علي هامش التوتر... زيارة للحدود السودانية التشادية(الوجه الاخر للحرب)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2025, 10:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-06-2008, 04:18 PM

mohamed abdelaziz

تاريخ التسجيل: 01-07-2008
مجموع المشاركات: 28

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
علي هامش التوتر... زيارة للحدود السودانية التشادية(الوجه الاخر للحرب)

    على ضفتي وادي كجا ... هنا ينتهي السودان..
    الخط الوهمي الذي يصل طوله لـ«1254» كيلومتراً، ويطلق عليه مجازاً الحدود الفاصلة بين السودان وتشاد، أنشأه الاستعمار، بعد اتفاقية قيلاني «1919» بين سلطان دار مساليت بحر الدين والسلطات الفرنسية
    وكعادة الحدود الاعتباطية، التي لم تراع الفوارق الاثنية أو الثقافية بين المجموعات التي تسكن في تلك المنطقة، فإنها لم تجد الاعتراف الشعبي بها الا في الاطالس الدولية.. فالحدود أعتمد ترسميها في الغالب على تعرجات وادي كجا الرملى، الذي لا يعدو في مناطق كثيرة أن يكون مجرد خور ضيق خاصة في منطقة أسنقا.
    والقاصد للحدود التشادية يجد أمامه العديد من الطرق الترابية غير الممهدة تقود للحدود، وكل يسلك الطريق الذي يتناسب مع غرضه، لذا نجد الطرق تتباين بين المسلوك، وغير المرصود.
    الطريق الترابي الذي يشق حوالى «52» كلم من مدينة الجنينة الى أدري التشادية، يمر عبر أرض مزدانة بشجر الاراك، والعوير، والكثير من الشوكيات في المناطق المنبسطة، ولا يخلو ايضاً من التلال الرملية، والهضاب الصخرية، وما أن وصلت بنا سيارة اللاندكروزر الى نقطة أدكونج الحدودية، التي يسميها التشاديون أيضا أسنقا. حتى بدت قوافل من السيارات ترابض و تهم بعبور الحدود سواء شرقاً أو غرباً.
    ////////////
    العابرون للحدود لا يشغلهم ما بين الخرطوم وأنجمينا، أو صفو العلاقة بين ديبي والبشير، سوى أن الأمر يشكل في بعض الاحيان مصدر قلق لهم خاصة اذا وصل الامر لإغلاق الحدود وعرقلة حركة العابرين بالطرق الرسمية!!، خاصة انه وفي الآونة الاخيرة ضرب شبح الحرب بأطنابه في المنطقة، وعشعش بها.
    وتمتد المعابر والنقاط الحدودية من الطينة السودانية التي تتبع ادارياً لولاية (شمال دارفور)، وحتى أسنقا (أدكونج) بضواحى الجنينة، وبيضة، وكنقو حرازة ووصولاً لفور برنقا، بولاية غرب دارفور.
    قبيلة المساليت تشكل الغالبية القاطنة في هذه المنطقة، سواء في السودان أو تشاد، ولكن هذا لا ينفي وجود الكثير من الإثنيات الاخرى بالمنطقة.
    ما ان هدأ محرك سيارة اللاندكروزر العتيقة القادمة من ضواحي أبشي التشادية، حتى بدأ ركابها في أخذ راحة قصيرة وشرب الماء والعمل على الاسترخاء تحت ظل الاشجار الشوكية القليلة الموجودة بالمعبر، ريثما يكمل السائق اجراءات الدخول للاراضي السودانية عبر المعبر.
    ومعبر أسنقا الذي يقع في أطراف القرية التي حمل المعبر اسمها، يصادفك ما أن تعبر من جهة تشاد الخور الضيق لتصبح بذلك داخل الدولة السودانية. حيث تستقبلك نقطة توقيف رسمية، من أمام مبنين صغيرين متلاصقين، وينتصب أمامهما العلم السوداني. ومن هناك يمكن أن تلمح مدينة أدري التشادية، ويمكن أيضاً تحديد حتى لون الطلاء الذي دهنت به نوافذ المدرسة التي تقع في أطراف المدينة.
