|
|
 الانسحاب الي الداخل قصة قصيرة للكاتب محمد بدر في انتظار تعليقاتكم
|
الانسحاب إلى الداخل
خرجت من بوابة منزلكم، دلفت إلى بوابة الهجير والصهد والعذاب والضياع، ضياعي الخرافي والذي تناسل من ضياعك المغروس في تربة التلهف، اعرف أن هواية التصوير تنمو بداخلك دون رعاية وانك تقرئين الشعر القديم ومواجد المتصوفة وتحبذين التجول فى شعاب الاولمب كما فعلت ذات يوم، رغم كل ذلك فان الضياع قد شملك وشملني وعدنا القهقرى أعواما عديدة، كانت المعرفة عسيرة وشاقه وبعيدة المنال، وكنت تصرين على اللحاق بي فى عالمي الفوضوي الموبوء بالتحسر، كنت تثيرين أسئلة تبدو إجاباتها عديمة الجدوى، اعرف انك لم تستوثقي من الحقيقة رغم محاولاتك الدائبة حتى الآن، فالاجابة على اى من تلك الأسئلة كان يعنى الذهاب بعيدا فى الخذلان.
اوقفت العربة فى مكان ما بالمدينة ... ( هذا المكان يؤكد بأنني محشور فى زمرة الفقراء لذا انا مدين له) ركبت حافلة الى وسط المدينة، بدأت أجوب الشوارع الممتلئة بالقاذورات والطفح والبشر، ادخل المكتبات كأنني احتمي بعادة قديمه من العاصفة الجديدة، احاول ثم احاول ان اصل الي قرار دون جدوى، هذه الأزمة ستضعني حتما امام القرار، الاحساس بان داخلي منهزم، وبان التاريخ يكتب باجديات لاتمت الى اى من لغات العالم، حتى على المستوى الشخصيى. إحساس قاس ولابد ان اعدو مبتعدا عن منطقة الصراع المحتدم، منذ عرفتك وانت طفلة ثم وانت تكبرين يفاجئك الزمن دوما بانك امام نفسك وتسكنك الحيرة وتنقسمين تماما، تحاولين ايضا الوصول الى قرار، تدورين حول نفسك تتذوقين نفس الطعم ويتكرر نفس المشهد ويعاد نفس السيناريو...
جلست- حين التقيتك – قبالتك تماما، كان داخلك ساكنا كبحيرة تمس النسمة صفحتها مسا رقيقا فتنداح الدوائر ثم تتسع قليلا قليلا واحدة بعد الآخرى، وينعكس ذلك على وجهك المتوهج الأخاذ المريح، وتمتلئ عيناك بذاك البريق الساحر، شئ من الحزن كان يتسلل الي منك دائما حين التقيك. ذاك الحزن اعرفه تماما كالامسيات المطيرة فى خريف الجنوب حزن نبيل يعتريني فاتأكد بأنني حولك وانك بين نفسي وبينى، حين جلست قبالتك تماما، لم اك اتصور ان اغيب عنك بعد ذلك، الحديث بدأ دافئا يفيض بالشجن، كان يعكس مشاعر نابضة ويوقظ في الحنين اليك حتى وانا على بعد قدم واحد منك، اشعر وانا معك بأنني أمارس كل هواياتي .. السفر.. القراءة .. والنظر فى عينيك، كنت انظر اليك وكأنني أراك لأول وهلة أو ربما لآخرة مرة، كنت تبتسمين تلك البسمة التى تدفع بالعالم الى التشبث بالأمل ثم فجأة أرى الدمع يطفر من عينيك، اى تناقض هذا؟، واى تراجع عن الحلم!! هل انت متأزمة الى هذا الحد؟ ومم؟؟. الاسئلة تترى والاجابة المحرمة والتى ظلت طي الكتمان سنوات عدة لاتزال هناك، القصة الطويلة الطويلة والتى بدأت بلامقدمات انتهت حيث بدأت، ثم بدأت مرة اخرى حيث انتهت هكذا وبلا ترتيب مسبق..
انت مشغول ...
لست مشغولا بما هو اهم منك...
خرجت من بوابة الهجير والعذاب والضياع .. دلفت الى منزلكم كان كل شىء فيه يزكرني بتفاصيل قدومي الاول .. غرفتي الصغيرة التى لاتتسع لاكثر من الاصدقاء والكتب والعشق اليافع والاستذكار وكتابة اليوميات وقرأة الشعر والرواية، كان الاب يتحدث الى في بعض الامور ثم فجأة التفت على صوتك ، لا لم تكن تلك التى رأيتها هي انت، تلك كانت لحظة تداعي فيها البناء واهتزت الاركان وساد الاحساس بالحيرة ، لم تكن تلك التى رأيتها فى تلك اللحظة هي انت على كل حال، فجأة ينقلب الوضع، يتفجر الخوف، تتغير النبرة ويبدأ الانسحاب الي الداخل.
