|
تقرير لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب 1955<
|
في مكتبتي المتواضعة تقرير لجــنة التحقيق الإداري في حوادث الجـــنوب عام 1955 (الطبعة الثانية 2005) الصادر عن مركز الدراسات السودانية، ومن أجل الفائدة والاطلاع وفهم مشكلة الجنوب ، يسرني أن أنقل لقراء المنبر الكرام هذا التقرير لما يتضمنه من حقائق تاريخية ، أحسب أنها غائبة عن بعض الجيل الجديد، أثرت في العلاقات بين الشمال والجنوب. يتكون التقرير من 103 صفحة ، وأرجو أن يسمح لي الوقت أن أقوم بهذا العمل حتى نهايته.
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: تقرير لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب 1955< (Re: Gaafar Ismail)
|
مقدمة الناشر: مشروع مركز الدراسات السودانية في نشر سلسلة من الوثائق الخاصة بتاريخ السودان وذلك ضمن إستراتيجيته الفكرية القائمة على الكتابة والتوثيق والتقليل من الشفاهة في المعرفة. كذلك تهدف السلسلة إلى المساهمة في تقوية الذاكرة الوطنية وربطها بالحقائق عوضا عن المعلومات السماعية. والشعوب العظيمة لا تنسى أمجادها ولا خطاياها لذلك تعظم أبطالها وتحاسب مضطهديها دون رحمة. وحوادث الجنوب إحدى الخطايا المشتركة للشماليين والجنوبيين، لذلك رأينا إعادة نشر التقرير – الوثيقة بقصد فهم الماضي ثم تجاوز سقطاته وعدم اجترار المرارات وتخليدها واستدعائها عندما نناقش الحاضر أو نخطط للمستقبل. نتعلم من حوادث 1955 عددا من الدروس والعبر أهمها : ضرورة الالتزام بالعقود والمواثيق التي أقرتها القوى السياسية المختلفة، فقد شهد السودان الكثير من العهود المنقوصة والمنقوضة. ثم الاهتمام الجدي بالتنمية المتوازنة بين كل أجزاء السودان والتركيز على التقدم الاقتصادي والثقافي. فقد تم التخطيط لمشاريع تنموية ولكن لم تنجز رغم كل الموارد الكامنة في الجنوب. الدرس الآخر هو ضرورة الجدية والتحلي بالروح القومية في معالجة مثل هذه القضايا الحيوية. فقد ورد في التقرير أن التنافس الحزبي بين حزبي الأمة والوطني الاتحادي أخذ شكلا عدائيا وقامت الدعاية على إثارة كوامن الماضي في نفوس الجنوبيين وزيادة عدم الثقة بين الشماليين والجنوبيين. كذلك يشير التقرير إلى قصور الحركة النقابية الشمالية في التجاوب مع رصيفتها في الجنوب. وأهم درس في حوادث الجنوب هو سوء تقدير الإدارة السياسية وعدم وجود رؤية إستراتيجية قومية شاملة، فقد كان هناك مؤشرات تنذر بالتوتر واحتمالات الصدام، ولكن القيادة السياسية لم تفطن لذلك. إن نشر التقرير في الوقت الراهن دعوة لعدم تكرار أخطاء الماضي البعيد والقريب، لأن مستقبل السودان لم يعد يحتمل مزيدا من الفرص الضائعة، ويجب أن لا تضيع دماء الضحايا سـدى بل أن نحقق ما حارب من أجله كل طرف أي الوحدة الوطنية والعدالة والمساواة وبناء وطن جديد ديمقراطي يسعى إلى التقدم.
تعيين وجلسات اللجنة: في الثامن من شهر سبتمبر سنة 1955 عين وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء السادة: مستر ت.س. قطران القاضي رئيسا والسيد/خليفة محجوب مدير عام مشاريع الاستوائية والزعيم لوليك لادو زعيم ليريا كعضوين في لجنة تحقيق وذلك وفقا لقانون التحقيق لعام 1954 للقيام بالمهمة التالية: " التحقيق في الاضطرابات الحديثة في الجنوب ورفع تقرير عنها وعن الأسباب التي أدت إل حدوثها". وقد أُشير بأن يجري التحقيق في جوبا وفي أي جهة أو جهات أخرى وفي أي تواريخ وأوقات مناسبة يحددها رئيس اللجنة من وقت إلى آخر على أن تكون جلسات التحقيق علنية أو سرية أو يكون بعضها علنيا والبعض الآخر سريا وذلك حسب ما يتراءى للجنة. وقد أُشير أيضا بأنه في إمكان اللجنة إذا رأت ذلك مناسبا أن تستعين بما لا يزيد عن مستشارين اثنين من ضباط قوة دفاع السودان يعينهم وزير الدفاع. وقد أُعطيت اللجنة السلطات الآتية: - (أ) أن تستدعي أمامها أي شخص تعتقد أن في إمكانه الإدلاء بشهادة تساعدها في التحقيق وأن تستجوبه بعد أداء القسم أو إعطاء التأكيد القاطع بصدق ما يقول. (ب) أن تطلب وتأمر بإحضار كل الكتب والأوراق والوثائق التي تعتبرها ضرورية لغرض التحقيق. (ج) أن تصدر أمرا يلزم بالحضور أي شخص تكون قد استدعته اللجنة ولم يحضر ولم يبين عذرا مقبولا لدى اللجنة. (د) أن تدفع لأي شخص حضر أي جلسة من جلساتها أي مبلغ أو مبالغ ترى اللجنة أن هذا الشخص قد تكبدها نتيجة لمثوله أمامها. قد طلبت اللجنة من وزير الدفاع تعيين مستشارين ليقدما لها النصح في المسائل الحربية وقد عين وزير الدفاع المذكورين بعد: 1- القائمقام محمد بك التيجاني. 2- البمباشي علي حسين شرفي. وقد بدأت لجنة التحقيق جلساتها في الخرطوم. كما قامت بزيارة المديريات الجنوبية الثلاث وعقدت جلسات في المدن والأماكن التي وقعت فيها الحوادث كلما كان ذلك ممكنا. وقد بلغ مجموع الجلسات العادية التي عقدتها ثلاثة وخمسين وكان ذلك في الأماكن الآتية:- الخرطوم 23 جلسة جوبا 16 جلسة ياي 2 جلستان مريدي 3 جلسات يامبيو 1 جلسة توريت 2 جلستان قرية جامبو 1 جلسة ملكال 3 جلسات واو 2 جلستان وزيادة على ذلك فقد زارت اللجنة الأماكن الآتية: أمادي، لوكا، أنزارا، كفلو، كتري، قيلو، وكبويتا. ومن المؤسف أن عددا قليلا من السودانيين قد تطوع للإدلاء بشهادته. وقد استدعت اللجنة الأغلبية. وقد حاولنا الاستماع إلى اكبر عدد ممكن من ممثلي الهيئات. ومن بين الكثيرين الذين نجوا من الاضطرابات الحديثة استمعنا إلى زعماء قبائل وكتبة وجنود وسياسيين ورجال إرساليات ورؤساء أحزاب وأعضاء من البرلمان. وعلاوة على الشهود الذين استمعنا إليهم بعد أداء القسم فقد استدعينا الكثيرين لإحضار وثائق. وزيادة على ذلك فقد أُحضر لنا أربعة وعشرين ملفا حكوميا لها صلة بكل النواحي الإدارية في الجنوب . ولو مثل اللجنة النائب العام أو محامون آخرون كممثلين للجهات التي يهمها الأمر لساعد ذلك سير التحقيق مساعدة ملموسة.
| |

|
|
|
|
|
|
Re: تقرير لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب 1955< (Re: Gaafar Ismail)
|
مقـدمة: ربما يكون من المفيد للقارئ أن يعرف شيئا عن جغرافية ومواصلات وتاريخ وسكان الجزء من القطر الذي يتناوله هذا التقرير وقد قصدنا بما يلي أن نعطي صورة موجزة تحقق ذلك. 1- إن السودان الجنوبي رقعة واسعة من الأرض تبلغ مساحتها ما يربو على ربع مليون ميل مربع وتقع جنوب خط عرض 10 شمالا وتمتد إلى خط عرض4 .وتختلف النباتات فيها باختلاف الأمطار التي يتراوح مقياسها بين 30 و60 بوصة في السنة. وكلما توغلت جنوبا تتكاثف الغابات كطبيعة الأراضي الاستوائية. ويجري النيل الأبيض وسط هذه الرقعة ، ويطلق عليه اسم بحر الجبل قبل وصوله لبحيرة "نو". وهنالك هضبة غرب بحر الجبل تتخللها بعض الجبال. ويتكون الجزء الجنوبي الشرقي من سلاسل جبال ضخمة هي الأماتونق والدنقوتونا واللافيت.وتوجد في جنوب ملكال مستنقعات كبيرة عاقت سير الملاحة في بعض الأزمان. ويحد جنوب السودان من الجهة الجنوبية الكنغو البلجيكي ويوغندة وكينيا ومن الجهة الشرقية إثيوبيا ومن الجهة الغربية إفريقيا الاستوائية الفرنسية. 2- تختلف طرق المواصلات في جنوب السودان باختلاف الجهات. ففي مديرية أعالي النيل، إذا استثنينا الأنهار الصالحة للملاحة، فإنه من المتعذر استعمال العربات لمدة تقرب من التسعة أشهر في السنة. ويصلح نهر سوباط للملاحة في الفترة ما بين يونيو وفبراير. أما نهر بيبور أسفل أكوبو فيصلح للملاحة من يونيو إلى يناير ومن نقطة بيبور إلى أكوبو فإن الملاحة ممكنة من سبتمبر إلى أكتوبر. ويصلح نهر بارو أسفل جمبيلا للملاحة من يونيو إلى أكتوبر. وليست مديرية بحر الغزال بأصلح حالا من أعالي النيل فإذا استثنينا طريق العربات الصالح للاستعمال طول السنة بين واو وجوبا فإن النهرين الوحيدين الصالحين للملاحة هما نهر الجور أسفل واو من أغسطس إلى أكتوبر وبحر الغزال من مشروع الرق إلى وانق كاي من أغسطس إلى إبريل. أما المديرية الاستوائية فإن بها طرقا للعربات صالحة للاستعمال طول العام تربط مراكزها ببعضها البعض . وتنظم الخطوط الجوية السودانية سفريات جوية مرتين في الأسبوع لجوبا وملكال ومرة واحدة لواو. وفيما عدا ذلك فإن السفريات العادية بين شمال السودان وجنوبه تقوم بها البواخر النيلية. ويمكن السفر عن طريق البر لمدة ثلاثة أشهر في السنة عن طريق مديرية دارفور في الغرب أو جنوبا إلى ملكال وجوبا وقل ما تستعمل هذه الطرق البرية. 3- تسكن جنوب السودان قبائل شتى من الزنوج، ففي مديرية أعالي النيل وجزء كبير من مديرية بحر الغزال ينتمي أغلبية السكان إلى أحدى القبائل الثلاث الشهيرة : الدينكا ، النوير والشلك ويطلق علماء الأجناس على هذه القبائل اسم القبائل النيلية. يوجد في المديرية الاستوائية ما لا يقل عن أربعين قبيلة لكل منها تقاليدها وعاداتها ومعتقداتها الخاصة وأكثرها عددا الزاندي والباريا. ويتحدثون بلغات ولهجات مختلفة وتتفاهم هذه القبائل مع بعضها البعض بنوع من اللغة العربية الركيكة. وقد باءت المحاولات التي بذلت لجعل اللغة الإنجليزية أو اللغات الأخرى كوسيلة للتفاهم بين هذه القبائل المختلفة بالفشل. إن أثر الحضارة عربية كانت أو أوربية على سكان جنوب السودان ضئيل جدا وخاصة القبائل النيلية التي تقطن مديريتي أعالي النيل وبحر الغزال وذلك نسبة لطبيعة بلادهم ووضعهم الجغرافي وهم لذلك من أكثر سكان العالم تأخرا وشديدو التمسك بخصالهم وقوانينهم وتقاليدهم وعاداتهم القبلية. وهم أيضا شديدو المحافظة وغير سريعي التأثر بالمؤثرات الخارجية. وتشتهر القبائل النيلية بأن لها صفة المحاربين. وكانت الغزوات القبلية فيما مضى كثيرة تشنها القبائل القوية على الضعيفة. وقد وقفت هذه الحروب القبلية في الوقت الحاضر ولكن خطر تكرارها ما زال موجودا وأن السلطات متيقظة دائما لتفادي حدوثها. وللقبائل النيلية عدد كبير من الأبقار كما تملك قبائل شرق الاستوائية قليلا منها وتقوم بزراعة الذرة للغذاء. أما سكان غرب الإستوائية فليست لديهم ماشية وذلك نسبة لتواجد ذبابة مرض النوم. 4- لا يعرف عن تاريخ جنوب السودان قبيل سنة 1820م إلا النذر اليسير. ولكن بعد سنة 1850م ابتدأ كثير من الأوروبيين رحلاتهم لاكتشاف منابع النيل. وقد حاول المصريون أن يمدوا نفوذهم جنوبا بإنشاء نقاط على النيل حتى البحيرات الكبرى. وقد استعان خديوي مصر بخدمات كثير من الأوروبيين لتحقيق هذا الهدف وعين بعضهم كمديرين للاستوائية. وتعرف الحقبة التي سبقت 1885م بالتركية والحقبة بين 1850 وسنة 1898 بالمهدية.واشتهرت هاتان الحقبتان فيما يختص بجنوب السودان بغارات جلب الرقيق التي قام بها السودانيون الشماليون والمصريون. وقد بلغت تجارة الرقيق ذروتها في عهد الزبير باشا وابنه سليمان اللذين كانا بمثابة حكام بحر الغزال الأصليين. وقد نجم عن تجارة الرقيق هذه شعور كراهية شديدة للشماليين وخوف منهم. وقد استمر هذا الشعور لسوء الحظ حتى الوقت الحاضر. وقد وقفت تجارة الرقيق بعد الفتح المصري الإنجليزي في سنة 1898م. وسنبين مدى الأثر الذي لعبته هذه الحقبة التاريخية – إن كان ثمة أثر لها – في الاضطرابات التي حدثت في الجنوب فيما يلي من التقرير.
سأواصل إن شاء الله.
| |

|
|
|
|
|
|
|