    والمعبر لا يكاد يهدأ، باستثناء فترات التوتر واغلاق الحدود، ووسط حركة القادمين والمغادرين من وإلى السودان قررت التوجه نحو القادمين لتوهم من تشاد عبر سيارة اللاندكروزر العتيقة.
    التقيت بأكبرهم سناً ورحبت به، وسألته عن سبب قدومه الى هنا، بعد أن تقربت اليه وشرحت له طبيعة مهمتي، وأزحت أي شكوك أخرى قد تكون طافت بذهنه. فرد علىّ قائلاً بأنه ينوي زيارة والدته المقيمة لأكثر من «62» سنة بمنطقة «42» القرشي بولاية الجزيرة. وأشار أيضاً الى أن شقيقه الاصغر يقيم مع والدته هناك، وهو يقوم بزيارتهما من الحين الى الآخر. ورغم أن الطريق وعر الاّ أن الخطر الاكبر يكمن في الحركات المسلحة بالبلدين، التي طالما قطعت عليهم الطريق، وسلبتهم ما يملكون، وقد يصل الامر حد القتل كما قال.
    ادريس حسن قادم من مدينة (أبوقويدم) جنوب أبشي روي لي أنه بصدد السفر الى الخرطوم، للعودة بابن أخيه المقيم بأم بدة، بعد وفاة والده. ومن ثم العودة مرة أخرى الى مدينته للاعتناء بوالده الكفيف.
    لفت انتباهى من الركاب منظر شاب نحيل لم يتجاوز العشرين، ولا يحمل الكثير من الامتعة، جلست بجواره وعرفت أن اسمه أحمد، حاولت معرفة سبب قدومه قال لى في البدء انه بصدد زيارة أقربائه بنيالا، الا أنه ما أن لبث أن كشف عن سره الذي لا يعلمه -حتى- القادمون معه، أو حتى رجال الامن بالمنطقة، فأحمد لم يكن ينوي الرجوع لتشاد، فهو من منطقة (كويلبو) جنوب شرق أبشي، حاول العمل في أبشي ولكنه لم يوفق، فقرر السفر الى نيالا والبحث عن عمل، وأن لم يجد سيركب القطار الى أن يجد عملاً في أي مدينة يمر بها.

    منذ البدء لاحظت أنهما عندما نزلا من العربة جلسا بجوار بعض، وأنهمكا في نقاش حاد بلغة المساليت. بعد أن أكملت جولتي، جئت متأخراً نحوهما، بعد أن سألت عنهما فقيل لى أنهما تجار أجهزة كهربائية. حييتهما وجلست معهما، ولم يكن هناك داعي لأعرفهما عن نفسي فكل من بالمعبر أصبح الآن يعرف حقيقة مهمتي!.
    قال لي أحدهما وأسمه صالح بأنهما يشتريان الاجهزة الكهربائية من مدينة الجنينة، ويبيعانها بمدينة أبشي. وأضاف أيضاً أن اكثر الاجهزة طلباً هي اجهزة التسجيل والمذياع، والمكاوى.
    وأضاف رفيقه بأنهما شركاء يعملان منذ عام ونصف العام في تجارة الاجهزة الكهربائية،بجانب اشرطة الكاسيت. التي وصفها بأنها تجارة رابحة، وقال ان شرائط الفنانة ندى القلعة والفنان محمود عبد العزيز هى الاكثر رواجاً، بجانب شرائط الفنانين الاثيوبيين.صالح أوضح أنهما لا يحملان الكثير من النقود عادة، كما أنهما يعرفان جيداً الاوقات التي يجب الا يتحركا فيها. والطرق التي يجب الا يسلكاها.
    وبعيداً عن نقطة أسنقا الحدودية ونحو الشمال الغربي من الجنينة، توجد مدينة تندلتي، التي تقع على الحدود مباشرة، ولا يفصلها عن تشاد سوى وادي تكسوه الرمال لا يتجاوز عرضه الـ «005» متر، وتقع في الجزء الغربي منه مدينة تشادية صغيرة تسمى (كفروم)، استرعى انتباهي منظر شخصين مترادفين على ظهر (موتر) فأنتظرت حتى وصلا فسألتهما من اين أتيا، فردا باستغراب أنهما كانا في عزاء بالقرية التشادية، وأنتظرا حتى ووري الجثمان الثرى، وها هما يعودان الى تندلتي مرة أخرى.
    الاحساس بالحدود يبدو غائباً تماماً، فالحدود هنا لا تعدو أن تكون خوراً صغيراً إذا تجاوزته أصبحت خاضعاً لنظام سياسي واداري مختلف، فالكثيرون يحملون أوراقاً ثبوتية مزدوجة، وكثيراً ما تجد أن هناك رجالاً من البلدين متزوجين بواحدة من الجنينة، وأخرى بأدري أو ما جاورها من القرى التشادية. والمشهد يبدو بهذا الشكل، تظهر الانظمة السياسية بالخرطوم وأنجمينا كأنها في اتجاه، وما يحدث على ضفتي وادي كجا اتجاه آخر.
    //////
    على غرار ما يحدث فى الافلام الامريكية وحلبات الفورملا ون، تنطلق السيارات بسرعة كبيرة توصف بالتهور احياناً متجاوزة القيزان الرملية والتلال، والاشجار الشوكية، وحتى الحدود ، متخطية لسلطات الانظمة السياسية والادارية، دون ادنى اكتراث. فالامر مجازفة كبيرة للباحثين عن الثروة - دون السلطة- فى ظل وضع بالغ التعقيد، سواء بأقليم دارفور، او شرق تشاد.
    والشمس توشك على المغيب انطلقت اللاندكروزر «البك أب» التابعة لاحدى المنظمات من مدينة الجنينة باتجاه الغرب، يقودها سبعة من المسلحين بسرعة هائلة. بعد (17) كلم من السير، هدأت السيارة سرعتها قليلاً والقت بسائقها الاصلي بعد ان جردته من هاتفه المحمول، فتدحرج على الارض طويلاً قبل ان ينطلق وكأن عفاريت الارض تطارده، لمح ببقايا اشعة الشمس المتقهقرة ظلالاً تتراءى لقرية صغيرة، فاتجه نحوها بكل ما تبقى له من جهد، خشية أن يقرر المسلحون العودة وقتله.
    لحسن حظه فقد وصل الى قرية (كُرتي) التى بها نقطة بوليس، فدون له بلاغ ، تحركت بعدها القوة بعد اخذ اوصاف السيارة المسروقة، حتى وصلت جبلاً صغيراً بالقرب من قرية (جقجقي)، فوجدت المسلحين وهم يهمون بعبور الحدود، فاشتبكت فى معركة شرسة تجاوزت الاربعين دقيقة، تم استخدام المدافع الرشاشة فيها من الطرفين بشراسة مخيفة، غير ان الشرطة استطاعت أن تسترد العربة المسروقة،وتنسحب خوفاً من الاصطدام بالقوات التشادية المتحفزة على الحدود،و التى حتما سيكون قد وصلها صوت المعركة إذا كان لديها قوة قريبة، وقد دخل المسلحون لداخل الاراضي التشادية.
    هذه الحادثة لم تكن الأولى ولا الأخيرة في عبور الحدود بالسيارات المسروقة سواء من دارفور الى تشاد أو العكس، فقد تكررت القصة كثيراً، لدرجة جعلت دائرة المنظمات بوزارة الشؤون الانسانية تعتبر الأمر اكبر مهدد للعملية السلمية بدارفور.
    وبين تدهور الوضع الامني واتهام المنظمات بأنها لا تهتم باجراءات التأمين ولا تقوم فى الوقت المناسب بالتبليغ عن سياراتها المسروقة انتشرت سرقة السيارات وغدت تجارة رابحة. ووصل الامر حد اتهام بعض المنظمات بأنها تمثل مهدداً أمنياً في حد ذاتها ، فكثيراً ما تبدر منها تصرفات مريبة تبدو اقرب للتواطؤ مع الجناة حينما تعمد الى تعريض عرباتها للخطف بسبب عدم انصياعها للتوجيهات التي فرضتها الاجهزة الامنية للتقليل من حوادث خطف العربات رغم ان المنظمات تعاني من سرقة عرباتها واحتجاز العاملين فيها ،وقد ضبطت الاجهزة الامنية عدداً من السائقين وهم يقومون بتسليم السيارات للعصابات عبر الحدود مقابل مبلغ لا يقل عادة عن المليون جنيه (بالجديد)، مقابل العربة الواحدة.