- ارجوك لاتفهمني غلط
- وهل كانت هنالك فرصة لافهم شئ ؟.. اى شئ ؟؟
اذن لقد بدأ الحريق...
ركبت حافلة الى وسط المدينة، بدأت اجوب الشوارع، تتراءى لي اللحظات التي اهترأت، اتابع الظلال والناس والأعمدة، ابدو مشوشا وعقلي يرفض الاستيعاب، ويأخذني الآلم عنوة الى حيث لا ادري، وتموت رغبتي فى غرس الاشجار، اكاد اتقيأ، واتوقف قليلا لاستجمع بعضا من قواى ثم لا البث ان اواصل السير الى حيث تقودنى رجلاي.. هل كانت تلك معرفتي وكل مقتنياتي فى هذا الحيز؟ من الذى تجرأ على استباحة النقاط وهي جاثمة على الحروف فخدش حياء الكلمات وحرف المعنى!! انا ام انت !! ام الزمن الذي لايعبأ بأحد ؟؟ لم يعد هناك ثمة احتمال قائم وليس ثمة امل مرتجى .. وبخطى متثاقلة صعدت الدرج، ترددت قليلا ثم واصلت الصعود، ماذا كان على ان افعل فى مواجهة افتعال المواقف والامساك بخناق الاشياء، ماذا كان على ان افعل فى مواجهة التصنت .. لاتبدو لى الامور بذلك الوضوح، واصلت صعود الدرج الذي بدأ لي طويلا ومرهقا وانني لن اصل، اريد ان ارى وايزرا مهما كلفني الامر، وايزرا يالها من فتاة، لماذا تصر على البقاء فى هذا العلو الشاهق؟، ربما لانها لا تعد خططا مسبقة لاى شىء او ربما لانها تصنع ما تريد متى ما ارادت، تقول لي دائما– العالم قائم على الارادة – تقول لي اعرف انك لاتقول شىء لاتعنيه، لن نفترق اردت ام ابيت .. لاتجادل .. العالم قائم على الارادة فجأة وجدت نفسي امامها، اندفعت نحوي يسبقها دفئها وقدرتها على امتصاص الحزن عانقتني على مراى من الجميع.
اجلس .. تفضل .. اين انت ؟ كيف تعيش ؟
- كيف اعيش؟ حسنا .. اكل طعاما تافها .. اتنفس هواء ملوثا .. اعيش تحت ظل حاكم ردىء ...
- ماهي اخبارك ؟ قل لي
- اتعامل مع اشياء متصلة باناس متصلون بحكومة بلا اخلاق ...
- ماذا عن كتاب الآن مورهيد – النيل الازرق؟!
حاولت ان اغير مجرى الحديث ..
- دقيقة اريد ان اعرف يبدو انك فى صراع ..
- لاشئ .. فقط اشعر بان مابداخلي يتحول الى رماد .. وان لاسبيل الى اعادة النار إلى حاله ما قبل الاشتعال .
محمد بدر
ابريل / أكتوبر
1990م
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الانسحاب الي الداخل قصة قصيرة للكاتب محمد بدر في انتظار تعليقاتكم (Re: عاصم احمد محمد أبوحجل)
|
الصديق الجميل عاصم ابو حجل
قبل السلام اشواقنا كتيره وان شاء الله الامور تمام وعذرا للانقطاع فانت ادري
قراءت القصه القصيره ثلاثه مرات تمعنا فيها
المره الاولي لا تحسس نمط الكتابه وخصوصا ان للقصه القصيرة اشكال مختلفه(مختار عجوبه-القصه القصيره السودانيه)
ثانيا لادرك ناصيه اللغة الروائيه وذلك بحكم انني مطلع علي روايات وكتب قصصيه كثيره
ثالثا ادراك كنه المعني العام للقصه والي ماذا يرمي محمد بدر
وتعليقي ان مثل تلك القصص يصعب ان تفككها وانماتقراءها كوحدة متكامله ثم ترجع خطوة للخلف وتنظر مجددا فستتراي لك لوحه تشكيليه احساسك تجاهها مصدر التفكيك
تحياتي ل محمد بدر المبدع الجميل
| |
|
|
|
|
|
|
| |
عاصم احمد محمد أبوحجل
zumrawi
نيازي عبدالله مرحوم احمد
ناذر محمد الخليفة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست