السطحية وينفذ الى المحركات الروحية والوجدانية، والثقافية الموجهة للجماعة والعمل». الصحافة 16 فبراير 2008م http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515016[/B]
| |

|
|
|
|
|
|
Re: المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ (3) ...د. حيدر ابراهيم علي (Re: munswor almophtah)
|
الأخ منصور المفتاح، تحية طيبة وشكرا لنقل هذا المقال .. يقول الدكتور حيدر:
Quote: نجد انفسنا مطالبين بالحوار مع الحركة الشعبية بسبب ادعائنا اننا اصحاب قدر مشترك ولا نريد للحركة ان تحارب لنا معاركنا مع الرجعية والظلامية. ولا نريد ان نتمسح ببندقية الحركة ونلتقط ثمار كفاحها السلمي والمسلح ونحن قاعدون. ولكن لو ارادت الحركة الشعبية تأسيس سودان جديد لا بد لها من عقل جديد يستوعب تاريخها ثم يبني علاقات مع الآخرين ومحاولة التقارب والتحالف والتفاهم دون اقصاء او تعالٍ. وهذا ما اتمنى ان يكون في أجندة من يحضرون للمؤتمر الثاني في مايو القادم. |
في تقديري أن معظم الجنوبيين الذين هم في الحركة الشعبية أو في أحزاب جنوبية أخرى قد وصلوا إلى قناعة وهي أن فكرة "السودان الجديد" هذه أكبر من أن يتمكنوا هم، كجنوبيين، من تحقيقها.. ولذلك يراهنون على مسألة إستقلال جنوب السودان عند الإستفتاء.. وحتى ذلك التاريخ تجري السياسة بهذه الطريقة المكعوجة.. أما المعارك مع الرجعية والظلامية للأسف لا يقوم بها إلا قلة قليلة من المستنيرين، منهم الدكتور حيدر والدكتور منصور خالد.. بقية المثقفين سلبيون، للأسف..
ياسر
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ (3) ...د. حيدر ابراهيم علي (Re: munswor almophtah)
|
ويعتقد البعض ان الحركة الشعبية تراجعت بعد انهيار المعسكر الاشتراكي عن مواقفها وتوجهاتها الماركسية. ولكن لو اردنا الدقة مع سقوط نظام منقستو هيلامريام في اثيوبيا بالاضافة لزياد بري في الصومال، وفشل تجربة المعلم نايريري في تنزانيا، وغرق انجولا في الحرب الاهلية، وموزمبيق في المجاعة ومشكلات التخلف الاقتصادي وفي نفس الوقت تصاعدت موجة «ديمقراطية جديدة» حسب الفهم الصيني في صناعة غربية! فهي ديمقراطية يمكن ان تكون خالية من التعددية ولكنها تحقق الحكم الراشد. وهي معادلة صعبة فشلت لاحقا او على الاقل ركدت. وقد انجبت موسفيني وكابيلا وافورقي وزيناوي ولم يكن قرنق خارج هذه المدرسة.
د. حيدر ابراهيم علي
| |
 
|
|
|
|
|
|
|