    مدينة الجنينة فى المقابل اقامت خندقا حول المدينة للتقليل من حوادث خطف العربات،وحددت أربعة مخارج فقط من المدينة محروسة بقوات الامن للمراقبة والتفتيش.
    بعض التقارير تشير الى تقلص فى عدد جرائم خطف العربات من «2309» عام 2005م الى «457» عام 2006م بشمال دارفور، فى حين فقدت منظمات الامم المتحدة وحدها حوالي «120» عربة بولاية جنوب دارفور فى عام 2006، و انخفض الرقم الى «105» حتى نوفمبر 2007م.
    والاتجاه الذى تحركت اليه العربة المسروقة يحدد الغرض الذي من اجله نهبت العربة، ففى مدينة الجنينة مثلاً تعد السيارات المسروقة التى تنطلق الى الشمال الغربي، أو للغرب، منهوبة لغرض المال وستدخل تشاد، ومنها سيتم احداث بعض التغييرات على هيكل السيارة قبل الدخول بها للكاميرون او نيجيريا، ومن ثم بيعها، فتشاد عادة ليست سوقا مربحا للسيارات الا بعد (تشليعها) وبيعها كقطع غيار.
    والسيارات التى تذهب باتجاه الشرق او الشمال الشرقى عادة تختطف بواسطة الحركات المسلحة لاستخدامها فى عمليات عسكرية، أو لاي شئ آخر،والملاحظ ان غالبية السيارات التى تتجه الى الشرق من طراز التاتشر.
    بعض سكان الحدود نوهوا الى ان مختطفي السيارات يختارون ضحاياهم بعناية، لذا فهم يميلون الى سرقة الموديلات الحديثة، خاصة التى تتميز بقدرة عالية على السير فى الطرق الصحراوية و غير الممهدة. واضافوا ايضا ان اكثر السيارات المنهوبة من طراز اللاندروفر و اللاندكروزر، و التاتشر.
    وقد اعرب (جيرالد كوفي) المدير الميداني لمنظمة الاغاثة الاسلامية بغرب دارفور في حديثه عن استيائه مما يحدث، فقد تعرضت (4) من السيارات العاملة بالمنظمة للنهب، تمت استعادة اثنتين بواسطة الاجهزة الامنية، والاخريات مصيرهن مجهول، كوفى اوضح ان معظم العربات العاملة فى المنظمة مستأجرة من مواطنين سودانيين.
    وحكى لي (حافظ) احد السائقين (سائق تاتشر) الذين مروا بتجربة النهب، ان خمسة من المسلحين التابعين لاحدى الحركات المسلحة، قد تعرضوا له قرب جبل مون (شمال شرق الجنينة)، وتم اقتياده بالعربة تحت تهديد السلاح الى معسكر كجا بمنطقة برميل، ومن ثم تم اطلاق سراحه هو ومرافقيه من المنظمة بالقرب من شارع نشط بالحركة، ومنحه المسلحون مبلغ (20) جنيهاً (حق مواصلات).
    وفي اجزاء واسعة من شرق تشاد، تسببت الاوضاع الامنية فى فرار الآلاف لداخل السودان، كما خرجت العديد من المنظمات الانسانية منها، ولم يتبق سوى من لديهم ما يكفي من الشجاعة (وربما من الجنون أيضا) للبقاء فى هذا الوضع. وكان أبرز هؤلاء الشجعان «الأطباء الفرنسيين العاملين» مع منظمة (أطباء بلا حدود)،.وهذه المنظمات تعمل في ظل اوضاع أمنية معقدة للغاية منها عدم أمن الطرق وسرقة عرباتها وقتل عامليها ، ولكن كل ذلك لم ينقص من رغبتها في مواصلة العمل الانساني.
    فخلال ستة أشهر فقط، خسرت منظمات الاغاثة شرق تشاد وحدها (26) عربة على يد الخاطفين المسلحين. ووصل الأمر حد اطلاق النار على امرأة اسبانية تعمل مع اليونيسيف عندما سرقت سيارتها حسبما روى لي بعض ابناء المنطقة الذين ذكروا أن السيارة شوهدت في وقت لاحق في السودان، وهي تسير نحو الاراضي السودانية، بعد أن تم نزع لوحاتها، والهوائي الخاص بها.
    وقد لعبت الصدفة دوراً كبيراً فى ان التقى بـ(لين) الفرنسية الشابة التى تدير عمل منظمة (أطباء بلا حدود) الفرنسية بشرق تشاد بمدينة ادري التشادية ،لين أوضحت -بفرنسية احوجتني لترجمة بالانجليزية قام بها رئيس البعثة في السودان- ان الاوضاع بشرق تشاد لا تقل سوءاً عن ما يحدث فى دارفور، فالاوضاع الامنية متدهورة، الامر الذى يفاقم معاناة المنظمات الانسانية، وضحايا الصراع، وقد أبدت لين أسفها الشديد لما يحدث وتفاءلت بتحسن الاوضاع.
    السيد (Jean Vataux) مدير المنظمة بالسودان كشف أن المنظمة فقدت ثلاث سيارات بشرق تشاد فى مدة قصيرة، تم ضبط إحداها بمنطقة قوز بيضة الحدودية السودانية، بعد أن قام المختطفون بالدخول بها للحدود، وتم تسليمها لمكتب المنظمة بشرق تشاد. اما السيارتان الاخريتان فلم يزل مصيرهما مجهولاً،واضافVataux) ) أن سرقة سيارات المنظمات بالمنطقة يعد هاجساً مريعاً للعمل الانساني.
    معظم المواطنين العابرين للحدود اصبحوا خبراء بطرق واساليب سارقي السيارات، فلا يستخدمون إلاّ العربات القديمة، التى لا تصلح للرحلات الطويلة، و خزان الوقود لا يكون ممتلئاً، وبالكاد يكفي للوصول للطرف الآخر، علاوة على ان الرحلات العادية العابرة للحدود تأخذ كل الحيطة والحذر، وتكاد لا تعبر الحدود مع اقتراب مغيب الشمس فان تصل متأخراً خيرا من ألا تصل ابداً!!
    /////
    لا يميز الكثيرون بين مصطلحي اللاجئين(Refugees) والنازحين (Idps)، إلاَّ ان نطاق المكان الذي تمت اليه الهجرة يحدد صفتها، فالأول يعني هجرة من قطر لآخر، والثاني هجرة داخلية.
    وقد شهدت الحدود الوهمية بين الجارتين (السودان وتشاد) العديد من حالات اللجوء ارتبطت معظمها بأحداث العنف التي تعقب تغيير الانظمة السياسية بانجمينا. وتعتبر اول هجرة تشادية منظمة الى السودان كانت في العام 1979 بعد سقوط نظام تمبل باي ودخول «1500» من قبيلة السارا «التي ينتمي اليها تمبل» الى السودان حيث تم استقبالهم بمعسكر ديسة. وتلتها هجرة مجموعة من القرعان العام 1982 للسودان بعد سقوط حكومة جوكوني عويدي الذي ينحدر من ذات القبيلة وللمفارقة فقد ذهبوا ايضاً لديسة.وفي الفترة من 84-1985 تدفق قرابة الـ «226» الف لاجيء بسبب الجفاف بالاضافة الى بعض الاوضاع السياسية التي لم تناسب بعض المجموعات مثل البرقو والتاما والإسنقور والمساليت والزغاوة والداجو والعرب.
    ومنذ العام 2006 تدفقت اعداد كبيرة من اللاجئين بسبب تفاقم الاوضاع فى المناطق الشرقية والوسطي من تشاد، بعد تصعيد المعارضة لصراعها مع حكومة ديبي.ليصل عدد اللاجئين فى معسكر ام شالايا وحدها الى اكثر من عشرة آلاف لاجيء اغلبهم من قبيلة الداجو.
    وبسبب الصراع الأخير في شرق تشاد واقليم دارفور تمركز العديد من اللاجئين بالقرى والمدن الحدودية خاصة بمناطق ارارا وبيضة وام دخن، ورفضوا ان يتلقوا معاملة اللاجئين، وبالتالي الذهاب للمعسكرات المخصصة للجوء وفضلوا دخول المدن والقرى السودانية والالتحاق بأهلهم من حملة الجنسية السودانية، وتشير بعض التقديرات الى ان القرى الحدودية يوجد بها اكثر من «01» آلاف تشادي، بجانب قرابة الـ «5» آلاف من افريقيا الوسطى، بالاضافة الى الآلاف من العرب القادمين من النيجر. ومن اشهر المجموعات التي رفضت الذهاب الى معسكر ام شالايا والتعامل معهم كلاجئين مجموعة عربية يطلق عليها» الماهرية واولاد زيد» وهم يقطنون في منطقة لا تبعد عن الحدود سوى ثلاثة كيلومترات،وعن قراهم الأصلية ليس اكثر من «01» كيلومترات.
    المكان هنا محاصر بالأشجار الشوكية من كل جانب فلا تكاد تظهر مساكنهم البسيطة المكونة من القش والوبر، انطلقت السيارة بحذر داخل التجمع الذي بدا خالياً خاصة وان الوقت كان ظهرا، بحثنا عن الرجال بحذر فهذه المجتمعات ككل المجتمعات الشرقية الذكورية المحافظة لا صوت فيها للنساء، أرشدنا صبي صغير والخوف مشوب بالحذر في عينيه الى شجرة كبيرة، بدت أشبه بديوان تتداعى بعده القوم الينا.
    اخبرنا الحلو وهو كبيرهم ان المقيمين هنا من قريتين تشاديتين هما (طليحة) و (قيلاني) - الأولي هي أكثر قرية تضررت من عملية خطف الأطفال عبر آرش دي زوي- بعد ان تعرضت القريتان لهجوم مسلح دمر منازلهم وتسبب في قتل وإصابة العشرات. الأمر الذي اضطرهم لترك كل شئ والفرار شرقاً تجاه الحدود السودانية في رحلة استغرقت ثلاث ساعات بالاقدام والدخول عبر مناطق (عيش برة) و(خير واجد) و(ام خروبة)، واضاف ايضاً انهم حوالى «0052» اسرة (متوسط الاسرة خمسة افراد). الحلو ومن معه ابدوا سعادتهم بي عندما علموا بأني صحفي، وطالبوني ان اوصل معاناتهم الى العالم، فما يحدث في تشاد لا يقل سوءاً عما يحدث في دارفور - على حد تعبيرهم- واعتبروا ان ازمة دارفور سرقت الاضواء والاهتمام عما سواها.
    في منتصف حديثنا انضم الينا عدد من النساء بدافع الفضول، وعندما عرفن هويتي انهمرت شكواهن عن عدم توافر الغذاء، والوضع الصحي المتردي واصابة العديد من الاطفال بحالات السحائي في الصيف، والاسهال بصورة مستمرة.علاوة على حالات نفوق مفاجيء لما تبقى لهم من ضأن، وشكون من وجود عدد كبير من الافاعي السامة بالمنطقة،والمياه الآسنة -عرفت لماذا يصاب الاطفال بحالات الاسهال- النساء تحدث ايضاً عن بيعهن للحطب لكسب لقمة العيش،اما الرجال فيعملون باليومية في سوق الجنينة وما حولها.
    هؤلاء رفضوا اعتبارهم لاجئين، وقالوا انهم في ارضهم ومع اهلهم الذين لم يتأخروا عنهم، ووقفوا بجانبهم في محنتهم، لذا فهم ليسوا بحاجة للذهاب للمعسكرات فقط الأمر يحتاج للقليل من المساعدات التي طال انتظارها. سألتهم عن علاقتهم بالمعارضة التشادية، فقالوا انهم لا علاقة لهم بالمعارضة او الحكومة.
    أكثر ما لفت نظري في هذا التجمع هو اصرار الجميع على عدم العودة لتشاد مرة اخرى، ويقولون إنهم تعرضوا للطرد والقتل وتدمير القرى، كما ان معاملتهم في المدن التشادية الاخرى طابعها الغالب هو السوء، لذا اتجهوا لدخول الحدود السودانية.. شيخ من بينهم بعد ان روى لي كيف ان العناية الالهية وحدها انقذت حياته بعد ان تم تدمير الجدار الملاصق لفراشه بقذيفة دون سابق انذار قال: (تشاد اصبحت لنا بمثابة القميص القديم الضيق، الذي لم يعد يسعنا!!).
    وبعيداً نحو الجنوب الغربي من ولاية غرب دارفور حيث تجمع الحدود ثلاث دول، بعد مسيرة ست ساعات متواصلة بالسيارة من الجنينة (381 كلم من الجنوب الغربي) وصلنا مساء لمنطقة ام دخن المتاخمة للحدود مع تشاد وافريقيا الوسطى التي حالها ليس بافضل حالاً من تشاد، و ام دخن تعد من أكثر المناطق التي تأثرت بعمليات النزوح واللجوء،خاصة المدينة نفسها (أصبحت معتمدية قبل اقل من عام) و القرى المحيطة بها كـمردف وموتور وسُري ودمبار وماقولا (جنوب ام دخن)و مقن، السريف (شرق ام دخن). وليس من الصعب ان تلحظ نشاط بعض المنظمات في المدينة والقرى التي حولها. كما ان حركة ترحيل اللاجئين للمعسكر الرئيسي ام شالايا (بالقرب من زالنجي) مستمرة.
    و هولاء اللاجئون -حسبما صرح لي بعضهم- امضوا اكثر من عام بالمنطقة، وتبدو المعاناة الكبرى لهم في عدم توافر الغذاءات، الامر الذي اضطر الكثيرين منهم وخاصة النساء للعمل باليومية في بيوت المواطنين للحصول على ما يسدون به رمق اطفالهم.
    ويبدو ان اللاجئين القادمين من افريقيا الوسطي في ام دخن قرابة الـ «2000»، من قبائل القٌلا وسارا وكجكسا ومُولي، قد قدموا من دابا وانقاتو وظهير وكركنجي (شمال و شرق أفريقيا الوسطى). اما اللاجئون التشاديون هنا فهم قرابة الـ «4000» من قبائل الرونقا ودُقل ومُوبي والمساليت، وهم قادمون من مناطق بئر نحل وبرك حجر وحرازة وتيسي. وقد شهدت هذه المنطقة اشرس المعارك بين ديبي ومعارضيه خاصة في نهاية العام السابق،واستيلاء المعارضة على تيسي اهم المدن في الجنوب الشرقي(بوابة تشاد نحو افريقيا الوسطى).
    أم دخن ووسط أمواج اللاجئين الذين من الصعب ان تميز بينهم، خاصة مع عدم وجود أي مستندات لاثبات جنسياتهم. ويتم اللجوء الى وسيلة طريفة لتحديد الجنسية عبر امتحان شفهي لنطق بعض الكلمات والارقام فيما يشبه امتحان اللنغويستك.
    قصص الحدود والعابرين لن تنته ما ظلت الحياة، وان كانت الحرب قد سيطرت على الأحاديث، بآلامها، وعذاباتها التي لا تنتهي، سواء شرق وادي كجا،او غربه، بلاجئيه او نازحيه أو عابريه لأغراض أخري، إلاَّ إن حديث اللجوء واللجوء المضاد له بقية. خاصة ان هناك أكثر من «032» ألف لاجيء سوداني بتشاد على امتداد «007» كلم في شكل شريط موازٍ للحدود، توزعت بها أكثر من «31» معسكراً وتجمعاً، شهدت على فصول من التراجيديا لم تنته حتى الآن.
    ام دخن بالرغم من امكانياتها البسيطة تسعي جاهدة للتنفس، دفع رحيق الحياة فى أجساد أنهكتها الحرب الملعونة ،وأوطان لم تضق بابنائها بقدر ما ضاقت بهم نفوسهم، في منطقة تبدو كمثلث ملعون لا يمل الموت أبدا.ً
    /////

    (عدل بواسطة mohamed abdelaziz on 02-06-2008, 04:22 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de